زياد ميشو
الحوار المتمدن-العدد: 3075 - 2010 / 7 / 26 - 08:30
المحور:
سيرة ذاتية
وصلنا الى الحدود الاردنية ، وأنهينا معاملة الدخول الى الاردن ، ولاحظت أن الموقع نظيف ومنظم عكس الموقع العراقي، فأستنتجت أن البلد نظيف ومتحضر ، الى أن أحتجت أن أستعمل المرافق الصحية ، فوجتها قذرة ، طافحة بالمياه الوسخة ولاسبيل الى إستعمالها ، فتغيرت الصورة لدي ، وان حالهم حال بلدنا من الخارج نظيف ومن الداخل قذر ، قد لايتصور البعض أن المرافق الصحية ، هي من يعطي الانطباع الاول ، عن مدى تحضر البلد ونظافته ، وتقدم وتحضر شعبه .
بعد أن أنهينا معاملات الدخول ، أخذتُ نفساً عميقاً ، وتغيرت حالتي النفسية ، وشعرت بالامان وانني في عالم جديد ، أول ما فعلته أشتريت لابني قنينة بيبسي من الحجم الكبير وموز ، ليتذوق الموز ويستمتع بالمشروب ، وليعرف انها موجودة بالحقيقة وليس بالصور ، ركبنا السيارة وتحركت بنا باتجاه عَمان ، وكانت الطبيعة مختلفة فالاول مرة أرى الارض ، مزروعة بصخور سوداء مختلفة الاحجام ، تملأ الأرض على مد البصر ، وبعد أن كانت الارض في العراق منبسطة ، أصبحت متعرجة وبها تلول وهضاب .
ومما لفت نظري ، أن القرى والمدن التي مررنا بها ونحن في طريقنا الى عَمان ، تتوفر في دكاكينها ومحلاتها جميع المواد الضرورية والكمالية ، مع العلم ان الاردن بلد فقير ولاتتوفر فبه الموارد الطبيعية ؟؟ ، على عكس العراق الغني بكل شئ ، ولكنه فقير في كل شئ ؟؟!! .
وصلما الى عَمان ، وعَمان كمدينة تختلف كثيراً عن بغداد ، بغداد مدينة تقع في اراضي سهلية ، ومبانيها منتشرة بشكل افقي ، أما عَمان فهي مدينة مبنية على سبعة جبال وبناياتها متشابهة وذات لون واحد ( أبيض ) وبشكل عام كمدينة تحس بها بالراحة .
الأردن كبلد بقدر ما احتضن هموم ومشاكل العراقيين ، وبنفس القدر قدم نوع او أنواع جديدة ، من العذاب والنصب والاحتيال والتحقير للعراقيين ، كنا نسكن مساكن أشبه بالمزابل ، وبمبالغ عالية ، كان العمل ممنوع علينا ، وممنوع علينا الحصول على الاقامة لمدة اكثر من ستة اشهر ، كان العراقي ينفق من الاموال التي استطاع جلبها من العراق ، او من المساعدات التي تأتيه من أهله في الخارج ، وكانت الحكومة الاردنية تستلم المساعدات من الامم المتحدة ، والدول الاوربية باسم اللأجئين العراقيين .
بعد فترة أدركنا ، اننا ممكن ان نكون ثمن لاي صفقة سياسية تعقد بين العراق والاردن ، أو الاردن وبعض الدول الاخرى ، منذ الاشهر الاولى فقدنا الامل في الهجرة الى دول اخرى ، لوجود كم هائل من النصب والاحتيال ، وبيع لجوازات مزورة ، والاوراق المزورة ، وكذلك لخطورة السفر بالبحر والبر ، فما كان سوى التكييف والعيش في بلد العجائب .
وهنا ساستعرض بعض الذكريات التي عايشتها في عَمان ، مرة شاهدت الاردنيون يقفون في طابور ، وكان هناك مجموعة من الشباب العراقيين يوزعون سندويشات الكباب ، والسبب مناسبة عاشوراء ؟؟!! ، هؤلاء الشباب الذين لايملكون المال لمعيشتهم ؟؟ ، يتناتدون ليجمعوا مبلغاً من المال لممارسة طقوسهم وعاداتهم !!! ، سمعت احد الاردنيين يصفهم بالغباء ، وهو محق بعض الشئ ، ولكني تكابرت ، وقلت له ، إن هولاء على الاقل لديهم معتقد وفرض يؤمنون به ، ولكن انتم ماذا لديكم .
الاردنيون متجهمون بصورة عامة ، وهم قليلوا الابتسام ، وإن سمعت شخصاً يضحك بصوت عالي فتأكد بأنه ليس اردنياً !!!! ، على عكس العراقيين ، الذين تعرضوا عبر تاريخهم الطويل ، الى كم هائل من العذاب والاضطهاد ، ولكنهم مازالوا ينكتون ويضحكون من قلوبهم حتى على انفسهم . والاردنيون متدينون بصورة متطرفة ، حيث تغلق الشوارع الجمعة اثناء الصلاة ، لان الجوامع تكتظ بالمصلين فيخرجون للشوارع للصلاة ؟؟!! .
