|
لا تتظاهروا بالمفاجأة إذا اختفي الهرم الأكبر.. غداً
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 3114 - 2010 / 9 / 3 - 17:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الكل يستنكر سرقة لوحة »زهرة الخشخاش« التي أبدعها الفنان الهولندي العالمي فان جوخ، واقتناها مصري أصيل اسمه محمد محمود خليل وأهداها لمصر والمصريين. لكن الكارثة التي لا تقل سوءا عن فضيحة سرقة اللوحة التي لا تقدر بثمن، هي »تقزيم« هذا الحدث الذي اهتز له وجدان البشرية بأسرها، و»شخصنته« بالصورة المبتذلة التي نشاهدها الآن، حيث أصبحنا إزاء فريقين من المستنكرين؛ الفريق الأول يعلق مسئولية الفضيحة في رقبة محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية، بينما يبدو الفريق الثاني أكثر »شجاعة« فلا يكتفي بلوم »شعلان« بل يحمل المسئولية كاملة لفاروق حسني وزير الثقافة. وأسهم في ايجاد حالة الاستقطاب الحاد المشار إليها أن كلا من الوزير ومساعده لم يدخرا جهداً في تلويث الآخر، ليس فقط فيما يتعلق بالحدث المباشر الذي فجر الأزمة ـ وهو فضيحة سرقة »زهرة الخشخاش« ـ وإنما امتد تقطيع الهدوم إلي أمور أخري، بعضها يمكن وصفه بأنه »شخصي« للغاية. ونسي الاثنان أثناء انهماكهما في تبادل هذه الاتهامات أنهما يدينان أنفسهما، علي الأقل من زاوية صمتهما علي هذه »الجرائم« العامة والخاصة، والتعتيم عليها، والتواطؤ علي اخفائها سنوات طويلة رغم ما ينطوي عليه الكثير منها من اضرار بالصالح العام وإهدار للمال العام وإساءة استخدام لصلاحيات الوظيفة العمومية، فلماذا صمتا علي هذه التجاوزات عاما وراء عام.. ولم يتذكراها إلا الآن؟! ومع تصاعد السجالات والملاسنات بين الوزير ومساعده بصورة تكاد تكون يومية منذ سرقة »زهرة الخشخاش« حتي الآن ـ بدأ يتشكل فريق ثالث ـ وإن كان أقل حجما من الفريقين الأول والثاني ـ يحمل مسئولية الكارثة للاثنين معا؛ فاروق حسني ومحسن شعلان. وأظن أن كلا من هذه »الأحزاب« الثلاثة لديه بعض الحق، لكن الاقتصار علي رؤية المشهد العام من خلال هذه الزوايا الضيقة الثلاث يمثل تبسيطا مُخلاّ لكارثة أكبر من الوزير ومساعده معا. فنحن في حقيقة الأمر إزاء تسيب »وطني« كامل وشامل في كل المجالات وليس في قطاع الفنون التشكيلية فقط أو في وزارة الثقافة برمتها، وإنما هو تسيب يستشري في معظم الوزارات والهيئات، ليس لمدة شهر أو شهرين، أو سنة أو سنتين، وإنما عبر فترة طويلة من الزمان تغلغل فيها الفساد وعشش في كل الأنحاء حتي أصبح أقوي »مؤسسة« في البلاد، وحتي أصبح الفاسدون والمفسدون يتساندون وظيفيا ويدعم بعضهم بعضا في كل المرافق، بل يحتلون مقاعد المتحدثين باسم »الإصلاح«، وحتي أصبح الخلط بين أدوار وصلاحيات السلطات الثلاث - التشريعية والقضائية والتنفيذية - هو القانون الفعلي حتي اختلط الحابل بالنابل. وشجع علي استفحال هذا الفساد غياب آليات حقيقية وفعالة لمنع تعارض المصالح، وبالذات في المستويات العليا، حيث انهارت الحدود الفاصلة بين ما هو عام وما هو خاص. ومن نافلة القول ان شيئا من ذلك كله لم يكن ليحدث أو علي الأقل لم يكن ليمر مرور الكرام، إذا كانت هناك محاسبة فما بالك وان تقارير أكبر جهاز رقابي ـ وهو الجهاز المركزي للمحاسبات ـ تم تجاهلها وإلقاؤها في صندوق القمامة بكل استهتار بل ان احد المستفيدين من هذا الفساد لم يتورع ـ حتي وهو في محبسه ـ عن نشر إعلان باهظ التكلفة في أوسع الصحف انتشارا ـ قومية وخاصة ـ للتطاول علي تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات والتشكيك فيها والاصرار علي التشويش عليها بالتدليس والكذب والترويج لمعلومات مضللة! * * * وسرقة »زهرة الخشخاش« مجرد حلقة في هذا المسلسل الطويل.. الأطول من ليل المريض، مسلسل الفساد وغياب المحاسبة في ظل اختلاط الحابل بالنابل والعام بالخاص و»التقنين« لتعارض المصالح. وهذه الحلقة المتأخرة ليست مبتوتة الصلة بقوس الأزمات التي ما ان يخرج المجتمع من احداها حتي يجد نفسه مكتويا بنيران أزمة ثانية وثالثة.. وعاشرة.. فهل يمكن انكار الصلة بين سرقة »زهرة الخشخاش« وبين انقطاع التيار الكهربائي بملابساته ومفارقاته اللامعقولة أو انقطاع مياه الشرب عن ملايين المصريين في عدد ليس قليلا من المحافظات رغم تباهي الحكومة ببنيتها التحتية التي ابتلعت مليارات