زياد ميشو
الحوار المتمدن-العدد: 3047 - 2010 / 6 / 28 - 06:50
المحور:
سيرة ذاتية
قبل أسابيع قليلة كنتُ جالساً أُفكر ، فخطر على بالي إخراج صوري القديمة ، لأسترجع بعض الذكريات ، وياليتني لم أفعلها ؟؟ ، حين بدأت اتصفح ألبومات الصور ، شاهدت مجموعة من الصور ، لأحباب وأعزاء من الأقرباء وألأصدقاء ، الذين ماتوا في حروب القائد الضرورة ، وأخرين بأمراض مستعصية ، وأخر قتل في السجن وأخر قضى زهرة شبابه بأقفاص الأسر في إيران ، فتذكرت لماذا وكيف تولدت لدي ولدى عائلتي فكرة الهجرة .
عادت بي الذاكرة الى الفترة التي أنهيت فيها ألدراسة ألثانوية , في ذاك الحين كنتُ عاشقاً للسفر ،والترحال بين مُختلف دول العالم ، فكنت أحلم بأ أكون طياراً مدنياً لتحقيق رغبيت بالسفر ، أو طياراً عسكرياً ، لأتمكن من حماية تفسي وأهلي من خطر الناس والشارع .
قدمت أوراقي ، وأجتزت الفحوص الطبية بنجاح ، ولكني رفضت لسببين السبب الأول ( اني غير منتمي للحزب ) والثاني ( لدي أقرباء في الخارج ) ، كأنها لعنة أن تكون مُستقلاً ، ولعنة أن أقربائي إختاروا الهجرة الى بلد أخر !! .
أحدث هذا الرفض شرخاً في داخلي ، كيف وأنا المواطن العراقي لاأستطيع أن أحقق حلمي البسيط ، بينما غيري من غير العراقيين يصولون ويجولون في بلدي ؟؟!! .
أكملتُ بعد-ها دراستي في معهد النفط ، وتخرجت بدبلوم كهرباء ، جرت العادة أن يُنتدب خريجوا معاهد النفط ، للعمل في وزارة النفط ، بدون المرور بالخدمة العسكرية ، ولكنني لم أُنتدب لنفس السببين السابقين !! , إلتحقت بالخدمة العسكرية ( كانت في فترة الحرب العراقية الإيرانية ) ، وكنت أبحث عن اي وسيلة للتهرب من هذه الحرب العبثية ، فتوسطت لإنتدابي بالتصنيع العسكري فرفض طلبي للسببين السابقين ( مُستقل ـ ولدي أقرباء في الخارج ) !! .
أكملتُ دورة التدريب ألأساسي ، ثم نُقلت حسب إختصاصي ، الى أحد ألمراكر ألعسكرية ألفنية ، للأختصاص بأحد الصنفوف الفنية , التحقت بالمركز الجديد ، وقسمنا الى مجموعتين ، فصيل للخريجين ، وعدة فصائل للمتطوعين الذين لاتزيد أعمارهم عن السابعة عشر . من الطرائف التي أتذكرها عن هذه الفترة هذه الطريفة ، في أحد ألأيام أتى الى فصلينا ، أحد نواب الضباط ، ويدعى أبو الفاو ، وكان ضخم الجثة داكن البشرة ، أُصيب في واحدة من المعارك ، ونقل بعدها الى الوحدات الثابتة وكان أُمياً
( لايقرأ ولايكتب ) ، وكان مكلفاً بإجراء إحصاء عن الجنود ألأُميين والذين يعرفون القراءة والكتابة ، وأخذ يسألنا الواحد تلو ألأخر وكان سؤاله هل تعرف القراءة والكتابة ام لا ؟؟ ، وصل الى الجندي الذي كان بجانبي ، وهو حاصل على الماجستير بالهندسة ، وسأله نفس السؤال ، وكان جواب الجندي ( عندي ماجستير ) ، فرد عليه بعصبية شديدة ( إنشاء الله عندك سل ، تقرا و تكتب لو لا ؟؟ ) ، فضحك الجندي ، وضحكنا معه ، وكان يوماً عصيباً مليئاً بالعقوبات والواجبات ، وكلف عصام ( صاحب الماجستير ) بحراسة خروف امر ألفصيل ألمُهدى له من أحد الجنود !!! .
