أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - يحيى محمد - النظام الوجودي وتحليل العلاقة الوجودية















المزيد.....



النظام الوجودي وتحليل العلاقة الوجودية


يحيى محمد

الحوار المتمدن-العدد: 3074 - 2010 / 7 / 25 - 02:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هناك ثنائية نسبية يمكن ان يلتمسها الباحث داخل موضوعات اي نظام معرفي يراد تسليط ضوء البحث والكشف عنه. وتفترض هذه الثنائية ان يكون هناك طرفان من الموضوعات يقوم احدهما بدور المحور المرجعي في تحديد ما يترتب عليه الاخر. فالطرف الاول هو بمثابة المنطلق المعلوم في قبال الطرف الاخر المجهول. وغالباً ما تتعدد المحاور المرجعية، واحياناً قد تتبادل الادوار بينها وبين الاخر، وذلك تبعاً لطبيعة ما يراد كشفه من القضايا المعرفية. وفي النظام المعرفي الوجودي للفلسفة والعرفان نجد ان على رأس المحاور المرجعية في تحديد الاخر هو ذلك المتمثل بمبدأ الوجود الاول او الذات الالهية. وعليه فان قراءتنا لهذا النظام ستعمل على كشف وتحليل الصلة الكائنة بين هذا المحور المرجعي وبين الاخر، وذلك تبعاً لاستحكام منطق السنخية الذي اتخذه النظام كأصل مولد للانتاج والفهم المعرفي، مثلما اوضحنا ذلك في كتاب (مدخل الى فهم الاسلام).
على ان (الاخر) في علاقته مع الذات الالهية يتخذ اشكالاً متعددة: فتارة ان (الاخر) يعبّر عن الماهية عندما تكون الذات هي الوجود، وثانية يعبر عن الصفات عندما تكون الذات ذاتاً موصوفة، وثالثة يعبر عن المعلول والشؤون عندما تكون الذات علة وأصلاً. وجميع هذه العلاقات محكومة بمنطق السنخية كمولد معرفي.
ويمكن تلخيصها بأنها علاقة وجود، وعلاقة ادراك، وعلاقة تنزيل. حيث يكون للذات علاقتها الوجودية بالاخر، وكذا علمها به، وايجادها وتكوينها له. فالذات في العلاقة الاولى هي محض الوجود، وفي الثانية محض العقل، وفي الثالثة محض العلة والاصل.
وهذا التقسيم الثلاثي للرؤية الوجودية يناسب التصور الذي تطرحه كل من الرؤيتين الفلسفية والعرفانية. فعلى صعيد الرؤية الفلسفية ان الذات الالهية - او الوجود المحض - تُنشئ التنزيل بالعلم والادراك. فهذا العلم هو سبب الوجود النازل ولولاه ما كان هناك تنزيل قط، ولا كانت هناك رابطة بين الذات والآخر. أما بحسب الرؤية العرفانية فهناك ثلاث حضرات الهية، وهي حضرة الذات وحضرة الصفات وحضرة الربوبية او الافعال، والاولى هي الذات بغض النظر عن كل شيء، والثانية هي الحضرة العلمية، حيث ان العلم هو اول ما تعينت به الذات. ومن حيث المقارنة فإن الحضرة العلمية لا يمكن تصورها من غير حضرة الذات، والعكس ليس صحيحاً. وكذا فإن الحضرة الربوبية تعتمد بدورها على الحضرة العلمية من غير عكس، حيث لولا الاخيرة ما كانت الاولى، وذلك باعتبار ان الافعال تتقوم بالعلم دون العكس. فهذا المعنى نجده عند ابن عربي الذي اعتبر مراتب الوجود هي هذه الحضرات الثلاث: المرتبة الاحدية التي لا وصف لها ولا اسم ولا رسم، فهي في عماء كما جاء في بعض الاحاديث. والمرتبة الواحدية او الالهية التي هي حضرة الاسماء والصفات السبعة وعلى رأسها صفة العلم، حيث ان اول تعينات الذات الالهية او الاحدية هي علمها بذاتها، وصفة العلم لها مقام الامام بالنسبة الى بقية الصفات. فالعلم متقدم على الارادة والقدرة والكلام والسمع والبصر. وحتى صفة الحياة رغم انها متقدمة على العلم وجوداً فانها لا تستحق الامامة لتقدم العلم بالشرف، اذ الحياة لا تظهر الا بالعلم والادراك، فهي بالتالي كالشرط والاستعدادية . ثم ان العلم يقتضي وجود الاعيان الثابتة، او حقائق الاشياء، ومنه تظهر بقية الصفات كالقادرية والمشيئة والتكلم اياها وشهودها سمعاً وبصراً، ومن ذلك يتبين دور ما يأتي من المرتبة الثالثة المسماة بالربوبية .
على أن ما يهمنا – هنا - هو العلاقة الأولى، أو علاقة الوجود فحسب.
لقد شغل مبحث الوجود لدى الفلاسفة المسلمين مكانة هامة، خصوصاً ان الفلسفة تُعنى - كما في تعريف الفارابي لها - بالبحث في الموجودات بما هي موجودة . فالوجود هو اوسع مفهوم للفلسفة واكثرها تجريداً، وقد اتخذه المتأخرون من الفلاسفة اول واهم المباحث التي يعول عليها في تحديد قضاياهم الفلسفية.
لقد بدأ مفهوم الوجود كتعبير اضطر اليه الفلاسفة لوصف مبدأ الوجود الاول (الله). فهذا الاصطلاح يحمل العديد من الدلالات الفلسفية المفيدة، ولهذا الغرض وظفه الفلاسفة المتقدمون ضمن الجهاز المفاهيمي للمنظومة الفلسفية، مع اعترافهم بانه مفهوم مجازي لا يكشف عن طبيعة الهوية الالهية. هكذا بدا الحال في اول الامر كالذي يدلي به ابن سينا على ما سنطلع عليه فيما بعد. لكن هذا المفهوم تعدى التعبير المجازي ليتخذ فيما بعد صفة الحقيقة الفعلية عند المتأخرين، بل وحتى عند المتقدمين احياناً، وذلك بغية التخلص من عدد من الاشكالات الفلسفية، طالما ان الفلاسفة محكومون بالتعبير عن الاشياء ضمن الحصر المألوف بين الوجود والماهية، فالشيء هو إما ان يكون وجوداً او ماهية، واذا كان من المحال وصف مبدأ الوجود بالماهية، فانه لا محالة ان يكون وجوداً. فشهاب الدين السهروردي رغم انه يرى بان حقائق الاشياء تعبر عن كونها ماهيات وليست وجودات، فالوجود عنده اعتباري ذهني محض، لكن كما ينقل عنه انه يستثني من الامر مبدأ الوجود الاول وذلك ليتخلص من الاشكالات التي يمكن ان ترد فيما لو اعتبر هذا المبدأ ماهية. وقد توسع الامر لدى صدر المتألهين (المتوفي سنة 1050هـ)، حيث تجاوز المفارقة التي سقط فيها السهروردي، وهي المفارقة التي تجعل وجود نوعين من الطبيعة يختلفان كل الاختلاف، وهي طبيعة العالم العلوي الذي حقيقته الوجود، وطبيعة العالم السفلي الذي حقيقته الماهية. وبالتالي فمن حيث منطق السنخية لم يتقبل هذه المفارقة، فالكل إما ان يكون وجوداً او ماهية، واذا كان الاصل وجوداً فان ما يصدر عنه يتحتم ان يكون وجوداً هو الاخر. وبذلك اصبح القول باصالة الوجود من المسلمات الفلسفية لدى المتأخرين. الامر الذي جعل كتبهم تنطبع بهذا الطابع من البحث حول الوجود ومراتبه وعلاقاته تبعاً لذلك المنطق.