الجنيهات من دم وعرق المصريين أو فضيحة العلاج »أو بالأحري عدم العلاج« علي نفقة الدولة، أو احتلال مصر المركز الأول عالميا في عدد ضحايا الأسفلت والموت من جراء حوادث الطرق، أو وصمة الأمية الأبجدية أو تدهور التعليم وموت البحث العلمي في مصر.. وغير ذلك الكثير والكثير من مظاهر تحلل الدولة المصرية داخليا وتراجع دورها إقليميا وعالميا. * * * لذلك كله لا ينبغي »شخصنة« كارثة »زهرة الخشخاش« وحصرها في شخص وزير الثقافة أو مساعده، أو كليهما ولا ينبغي »تقزيمها« وتحويلها الي مجرد مخالفات إدارية ولا ينبغي حتي قصر الاهتمام بها من زاوية انها فضيحة »عالمية« تسيء لنا ولبلادنا أمام الأجانب و»الخواجات«. ولعل كاتبا كبيرا مثل الاستاذ مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين ـ الذي لا يمكن لأحد أن يعتبره عدوا للنظام الحاكم بأي حال من الأحوال ـ قد أصاب كبد الحقيقة حين قال محذرا في عموده البالغ الأهمية في »أهرام« الخميس الماضي من انه »إذا استمرت الأمور تمضي علي حالها العشوائي الراهن دون ان ندرك ان مصر تحتاج الي تغيير حقيقي في العمق في فكرها ومسلكها وكثير من شخوصها لأن كل شيء يفسد ويتحلل تحت ناظرينا وما من عاصم يمكن ان ينقذنا من طوفان الاهمال والتسيب وانعدام المسئولية وغياب الحسم والاستهانة بكل شيء سوي ان تفيق مصر الي ان دوام الحال علي ما هو عليه ضرب من المحال«. * * * هذا هو الكلام »الجد«.. صحيح ان شعلان مسئول، وصحيح ان فاروق حسني الذي عين شعلان مسئول، وصحيح أيضا ان الدكتور أحمد نظيف الذي يرأس مجلس الوزراء الذي يضم فاروق حسني مسئول، بل صحيح كذلك ان الرئيس حسني مبارك الذي عين فاروق حسني وتركه في منصبه قرابة ربع قرن مسئول.. لكن الأمر أخطر من مجرد توجيه أصابع الاتهام الي هذا المسئول أو ذاك.. أو إلي كل المسئولين. »زهرة الخشخاش« فضيحة »كاشفة« من العيار الثقيل يجب ان نضعها في سياقها الحقيقي وان نفهم مغزاها ودلالاتها دون تبسيط أو تهوين أو استخفاف.. فدون تغيير المعادلة الفاسدة التي اوجدت هذا المناخ العفن، ولم تحدث الافاقة من الغيبوبة التي نغط فيها حاليا فإن علينا ـ كما يقول نقيب الصحفيين المصريين ـ »ان نتوقع ما هو أسوأ فلم يعد هناك ما يمنع من أن نصحو غدا لنري الهرم الأكبر في غير مكانه أو نجد أنفسنا نواجه كارثة أشد فداحة«.. وربنا يستر.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل مصر «دولة فاشلة»؟!´-1
-
هل مصر دولة فاشلة؟! (2 -2) .. نكتة أمريكية: جيبوتي أقل فشلاً
...
-
البلطجة تخرج لسانها للقانون!
-
حكومة »الإظلام التام«.. والموت الزؤام!
-
رداً على إحراق القرآن فى فلوريدا .. هل نحرق قلوب أقباط مصر؟!
-
أصل الداء دون لف أو دوران: »الساركوسيست« الهندي.. صناعة مصري
...
-
المغربي.. في »وادي كركر«
-
ملتقى الجونة (2)
-
ملتقي الجونة (1)
-
رغم تقرير الانجازات: الممارسات الاحتكارية.. تخرج لسانها للمن
...
-
تسويق جمال مبارك .. ب -الكردى-!
-
-التميمى- فى النار سبعين خريفاً
-
دراسة علمية خطيرة تدق نواقيس الخطر
-
التعذيب .. بنظام »خدمة التوصيل إلى المنازل«!
-
رسالة عاجلة للدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة .. هل وصل التمييز
...
-
قمة -أهلية- .. دفاعاً عن وطن فى خطر
-
نصر حامد أبوزيد.. والفيروس القاتل
-
هل نقول للأوروبيين.. -اشمعني-؟!
-
وراء كل -نصر- .. ابتهال
-
فيلم الموسم وكل موسم: »الأرض«.. تراجيديا مصرية.. إخراج أمين
...
المزيد.....
-
خامنئي ينتقد إسرائيل بسبب شن هجوم على إيران في ظل المفاوضات
...
-
الإعلام الإيراني يستعرض لقطات يزعم أنها لمسيّرة إسرائيلية تم
...
-
لافروف ونظيره العماني يؤكدان ضرورة وقف القتال بين إسرائيل وإ
...
-
زاخاروفا: روسيا تبذل كل ما بوسعها لدرء الكارثة
-
استخبارات الحرس الثوري تفكك شبكة سيبرانية عميلة للموساد
-
صعود أسعار الغاز في أوروبا... ورغم ذلك: وداعًا للغاز الروسي!
...
-
كيف تتحسب أنقرة من تهديدات إسرائيل بعد الهجوم على إيران؟
-
ثوران بركان في إندونيسيا يتسبب بإلغاء عشرات الرحلات إلى بالي
...
-
-كل اللي فات إشاعات-.. محمد رمضان يعلن عن الصلح بين نجله وزم
...
-
وفاة الطاهية والشخصية التلفزيونية الشهيرة آن بوريل عن عمر 55
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|