أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد ابو حطب - عيوش ومارغريت.../قصة قصيرة














المزيد.....

عيوش ومارغريت.../قصة قصيرة


عماد ابو حطب

الحوار المتمدن-العدد: 3102 - 2010 / 8 / 22 - 16:52
المحور: الادب والفن
    


عيوش ومارغريت...

لن تعرفوا عيوش ولن تعرفوا ايضا مارغريت...فانا اصلا بالكاد اعرفهما،وحتي هما لا تعرفان بعضهما البعض رغم اننا جميعا نقطن في 3 شقق تشترك في منور واحد تطل بلكوناتنا عليه.بداية معرفتي بعيوش ومارغريت بدأت من خلال المنور.كانت كل منهما في بداية العقد الخامس من العمر،عيوش اتت من جبال اضنة مع عر من الاولاد كما نقول،وللامانة فانا لم اكن استطيع تمييزهم،فكأنهم ولدوا بالتتابع او بفارق اشهر قليلة،كنت اري الكبري،وهي لم تتجاوز الحادية عشر من عمرها تحمل تارة رضيعا وتارة طفلا لم يتجاوز العام من عمره وفي احيان اخرى طفلة لم تتجاوز العامين.كانت عيوش تبدأ صباحها من الخامسة فجرا،تشمر عن ساعديها ويعلو صوتها بلغتها الكردية التي لا افهمها ولكنها كانت تدندن منذ الفجر بصوت رخيم اخاذ يجعل الحساسين تجتمع علي غصن الشجرة المقابلة لشرفتها،وكلما علا صوتها وسط سكون الفجرتنسجم الحساسين والبلابل وتشدو كأنها ترد عليها.كنت اتسلل الي الشرفة مع انبلاج الفجر واجلس علي الارض مستمعا لها.لم تكن تحس بما حولها،تعمل دون كلل او ملل،صوتها اما مدندنا او زاجرا للصغار.كانت عيوش قد قدمت لاجئة الي هنا لكن طلب لجوئها قد رفض هي واطفالها وباتت تنتظر تنفيذ قرار ترحيلها,ورغم انه تم رفض لجوئها ,الا انها لم تغير عاداتها الصباحية وصخبها هي واولادها الملفت للنظر..عيوش او خلية النحل كانت لا تمل من الحركة والنشاط،.عام كامل لم ار رجلا في منزلها،وعرفت فيما بعد ان زوجها قد هجرها منذ اشهر وارتبط بامرأة مواطنة، واقنع عيوش انه بهذا يسعي لانقاذ العائلة من الترحيل،فما ان يأخذ الاقامة حتي ينفصل عن المرأة الجديدة ويعود لها ولاطفالها،كما كان يناديهم،من جديد.

عيوش اقتنعت بكلامه المعسول وباركت هجره لها،لكن قلبها كان يحدثها انه لن يعود لهذا البيت من جديد وحتى لو كان ذلك من باب الزيارة.ولهذا رتبت امور حياتها علي انها وحدها من سيتكفل برعاية الاطفال وقضاء جميع احتياجاتهم،من مآكل وملبس ورعاية صحية وحتي التعليم،مع انها كانت امية لا تقرأ ولا تكتب،وحتي الان لا تعرف من اللغة الجديدة الا كلمة صباح الخير.رغم هذا كله كانت عيوش باسمة السن الا عندما تغضب من اطفالها ،او حينما تحس ان احدا قد اساء لهم دون اي وجه حق او اساء لكرامتها،عندئذ تختفي بسمتها وتتحول الي لبؤة مفترسة.

في الشرفة المقابلة لعيوش تقطن مارغريت.ذات الطقوس الخاصة كما كنت اطلق عليها.تستيقظ في ساعة محددة كل يوم،تبدأ نهارها بحمام صباحي وتناول القهوة والكرواسة علي الشرفة،ثم تختفي حتى الظهيرة.طقوس الظهيرة كانت تتم بدقة كبيرة،تسترخي مارغريت علي كرسي بحر بعد ان ترتدي البكيني وتضع كاسا من البيرة المثلجة الي جانبها ونظارة شمسية علي عينيها تخفي اتجاهات بصرها وتزاول هوايتها اليومية بحمام شمس طويل وموسيقى لبيتهوفن.لكنها كانت تقفز من مقعدها كلما صرخت عيوش بأطفالها.في البدء كانت تنظر باستغراب للصرخات القادمة وتحاول أن تبحث عن مصدرها،لكنها ومع مرور الزمن تعودت عليها واصبحت كلما سمعتها تبتسم ابتسامة عريضة.

مارغريت لم تتزوج،رغم انها عاشرت العديد من الرجال ولفترات طويلة الا انها لم تنجب،حتي انها لم تفكر في الامر نهائيا فقد كانت رتبت حياتها وسلم اولوياتها:العمل اولا ومن ثم الرفاهية والاجازات والسيارة والكلب المدلل واخيرا الرجل والاطفال .

