أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس منصور - ما كل هذه الدماء أيها العرب المسلمون ! ؟















المزيد.....


ما كل هذه الدماء أيها العرب المسلمون ! ؟


عباس منصور

الحوار المتمدن-العدد: 3109 - 2010 / 8 / 29 - 10:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الرؤوس المقطوعة في شوارع الكوفة والبصرة ودمشق ويثرب والآستانة
---------------------------------------------------------------------
ما كل هذه الدماء أيها العرب المحمديون ! ؟


 عباس منصور

وقع عقبة بن أبي معيط بن أبان بن أبي عمرو ذكوان بن أمية بن عبدشمس بن عبد مناف بن قصي القرشي ؛ وقع في الأسر يوم بدر في السنة الثانية من هجرة الرسول الى يثرب , فلما صار في مواجهة الرسول وأدرك أنه هالك , قال مستعطفا : من لصغاري - من بعدي - يا محمد ؟ فرد عليه الرسول : لهم النار يا عقبة . وأمر بقطع رأسه فنهض على الفور عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري واحتز رأسه , و في هذا السياق يعقب إمام المؤرخين و كتاب السيرة ابن هشام قائلاً : ويقال قتله علي بن أبي طالب فيما ذكر لي بن شهاب الزهري وغيره من أهل العلم – و بن أبي طالب قتله فيما بعد عبدالرحمن بن ملجم - هذا بينما يعفو الرسول في مشهد لاحق من مشاهد بدر عن أقربائه مثل ابن عمه عقيل بن أبي طالب وعمه العباسي بن عبد المطلب و ابن عمه نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وكذلك أبي العاص بن الربيع زوج ابنته زينب ، وكانوا قد وقعوا في الأسر أيضاً بعدما جاؤوا جميعا ً مع عقبة من مكة لقتال الرسول وصحبه الذين تعرضوا لقافلتهم التجارية بقيادة أبي سفيان بن حرب وأرادوا نهبها , فاحتال أبوسفيان حتى أنقذ القافلة ووقعت الحرب .

هلك عقبة إذا وليذهب صغاره الى الجحيم حسب مشيئة رسول العرب والمسلمين في هذا المشهد الذي ربما يراه كثيرون مجرد حزم ممزوج بالقسوة اللازمة في مثل هذه المواقف وخصوصا مع خصوم من أمثال عقبة ممن تعمدوا إيذاء الرسول في مكة خلال السنوات السابقة على الهجرة , وأين ذلك من لينه ورفقه ورحمته في مشهد يرويه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة قائلاً : كنا نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا رفع رأسه أخذهما أخذا رقيقا فيضعهما على الأرض فإذا عاد عادا حتى إذا قضى صلاته أقعدهما على فخذيه , ويردف الإمام أحمد في موضع آخر وكذلك الترمزي راويا عن بريدة عن أبيه أنه قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال : صدق الله " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " نظرت الى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديث ورفعتهما . هكذا تكون الرحمة وتكون الغريزة مع الأبناء و الأحفاد بينما يذهب أطفال عقبة إلى قعر جهنم .

ولم يكد يمضي ستون عاما من واقعة بدر ومقتل عقبة حتى يسقط حفيد النبي - الذي ترك المنبر والخطابة رأفة بخطواته المتعثرة - قتيلاً بأيدي العرب المسلمين في الكوفة بقيادة عبيد الله بن زياد بن معاوية بن أبي سفيان و يتكالب عليه عمر بن سعد بن أبي وقاص والصحابي الجليل - كما يصفه بن عساكر- شرحبيل بن نوفل بن أوس العامري الضبابي الكلبي الملقب بأبي السابغة شمر بن ذي الجوشن ومعهم حولي بن يزيد الأصبحي الذي فصل رأس الحسين عن جسده . وكان الحفيد الثاني الحسن بن علي قد قتل من قبل مسموما كما قال محمد بن سعد راويا عن أم موسى أن جعدة بنت الأشعث بن قيس و بتحريض من الأمويين قد سقت الحسن سما فكان يوضع تحته طشت ويرفع آخر نحوا من أربعين يوما , فلما حضرته الوفاة قال الطبيب وهو يختلف إليه : هذا رجل قطع السم أمعاءه , إذن فلنذكر أن الرسول استباح دم عقبة في السنة الثانية للهجرة , فاستباح معاوية بن سفيان دم حفيده الحسن في السنة التاسعة والأربعين ثم استباح ابن معاوية يزيد دم حفيده الآخر الحسين في السنة الحادية والستين ومعه ثلاثة و عشرون رجلاً من ولده وإخوته وأهل بيته وهم جعفر والعباس ومحمد وعثمان وأبو بكر من إخوته , وعلي الأكبر وعبد الله من أبنائه , وعبد الله والقاسم وأبو بكر من أبناء أخيه الحسن وعون ومحمد من أبناء عبد الله بن جعفر وعبد الله وعبد الرحمن وجعفر من أبناء عقيل بن أبي طالب بالإضافة الى أخيهم الرابع مسلم بن عقيل الذي قتله عبيد الله بن زياد قبل قدوم الحسين الى كربلاء وكذلك عبد الله ابن مسلم بن عقيل ومحمد بن أبي سعيد بن عقيل . وكان الحكام والقادة المنفذون لهذه المقتلة العظيمة إما صحابة أجلاء أو أبناء صحابة أجلاء - رضوان الله عليهم أجمعين - ! !

