أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد الرحمن تيشوري - دور نظام النقد الدولي في نهب العالم وصنع التخلف 12















المزيد.....


دور نظام النقد الدولي في نهب العالم وصنع التخلف 12


عبد الرحمن تيشوري

الحوار المتمدن-العدد: 3119 - 2010 / 9 / 8 - 09:30
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


دور نظام النقد الدولي في نهب العالم 1-2

نظام بريتون وودز 1945-1971 (السيطرة غير المباشرة):

قبل أن تنتهي الحرب العالمية الثانية كانت علامات النصر بدأت تلوح في الأفق، فبدأ التفكير بإعادة ما دمرته الحرب وتوفير الأنظمة النقدية والمالية والتجارية لإعادة الحياة لاقتصاديات الدول الرأسمالية بعد الخراب والفوضى التي لحقت بها أثناء الحرب، وفي صيف عام 1944 عقد في مدينة بريتون وودز مؤتمر دولي ضم 44 دولة لمناقشة قواعد السلوك النقدي التي يجب الامتثال لها خلال المرحلة المقبلة، وقد كانت الولايات المتحدة هي المهيمنة على هذا المؤتمر كونها المنتصر الأكبر في الحرب وصاحبة أقوى اقتصاد في العالم واكبر دائنة في العالم، وقد نتج عن هذا الاجتماع القرار بإنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أما فيما يتعلق بالدول المتخلفة فقد كانت عبارة عن مستعمرات وأشباه مستعمرات، وبالرغم من حضورها لهذا المؤتمر إلا أن موقفها الضعيف لم يسمح لها أن تعبر عن وجهة نظرها وعن أمانيها في التخلص من التبعية للدول الاستعمارية، فقد صدرت وثيقة الخبراء وهي خالية من أي إشارة إلى المشاكل الحادة التي تعاني منها هذه الدول، وكان ذلك تأكيداً على أن صندوق النقد الدولي أنشأ لخدمة مصالح الدول الرأسمالية الكبرى ولم تعنه المشاكل التي تعاني منها الدول المستعمرة ولم يضع ضمن أهدافه قضايا التنمية لهذه البلدان ولا حتى مساعدتها في تسوية حقوقها لدى دائنيها المستعمرين.
لقد كان هذا النظام الجديد قائم على قاعدة صرف الدولار بالذهب، حيث التزمت الولايات المتحدة الأمريكية بقابلية تحويل الدولار الورقي إلى ذهب (كل دولار = 0.888671 من الذهب) ونتيجة لذلك تحول الدولار ليكون عملة الاحتياط الدولية وبالتالي ثبات أسعار الصرف بين مختلف العملات، واستهدف هذا النظام أساساً حرية التجارة الدولية وإلغاء القيود على المدفوعات الدولية.
وقد تميزت هذه المرحلة التي ساد فيها نظام بريتون وودز بعدة مراحل:
1. المرحلة الأولى 1945-1958:
وهي مرحلة أفول الاستعمار وحصول معظم المستعمرات وأشباه المستعمرات على استقلالها السياسي، ولكن أنظمتها كانت قد ورثت التخلف الاقتصادي والهياكل الإنتاجية المشوهة والفقر والبطالة والمرض. ويلاحظ في هذه المرحلة أن الدول حديثة الاستقلال لم تعاني من مشكلات عويصة في موازين مدفوعاتها، ولم تضطر إلى تخفيض عملتها أو التورط في استدانة خارجية كبيرة وذلك بسبب مرحلة الإنشاء والتعمير التي انشغلت فيها أوروبا بعد الحرب وبالتالي حجم الطلب الكبير لهذه البلدان على المنتجات التي كانت هذه الدول قد تخصصت في إنتاجها (المواد الغذائية- موارد الطاقة- المواد الأولية…الخ) وكذلك الحرب الكورية بالإضافة إلى الرقابة على الصرف، وكان حجم ما تملكه هذه البلدان من مجموع الاحتياطيات العالمية 20% عام 1957 وهو ما كان يتناسب مع نصيبها في التجارة العالمية.