لكن ما حقيقة ما يقصده الفلاسفة من الوجود وعلاقته بالماهية؟

تحديد العلاقة الوجودية
يلاحظ ان المتأخرين من رجال النظام الوجودي قد بحثوا العلاقة الكائنة بين الوجود والماهية، سواء فيما يتعلق بمبدأ الوجود الاول المطلق عليه (واجب الوجود)، او ما يتعلق بالممكنات الصادرة عنه. لكن البحث عندهم اخذ نوعاً من التفكيك بين المطلبين، واحياناً فان النتائج التي ترتبت على ذلك كانت نتائج مختلفة لعدد من المبررات كما سنطلع على ذلك. بل ان الامر قد اضطرهم في الكثير من الاحيان الى الانسياق نحو التعويل على مفهوم الوجود ضمن معان متعددة لا تخلو من غموض والتباس. وسنرى انه في السياقين من البحث، اي سواء تعلق الامر ببحث حقيقة واجب الوجود، او بحث حقيقة ما عليه الممكنات الموجودة، نجد هناك من النصوص المصرح بها ما يجعل المفهوم الذي يتحدثون عنه مفهوماً متعدد المعاني، بل وتتضارب مدلولاته احياناً.
وقبل الدخول في البحث عن حقيقة ما عليه الشيء الخارجي إن كان ماهية او وجوداً، ضمن الخلاف الفلسفي المعروف، لا بد من التعرف على معاني كل من هذين المفهومين.

معنى الوجود والماهية
المقصود بالماهية - كم يُذكر - انها تطلق على معنيين: احدهما ما به الشيء هو هو، وهي بهذا المعنى قد تطلق على نفس الوجود ايضاً، فيعبر بانها نفس الإنية او تأكد الوجود ، بذلك تتخذ طابع الاعم، فكما تطلق على الوجود تطلق على غيره. لكن ما يراد من المعنى الاخر الذي يقابل الوجود - في محل النزاع - هو ما تكون في جواب (ما هو) جنساً كان او نوعاً، وهو ما اصطلح عليه عنوان (الكلي الطبيعي). وبنظر بعض القائلين باصالة الوجود فان الماهية تطلق في ثلاثة موارد مختلفة كالاتي:
1 ـ اما ان تكون إنية، اي محض وجود كما في الباري تعالى، حيث ماهيته عين إنيته ووجوده.
2 ـ او تكون غير إنية ولا مأخوذة بشيء معها، وبهذا الشكل تصبح على هيئة ما هي الا هي، دون ان تكون موجودة بالوجود، فمفهومها هنا محض اعتبار ذهني لكونها غير متعلقة بذلك الوجود.
3 ـ او انها غير إنية، لكنها مأخوذة بشيء مع الانية، ككونها تابعة في وجودها بالعرض للوجود.
فالماهية على ذلك إما ان تكون محض وجود او تابعة له استناداً الى اصالته في العين، او هي محض اعتبار لا وجود لها بأي شكل من الاشكال.
أما الوجود فكما ذكر صدر المتألهين انه يطلق بالاشتراك على ثلاثة معان كالاتي:
الاول: ذات الشيء وحقيقته، وهو الذي يطرد العدم وينافيه. والوجود بهذا المعنى يطلق على الواجب تعالى.
والثاني: المعنى المصدري الانتزاعي المعبر عنه في لغة فارس (به هستى وبودن).
والثالث: معنى الوجدان والنيل.
وعلى رأي البعض ان اطلاق الوجود بالمعنى الاول على الواجب تعالى حقيقة عند الحكماء وكثير من المشايخ الموحدين كالشيخين محي الدين الاعرابي وصدر الدين القونوي وصاحب (العروة) . وكذا هو الحال عند عبد الرزاق الكاشاني والقيصري وحيدر الاملي.
ويمكن القول انه بعد حذف المعنى الاخير للوجود، لعدم اهميته الدلالية على المقاصد الفلسفية، يظل المعنيان الاول والثاني هما مورد البحث. فهناك المعنى الانتزاعي العام، وهو الذي ينتزع من الاشياء في الخارج، كانتزاع المعاني المصدرية العامة مثل الشيئية والممكنية والحيوانية وغير ذلك من المفاهيم الذهنية المصدرية. ويضاف اليه المعنى الذي يراد به ما يقابل العدم، وهو بهذا المعنى له حقيقة واحدة هي عبارة عن محض التحصل والثبوت والكون والتحقق والفعل والصيرورة في الاعيان . وكمقارنة بين هذين المعنيين حدد صدر المتألهين الوجود الذي يقابل العدم بان حقيقته لا تحصل بكنهها في ذهن من الاذهان، حيث انه ليس امراً كلياً، فوجود كل موجود هو عينه الخارجي، والخارجي لا يمكن ان يكون ذهنياً. أما المتصور من الوجود فهو مفهوم عام ذهني منتزع؛ يقال له الوجود الانتسابي الذي يكون في القضايا، والعلم بحقيقة الوجود لا يكون الا حضوراً اشراقياً وشهوداً عينياً، وحينئذ لا يبقى الشك في هويته . وفي تعبير له يرى ان مفهوم الوجود هو نفس التحقق والصيرورة في الاعيان، كما انه في الاذهان ايضاً، اذ هو مفهوم عام بديهي التصور ويكون عنواناً لحقيقة نورية. والوجود هو ابسط من كل شيء واول كل تصور، فهو متصور بذاته بحيث لا يمكن تعريفه بما هو اجلى منه لفرط ظهوره وبساطته. واذا اريد تصويره فانما لاجل التنبيه والاخطار، وذلك عن طريق الاسماء المرادفة له كالثابت والحاصل وغير ذلك، ومفهومه معنى عام واحد مشترك بين الموجودات . لذلك فان بعض العرفاء منع تعريفه لبداهة تصوره وبساطته من اي شيء اخر.
ولا شك ان هذا المعنى للوجود هو على الضد من ذلك المعنى الذي يشكل قضية ذهنية او مقولة منطقية، وهو يشابه المعنى الذي لجأ اليه بعض المفكرين الغربيين من امثال هايدجر الذي اعاب معالجة الوجود بحسب وصفه كقضية او مقولة ذهنية، انما اخذ بمعالجته على النحو الفينومينولوجي المعتمد على الاتصال المباشر بالمعطيات الخارجية، فالوجود عنده ليس غير تلك الكينونة التي ندركها مباشرة بلا واسطة. ومنه يُفهم كيف ان كوجيتو ديكارت (انا افكر فانا موجود) يمكن اخذها بعنوانين، احدهما باعتبارها قضية استدلالية، حيث يكون الفكر والوجود معبرين عن قضيتين متلازمتين، اذ لا يوجد فكر بلا وجود، او ان الاول يقتضي الثاني. كما يمكن اخذ تلك المقولة باعتبار ما عليه الواقع المباشر لعلاقة الوجود بالفكر، اذ تعبر المقولة عن علاقة حضورية لا يصح معها الاستدلال لوضوحها وبداهتها العينية، اذ يصبح الفكر فيها وجوداً حاضراً، او ان عينية الفكر هي الوجود بلا وساطة شيء اخر كالذي تفرضه طبيعة الاستدلال من الحدود الوسطى.