وبعد الانتهاء من هذه المجزرة - كما يصف المؤرخ بن جرير الطبري - أمر بن زياد فنودى الصلاة جامعة , فاجتمع الناس فصعد المنبر فذكر ما فتح الله عليه من قتل الحسين الذي أراد أن يسلبهم ملكهم ويفرق الكلمة عليهم فقام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي قائلاً : ويحك يا بن زياد أتقتلون أولاد النبين وتتكلمون بكلام الصديقين ! فأمر به ابن زياد فقتل وصلب ثم أمر برأس الحسين فنصب بالكوفة وطيف به في أزقتها ثم سيره مع زحر بن قيس ومعه رؤوس أصحابه الى يزيد بن معاوية بالشام وكان مع زحر جماعة من الفرسان منهم أبو بردة بن عوف وطارق بن أبي ظبيان الأزديان فخرجوا حتى قدموا بالرؤوس كلها على يزيد بن معاوية .

والعجيب في الأمر أن السيوف التي تحركت لحز كل هذه الرؤوس منذ رأس عقبة بن أبي معيط ورأس النضر بن الحارث في بدر وحتى الآن , هذه السيوف كان يحركها شرع الله وسنة نبيه وكل قاتل من هؤلاء - و قبل أن يسقط صريعا مقتولا في ضربات لاحقة - كل قاتل لديه مسوغ وحجة ومتكأ في شرع الله وسنة نبيه يبيح له فصل الرؤوس وقتل الناس والتمثيل بجثث المقتولين في كثير من الأحيان .

وها هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية يتأمل رأس الحسين المفصول عن جسده ويقول لمن حوله : أتدرون من أين أتى ابن فاطمة وما الحامل له على ما فعل وما الذي أوقعه فيما وقع فيه ؟
قالوا : لا , قال : يزعم أن أباه خير من أبي وأمه فاطمة بنت رسول الله خير من أمي وجده رسول الله خير من جدي , ثم يضيف أبو جعفر بن جرير الطبري في تاريخه أن يزيد وضع رأس الحسين وعنده أبو بررة الأسلمي فجعل يزيد ينكت بالقضيب على فم الحسين فقال أبوبررة ارفع قضيبك فوالله لربما رأيت رسول الله واضعا فمه على فم الحسين يلثمه .

ويستمر القتل فاشيا في رؤوس الصحابة وأبنائهم والتابعين لهم بإحسان من بعدهم , وهاهم أهل يثرب - مدينة رسول الله – و بعد أن نقضوا بيعه يزيد فيرسل لهم يزيد جيشا شآميا يقوده مسلم بن عقبة المزني وذلك بعد مقتل الحسين بعامين , فأعمل فيهم مسلم القتل في واقعة الحرة أو كما يقول المدائني أباح مسلم بن عقبة المدينة ثلاثة أيام يقتلون من وجدوا من الناس ويأخذون الأموال ووقعوا على النساء حتى قيل أنه حبلت ألف امرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرة من غير زواج أو كما يقول المدائني في سياق آخر عن أبي قرة عن هشام بن حسان : و لدت ألف إمرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرة من غير زواج .