جدول رقم (5)
الغطاء الذهبي للدولار خلال الفترة 1946-1957
ببلايين الدولارات
السنة الأرصدة الذهبية في الولايات المتحدة الأمريكية أرصدة الدولار في الخارج، رسمية وخاصة نسبة الأرصدة الدولارية في الخارج إلى الأرصدة الذهبية
1946
1949
1955
1957 20.6
24.5
21.8
22.8 6.1
6.4
11.7
14.6 29.6
26.1
53.7
64.0
المصدر: الأرقام مأخوذة من: هاري ماجدوف – عصر الإمبريالية، ترجمة عبد الكريم أحمد، دمشق، 1971، ص 1952 + هاشم حيدر – أزمة الدولار، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة وبيروت 1971، ص89.


2.المرحلة الثانية 1958-1965:
تتميز هذه المرحلة بانخفاض الطلب على منتجات الدول المتخلفة وبالتالي فإن السنوات السعيدة لعالم ما بعد الحرب كانت قد ولت بالنسبة لها وكان ذلك بسبب انطفاء الثورة في أوروبا واكتمال عمليات البناء وانتهاء الحرب الكورية، والثورة التكنولوجية التي أدت إلى الاستغناء عن كثير من المواد الأولية بمواد مصنوعة، وأصبحت الكثير من الدول الأوروبية تنتج المواد الغذائية، فعملت على وضع القيود الجمركية ضد هذه المواد، الأمر الذي أدى إلى ضعف السيولة، وبالمقابل فقد احتياج هذه الدول إلى منتجات الدول الأوروبية، ونتيجة لذلك تطور العجز في موازين مدفوعاتها وأصبح يشكل مشكلة خطيرة









جدول رقم (6)
جملة العجز في موازين التجارة للدول المصدرة للمواد الأولية خلال الفترة
1955-1961
السنة الصادرات (فوب) الواردات (سيف) الفرق
1955
1956
1957
1958
1959
1960
1961 23.700
24.900
25.400
24.700
25.800
27.300
27.600 24.300
26.300
29.800
27.800
27.300
29.800
30.700 -0.600
-1.400
-4.400
-3.100
-1.500
-2.500
-3.100
المصدر: د.رمزي زكي: عالم المعرفة، 1987، ص 196، مقتبس عن هيئة الأمم المتحدة 1961

وهذا العجز أصبح منذ ذلك الحين إلى الوقت الحاضر صفة مستمرة لاقتصاديات هذه البلدان، كما أدى انخفاض أسعار العملات الأوروبية نتيجة التضخم إلى انخفاض قيمة احتياطيات هذه البلدان من العملات الأجنبية


جدول رقم(7)
الخسارة الناجمة عن تدهور القوة الشرائية للصادرات كنسبة مئوية
من معونات التنمية
الأعوام الخسارة الناجمة عن تدهور شروط التبادل الدولي (+) معونات التنمية المقدمة من الدول الرأسمالية الصناعية (++) نسبة الخسارة إلى إجمالي معونات التنمية
1961
1962
1963
1964
1965
1966 -1824
-2158
-2109
-2026
-2519
-2752 4996
5390
5914
5947
6203
6430 (+++) 36.5
40
35.7
34.1
40.1
42.8
إجمالي -13388 34880 38.4
(+) قدرت هذه الخسائر الصافية عن طريق متوسط أسعار الصادرات والواردات على اعتبار أن أسعار 1953-1957=100
(++) لا تتضمن هذه المعونات مبالغ معونات التنمية التي قدمتها الدول الاشتراكية ولا المعونات
المقدمة من المنظمات الدولية المتعددة الأطراف (مثل البنك الدولي).
(+++) أرقام تقديرية.
المصدر: د رمزي زكي: عالم المعرفة، 1987، ص 203، اقتباس عن هاري ماجدوف- عصر الإمبريالية، ص 227