والواقع ان المعنى الانتزاعي للوجود منتزع عن المعنى الذي يقابل العدم، فلولا هذا المعنى الخاص ما كان ذلك المعنى، فنفهم ان الاول عنوان للاخر، والاخر معنون له. واذا كان الفلاسفة قد اتفقوا بخصوص المعنى العام للوجود من كونه اعتبارياً لا حقيقة له في الخارج، فانهم اختلفوا حول معناه الاخر إن كان له حقيقة خارجية ام لا؟ وقد آل العديد من المتأخرين الى تبني القول بحقيقته واصالته في العين، واصبح منذ مجيء صدر المتألهين هو الاعتقاد السائد، في حين مالَ عدد من الفلاسفة والمحققين قبله الى اعتبار الماهية هي الحقيقة العينية، كما هو الحال عند الشيخ السهروردي والمحقق الدواني والسيد باقر الداماد، ولم يتجرأ احد ان يقول باصالة اشتراك الوجود والماهية معاً في العين، اذا ما استثنينا شيخ الطريقة الاحسائي ومن بعده الشيخ هادي النجفي ، لعدة اعتبارات اهمها: ان القول بالاشتراك يعني كون الامر الواحد يصبح شيئين متباينين، وهذا ما يؤدي ايضاً الى التركيب في العقل الاول الذي صدر عن الحق تعالى، فضلاً عن ان ذلك يفضي الى ان لا يكون الوجود عبارة عن نفس تحقق الماهية وكونها .
لذا فمن قال باصالة الماهية، اعتبر الوجود لا حقيقة له خارجاً، واكتفى بعدّه من المفاهيم الذهنية المنتزعة عن الماهيات في العين. وكذا من قال باصلة الوجود؛ اعتبر الماهية لا حقيقة لها خارجاً بحسب الذات، واكتفى ان يضفي عليها صفة الاعتبار والانتزاع الذهني، اذا ما أُخذت في حد ذاتها، والا فقد قُدّر لها ان تكون موجودة بالعرض والتبع للوجود.
على ان التحقق الخارجي للوجود الذي جاء بمعنى الكون والحصول والثبوت قد افاد في حل الكثير من المشكلات الفلسفية، ولا شك ان المقصود به يقابل معنى الماهية، اي ان الماهية من حيث ذاتها لا توصف بالوجود والعدم، انما توصف بالوجود عندما يكون لها تحصل وفعلية. لكن مع هذا فهناك معنى اخر مختلف تردد لدى نفس من يقول بالمعنى الاول، حيث يقصد به هذه المرة بأنه عين الماهية عند تحققها، الامر الذي يجعل بينها وبينه نوعاً من السنخية والشبه، اذ تكون ظلاً له في عالم التصور والتحليل، لكنها عينه في عالم التحقق والتشخص. اي ان للماهية اعتبارين احدهما تعبر فيه عن نفس الوجود عند تحققها، والاخر لا تعبر عن الوجود لكونها من حيث ذاتها لا توصف بالوجود والعدم.
هكذا لدينا معنيان للوجود، احدهما له دلالة فعلية او كونية، حيث يشير الى الكون والفعل والتحقق، والاخر له دلالة ذاتية لانه يشير الى معنى الذات او الهوية والماهية. ولكل من المعنيين فائدته الاستثمارية.
اذن المهمة الاولى التي يجب التحقيق فيها هي اثبات ان هناك معنيين مرادين للوجود، وذلك بذكر عدد من الاشارات والنصوص التي أوفانا بها احد ابرز القائلين باصالة الوجود واهم المنظرين في حقل النظام الوجودي، وهو صدر المتألهين الشيرازي. ثم بعد ذلك سنتعرف على الاستثمارات الفلسفية التي تترتب على هذين المعنيين.
لنبدأ بالمعنى الاول كالاتي:

المعنى الفعلي للوجود
هناك العديد من النصوص التي ادلى بها صدر المتألهين وغيره تشهد على المعنى الفعلي والكوني للوجود في قبال الماهية. فهذا الفيلسوف كثيراً ما يعبر عن الوجود بأنه عبارة عن محض التحصل والفعلية . او انه ليس له في ذاته الا الحصول والفعلية والظهور ، او الثبوت والتحقق والتشخص ، وقد كان القيصري شارح (فصوص الحكم) لابن عربي يؤكد على هذه المعاني، حيث الوجود عنده وعند العديد من العرفاء هو الكون والحصول والتحقق والثبوت ، وهو بهذا المعنى لا يمكن ان يكون اعتبارياً . فبعض العرفاء يرى ان الوجود هو ما يتحقق به الشيء في الخارج، ومن تعابيرهم انه عبارة عن الكون في الخارج . وعلى ما يرى العارف عبد الرزاق الكاشاني فان الوجود موجود بذاته لا بغيره، بل هو المقوم لكل شيء سواه، وهو غني بذاته عن كل شيء، والكل مفتقر اليه . او هو عبارة عن حقيقة واحدة ونوع بسيط لا جنس له ولا فصل له ولا يعرض له الكلية والعموم والجزئية والخصوص، وهو حقيقة واحدة مشتركة بين جميع الماهيات بالاتحاد بها، فالوجود ظاهر بذاته بجميع انحاء الظهور، ومظهر لغيره، حيث به تظهر الماهيات ، وهذه الاخيرة هي بحسب نفسها لا يحكم عليها بالانتساب الى غيرها ما لم يكن لها كون او وجود هي تكون به منسوبة الى مكونها وجاعلها، وليس المقصود من الوجود الا ذلك الكون الذي لا يمكن تعقله وادراكه الا بالشهود الحضوري . وبالتالي فالوجود هو نفس ثبوت الماهية لا ثبوت شيء للماهية حتى يكون فرع ثبوت الماهية . او ان الوجود ليس الا كون الشيء لا كون الشيء لشيء . وان الماهية اذا كانت، فكونها بعينها هو وجودها . فالوجود ليس ما به يوجد الشيء في الاعيان او في الاذهان، اذ هو عبارة عن نفس تحقق الشيء وصيرورته في شيء منهما لا غير . او ان الوجود في كل شيء عين تشخصه، وتشخصه عين وجوده، فمفيض وجوده مفيض تشخصه . وكذا القول ان الوجود هو نفس صيرورة الشيء في الاعيان . وعليه فان مما يذكر في اصالة الوجود هو ان الفاعل يفيد الماهية المعدومة شيئاً حين تصير موجودة، وليس هذا الشيء الا الوجود، حيث لا تصير الماهية موجودة بغير الوجود .
والعلاقة بين الوجود والماهية لها نوع من الاتحاد، حيث فيه يكون الوجود موجوداً بذاته وتكون الماهية موجودة بوجوده. اذ يمكن للعقل ان يحلل الموجود الى ماهية ووجود، وفي هذا التحليل يفصل الوجود عن الماهية ويحكم بتقدمه عليها، لكن من حيث الخارج او الناحية الموضوعية فان الاصل والموصوف هو الوجود لأنه الصادر عن الجاعل بالذات والماهية متحدة به محمولة عليه، لكن لا كحمل العرضيات اللاحقة، بل حملها عليه واتحادها به بحسب نفس هويته وذاته. وبذلك يكون الوجود اولى واسبق من الماهية وجوداً وحقيقة. ذلك انه لما كانت حقيقة كل شيء هي خصوصية وجوده التي تثبت له، فالوجود اولى من ذلك الشيء، بل من كل شيء ذي حقيقة، كما ان البياض اولى ببياضه مما ليس ببياض ويعرض له البياض، فالوجود بذاته موجود وسائر الاشياء غير الوجود ليست بذواتها موجودة بل الوجود يعرض لها فتكون موجودة. ومن ثم فان الوجود هو الموجود كما ان المضاف هو الاضافة، لا ما يعرض لها من الجوهر والكم والكيف وغيرها كالاب والمساوي والمشابه وغير ذلك. ونُقل عن بهمنيار في (التحصيل) انه قال: ‹‹وبالجملة فالوجود حقيقة انه في الاعيان لا غير، وكيف لا يكون في الاعيان ما هذه حقيقته››‮ . على ان اتصاف الماهية بالوجود امر عقلي ليس كاتصاف الشيء بالعوارض الخارجية كالجسم بالبياض، فكون الماهية والوجود معاً في الواقع يعني كون الوجود بذاته موجوداً والماهية متحدة به وموجودة به لا بغيره، حيث ان الفاعل اذا أفاد الماهية أفاد وجودها، واذا أفاد الوجود أفاده بنفسه. وبهذا يكون الوجود متقدماً على الماهية، وهذا التقدم ليس كتقدم العلة على المعلول حيث لا يوجد تأثير في مثل هذا الموضع، وذلك لأن الماهية غير مجعولة حتى يلوحها التأثير والعلية. كما ان هذا التقدم ليس كتقدم القابل على المقبول، بل انه كتقدم ما بالذات على ما بالعرض، وما بالحقيقة على ما بالمجاز . وكما يقول السبزواري هو ان ‹‹المتقدم والمتأخر وإن كانا ماهية لكن ما فيه التقدم والتأخر هو الوجود الحقيقي››‮.
