زياد ميشو
الحوار المتمدن-العدد: 2986 - 2010 / 4 / 25 - 03:20
المحور:
المجتمع المدني
ما هو الوطن ؟ هل هو قطعة أرض وحفنة تراب ؟ أم هو ذكريات جميلة ومؤلمة في نفس الوقت ؟
العديد من المقالات لكُتاب ، يعتبرون الوطن هو قطعة الأرض التي عاش عليها ، ويحاول بكل جهده تسجيل الإيجابيات ، ويهمل السلبيات ، مَثله مَثل الذي يبني جداراً ، ويحاول بكل وسيلة ، ان ليترك اي ثغرة ، في الجدار ، يستطيع الهواء أن ينفذ منها ، خوفاً من أن يُنتقد على عمله ، وتجنباً لردود الأفعال السلبية .
وقسم من الكُتاب يكتب عن الوطن بإسلوب ، بالروح بالدم نفديك يا وطن . وكُلنا فداء تُرابك الغالي . أو أنا وعشيرتي فداء حفنة من ترابه . وهذا يذكرني بالأقلام التي ساهمت ، في بناء ورفع ، طُغاة بلدنا السابقين والاحفين .
وهنال من يَتَغنى ، ويمجد ، بتاريخ بلاده ، ووخيرها العميم ، وتأثيرها على باقي الحضارات ، كإننا بالتاريخ نبني بلدنا ، وندافع عنه ؟ وحالهم كحال وزير خارجية سابق للعراق ، عندما سُئل ( كيف تُحاربون أمريكا ، وهي بهذه القوة ، وبترسانة الأسحلة المدمرة ، وبجبروتها ؟ ) فأجاب ( نحن شعب يملُك حضارة عُمرها 4000 سنة !!؟؟ ) فحلمنا بسيف ، صلاح الدين يُمزق الدبابات الأمريكية ، ودرع اليد يصُد الطائرات المُغيرة !!! وحدث ما حدث .
ماذا قدم لنا الوطن ؟
منذ عام 1958 والإنقلبات تتوالى ( ويسمونها بالثورات !! ) 1963 و 1968 وعشرات من محاولات الإنقلاب الفاشلة ، والنتيجة آلاف من القتلى ومئات الآلاف من المسجونين ، وقتل ، وسَحل بالشوارع . ومشانق تُنصب لكل من يُشتبه به بانه مُعادي للنظام ، نساء ترملت ، وأطفال تيتمت ، وبيوت هدمت ، وأموال بُذِرت ، كل ذلك بدعوى التغيير !! وياله من تغيير !! . ثم أُمْ الكوارث الحرب مع إيران وبعد ( النصر ) اتت مرحلة أُمْ المهالك إ حتلال الكويت . والخسائر ، والضحايا معروفة ,
وأبتلينا بقادة وزعماء ، من امثال الزعيم الأوحد الذي هو فوق الميول والإتجاهات ، والرئيس صاحب القول المشهور ( لاججو ولا ميخا بعد الأن ) كأن ججو وميخا هما سبب كل المصائب والكوارث التي حلت بالأمة العربية ( المجيدة ) . ثم الرئيس المؤمن . والقائد الضرورة ، وغيرهم
هذا ما قدمه لنا الوطن ، حروب وحروب ، وإنقلابات ، وقادة طُغاة ، ودكتاتورية همجية ، وكوارث ، وحمامات دم .
ماذا قدمنا للوطن ؟
خلال كل هذه الحروب فقدنا ، الكثير من الاحباب ، من الأقرباء ، والأصدقاء ، الذين سقطوا قتلى في حروب الطغاة العبثية ، وأخرين اضاعوا زهرة شبابهم اسرى ،
خسرنا السلام ، والأمان ، وخسرنا حُريتنا فلم يكن باستطاعتنا ان نعترض او ننتقد اي شئ فالموت جاهز . والأهم من ذلك كله فقداننا لكرامتنا ، حيث كُنا مُعرضين للإهانة من اي صاحب سلطة إن كان شرطي أو صاحب قلم مُرتزق ، أو صاحب قوة ممنوحة له من القيادة التي تحكم بإسم الشعب !! وهذه القيادة كانت تُعاملنا كالغَواني ، فكل شئٌ مباح لها ، ونحن عبيدُها .
صَبرنا ، وتحملنا ، أملاً وحلماً بالحرية ، والخلاص من الدكتاتورية .
وأخيراً أتى زمن التحرر والديمقراطية الموعود ، فماذا حصل ؟؟
وصلت مجموعة من الحُكام ، غريبة ، عجيبة ، وماضيهم أغرب ، فواحد منهم كان يُفجر القنابل بالمدنيين ، في السينمات ، والشوارع ، والمَسيرات ( التي كانت المشاركة فيها إجبارية ) وقد إعترف هذا القائد بإنه كان يتعاون مع مُخابرات لدول عديدة .
والقسم الأخر كان ( مَجلسه ) يمارس هواياته السادية والطائفية ، في تعذيب ، وقتل أسرانا ،في معسكرات الأسر في إيران .
وقسم أخر تاجر بقوت الشعب ( خلال الحصار ) بمنع الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية بالمرور بإرضه إلا بعد دفع الرشوة .
وقسم أخر حرم الموسيقى والغناء ، وحرم على النساء ، شراء الخيار والموز لانها ( رموز ذكورية ) .
والعالم العظيم الذي حرم لعبة كرة القدم ، وأعتبرها عاراً على الرجال ، وطلب من الناس ممارسة الفروسية والسباحة !!؟؟ ، والسباحة أين في ( برك الدم ) !!؟؟ .
وأخرين ، إرتبطوا بتنظيمات ارهابية ، مثل القاعدة ، وساعدوها في قتل شعبهم !!؟؟ .
هذا ما قدمناه للوطن ، حريتنا ، كرامتنا ، شبابنا ، إحبابنا ، صحتنا ، امالنا ، احلامنا ، ومُستقبلنا ، وطموحنا ، والكثير .
وأخيراً أُجبرنا على الهجرة ، فماذا حَصلنا في مَهجرِنا ، على إعانات مادية نفرح بها ، وإقامة في دول نجهل قوانينها ، وعاداتها ، وتقاليدها . والتي مهما قدمت لنا أو قدمنا لها سنبقى نشعر باننا مواطنين من الدرجة الثانية .
الميزة الكبيرة التي حصلنا عليها في المهجر ، إن أبنائنا يعيشون بإمان ، وسلام ، ويمارسون حريتهم ، ويختارون طريقة حياتهم بكل حرية ، وأصبحوا يشعرون بإنسانيتهم .
السؤال : ـ ماذا قدم لنا ( الوطن ) مقابل ما حَصَل لنا ؟ لاشئ ، فقط الذكريات ، بحلوها ، وبمرها .
لذا أنا أُفضل إطلاق تسمية ( بلد الذكريات ) بدل ( الوطن ) لانه أجمل وأقرب للحقيقة . وهنا يحضرني قول الإمام علي ( الفقير في وطنه غريب ) وأنا أقول المظلوم والمضطهد في وطنه غريب .
وختاماً أطلب من السادة الكُتاب ، بدلاً من التمجيد والمدح الفارغ للوطن ، الكِتابة عن مُعاناة الناس من الظلم ، وألأضطهاد ، والكبت ، حتى نسجل ذلك للتاريخ ، لتعرف اللأجيال القادمة الأثمان التي دُفعت في سبيلهم .
شكراً
#زياد_ميشو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