وحدث لي مع بعضهم موقف طريف ، في أحد الايام منا ننتظر سيارة أجرة انا وأخي وزوجته وأبنته ، فأوقفنا واحدة ، وكان بها رحلان يبدو عليهم التدين ، لانهما ملتحيان ، واحد كان يجلس بالامام جلست بجانبه ، والثاني في الخلف جلس بجانبه أخي وعائلته ، وكانت إبنة أخي عمرها سنتان ، وبدأت بملاعبة الرجل الملتحي ، فرح الرجل بذلك ، وبدأ الحديث مع اخي وقال له ، الله يخليها ، ولكن لماذا لاتلبس زوجتك اللباس الشرعي ؟؟ ، فأجابه اخي اننا مسيحيون ، ، فقال له لكن العذراء مريم كانت تلبس الحجاب ، فرد عليه أخي بخبث ومكر ، ولكن لو كان في زمانها الجينز للبسته !! ، وفي نفس الوقت كان الشخص الجالس بجانبي يتطلع بساعتي ويتأفئف ، فأنتبهت لساعتيوكان بها صورة المسيح ، ولم انتظر طويلا ، حتى بادرني بالسؤال ، لمن هذه الصورة ؟؟ ،فأحببت إختزال النقاش الافلاطوني ، من قبيل شبه له والصور حرام .....الخ ، فقلت له انها صورة الموناليز شقيق الموناليزا !!!!! فسكت كانه اصيب بالسكتة الدماغية .
الاردنيون يحبون كرة القدم ، وهناك فريقين في القمة ، فريق الفيصلي وهو فريق الاردنيين ، وفربق الوحدات وهو فريق الفلسطينين ، والمبارة بين الفريقين تعتبر معركة حقيقية ، كمعركة الداحس والغبراء !!، والفوز بها يعتبر نصراً عسكرياً على دولة كبرى !! ، وما ان تنتهي المبارة ، ولايهم من يكون الخاسر او الفائز ، حتى يبدأ الجمهور بالزحف الى الشوارع ، ويبدأون بتكسير السيارات ، وتجري معارك بين انصار الفريقين وتغلق الشوارع ، ويصبح الازدحام لايطاق ، ويبقون على هذه الحال فترة طويلة ، ويصاب الكثير من الناس الضرر بسبب المعارك والازدحام ، انها بنظرهم حرب بين العشائر والقبائل والطوائف ، وغزوات لاثبات الذات وتحقيق البطولات ، وليست لعبة رياضية !!! ،
لم يكن يُسمح للاطفال العراقيين بالدراسة في المدارس الاردنية ، وبعد سنة ونصف سمح لهم ، فقمت بتسجيل إبني في الصف الثاني الابتدائي ، ولم يسبق له الدراسة قبل ذلك ، فقمنا بتدريسه انا وزوجة اخي ، وأجتاز إمتحان نصف السنة ، وكان الثاني على صفه ، وفي اخر السنة كان الاول على المدرسة ، وفي السنتين التاليتين كان الاول على مدارس طائفة اللاتين في عَمان ، كان ابني وحيداً ، فبحكم الظروف لم يكن له اصدقاء ، فكان يجلس معنا ويستمع الى حواراتنا ، والجدل الذي يجري بيننا ، ويلتقط ويحفظ منا بعض العبارات ، في احد المرات كنت غاضباً عليه لعمل قام به ، فرد على غضبي بقول ، أنساني الغضب وأجبرني على الضحك ، الاوهو ( قيادة حكيمة وشعب جبان ) ولحد الان عندما اتذكر هذه الجملة اضحك من اعماقي .
انتقل اخي للعيش في لبنان ، ، وبعد فترة بدأت الدنيا تضيق بنا ، حينما بدأت الحكومة الاردنية بالإيعاز الى اجهزتها الامنية ، بتتبع وملاحقة العراقيين ، الذين ليست لهم اقامة رسمية ، وتسفيرهم الى العراق ، من دون مراعاة ظروفهم في العراق ، فقسم كبير منهم قد يتعرضون للسجن او الاعدام . قام الجيران بحمايتنا اكثر من مرة ، فعندما يسالونهم عن وجود عراقيين ، ينكرون وجودنا ، ولكني شعرت يالضيق حين رأيت ابني شاحباً ولايقبل الدخول الى الحمام ؟؟ ، وعند السؤال عن السبب ، قال انه يخاف من سحب الماء ( السيفون ) فقد تسمع الشرطة صوت الماء فيمسكوننا ويرحلوننا ، وحدثت حادثة لازالت عالقة في ذاكرتي لوحشيتها ولا إنسانيتها ، حيث ألقت الشرطة القبض على إمرأة حديثة الولادة مع إبنتها البالغة من العمر يومين وزوجها ، وبعد 17 يوماً توفت المرأة وتركت الطفلة لوحدها ، وكان الزوج في مكان اخر لايعلم بما حدث ، التجأنا الى احدى العوائل الاردنية ، وكتنوا كريمين معنا ، واستلموا الطفلة وأعطوها لخادمتهم لترعاها ، مقابل مبلغ معين نجمعه نحن العراقيين بيننا ونعطيه للخادمة مقابل الرعاية ، وبعد عشرة ايام رحلوا البنت مع والدها الى العراق . فاكتملت لدى صورة الاخوة ، والنخوة العربية ، وإغاثة الملهوف ومساعدة الغير !!!؟؟؟ . وإيقنت اننا نحن المسيحين الساكنيين في المنطقة التى تُدعى عربية ، محكومين بحكام تفانوا على طردنا ومكافحتنا ، كاننا جراثيم معدية .
قررنا الرحيل الى لبنان ، عسى ولعل نجد مكان ، يرحمنا ولا يكافحنا ، ويحترم إنسانيتنا ، ويوفر لنا الامن والسلام ، ونعيش كما يعيش باقي البشر ، وتخطيت مشكلة الجواز العراقي المنتهية صلاحيته ، فقد سعرت السفارة العراقية ، سعر التجديد ب 500 دولار للجواز الواحد !! وانا لااملك هذا المبلغ ، فاضطررت الى تجديد الجوازات في السوق السوداء عند المزورين ، الذين كانوا ارحم من السفارة العراقية ، وسافرت الى لبنان بالجواز العراقي المزور
شكراً والى اللقاء في لبنان في الجزء القادم .
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