وكان ممن فصلت رؤوسهم عن أجسادهم في تلك المجزرة معقل بن سنان بعد أن مات صبرا , والموت صبرا يعني أن يترك المأسور بلا طعام أو شراب حتى يموت , وكذلك عبد الله بن مطيع وأبناؤه السبعة وعبد الله بن حنظلة الغسيل وأخوه لأمه محمد بن ثابت بن شماس ومحمد بن عمرو بن حزم , وأمر الفاتحون ليثرب بضرب عنق سعيد بن المسيب فما أنقذه إلا شهادة أحد الرجال بأنه مجنون فأخلو سبيله , وكذلك محمد بن أ ُبيّ بن كعب وعبد الرحمن بن أبي قتادة ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف وأبو حكيم معاذ بن الحارث الأنصاري الذي أقامه عمرو يصلي بالناس وولدان لزينب بنت أم سلمة وزيد بن محمد بن سلمة وسبعة من أخوته .

ويمضي مشهد القتل المؤبد , وبعد ذلك بعامين يتولى المختار بن أبي عبيد الثقفي حز رؤوس قتلة الحسين وهم : شمر بن ذي الجوشن وخولي بن يزيد وعمر بن سعد و في العام الذي يليه يقتل مصعب بن الزبير بن العوام المختار بن أبي عبيد وجماعة من أصحابه ويحتز رؤوسهم ثم يأمر بقطع كف المختار ويسمرها الى جانب المسجد فتظل معلقة حتى يجئ الحجاج بن يوسف الثقفي ويأمر برفعها .

ويستمر القتل ويستحر بين أبناء الصحابة الذين عاصروا المشاهد الأولى لإقامة دعوة الإسلام , يستمر القتل وحز الرؤوس فما إن تأتي السنة الحادية والسبعون للهجرة النبوية حتى تقطع رأس مصعب بن الزبير بن العوام وتوضع بين يدي عبد الملك بن مروان في دمشق كما تقطع رأس أخيه عبدالله بن الزبير بن العوام بعد سنتين ويصلب بجوار الكعبة في مكة المكرمة المحرمة لعدة أشهر , أو كما يصف المؤرخون " بعث الحجاج بن يوسف الثقفي الى عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أمية بما وقع وبعث برأس الزبير مع رأس عبد الله بن صفوان وعمارة بن حزم إلى عبدالملك ثم أمرهم إذا مروا بالمدينة أن ينصبوا الرؤوس بها ثم يسيروا الى الشام ففعلوا ما أمرهم وأرسل بالرؤوس مع رجل من الأزد فأعطاه عبد الملك خمس مائة دينار ثم أمر الحجاج بجثة ابن الزبير فصلبت على ثنية كدا عند الحجون بمكة المكرمة – المحرمة - التي لا يجوز الصيد فيها ! !

ويعلق عبد الملك بن عمير قائلا : دخلت على عبيد الله بن زياد وإذا برأس الحسين بن علي على ترس فوالله ما لبثت إلا قليلاً حتى دخلت على المختار بن أبي عبيد و إذا برأس عبيد الله بن زياد بين يدي المختار على ترس و والله ما لبثت إلا قليلاً حتى دخلت على عبدالملك بن مروان و إذا برأس مصعب بن الزبير على ترس بين يديه .

و إذا تأملنا كل هذا الدماء و الاندفاع الجارف للقتل و حز الرؤوس وفق منطق التاريخ ومقتضيات السياق الثقافي والاجتماعي لهذه البيئة من جزيرة العرب فإن الأمر تفسيره مقبول و طبيعي , فمن عادة العرب أن تهاجم القبائل بعضها بعضا ً و يأخذون في القتل و السلب و النهب و سبي النساء و استرقاق الأطفال و ربما يكون القتل بين بعض البطون أو الأفخاذ في القبيلة الواحدة , و القارئ لأيام العرب في الجاهلية يجد ذلك متاحا ً و ميسورا ً, فمثلاً هذا يوم السلان و كان لبني عامر على النعمان بن المنذر , فقد كان للنعمان بن المنذر في كل عام عير " قافلة " تحمل المسك لتباع في سوق عكاظ فتعرض لها بنو عامر فغضب لذلك النعمان , و بدأت الاستعدادات للمعركة و بدأ الأسر و القتل , و كل أيام العرب تقريبا ً تبدأ هكذا كيومي أوارة الأول و الثاني و يوم اليحاميم و يوم حليمة و يوم بزاخة و غيرها الكثير من الأيام , و يمكن قياس أيام العرب في الإسلام على أيامهم في الجاهلية وفق سياقهم التاريخي و الثقافي كيوم بدر و الذي أعلن عن ابتدائه زعيمهم الجديد محمد بن عبدالله نبي الله و رسوله – صلى الله عليه وسلم - ابتدأ النبي هذا اليوم و كما جاء في سيرة ابن هشام بقوله : هذه عير " قافلة " قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها . و معنى ينفلكموها أي يجعلها الله لكم و تستولون عليها , تماما كما حدث في يوم السلان الذي كان لبني عامر على النعمان بن منذر .