ولدى تحليل صدر المتألهين لمسألة نجاسة الكلب والكافر، افاد بان في الامر شيئين، احدهما وجوده، والاخر ماهيته او ذاته، فهو من حيث ماهيته التي هي بمعنى ذاته فانه نجس، اما من حيث وجوده الذي هو بمعنى الكون فهو طاهر ليس بنجس .
كما سبق لنصير الدين الطوسي ان ميّز بين الوجود والماهية تبعاً لذلك المعنى، وهو ان الماهية عبارة عن الذات والهوية، وان الوجود عبارة عن كونها وتحققها. فقد جاء عنه وهو يحلل اعتبارات التكثر في الصدور، انه اعتبر كون المعلول صادراً عن الاول يسمى وجوداً من حيث كونه صادراً، ومن حيث كونه هوية لازمة لذلك الوجود فهو ماهية.
اذن نعلم مما سبق ان المقصود من الوجود هو ليس عبارة عن الماهية المتحققة، بل هو تحقق الماهية، او انه محض التحصل والتشخص والكينونة، والذي به تكون الماهية موجودة، فالمعنى المعطى للوجود هنا هو عين الفعل والكون وليس الذات والهوية، او انه عين الاضافة وليس المضاف. وبهذا المعنى يحال ان نجد هناك اي نسبة شبه او حكاية بين الوجود والماهية، فليس هناك شَبه وظلية بين معنى الذات من جهة، ومعنى الفعل والكون والحصول من جهة اخرى.

المعنى الذاتي للوجود
في قبال المعنى السابق يظهر لنا معنى اخر مختلف، اذ فيه يكون الوجود عين الذات المتحققة وليس الفعل والكون، وبه تتحقق صورة شبحية الماهية وحكايتها له، فصورتنا الذهنية للذات المتشخصة في الخارج تحاكي ما هي عليه، وبالتالي فان الماهية الذهنية تطابق ما عليه الوجود الخارجي. وبهذا المعنى تكون الماهية في الخارج هي عين الوجود لا غير، وذلك خلافاً للمعنى الاول، فالنار كصورة ذهنية مثلاً هي ماهية محضة، لكنها كحقيقة خارجية تكون ماهية متشخصة، فالصورة والحقيقة الخارجية كلاهما يمكن تسميتهما بالماهية، سوى انها في الخارج لها اثارها الفعلية بخلاف ما هي عليه في الذهن، لهذا يطلق عليها الوجود في الخارج دون الذهن، باعتبارها غير موجودة الا بحسب الوجود الذهني، وهو نحو من الوجود. فهذا هو معنى كون الوجود عين الماهية في الخارج. لكن بهذا المعنى يفضي الخلاف بين القائلين باصالة الماهية واصالة الوجود الى خلاف لفظي.
ومن دلالات هذا المعنى هو ان صدر المتألهين اعتبر الوجود هو الاصل والماهية تبعاً له، كاتّباع الظل للشخص، والشبح لذي الشبح من غير تأثر وتأثير، فالوجود موجود في نفسه بالذات، والماهية موجودة بالوجود او بالعرض، وبهذا الاتحاد متحدان . ومثّل على ذلك بوجود الصور في المرايا، حيث وجودها بالعرض بتبعية الأشخاص، ووجودها على سبيل الحكاية في الخارج، وكذا الأمر بالنسبة للماهية او الكلي الطبيعي، اذ انها بحسب ذاتها ليست موجودة وما شمت رائحة الوجود، ولكنها من حيث نسبتها الى الوجود فهي موجودة بالعرض لأنها تمثل حكاية الوجود، ليست معدومة مطلقاً ولا موجودة من حيث الأصل، بل وجودها ظلي تابع للوجود . وانطلاقاً من هذا المعنى اعتبر ان اي نحو من انحاء الوجود تتبعه ماهية خاصة من الماهيات، وذلك كتابعية الصورة الواقعة في المرآة للصورة المحاذية لها. فكما ان الظل يوجد بوجود ذي الظل ويتقدر بتقدره ويتشكل بتشكله ويتكيف بتكيفه ويتحرك بتحركه ويسكن بسكونه، وما الى ذلك من الاوصاف التي تتعلق بها الرؤية، وذلك عن طريق الحكاية والتخيل وليس الاصالة والحقيقة، فكذا حال الماهية بالقياس الى الوجود وتوابعه، حيث ان الماهية هي نفسها خيال الوجود وانعكاسه الذي يظهر منه في المدارك العقلية والحسية، وعليه يتقرر الامر عند صدر المتألهين ما ذهب اليه المحققون من العرفاء من ان العالم كله خيال في خيال .
ومن تصريحاته التي تفيد كون الوجود هو نفس الماهية قوله: ‹‹الوجود عين الماهية خارجاً وغيرها ذهناً››‮، وكذا: ‹‹الوجود عين الماهية على تقدير العينية فلم يكن بينهما اتصاف بالحقيقة وغيرها››‮، وايضاً: ‹‹ثبت كون وجود كل ممكن عين ماهيته في العين››‮، ومثله: ‹‹الوجود نفس الماهية عيناً››‮، كذلك قوله: ان كلاً من الماهية والوجود ‹‹غير الآخر حسب المعنى عند التحليل الذهني مع اتحادهما ذاتاً وهوية في نفس الامر››‮ .
اذن يلاحظ ان هذا المعنى هو ليس كالمعنى الاول الذي يفيد الفعلية والصيرورة. مع هذا فهناك نصوص قد تكون قابلة لان تفهم بحسب المعنى الاول او المعنى الثاني. وربما ان بعض النصوص التي طرحناها ما يقبل الفهم الاخر، وذلك لدقة المعاني وتقاربها ولوجود عدد من المشتركات بين المعنيين، رغم التعارض بينهما، فاحدهما يعطي دلالة الفعل والكون والثبوت، والاخر يعطي دلالة الذات والماهية الخارجية، اي احدهما يعبر عن الوجود بانه كون الماهية وثبوتها وتحققها خارجاً، والاخر يعبر عنه بانه ذات الماهية خارجاً. واذا كان المعنى الاخير يفضي الى ان تصبح العلاقة بين الوجود وبين الماهية غير المتحققة هي علاقة شيء بصورته، احدهما يحاكي الاخر، فانه بحسب المعنى الاول لا يمكن ان نتصور اي علاقة شبه ومحاكاة بين الامرين، حيث يكون الوجود فعلاً وكينونة، وتكون الماهية ذاتاً وهوية. لكن يظل ان المشترك في المعنيين (الفعلي والذاتي) هو اعتبار الماهية تابعة للوجود، وان وجودها عرضي نسبة للوجود، حيث انه متحقق بذاته.