وكانت الوسائل المتاحة أمام هذه البلدان لمواجهة هذا العجز هي (إمكانيات السحب من صندوق النقد الدولي-القروض الخارجية-الاستثمارات الأجنبية).
فيما يتعلق بدور صندوق النقد الدولي فقد كان دوره في تغطية احتياجات السيولة هزيلاً ويرجع ذلك إلى ضآلة حجم حصص هذه البلدان في رأس مال الصندوق، فإمكانيات السحب لكل دولة تتوقف على كمية الأموال التي أسهمت فيها في رأس مال الصندوق، وعندما كانت هذه الدول تسعى للحصول على السيولة خارج حدود هذه الشريحة الذهبية كانت تواجه الشروط القاسية التي وضعها صندوق النقد الدولي على هذه الدول (التدخل في توجيهات التنمية والسياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة) هذه الشروط كانت تجعل الكثير من هذه البلدان ترفض التعامل مع الصندوق.
أما بالنسبة لحركة الاستثمارات الأجنبية الخاصة فإن الشطر الأعظم من تحركات الاستثمارات الأجنبية الخاصة على النطاق العالمي بدأ يعمل على التركيز في هذه المرحلة في الدول الرأسمالية الصناعية نظراً لارتفاع معدل الربح في هذه البلدان مقارنة مع الدول المتخلفة بالإضافة إلى العداء الواضح للاستثمارات الأجنبية بسبب الدور السلبي الذي لعبته هذه الاستثمارات في مرحلة الاستعمار في نهب ثرواتها وتشويه هيكلها الإنتاجي. أما الجزء الأخر من هذه الاستثمارات فقد اتجه إلى الدول التي كانت ترتبط مع الدول الغربية بأحلاف عسكرية وباتفاقيات للدفاع المشترك، ولكن حتى تلك الاستثمارات لم تتجه نحو تمويل وإنشاء مشروعات تتطلبها التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل اتجهت أساساً إلى المجالات التي تتناسب مع مصالح الشركات الأجنبية في تعظيم معدل الربح، وظل النمط المفضل لتلك الاستثمارات هو الاستثمار في مجال إنتاج وتصدير المواد الأولية (كالبترول والمعادن والمواد الزراعية) بالإضافة إلى أن هذه الاستثمارات قد أدت إلى نزوح أرباح ضخمة من البلدان المتخلفة إلى البلدان الرأسمالية، فالفائض الذي كانت تحققه هذه البلدان (البلدان المتخلفة) في ميزانها التجاري كان يستخدم في تمويل التحويلات الكبيرة لأرباح ودخول هذه الاستثمارات وهو الأمر الذي زاد من عجز ميزان مدفوعاتها. وأحياناً كانت معدلات الربح التي تخرج من هذه البلدان تفوق الاستثمارات التي دخلت إليها، ففي العام 1965 انسابت من الولايات المتحدة الأمريكية استثمارات مباشرة إلى دول أمريكا اللاتينية تقدر بحوالي 178 مليون دولار ولكن في نفس العام نزحت إلى الولايات المتحدة من هذه الدول أرباحاً تقدر بحوالي 814 مليون دولار.

















جدول رقم (8)
حركة الاستثمارات الأمريكية الخاصة المباشرة بالخارج في عام 1965
البلدان التي اتجهت إليها الأموال القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية الأرباح التي استعادتها الولايات المتحدة الأمريكية الرصيد
كندا
أوروبا
أمريكا اللاتينية
بلدان أخرى* 633
931
178
748 -640
-632
-814
-1428 -7
+299
-636
-680
المجموع 2490 -3514 -1024
(*) تشمل باقي دول العالم بما فيها اليابان واستثمارات دولية، مثل شركات النقل البحري ومؤسسات نقل البترول.
المصدر: ج . م . البرتيني، م . أفولا، ف . لوروج – التخلف والتنمية في العالم الثالث، ترجمة زهير الحكيم، دار الحقيقة للطباعة والنشر، بيروت (بدون تاريخ) ص 115