إلا أن يوم بدر و غيره من أيام العرب في الإسلام لا تقرأ و لا تدرس و لا تفهم كسياق تاريخي و أحداث و قعت لها أسباب و مقدمات و حوافز و أعقبتها نتائج مفهومة و واضحة أدت إلى تغييرات و مسارات جديدة يحياها الناس في أزمان جديدة و متغيرة ؛ و لكن تقرأ و تدرس وفق السياق المقدس و الذي شارك النص القرآني المقدس في الإشارة إليه و دخل في صميم العبادة و العقيدة و الإيمان بالله .. بالمطلق ..بالغيب . فأيام العرب في الإسلام لم تعد تقرأ أو تفهم وفقا ً لسياق التاريخ و مجريات الأحداث و كل ما هو نسبي و متغير مع العلم أن حروب العرب بعد الإسلام ليست إلا امتدادا لحروبهم قبل الإسلام إلا أن وحي السماء و مشيئة رب السماء و الأرض تدخلت في القتال و أصبح المقتول و المسلوب و المسبي و المغدور في النار يعاني من سخط الله و لعنته بينما يتمتع القاتل والسالب و الناهب من الذين أباح لهم الرسول دماء أعدائهم و أموالهم بقوله " من قتل قتيلا ً فله سلبه " أصبح القتلة من جيش الإسلام في رضا الله و عنايته و من مات منهم يتمتع في جنانه بأنهار الخمر و العسل و يستمتع بما شاء من النساء الحور العين و الولدان المخلدين القائمين بالأباريق على خدمة أهل الجنة المتكئين على الأرائك و فوقهم تتدلى عناقيد الفاكهة من العنب و الرمان و السدر و لحم الطير سعداء في معية الخالق .

و ها نحن نعثر على صدى هذه المعتقدات و بعد أكثر من اثني عشر قرنا ً من غزوة بدر في رسالة عبدالله بن سعود قبل القبض عليه و إرساله إلى الأستانة لتحز رأسه هناك , ها نحن نقرأ هذا الصدى في رسالته إلى المقيم البريطاني في منطقة الخليج سنة 1817 ميلادية – 1232 هجرية عندما أغار أعوان عبدالله بن سعود من قواسم رأس الخيمة على السفن التي تبحر في مياه الخليج تحت الأعلام البريطانية و قد أمره المعتمد البريطاني بإعادة الغنائم و المسروقات التي أخذوها من السفن , نقرأ قوله " كيف تطلب منا أن نرد ما غنمناه من أعدائنا من أهل مصر و جدة و اليمن و شحر و المكلا و مسقط و البصرة و أهل فارس التابعين لسعيد بن سلطان , إنهم كلهم أعداؤنا فسنقتلهم حيث ثقفناهم تنفيذا ً لأوامر الله فيهم . الله أكبر " هذا بينما يبدي الأمير ابن سعود للمقيم البريطاني بروس استعداده للعمل سويا ً لتجديد الاتفاق المبرم في 1814م و أن تقام معاهدة بين الطرفين ينص فيها صراحة على عدم مساندة البريطانيين لأعداء الوهابيين معبرا ً عن أمله بأن لا يعكر حادث نهب السفن التابعة للحماية البريطانية علاقات الصداقة بينهما .