***
ما ننتهي اليه هو ان هناك تردداً فعلياً في تصور امر الوجود، لا بحسب فهمنا لنصوص المتأخرين من الفلاسفة، وانما لاعتبارات توظيفية، فتارة يراد من الوجود ان يستدل به على بعض القضايا التي تتسق مع معنى الفعلية من الكون والصيرورة، واخرى يراد له الاستدلال على قضايا تتسق مع معنى الذاتية او الماهية، ولا شك ان بين المفهومين بوناً شاسعاً، لكن شاء المتأخرون ان يقعوا في عدد من المفارقات عندما وجدوا انفسهم امام محاولات للتوفيق بين الرؤية الوجودية وبين القضايا الاسلامية، ومن ذلك تظهر المفارقات التي تتعلق بالمبدأ الاول وعلاقته بالماهيات او الاعيان الثابتة، فكثيراً ما ينكرون الشبه والتشاكل بينهما، مع ان الماهيات هي صور الاشياء، وان هناك تشاكلاً بينها وبين الاشياء، كما ان المبدأ الاول يمثل صور كل هذه الاشياء فكيف لا يكون هناك شبه وتشاكل بينهما؟! ولو اردنا تبرير ذلك لوجدنا التبرير جاهزاً من حيث النظر الى حمل الوجود بالمعنى الاول فحسب. فالتوظيف الفلسفي تارة يتكئ على الوجود بمعناه الاول الدال على الفعلية والتحقق، كالذي يتعلق بعدد من المباحث الخاصة بمبدأ الوجود الاول، واخرى ان هذا التوظيف يتكئ على الوجود بمعناه الثاني (الذاتي).

تطور مفهوم الوجود
الذي يتتبع النصوص الفلسفية التي تخص علاقة الوجود بالحقيقة الالهية يجد ان هناك تطوراًً في المقصود من اطلاق مفهوم الوجود بالمعنى الفعلي على تلك الحقيقة، اذ بدأ المفهوم وهو يحمل بعض الاضطراب، فتارة يراد منه المجاز صراحة، واخرى قد يراد منه الحقيقة، وعلى ما يبدو ان الاوائل لم يسعهم الا التعويل على المعنى المجازي، ثم تطور الحال حتى انتهى الى معناه الحقيقي الذي يراد به محض التحقق والكون والثبوت. وما علينا الا ان نرصد تجليات هذا الاختلاف والتحول، وذلك قبل ان نتعرف على اثر ما استقر عليه الامر في فهم العلاقة التي تربطه بالممكنات تبعاً للاصل المولد الوجودي (السنخية). فما هي حقيقة مبدأ الوجود الاول بحسب النظر الفلسفي الوجودي؟ وكيف انقلب وصف هذه الحقيقة من التعبيرات المجازية الى الحقيقية؟
ما سنشهده فعلاً هو ان لفظ الوجود الذي استخدم في وصف المبدأ الاول كان لفظاً مسلماً به لدى الفلاسفة المسلمين وإن ابدى تعارضاً في المعنى المراد منه. وقد يكون هذا التعارض ناشئاً منذ البداية كدلالة على الالتباس في اصل الوضع والمعنى، وإن كان المرجح ان المعنى المجازي للمفهوم ظهر اول الامر قبل ان يتخذ ليدل على المعنى الحقيقي الفعلي، وهو المعنى الذي تلقفه الفلاسفة المتأخرون غير آبهين بما عوّل عليه المتقدمون من المعنى المجازي. ويظل ان لكل من الفريقين مبرراته الفلسفية.
هناك الكثير من العبارات الدالة على اعتبار المبدأ الاول محض الوجود والثبوت، وسبق للفارابي (المتوفي سنة 339هـ) ان ذكر في (فصوص الحكم) بان الوجود غير الماهية، وان هذه الاخيرة لا تقتضي بنفسها الوجود، وبالتالي فان المبدأ الذي عنه يكون الوجود هو ليس بماهية، او ان ماهيته لا تختلف عن هويته، وكما يقول: ‹‹فكل ما هويته غير ماهيته وغير المقومات لماهيته فهويته عن غيره، وينتهي الى مبدأ لا ماهية له مباينة للهوية››‮ . وكان ابن سينا يصرح بان وجود المبدأ الاول هو نفس حقيقته وان ماهيته لا تكون غير انيته . وكذا كان الغزالي يقول: ‹‹وحقيقته تعالى محض الوجود››‮ ، ويقول ايضاً: ‹‹وحقيقة ذات الاول هو انه وجود بلا ماهية زائدة على الوجود، وان انيته وماهيته واحدة››‮، ومثل ذلك قوله: ‹‹ان حقيقته الوجود المحض››‮ .
تلك كانت بعض النصوص التي وصفت المبدأ الاول بالوجود المحض. لكن مع لحاظ ان هذا الوصف قد لا يراد به المعنى الحقيقي الذي آل اليه المتأخرون. فاحياناً يضطر الفيلسوف الى اتخاذ هذا اللفظ والتعبير حيث لا يجد لفظاً اخر انسب منه. ومن ذلك ان رئيس الفلاسفة (ابن سينا) اومأ بنفسه الى هذا الاضطرار، فاعتبر الاشارة اليه بذلك الوصف من جهة عدم معرفة حقيقته . كما سلك جماعة من المتأخرين نفس المسلك الذي كان عليه ابن سينا، فاطلقوا الوجود على الحق تعالى بضرب من الاصطلاح وكاشارة الى حقيقته المجهولة الكنه . وكذا نجد من المحققين من يعتبر ان اطلاق الوصف عليه تعالى بالوجود انما هو لضيق العبارة ، ومن هؤلاء ابن عربي الذي صرح في (الفتوحات المكية) قائلاً: ‹‹ان اطلاقنا عليه الوجود من ضيق العبارة وقصورها، والمقصود سلب العدم منه، لان حقيقة وجوده لا تقبل التصور››‮ . وقبله كان الغزالي يلوح الى هذا المعنى بقوله: ‹‹فان قلت: فعلمنا انه وجود بلا ماهية وان حقيقته الوجود المحض، هو علم بماذا ان لم يكن علماً به، قلنا: هو علم بانه موجود، وهذا امر عام. وقولك انه ليس غير الماهية بيان انه ليس مثلك، فهو علم ينفي المماثلة››‮.
اضافة الى ان بعضاً آخر فسر هذا الوصف بان ما يقصد به هو انه مبدأ للاثار فحسب . ولعل المعبرين عنه تعالى بلفظ مبدأ الاثار؛ لم يجدوا ما يمكن ان يدركوا منه سوى تلك الصفة، حتى ان صدر المتألهين رغم ما عُرف عنه من كلمات يشير فيها الى مكاشفة ذات الحق - كما سنرى - فانه اعترف في بعض كلماته بما يشير الى ذلك الجهل عدا ما ذكرنا، فأقر بان كنه ذات الواجب وهويته لم تكن معلومة لاحد غيره، واعتبر ان ما معلوم منه انما هو صفاته المختصة كالالهية والقيومية والخالقية المطلقة باعتبارها مفهومات كلية متعلقة بذوات الممكنات وهياكل الماهيات التي هي بمنزلة صفحات وسطوح مصقولة تقع عليها اشعة تلك الصفات الفائضة من نور الحق تعالى. فبهذا السبيل اجاز للعقل ان يتصور الصفات الالهية الاضافية ويدل عليها بالفاظ موضوعة لمعانيها الخاصة، فيكون بذلك مدركاً لذات الحق، حيث الصفات لا تنشأ الا من هذه الذات. والنتيجة التي يخلص اليها ذلك الحكيم هي استحالة معرفة الذات الاحدية مع قطع النظر عن النسب والاضافات، حيث تعقّل الحق باعتبار ذاته بذاته مستحيل، ولكن تعقله باعتباره قيوماً للعالم ومبدأ الموجودات وخالق ما في السماوات والارض، فهو جائز لان للعقل سبيلاً الى اكتناه هذه المعاني، وكذا الحال مع تعقله من حيث سلب الكثرة عنه والاشتراك، فهو ممكن ايضاً.
فلعل المعنى السابق هو نفسه الذي اختلج في اذهان الفلاسفة، فعبروا عن الحق تعالى بالوجود كتلويح يشير الى الجهل بحقيقة كنهه ويرمز الى انحصار المعرفة في كونه مبدأً للاثار فحسب.