أما بالنسبة للقروض الخارجية العامة ودورها في سد عجز موازين المدفوعات للبلدان المتخلفة والتخفيف من أزمة السيولة فيها. فنتيجة لضآلة الموارد التي قدمها صندوق النقد الدولي وضعف حركة انسياب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى هذه البلدان خلال تلك الفترة لم يبقى أمامها إلا التوسع في عقد القروض الخارجية الرسمية العامة. والحقيقة أن أزمة المديونية الخارجية التي تعانيها مجموعة هذه البلدان حالياً إنما ترجع جذورها إلى تلك الفترة. فمنذ عام 1958 أصبح الاقتراض سمة أساسية من سمات العلاقات الاقتصادية الخارجية لهذه البلدان وصفة هيكلية في بنيانها الاقتصادي وأسلوباً أساسياً في سد عجزها الخارجي. ولقد تركزت مصادر القروض التي حصلت عليها هذه البلدان من الدول الرأسمالية الصناعية التي وجدت في سلاح القروض أو ما كان يسمى آنذاك "بالمعونة الاقتصادية" أداة فعالة لإحكام طوق التبعية على أعناق هذه البلدان وللتأثير على اتجاهات التنمية فيها وزيادة استغلالها.
فمن جهة تدل الوقائع التاريخية أن جزءاً كبيراً من تلك "المعونة" كان يوجه للأغراض العسكرية وتقوية الأحلاف والقواعد الاستراتيجية. وبالتالي تنشيط صناعة وتجارة الأسلحة التي أصبحت بعد الحرب نشاطاً اقتصادياً هاماً بالنسبة للدول الرأسمالية .
ومن جهة ثانية، شهدت السنوات الأولى من هذه المرحلة سخاءً لا بأس به في إمداد مجموعة البلدان المتخلفة بالقروض الحكومية، وخصوصاً المتوسطة وطويلة المدى، وذلك لتشجيع صادرات الدول الرأسمالية إلى تلك البلدان. وكان سعر الفائدة على هذه القروض يتراوح ما بين 4% و5% ثم تصاعد السعر بعد ذلك، مع اتجاه حجم القروض للانخفاض.
وقد كانت أهداف المساعدات الخارجية الأمريكية في تلك الفترة :
1. تنفيذ السياسات العسكرية والسياسية للولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد العالمي.
2. إملاء سياسة الباب المفتوح من أجل حرية الوصول إلى المواد الأولية والتجارة، وزيادة فرص الاستثمار أمام الشركات الأمريكية.
3. ضمان أن يتم النمو الاقتصادي في البلدان المتلقية لهذه المعونة بشكل متأصل الجذور في الأساليب والطرق الرأسمالية.
4. تحقيق مكاسب اقتصادية مباشرة للشركات الأمريكية التي تسعى وراء أهداف التجارة والاستثمار في تلك البلدان.
5. جعل البلدان المتخلفة المتلقية للمساعدة أو المعونة معتمدة بصورة متزايدة على أسواق الولايات المتحدة الأمريكية وأسواق الدول الرأسمالية الأخرى.



جدول رقم (9)
مجموع الديون الخارجية العامة والمضمونة المستحقة
على 97 بلداً متخلفاً في عام 1965
المناطق مبالغ مصروفة مبالغ غير مصروفة مجموع
أمريكا اللاتينية
آسيا الجنوبية والشرق الأوسط
الشرق الأقصى
إفريقية
جنوب أوروبا
مجموع المناطق المذكورة
مجموع بدون جنوب أوروبا 9.4
8.5

2.5
4.0
2.9
27.3

24.4
2.5
2.8

2.0
1.0
0.8
9.1

8.3 11.9
11.3

4.5
5.0
3.7
36.4

32.7

المصدر: البنك الدولي – التقرير السنوي 1965- 1966 – الجدولان 3، 4.
ولكننا أخذنا الجدول من: بيير جاليه – العالم الثالث في الاقتصاد العالمي، الاستغلال الإمبريالي
ترجمة دوقان قرقوط، الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 1973، ص 147.






3. تحلل نظام بريتون وودز 1965-1971:

تمثل هذه الفترة قمة التناقضات والصراعات التي احتدمت بين المراكز الرأسمالية العالمية ( الولايات المتحدة الأمريكية، دول غرب أوروبا، اليابان ) التي عجلت في النهاية بموت نظام بريتون وودز في آب عام 1971 عندما أعلن الرئيس نيكسون في خطاب شهير له وقف قابلية تحويل الدولار إلى ذهب. ومنذ تلك اللحظة تختفي الأسس التي استند إليها هذا النظام ( ثبات أسعار الصرف، تجنب القيود على المدفوعات الخارجية، القابلية للتحويل، التزام الولايات المتحدة بتحويل الدولار إلى ذهب عند سعر ثابت ).فقد كان التضخم قد بدأ يشتعل في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الإنفاق العسكري المتزايد لحرب فيتنام، وتراجعت فيها الأرصدة الذهبية، وانخفضت معدلات النمو الاقتصادي.
وكانت الولايات المتحدة غير عابئة بالعجز الذي بدأ يطرأ على ميزان مدفوعاتها ولا بالتزايد الهائل الذي حدث في إنفاقها العسكري في الخارج ولا بالنزوح الكبير للاستثمارات الأمريكية في دول غرب أوروبا والعالم الثالث، وماذا يزعجها في ذلك طالما كانت قادرة على مواجهة كل ذلك من خلال طبع المزيد من الدولارات الورقية؟ وكانت مختلف دول العالم مستعدة على الدوام لقبول المزيد من تلك الدولارات استناداً على الاعتقاد بإمكانية تحويلها ذهباً؟ … ويقول الاقتصادي صمويل باولز في هذا الخصوص " كانت الولايات المتحدة الأمريكية مثل الرجل الغني المرفه الذي يتسامح البقال والخياط والتاجر…الخ في تراكم ديونه لأنهم يؤمنون بأنه سيدفع لهم آجلاً أو عاجلاً" …
كان اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية في تمويل عجزها الخارجي على الدور الذي لعبه الدولار كعملة دولية، ببساطة شديدة كان في إمكانها أن تتوسع في الإصدار التضخمي دون أن تخشى آثاره التضخمية طالما أنها تقوم بتصدير هذا التوسع إلى مختلف دول العالم، وهذه الدول كانت تقبل الدولارات الورقية وتعتبرها كعملة احتياط لغطائها النقدي المحلي. وبذلك كان التوسع النقدي في الولايات المتحدة لا يلبث أن ينعكس في شكل توسع نقدي تضخمي في الدول الأخرى .
بيد أن دول غرب أوروبا، وبالذات فرنسا بدأت تتيقظ للآلية التضخمية التي انطوى عليها نظام النقد الدولي المؤسس على قاعدة الصرف بالدولار. وهنالك بدأ صراعها ضد الهيمنة النقدية الأمريكية، وساد الشعور آنذاك بأنه يجب حرمان الولايات المتحدة الأمريكية من الميزة التي انفردت بها عن سائر دول العالم وهي امكان إلقاء تكلفة العجز في ميزان مدفوعاتها على عاتق دول العالم الأخرى دون أن تخسر هي شيئاً، وأنه يجب أن ترغم على تسديد حساباتها بالذهب وأن تنظم اقتصادها على نحوٍ يقضي على هذا العجز.
وبدأت فرنسا تطالب وزارة الخزانة الأمريكية بصرف الدولارات الورقية التي كان بحوزتها ذهباً. وأعقبها موجة عارمة لسحب الذهب من الولايات المتحدة الأمريكية من مختلف دول العالم مما أدى إلى انهيار الثقة بالدولار، ووصل الأمر في آذار عام 1968 (شهر أزمة الذهب) أن كانت الأرصدة الذهبية التي تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية تقدر بحوالي 11 بليون دولار في حين أن الأرصدة الدولارية في الخارج قدرت في هذا التاريخ بحوالي 35 بليون دولار، مما يعني أن الغطاء الذهبي للدولار قد انخفض إلى أقل من الثلث بعد أن كان هذا الغطاء يزيد عن 100% وأكثر في أعقاب الحرب.
وعقد في واشنطن اجتماع لمناقشة هذه الأزمة (1968)، وفي هذا الاجتماع تظهر لأول مرة وبشكل صريح نية الولايات المتحدة الأمريكية إلغاء دور الذهب في نظام النقد الدولي. فقد طلبت الولايات المتحدة من البنوك المركزية الأوروبية ألا تقوم بطلب تحويل ما في حوزتها من أوراق دولارية إلى ذهب إلا عند الضرورة وأن تبرر طلبها هذا. ورغم هذا الاجتماع إلا أن حركات المضاربة على العملات النقدية والذهب في دول غرب أوروبا لم تهدأ، وأدت بكثير من هذه الدول إلى تخفيض عملتها، فقد انخفض الإسترليني بنسبة 14.3% والفرنك بنسبة 12.5%.
وجاء إعلان الدوائر الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية عن حجم العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي في الربع الثاني من عام 1971واحتمالات استمراره، وتخفيض الولايات المتحدة الأمريكية احتياطها بمقدار 1.1 بليون دولار في النصف الأول من آب من نفس العام، جاء ذلك ليشعل من حمى المضاربة على الدولار وزيادة نزوحه للخارج، واشتداد الطلب على الذهب، وحينما أصبح الأمر لا يمكن احتماله أو وقفه، اضطر الرئيس الأمريكي نيكسون وقف قابلية تحويل الدولار إلى ذهب وتخفيض المساعدات الخارجية بنسبة 10% وفرض ضريبة بمقدار 10% على الواردات، وإعلان إجراءات تستهدف تجميد الأجور والأسعار لمدة ثلاثة أشهر للحد من التضخم. وكانت تلك الإجراءات ضربة شديدة لحلفاء أمريكا وشركائها. وكان ذلك إعلاناً بنهاية عصر بريتون وودز وبداية صفحة جديدة لنظام النقد الدولي، الذي سيقوم منذ تلك اللحظة على قاعدة الفوضى والتعويم.