ألا يذكرنا ذلك بسهم المؤلفة قلوبهم من أمثال سهيل بن عمر و أبو سفيان بن حرب من كفار قريش الذين كان يخطب الرسول مودتهم و يسترضيهم بأموال الغنائم المسلوبة من ضعفاء القبائل في محيط مكة و الطائف و يثرب و يعطيها لصناديد الكفار ليأمن شرهم و يضمن حيادهم على الأقل في حروبه مع قبائل العرب الأخرى , فبريطانيا و مندوبها في الجزيرة العربية من المشركين و كذلك سهيل و أبو سفيان من الكفار , و كل هؤلاء و أمثالهم وادعتهم شريعة الإسلام و ثقافته و استرضتهم و قدمت لهم التنازلات فهوت سيوف المسلمين على المستضعفين و التعساء من أبناء القبائل الصغيرة قتلا و سبيا ًبدعوى قتال الكفر و تطهير جزيرة العرب التي قال رسولها أنه لا يجتمع على أرضها دينان !!

و من الغريب أن جزيرة العرب هذه و التي جاهد الرسول و صحابته من بعده في تطهيرها من الشرك و الكفر – حسب سياق الدعوة الإسلامية من الغريب أنها رجعت إلى عاداتها و شرائعها و معتقداتها التي كانت عليها قبل الإسلام , هذا مع ملاحظة أن سلطة القبيلة و سيادتها داخل نجد و الحجاز ظلت كما هي طوال الوقت إن قبل الإسلام و إن بعده على حد سواء.

فهذا مسعود الندوي في كتابه عن محمد بن عبدالوهاب , يصف الجانب الديني في جزيرة العرب بعد أكثر من أحد عشر قرنا ً من دعوة الإسلام قائلا ً : أما الدين فقد غشيته سوداء , فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة ستارا ً من الخرافات و قشورا ً من الصوفية و خلت المساجد من أرباب الصلوات , و كثر عدد الأدعياء الجهلاء , و طوائف الفقراء و المساكين يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم و التعاويذ و المسابح و يوهمون الناس بالباطل و الشبهات و يرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء و يزينون لهم الشفاعة من دفناء القبور , و صار يشرب الخمر و الأفيون في كل مكان و انتشرت الرذائل و هتك ستر المحرمات على غير خشية أو استحياء , و نال مكة المكرمة و المدينة المنورة ما نال غيرهما من سائر مدن الإسلام فصار الحج المقدس الذي فرض على من استطاعه ضربا من المستهزءات .

و عن الحالة الدينية في مناطق نجد داخل جزيرة العرب يقول الندوي : في وادي حنيفة كان يعبد قبر زيد بن الخطاب و في الدرعية كانت توجد بعض القبور و القباب التي تنسب إلى بعض الصحابة و كانت مراكز للتعبد الجاهلي , و في وادي غبيرة كانت قبة ضرار بن الأزور سوقا ً للبدع و الأوهام و في بليدة الفداء كانت النساء العاقرات يباشرن مع شجرة قديمة لطلب الأولاد , و على مقربة من الدرعية و عند غار هناك كانت ترتكب الفواحش المخزية و من أراد الاستزادة يمكنه الرجوع إلى كتاب عنوان المجد في تاريخ نجد لعثمان بن بشر النجدي .

و يصف الندوي الحالة السياسية لجزيرة العرب في منتصف القرن الثاني عشر الهجري بالقول : كانت نار الحرب الأهلية متأججة في جميع أنحاء نجد , كان بنو الخالد مسيطرين على جبل شمر في الشمال في قبيلة طئ و الإحساء , و في الدرعية كانت قبيلة عنزة ترسخ أقدامها , و في منفوحة قامت إمارة دواس , و نجد مع صغره و ضيق أطرافه كان موزعا بين دويلات و إمارات عديدة , يقول عبدالعزيز عبدالغني إبراهيم في كتابه صراع الأمراء " لم يشهد التاريخ قبل عهد الدولة السعودية الأولى و منذ عصر الفتوحات الإسلامية أي غزوة أتت الخليج العربي من نجد أو من اتجاهها و كانت نجد طوال هذه الفترات إمارات مدن و مشيخات و قبائل لا رابط بينها إلا ما جرى به العرف .