من المواقف المُحزنة والمُرعبة التي لن انساها ما دمت حباً لبشاعتها وقُبحها . أُخذنا في أحد ألأيام الى أحدى الساحات ، لمشاهدة إعدام خمسة من الجنود ( الخائنين ؟؟ ) رمياً بالرصاص أمام عوائلهم ، ولانعرف ماهي تهمتهم ، هل هم سياسيين ؟؟ أم فارين من الخدمة العسكرية ؟؟ المهم خمسة اشخاص اعترضوا وقالوا لا ، لمواقف تتعلق بحياتهم ، أو بمعتقداتهم السياسية ، أو الدينية ، فإعدموا أمامنا ، وأمام عوائلهم ، بصورة بشعة ولا إنسانية ، وتملكني إحساس غريب ، كم هو الإنسان رخيص في بلدي ولا قيمة له
( رصاصة بعشرة فلوس ) ؟؟!!.
حلت السنة الثامنة من الحرب ، وكنا قد فقدنا ألامل بانتهائها ، فقررت الزواج من الفتاة التي أُحب ، تزوجت ومر شهر على زواجي ، واذا الحرب قد انتهت ، وكانت فرحتنا لا توصف ، وبعد سنة رزقت بطفل جميل ملأ حياتي فرحاً وحبوراً .
استمرت ألأيام تجري ، حتى جاء قرار إحتلال الكويت ، الذي أقام الدنيا ، ونقل العراق بالعد العكسي ، الى السقوط السريع ، ومراحل الانهيار ، السياسي ، والأقتصادي وألإجتماعي وبداية النهوض من سبات عميق ، للتيارات الدينية والتي كانت كخلايا شبه ميتة ، وأعيدت للحياة وبتشجيع من الدولة .
صبرنا بعدها على أمل تحسن ألأوضاع ، وفكرت ببناء بيت جديد في حديقة المنزل ، عش صغير أجمع به عائلتي الصغيرة ، وأتذكر يوم فاتحت أبي بموضوع بناء البيت
إنهمرت الدموع من عينيه ، وقال لي هل تفكر بتركنا ؟ ، فاجبته أنا هنا ولي باب مشترك معكم فكيف أترككم ؟؟. هكذا كانت الروابط العائلية ، التي تربينا عليها في مجتمعنا القديم ، وهي تعطي ألإنسان ألأحساس بالأمان والقوة .
أتى عام الهجرة ، حيث بدأ الأعلام يوحي بأعادة إحتلال الكويت ثانية ، بدأت العائلة بالاستعداد للخروج من العراق ، وكانت هناك صعوبة بإستخراج جوازات السفر ، والبعض كان رافضاً للفكرة اساساً ، أذكر يوم سفر أهلي ، عاد والدي من العمل في الساعة الرابعة مساءً ، وذهب الى طبيب الأسنان ، وكانت السيارة تنتظره ، وكأنه مجبر على السفر ؟، وكان كشجرة قديمة قُلعت من جذورها ومن تربتها التي نمت وكبرت فيها ولتنقل الى مصير مجهول ؟؟.
سافر أهلي ، وبقيت أنا وزوجتي التي تنتظر مولوداً جديداً ، أتى ولدي الثاني ، وأنا في بيتي الجديد ، الذي عشت به اياماً قليلة ، قبل أن أغادر أنا ايضاً ، تعرضنا لبعض الضغوط بعد خروج أهلي ، وتقبلنا نصيحة ألأصدقاء بالخروج الفوري ، وكان عمر أبني 27 يوماً فقط ، وكانت زوجتي أول فرد من عائلتها يترك العراق ، ولايمكن وصف حالتها النفسية ، فقد فقدت أهلها وبيتها الجديد ، الذي لم تسكنه إلا لأيام قليلة ، وتتركه حتى هذا اليوم ، تعبث به أيادي قذرة ، اباحت لنفسها العبث بمقدرات الغير .
ركبنا السيارة مغادرين الى الأردن ، وكانت تتملكني حالة رعب شديد ، مما قد أتعرض له من سيطرات التفتيش المقامة على الطريق الدولي ، من قبل أجهزة ألأمن المختلفة ، التي قد تعيدني الى بغداد ، وكانت حالتي النفسية أصعب ، بسبب فراق أبدي لأصدقاء وأقرباء أحبهم ، وخوف من تجربة جديدة في المجهول .
وصلنا الحدود ، وأنهينا معاملات الخروج بشق ألأنفس ، فرحت وتهيئت لركوب السيارة ، ونظرت الى الخلف لألقي على بلدي النظرة الأخيرة ، فشاهدت زوجتي حاملة طفلها ، وعينيها مغرقة بالدموع ، ناظرة الى وطنها ، فسحبتها من يدها ، وولدي الأخر يتراقص أمامي ، وكان هناك سؤال يجول في خاطري ، هل أراك يا بلدي
من جديد ؟؟!! .
شكرا
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