شكل رقم (1)
تطور الرصيد الذهبي للولايات المتحدة الأمريكية ببلايين الدولارات
خلال الفترة 1948-1971
المصدر: د. رمزي زكي، التاريخ النقدي للتخلف، 1987، ص 229.








يتبع في الجزء 2



#عبد_الرحمن_تيشوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القنبلة السكانية في سورية كبيرة وخطيرة وستنفجر قريبا
- تنظيم اقتصاد الظل والاقبية وحده كفيل بزيادة الرواتب 100%
- هل يتوثب الفكر العربي في عصر المعلومات والرقميات؟؟؟
- من يحقق النهضة اليوم الفكر القومي او الاسلامي او الماركسي او ...
- الفرق بين السلطة(اداةفردية) والدولة (مؤسسة جمعية )
- الاتصالات نفط بل رائحة مزعجة
- من يسيطر اقتصاديا يسيطر سياسيا
- مشروع الخدمات الاجتماعية المساعدة للمرأة السورية في منزلها-ا ...
- منظمة المستقبل قائمة على المعرفة والعلم والتاهيل لا ينجح لقي ...
- فرق العمل ( مفهومها واهميتها وتكوينها)
- الادارة اللاعلمية ادارة ضعيفة وجبانة وخاسرة
- مبادئ فايول العامة لتطوير العمل الاداري؟
- البعد السلوكي في الفكر الادري (هرم ماسلو للحاجات)
- هيكل تنظيمي جديد لمديريات الاتصالات يستبعد منه ارفع تأهيل اد ...
- الادارة الموقفية اللحظية ؟؟؟
- لماذا الفزع من الادارة ؟ - اتصالات طرطوس نموذجا_
- الرؤية التطويرية للسيد الرئيس خلقت المعهد الوطني للادارة وال ...
- معايير التدريب الناجح للعاملين في الادارات العامة
- كيف يمكن ان نحل المشكلات الادارية دون ابطاء ؟؟؟؟؟
- انواع التدريب للعاملين في الدولة


المزيد.....




- البحرية الأمريكية تعلن قيمة تكاليف إحباط هجمات الحوثيين على ...
- الفلبين تُغلق الباب أمام المزيد من القواعد العسكرية الأمريك ...
- لأنهم لم يساعدوه كما ساعدوا إسرائيل.. زيلينسكي غاضب من حلفائ ...
- بالصور: كيف أدت الفيضانات في عُمان إلى مقتل 18 شخصا والتسبب ...
- بلينكن: التصعيد مع إيران ليس في مصلحة الولايات المتحدة أو إس ...
- استطلاع للرأي: 74% من الإسرائيليين يعارضون الهجوم على إيران ...
- -بعهد الأخ محمد بن سلمان المحترم-..الصدر يشيد بسياسات السعود ...
- هل يفجر التهديد الإسرائيلي بالرد على الهجوم الإيراني حربا شا ...
- انطلاق القمة العالمية لطاقة المستقبل
- الشرق الأوسط بعد الهجوم الإيراني: قواعد اشتباك جديدة


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد الرحمن تيشوري - دور نظام النقد الدولي في نهب العالم وصنع التخلف 12