هكذا عادت جزيرة العرب بعد صدر الإسلام إلى سابق عهدها و ظلت هكذا حتى قامت الحركة الوهابية بتحالفها مع الدولة السعودية و قام اتفاق بين محمد بن عبدالوهاب و محمد بن سعود حاكم الدرعية أصبحت الدرعية به منارة للدعوة و دخلت بموجبه حلبة الجهاد لنصرة الدين و ذلك في سنة 1775 ميلادي , و سيطر هذا التحالف الجديد على معظم أرجاء الجزيرة العربية و تم بمقتضاه إعادة فتح مكة و المدينة و الطائف و ضم مناطق الإحساء و غيرها إلى أن اصطدم هذا التحالف مع الدولة العثمانية الذي استنجد سلطانها بحاكم مصر محمد علي فأرسل ابنه طوسون ثم إبراهيم للقضاء على هذا التحالف و تم له ذلك في سنة 1818م بهدم عاصمة الدولة السعودية الأولى في الدرعية , و في وصف هذه المواجهة يقول الندوي : جعل محمد علي قيمة كل رأس من الوهابيين ستة دولارات و عندما و قعت أكوام الجثث المرسلة من ينبع إلى السويس أمام محمد علي طلب بالاكتفاء بآذان القتلى دون جثثهم , و أما عن مصير بن سعود فإنه أرسل إى الإسكندرية و من هناك إلى الأستانة فصلب هناك هو و أصحابه في 17 ديسمبر سنة 1818م – 18 صفر 1234هـ في فناء أيا صوفيا و علقوا على المشانق بعدما طيف بهم بكل إهانة في عاصمة دار الخلافة .

و يستمر القتل و النهب ساريا تحت مبررات الدين و العقيدة , و ما حز رأس صدام حسين ليلة العيد والمقتلة العظيمة القائمة بالعراق و الصومال و أفغانستان عن ذلك ببعيد و كذلك ما وقع من حروب مع الفرس في إيران أو في العراق و على أطراف نجد في الكويت و حفر الباطن , بل إن معارك فتح مع حماس و ابن لادن وحزب الله وكل ما أبَّ منها من تنظيمات و تشكيلات لا تفتأ تتكأ على الدين و منطلقات الجهاد المقدس سبيلا ً و سقفا ً لإتمام رسالتها .

... و بعد .. ألم يُقتل سعد بن عبادة مغدورا ً بسبب رفضه البيعة لأبي بكر في السقيفة بعد موت الرسول ؟ و لم يخجل العرب من اتهام الجن و العفاريت بقتله في زمن عمر ؛ بل نسبوا إلى الجن شعرا ً في قتل سعد بن عبادة !؟ و ألم يشارك محمد بن أبي بكر في قتل عثمان بن عفان مع ثلاثة عشر رجلاً من أتباعه و أخذ بلحية عثمان حتى سمعت وقع أضراسه قائلا ً له : على أي دين أنت يا نعثل , و ذلك حسب رواية بن عساكر !؟ و كذلك ألم يقتل مروان بن الحكم طلحة بن عبيد الله في موقعة الجمل !؟ و كذلك ألم يقتل عمر بن جرموز الزبير بن العوام و يحتز رأسه في الجمل أيضا ً !؟ و ألم يقتل زياد بن حفصة التميمي عبيد الله بن عمر !؟ ألم يقتل أبو غادية و ابن جوى عمار بن ياسر !؟ و ألم يقتل معاوية بن خديج محمد بن أبي بكر و يحرقه في بطن حمار !؟ و ألم يُقتل الأشتر النخعي مسموما ً و هو في طريقه لولاية مصر , قتله أعوان معاوية بشربة عسل مسمومة حتى صارت مضربا ً للمثل لدى العراقيين و الشوام عندما قالوا : إن لله جنودا ً من عسل .. حقا ً إن لله جنودا ً من عسل !!

و بعد كل هذا و قبله , ألم يمت رسول الإسلام نفسه بسبب أكلة من شاة مسمومة و ذلك حسب قوله قبيل وفاته عندما جاءت أم بشر بنت البراء بن معرور إلى الرسول تزوره في مرضه الأخير و هي التي مات أخوها فورا ً عندما أكل مع الرسول من الشاة المسمومة التي قدمتها زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم بعد مقتل زوجها و أخيها في خيبر , فقد جاء في سيرة ابن هشام أن ابن اسحاق قال : حدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى قال :كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد قال في مرضه الذي توفي فيه , و دخلت أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده : " يا أم بشر إن هذا الآوان وجدت فيه انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك في خيبر " و الأبهر كما جاء في المعجم الوسيط هو الوريد الذي يحمل الدم من الجسم إلى الأذين الأيمن من القلب .