وواقع الامر اننا نصادف هنا ذات المعنيين للوجود كما اشرنا اليهما سلفاً، وهما المعنى الفعلي والذاتي، وذلك كوصف لحقيقة المبدأ الاول. بل نجد ذات التردد يلوح لدى صدر المتألهين، فتارة انه يريد المعنى الفعلي، واخرى يريد المعنى الذاتي، لكنه في كلا الحالين يستفيد من المعنيين في توظيفه لحل المشكلات الفلسفية.
والبعض لم يتقبل اعتبار المبدأ الاول محض الوجود بالمعنى الفعلي الدال على الكون والثبوت والحصول، انما وصفه بالماهية والذات خروجاً عن المألوف الفلسفي، الامر الذي جعل بعض الفلاسفة يرد عليه انتصاراً لذلك المعنى. فالمحقق الدواني لم يستسغ نفي الماهية بمعنى الذات عن المبدأ الاول، وأشكل على كلام السيد الصدر الذي صرح بنفي الماهية مطلقاً عن هذا المبدأ، وقال في رده: ‹‹إن أراد انه لا ذات له فهو ظاهر البطلان، وإن أراد ان له ذاتاً، لكن لا تسمى ماهية بحسب الاصطلاح فهو بحث لفظي، فان من يقول: ان حقيقته وماهيته هو الوجود القائم انما يريد به المعنى الذي يريد به من الذات، فلا يبقى المباحثة الا في اللفظ››‮. الا ان هذا الاشكال لم يرضِ صدر المتألهين فرد عليه معتبراً ان المراد من واجب الوجود هو انه ليس له ماهية كلية، انما له هوية شخصية يعبر عنها تارة بالوجود الصرف واخرى بالوجود البحت او الوجود او التشخص او الواجب البحت ‹‹فان الماهية للشيء هي التي يتصورها الذهن بعد تجريدها عن الوجود والتشخص، ويعرض لها الكلية والاشتراك، وحقيقة الوجود هي عين الهوية الشخصية لا يمكن تصورها ولا يمكن العلم بها الا بنحو الشهود الحضوري. فهذا معنى قولهم (لا مهية له) وليس هذا مجرد اصطلاح لفظي، بل تحقيق حكمي وبحث معنوي، وظهر مما ذكرنا ان القول بان (ذات الباري موجود خاص) كلام محصل لا غبار عليه، بشرط ان يتفطن قائله، بان المراد منه ليس ان ذاته عين المفهوم الكلي او عين فرد من افراده الذاتية حتى تكون نسبته الى ذلك الفرد كنسبة الذاتي الى الذات، لانك قد علمت ان مفهوم الوجود والموجود وكذا مفهوم التشخص والمتشخص والجزئي الحقيقي والهوية وامثالها ليست لها افراد ذاتية، كما للاجناس والانواع، وانما هي عنوانات ذهنية وحكايات لاحاد وافراد لا وجود لها في الذهن حتى يعرضها العموم والاشتراك››‮. وظاهر كلامه هذا هو عدم نفيه للذات المتشخصة التي تختلف عن معنى الكون والتحصل، لكنه سرعان ما يختم كلامه بعبارة قد تبدو قريبة الى المعنى الفعلي للوجود، وإن كان يمكن حملها على المعنى الذاتي، اذ يقول: ‹‹وبالجملة فالقول بان ذاته تعالى هو الموجود البحت صحيح، اذا اريد به حقيقة الوجود، فان للوجود حقيقة وهو بنفسه موجود وغيره به موجود، كما ان للبياض حقيقة وهو بنفسه ابيض وغيره به ابيض››‮.
ومع ان النصوص التي ستأتينا لصدر المتألهين تجعله يلتزم اعتبار الحقيقة الالهية بانها محض الوجود بمعنى الكون والفعلية، لكنه مع هذا يخرج عن هذا الطور احياناً ليصب في المعنى الذاتي لمفهوم الوجود، فيعبّر عن الحقيقة الالهية بانها جسم الهي لا كالاجسام ، او انه نور حقيقي هو اشرف مراتب الانوار، باعتباره ظاهراً بذاته ومظهراً لغيره، وما هذا النور الحسي الا رتبة متدنية وناقصة من ذلك النور الكامل الذي يظهر به كل شيء . بل ان صدر المتألهين يتبع الغزالي وابن عربي في جمعهما بين التنزيه والتشبيه او تمسكهما بالصفات الالهية من اليدين والعينين والمجيء وغيرها مما يتسق والمفهوم الذاتي للوجود، فيعطي بذلك معنى الماهية للذات الالهية، مما يتنافى مع ما يدلي به في محل اخر من ان الصفات الالهية هي عين الذات لا غيرها، وانها فوق كل حد ووصف. وايضاً نجد في بعض تعبيرات صدر المتألهين ما قد يفيد المعنى الذاتي للوجود كما يبدو ذلك في شرحه لكتاب (الكافي)، حيث تعرض الى حديث روي عن الامام الصادق (ع) يجيب عن سؤال مفاده: هل لله انية وماهية؟ فقال: ‹‹اعلم ان الماهية لها معنيان احدهما ما بازاء الوجود كما يقال وجود الممكن زايد على ماهيته، والماهية بهذا المعنى مما يعرضه العموم والاشتراك، فليست له ماهية بهذا المعنى. وثانيهما ما به الشيء هو هو، وهذا يصح له››‮.
لكن على العموم يلاحظ ان الفلاسفة المتأخرين وعلى رأسهم صدر المتألهين ارادوا المعنى الفعلي من الوجود البحت في وصف مرتبة الواجب الحق، ذلك انه اذا كانت الماهية في الممكنات لا توجد الا بالوجود وان الوجود موجود بذاته فان ذلك يعني ان المبدأ الاول لا يمكن تفكيكه عن الوجود البحت، والا اصبح عروض الوجود عليه من الخارج مثلما هو الحال في الممكنات، وهو محال. فهذا هو اهم ما يبرر الاحتفاظ بكون المبدأ الاول هو عين الوجود، وان ماهيته لا تختلف عن وجوده. ولا شك ان لهذا المفهوم اغراضاً اساسية، اذ قام الفلاسفة بتوظيفه لاجل اثبات وحدة الحق وعينية الصفات للذات وتبرير وحدة الوجود. فقد عبّر صدر المتألهين عن هذا المعنى بالقول: ‹‹كيف لا تكون حقيقة الواجب القيوم صرف الوجود ومحض التقوم وهو ينبوع كل وجود››‮ . وقوله: ‹‹ان الواجب بالذات يجب ان يكون متشحصاً بنفس حقيقته، لا بأمر زائد عليه، اي تكون حقيقته عبارة عن تشخصه كما انه عبارة عن نفس وجوده، بل الوجود والتشخص امر واحد كما هو التحقيق››‮ . وقوله: ‹‹ثبت ان الواجب تعالى هو الوجود البحت››‮ . وقوله: ‹‹لا يتصور شيء أكمل واشرف من صرف الوجود المتأكد الذي هو فعلية محضة يستفيض منه سائر ماهيات الوجود وكمالات الوجود››‮ . ومثل ذلك قال صاحب (الاقطاب القطبية): ‹‹بل الحق ان وجوده نفس الكون والحصول، لا ما به الكون والحصول، حتى لا تفهم من قولهم (كان الله في الازل) معنى كان زائداً على معنى (الله)، ومعنى (الازل) ايضاً زائداً عليه، اذ هو اكبر من ان يكون مظروف الازل ليحوى به ظرفاً زمانياً، بل هو الازل والا بد والدهر والسرمد، اي هو فاعل الازل والابد.. وهوالوجود والكون المجرد عن الاين والبون، ولذلك قال الامام (ع): (لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر››‮) .