كانت عيوش تسترق النظر خلسة باتجاه مارغريت،وربما كانت تحسدها علي الحياة الهادئة والهنية التي تعيشها،دون صخب الاطفال وتحمل مسؤوليات هرب منها زوجها والقي بها علي كتفيها دون اي شعور بالذنب.ولكنها لم تنتبه ابدا الي ان مارغريت كانت تسترق النظر تجاهها كلما سنحت لها الفرصة.

كلا الجارتان كانت ترمقان الاخرى بنظرة الحسد،عيوش ترنو الى رغد الحياة والخلاص من شبح التسفير خارج حدود البلاد خاصة بعد ان دخل قسم من اطفالها المدارس وباتت تحلم لهم بمستقبل افضل من الذي عاشته في قريتها المنسية علي قمم جبال ذاك البلد البعيد،ومارغريت ملت من هدوء طال امده وتحلم بطفل يعيد لها الاحساس بالحياة ويشبع غريزتها كأم.

سنة كاملة لم تتبادل عيوش ومارغريت الا النظرات المسروقة ،لم تحاول اي منهما كسر حاجز الغربة بينهما،رغم تقاربهما في السن واعجاب كل منهما بنمط معيشة الاخري،الي ان جاء ذاك اليوم الذي استيقظ الشارع علي صراخ عيوش وثورتها كالبركان.كانت عيوش تصرخ بوجه شرطية ومحاطة هي واطفالها بمجموعة من الشرطة الذين قدموا لترحيلها الي بلادها،عيوش تزمجر وترسل كلماتها كقصف المدافع،والشرطة لا تفهم حرفا من كلامها،والاطفال يرتجفون خوفا ورعبا،والجيران يتفرجون ولا احد يتدخل.فجأة تظهر مارغريت وتقترب من الشرطة مستفسرة عن الامر،تجادل الضابط المسؤول،تفتح جوالها وتتحدث مع شخص ما،تقترب من عيوش،تحتضنها بعينيها وتربت علي كتفها مفهمة اياها أن لا تقلق.جادلت مارغريت الضابط لدقائق لكنه كان يهز برأسه بإشارات فهم منها الجميع من على بعد كأنها عدم موافقة علي كلام مارغريت.احتدت مارغريت وفتحت جوالها من جديد،تحدثت لبضع دقائق مع احد ما.انهمرت الدموع من عينيها،اقتربت واحتضنت عيوش التي كانت تراقب الجدل بين مارغريت والضابط،صرخت عيوش بينما كان رجال الشرطة يجرونها مع اطفالها الي الباص ...نظرت كل من مارغريت وعيوش ،كل باتجاه الاخري...وابتسمتا...بينما غابت عيوش واطفالها في الافق البعيد.



#عماد_ابو_حطب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناجاة اخيرة....
- صمت
- عندما يهجر أهل اليسار منازلهم/الحلقة 7/القسم 2: قيادة شهريار ...
- عندما يهجر أهل اليسار منازلهم/الحلقة 7/القسم الاول: قيادة شه ...
- حكاية السعد وعد/حكاية من حكايا ستي اليافاوية اللي لسه ما حكت ...
- حكاية سيدنا النملاوي/قصة قصيرة/عماد ابو حطب-محمد راضي عطا
- طواف وسعي مشكور
- هنالك من سرق رأسي
- رحيل
- ‫غريبان
- مرآة مكسورة
- اختفاء جيفارا-فصل من رواية-الفصل الخامس
- لم تكوني هنا...أو هناك..
- عندما يهجر أهل اليسار منازلهم/الحلقة6/عن اي يسار نتحدث?
- عندما يهجر أهل اليسار منازلهم/الحلقة 5/قابيل وهابيل يقتتلان ...
- اختفاء جيفارا /فصل من رواية/الفصل الرابع
- عندما يهجر أهل اليسار منازلهم/الحلقة3
- عندما يهجر أهل اليسار منازلهم/الحلقة 2
- اختفاء جيفارا/فصل من رواية/3
- اختفاء جيفارا/فصل من رواية/2


المزيد.....




- 5 منتجات تقنية موجودة فعلًا لكنها تبدو كأنها من أفلام الخيال ...
- مع استمرار الحرب في أوكرانيا... هل تكسر روسيا الجليد مع أورو ...
- فرقة موسيقية بريطانية تقود حملة تضامن مع الفنانين المناهضين ...
- مسرح تمارا السعدي يسلّط الضوء على أطفال الرعاية الاجتماعية ف ...
- الأكاديمي العراقي عبد الصاحب مهدي علي: ترجمة الشعر إبداع يوط ...
- دراسة تنصح بعزف الموسيقى للوقاية من الشيخوخة المعرفية.. كيف؟ ...
- كتّاب وأدباء يوثقون الإبادة في غزة بطريقتهم الخاصة
- حين أكل الهولنديون -رئيس وزرائهم-.. القصة المروّعة ليوهان دي ...
- تكريم الإبداع والنهضة الثقافية بإطلاق جائزة الشيخ يوسف بن عي ...
- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد ابو حطب - عيوش ومارغريت.../قصة قصيرة