انقطع أبهر الرسول و مات من أثر السم الذي دسته إمرأة ثاكلة فجعت في زوجها و أخيها أمام عينيها فأقدمت على قتل الرسول فمات صاحبه بشر بن البراء في الحال و ظل السم ينخر في جسد الرسول حتى مات بسببه بعد عامين .

و الغريب أن كل هذه الدماء و القتلى و الرؤوس المحزوزة تملأ جنبات التاريخ الإسلامي إلا أن أحدا ً لم يتوقف لتفسير ذلك و خصوصا ً أن القتل و الغدر و الغيلة نشبت بين أتباع رسالة دينية سماوية طرأت على تاريخ و جغرافية الشرق الأدنى في القرن السابع الميلادي و انتشرت في مستعمرات الإمبراطوريات القديمة المنهارة و خصوصا ً الرومان و الفرس .

و قد تكون عقيدة المؤرخين أجبرتهم على مثل هذا التناول للأحداث , فعندما يقتتل الرسول و صحابته مع أهل الطائف أو مكة و ما حولهما من القبائل يكون الحق المطلق في مواجهة الباطل المطلق و تجد تعليقات وافرة و تعقيبات فياضة بشأن جيش المؤمنين أو جيش الكفار و المشركين ؛ و لكن عندما يقتتل الصحابة و أبناؤهم مع بعضهم البعض فرادى أو جماعات ، و عندما تدور الفتن و المؤامرات و الغدر فيما بينهم لا تجد و صفا ً صريحا ً أو تعليقا ً واضحا ً و ربما تعمدوا إخفاء بعض الجوانب بالسكوت التام دونما تعليق ، فلم يحدثنا و لا واحد منهم عن السبب وراء قرار كبار الصحابة بدفن الرسول في غرفة نومه ببيت السيدة عائشة , و لم يقل أحد منهم كذلك لماذا قرروا دفن صاحبيه أبي بكر و عمر معه في نفس الغرفة بينما أوصت صاحبة الغرفة إبن أختها عبدالله بن الزبير قبل موتها بألا تدفن في هذه الغرفة ؛ بل في مقابر البقيع !!

لماذا هذا الاتفاق التام على الصمت !؟ فهل كان من طبيعة العرب و عاداتهم أن يدفنوا موتاهم في مكان نومهم و إقامتهم و معيشتهم أم أن في الأمر شيئا ً لا يريدون البوح به تصريحا ً أو حتى تلميحا ً !؟ و إن كانت لدى العرب سابقة في دفن الموتى بهذه الطريقة فما هي و ما ظروفها و ملابساتها !؟

و أمثال ذلك كثير في كتب مؤرخي تلك العصور , و منه لماذا دائما ً كانت ترسل الرؤوس المقطوعة مع رجال من قبائل الأزد غالبا ً !! هل تم ذلك بالصدفة أم أن في الأمر شيئا ً !؟ و لماذا كل هذه الرغبة العارمة في التدمير و القتل لدى المختار بن أبي عبيد و الحجاج بن يوسف الثقفيين !؟ والكثيرر الكثير من مثل هذه التساؤلات التي تسلتزم للإجابة عليها الدراسة الدقيقة لحياة العرب و مجتمعهم و عاداتهم و شرائعهم و قبائلهم و أسباب تناحرهم و أسباب فخرهم و عزهم و ذلهم و ما إلى ذلك من دقائق حياتهم ثقافيا ً و دينيا ً و اجتماعيا ً و عسكريا ً , نعم ينبغي كل ذلك حتى نفهم تاريخهم و نقف على دوافعهم و بواعثهم قديما ً و حديثا ً .

كل ذلك ينبغي القيام به حتى نفهم السر وراء كل هذه الدماء المراقة و تلك الرؤوس المحزوزة التي تجوب عواصم البلاد الإسلامية و يتفجر صداها في جنبات التاريخ عبر العصور .

عباس منصور



#عباس_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنعام .. وكلب العائلة
- مفهوم -الله- في خطابات الدعاة الجدد
- عقائد البدو الاسرائيليين
- الكفيل
- سيرة الحمار المصري
- العزازيل
- نهج البداوة


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس منصور - ما كل هذه الدماء أيها العرب المسلمون ! ؟