اذن ان الفلاسفة حريصون على التأكيد بان الوجود الخارجي، وعلى رأسه الحقيقة الالهية، عبارة عن محض الكون والتحصل، لكن يمكننا ان ندرك مصدر اغترار الفلاسفة بالوجود وقولهم باصالته وعينيته. فمرد الامر يعود الى البحث في حقيقة المبدأ الاول، ذلك ان الوجود في غيره يعتبر خارجاً على ذاته وفائضاً عليه من الاول، أما الاول فلا يمكن ان يكسبه من غيره، والا تسلسل الحال، كما لا يمكن ان يكون قريناً لذاته والا تعدد وتركب، فلم يبق الا الحل الاخير وهو كون الوجود عين ذات الحق. فهذا الاغترار نجده في بعض النصوص المصرح بها لدى الفلاسفة والعرفاء، فهناك نص لابن رشد يقول فيه - وهو في معرض رده على بعض تهم الغزالي -: ‹‹ان القوم لم يضعوا للاول وجوداً بلا ماهية ولا ماهية بلا وجود وانما اعتقدوا ان الوجود في المركب صفة زائدة على ذاته وان هذه الصفة انما استفادها من الفاعل. واعتقدوا فيما هو بسيط لا فاعل له ان هذه الصفة فيه ليست زائدة على الماهية، وانه ليس له ماهية مغايرة للوجود، لا انه لا ماهية له اصلاً››‮.
كما جاء على لسان بعض العارفين ما يؤكد ذلك الاغترار، حيث يرى ان الحكماء والصوفية رأوا ان للوجود تقدماً ذاتياً على جميع الموجودات، لانه إن فرض لشيء معية للوجود؛ كان هناك شيئان لا بد من تقدم احدهما على الاخر ‹‹فيحكم البتة بتقدم الوجود، لان احاطته وانبساطه ازيد من احاطة جميع الامور المحيطة، لان كل ما يعرض، يعرض بنحو من الوجود سوى نفس الوجود، فانه معروض بنفسه لا لغيره. وايضاً: اول ما يدرك من الاشياء بالبصيرة ما يعبر عنه بالثبوت والكون و- بودن - ومرادفاتها، وبعد ذلك يدرك التشخص. وهذا الامر، اعني الثبوت ومرادفاته، زائد في الموجودات، وحاصل من غيرها، وفي الواجب ليس من غيره، فيدرك هذا الامر في الواجب احق واقوم واولى، بل ما يدرك من الواجب منحصر في هذا، فاطلقوا عليه لفظ الوجود من غير ارادة المعنى اللغوي مع شائبة الوصفية، بل اطلقوا عليه للتفهيم، وللاشعار على ان المدرك من ذات الاقدس منحصر في هذا الامر››‮.
واذا كان العديد من المتأخرين السابقين لصدر المتألهين قد ذهبوا الى اصالة الماهية في الممكنات، فما ذلك - على ما يبدو - الا لكون الوجود لا يعد مقوماً من مقومات الذات او الماهية، ذلك انه يعرض عليها من الخارج، بخلاف واجب الوجود الذي فيه تتحدد الماهية بالوجود فتكون ماهيته عين وجوده. فلهذه العلة ربما يكون القول باصالة الماهية له سبق زماني على القول باصالة الوجود في الممكنات، خاصة اذا علمنا ان من المتأخرين من يعدّ رئيس الفلاسفة ابن سينا ممن يذهب الى القول باصالة الماهية تعويلاً على بعض كلماته.
ومهما يكن الحال فان القول باصالة الوجود في مرتبة المبدأ الاول هو المسلم به عند الفلاسفة تعويلاً على ان ذاته عين الوجود من دون عارض ومعروض. وعليه يمكن ان نستوحي ونستنتج ان الاعتقاد باصالة الوجود في الممكنات متفرع في الاساس عن مقولة عينية الوجود للمبدأ الاول، وذلك بطريق التناسب والسنخية، فلا يصدر عن الوجود الا الوجود، وهو الامر الذي التفت اليه صدر المتألهين مع انه كان من مريدي اصالة الماهية قبل ان تنكشف له الحقيقة الاخرى.
اذن نحن أمام مفارقة، حيث الالتزام تارة بالمعنى الفعلي (الكوني) للوجود، واخرى بالمعنى الذاتي (الماهوي) له، مع ما بينهما من اختلاف وتغاير.
فالموارد المترتبة على المعنى الاول تختلف عن تلك التي تترتب على المعنى الثاني. فبحسب الوجود بمعناه الفعلي يصبح هناك تبرير للتفريق بين واجب الوجود وغيره من الممكنات، وذلك حين يقال ان واجب الوجود محض الوجود وماهيته عين وجوده بخلاف غيره اذ تكون ماهيته غير وجوده لا عينها، ويستفاد من هذه التفرقة في حل بعض المشكلات المرتبطة بالمبدأ الاول، لأن الفلاسفة ليسوا مستعدين للاخذ بزيادة الماهية على الوجود والا كان مركباً وبعضه يحتاج الى بعض آخر.
أما بحسب المعنى الذاتي للوجود فتلك التفرقة لا مبرر لها، حيث يصبح الكل، سواء كان واجباً ام ممكناً، وجوده عين ماهيته، مادام يعني الذات المشخصة. ولو قيل ان الفارق بينهما يتحقق عندما يراد بالماهية ذلك المفهوم الكلي القابل للتطبيق على الكثير من المصاديق ضمن النوع الواحد، حيث انه يصدق على الممكن لا الواجب، فيكون وجود الممكن غير ماهيته.. لقلنا ان التعميم في ذلك غير صحيح، حيث ان العقول الطولية المفارقة كالعقل الاول وغيره هي من الافراد التي ليس لها ما يشاركها في المصداقية ضمن النوع الواحد، فكل فرد منها يندرج في نوعه الخاص من غير مشارك، وبالتالي فانها من هذه الجهة لا تختلف عن المبدأ الاول الذي لا يشاركه فرد اخر ضمن المرتبة التي هو فيها. ولو قيل ان جميع العقول الطولية تندرج ضمن ماهية مشتركة للعقل المفارق، لقلنا ان ذلك يصدق على واجب الوجود ايضاً، حيث يعتبر هو الاخر عقلاً لا يختلف عما دونه من حيث الصورة العقلية، وإن كان اشرفها واكملها وجوداً.
هكذا فان لدينا ثلاث قضايا متنازع حولها لا قضيتين، احداها القول بأصالة الوجود بمعنى الكون والثبوت. وثانيها القول باصالة الذات المشخصة التي يعبًر عنها بالوجود، كما يعبر عنها بالماهية احياناً أخرى. وثالثها القول بأصالة الماهية بالمعنى النوعي.
ومن حيث التوظيف يلاحظ انه إذا كان يمكن بحسب المعنى الاول للوجود اثبات المبدأ الاول - كما سنرى - واثبات عينية صفاته ونفي الشرك عنه، فان المفهوم الآخر ليس بقادر على ذلك، إذ ان اثبات ذات مشخصة لا ينفي اثبات ذات اخرى غيرها، وهو ما قيل في شبهة ابن كمونة المعبر عنها بوجود ذاتين ينتزع منهما ماهية مشتركة، او هويتين بسيطتين كل منهما عبارة عن موجود بسيط مستغن عن العلة مطلقاً .
نعم قد يجاب على ذلك بان ذات الواجب لما كانت عبارة عن كل الاشياء لذا لا يمكن فرض معها ذات اخرى. حيث كل ما يفترض من وجود ذات اخرى انما تكون داخلة ضمن الاشياء التي تحتويها ذات الحق. لكن من الواضح ان هذا الجواب يصادر على المطلوب، حيث كيف نثبت ان ذات الواجب هي كل الاشياء بما في ذلك الذات الاخرى المفترضة، وذلك انطلاقاً من المعنى الذاتي للوجود؟ فهذا ما لا يمكن اثباته. مع الاخذ بعين اعتبار ان مقولة كون الحق حاملاً لكمالات كل الاشياء هو اكثر تصوراً وقبولاً بحسب المعنى الذاتي للوجود مقارنة مع المعنى الفعلي له.
كما ان من مترتبات المعنى الفعلي للوجود هو سريان الوجود الواحد والمنبسط على كل الاشياء وعلى هياكل الماهيات، فلعله الاقرب في التصور من سريان الذات المشخصة. كذلك فان من المترتبات على هذا المعنى هو التفرقة بين جانبي الخير والشر في الاكوان الناقصة والشرور العارضة، حيث ان كل ممكن وحادث فيه هذان الجانبان من المعنى الفعلي للوجود والمعنى الذاتي له، اي ذلك المعبر عنه بالماهية.
اما من مترتبات المعنى الذاتي للوجود فقد تمكن صدر المتألهين من تبرير اعتبار المبدأ الاول كل الاشياء، حيث اقام التفرقة بين الماهية والوجود المحض تبعاً لصفة المحدودية، فاعتبر المراد بالماهية هو كونها محدودة بحد خاص جامع مانع، أما المراد بالوجود المحض فهو انه غير محدود بحد خاص جامع مانع بل هو شامل لكل الحدود والماهيات.. كل ذلك ليجيب على الشبهة القائلة ان اعتبار الحق تعالى عين ماهيات الاشياء يفضي الى اعتباره ماهية ايضاً . والواقع ان اضفاء صفة الحد على الماهية للاشياء لا يثبت محض الوجود لما هو غير محدود، فقد يكون هذا الشيء عبارة عن ماهية غير محدودة، واذا لم يجز نعت الماهية بصفة اللامحدود، فمهما يكن فإنه لا يدل على محض الوجود الا على معنى الذات المشخصة التي تشترك في مفهومها العام لكل من الواجب والممكن على حد سواء. اذن هذا يصح لو اعتبرنا معنى الوجود هو الذات، فتكون ذات الواجب ذاتاً حاوية على ماهية كل شيء مما يبرر قول الفلاسفة في كونه كل الاشياء، وهو بالتالي جسم لا كالاجسام، او هو عبارة عن نور الانوار، حيث النور كما يرى السهروردي هو اشرف الموجودات، وان اشرف الاجسام انورها ، مما يعني انه لا يمكن تبرير هذه المقالة بحسب المعنى الفعلي للوجود.
ويلاحظ ان اعتبار الحق نوراً ووجوداً هو - في الوقت ذاته - يعطي نوعاً من التماثل المعنوي مع بعض التمايز. فالنور والوجود كلاهما ظاهر بذاته ومظهر لغيره، وهذا بيّن لا شك فيه، وعلى خلافهما العدم والظلمة، لذا فان العرفاء يصرحون بان النور هو الوجود والظلمة هي العدم . كذلك فان النور متصف بصفة التشكيك او الشدة والضعف، وهو امر واضح، وقد اعتبر الوجود هو الاخر يتصف بهذه الصفة كما هو الحال لدى صدر المتألهين واتباعه، وربما يكون اطلاق التشكيك على الوجود مستمداً مما يلاحظ في النور. لكن نقطة الافتراق بينهما هي ان النور يظل من جنس الماهية او الطبيعة بخلاف الوجود الذي يحمل المعنى الكوني.
***
اذن ان البحث في اصالة الوجود والماهية يحمل ثلاث اطروحات متنافسة، احداها ترى ان الموجود هو الوجود بالمعنى الفعلي الذي يعني الكون والثبوت، وثانيتها ترى ان الموجود هو الوجود بالمعنى الذاتي الذي يعني الماهية المتشخصة او الذات او الهوية الجزئية، أما الاطروحة الثالثة فهي القول باصالة الماهية بمعنى الكلي الطبيعي الافلاطوني. لكن ما يبدو هو ان الجدل الذي دار بين الفلاسفة المسلمين كان تركيزه على الاطروحتين الاولى والثالثة طبقاً لمنطق الرفض المتبادل باعتبارات بعضها يضاد البعض الاخر، من غير مساس مشبع لنقاش الاطروحة الثانية وتمييزها بصورة كافية عن الاخريتين. فاصحاب القول بأصالة الوجود يردون على القائلين باصالة الماهية من موقع رفض الاطروحة الثالثة، وكذا ان الاخيرين يردون على الاوائل من حيث رفض الاطروحة الاولى، واعتبار الوجود معنى اعتبارياً عاماً منتزعاً عن الماهيات الخارجية. أما الاطروحة الثانية التي عبرنا عنها بالوجود الذاتي، او الماهية المتشخصة في الخارج، فانها في كثير من الاحيان لم تتميز بشكل جلي عن معنى الكلي الطبيعي للاطروحة الثالثة، وذلك لدى بعض المنظرين لاصالة الماهية، وربما لهذا الاعتبار فان صدر المتألهين حمّل القائلين باصالة الماهية هذا المفهوم الكلي، من غير ان يستند الى بعض الاشارات التي تدل على كون مرادهم هو الاطروحة الثانية لا الثالثة. كما ان هناك طرفاً مستحدثاً رابعاً سنرى انه يمثل الاصالة والحقيقة للموجودات الطبيعية.

مبررات اصالة الوجود
قيل ان اول طرح لمسألة اصالة الوجود والماهية جاء في عصر الميرداماد وتلميذه صدر المتألهين، وذلك على شكل سؤال مفاده: هل الأصالة للماهية ام الوجود ؟ لكن مع هذا فإن مضامين البحث قد عولجت صراحة قبل هذا العصر بكثير، كالذي يظهر جلياً لدى المناقشات التي أثارها السهروردي حول الموضوع. وبغض النظر عن هذه القضية فالملاحظ ان ما سلّم به الفلاسفة من كون المبدأ الاول محض الوجود؛ جاء من حيث التمييز بين نوعين من العلاقة للوجود، احدهما يخص علاقته بهذا المبدأ، والاخر يخص علاقته بالممكنات. ففي الممكنات هناك فرق جلي بين ماهية الممكن وبين وجوده العارض عليه من الخارج، فمن حيث انه ماهية فانه لا يوصف بالوجود، ومن حيث اعتباره موجوداً فهو ان ماهيته قد عرض عليها الوجود، وهذا الحال لا يمكن تطبيقه على المبدأ الاول والا تسلسل الامر، وبالتالي فلا بد من اعتبار ماهيته عين وجوده، او انه عبارة عن محض الوجود بلا عارض ولا معروض.
ولا شك ان هذا التقرير يثبت اصالة الوجود الفعلي سواء بالنسبة للمبدأ الاول، او الممكنات. فمن حيث المبدأ الاول ان ماهيته لا يمكن عزلها وتجريدها عن وجوده والا افضى ان يكون كالممكن ممن يعرض عليه الوجود، او يقترن به فيكون مركباً، او ينتفي عنه فيكون عدماً، او انه يكون محض الوجود فيحصل المطلوب. أما من حيث الممكنات فواضح من حيث التفرقة الحاصلة بين ماهية الممكن ووجوده، حيث الماهية غير الوجود، وبفضل الوجود وعروضه عليها تكون موجودة، مما يعني ان الوجود هو الاصيل وليس الماهية.
على ان حكم الفلاسفة على المبدأ الاول بانه محض الوجود الفعلي هو في حد ذاته يبرر اصالة الوجود في الممكنات، وذلك تبعاً لقانون السنخية والتناسب، حيث لا يصدر عن الوجود المحض الا الوجود. وبالتالي فقد كان من المنتظر ان يسلم الفلاسفة بهذه الاصالة، لكن واقع الحال غير ذلك، اذ نجد هذه المفارقة لدى العديد منهم، كالذي نُسب الى السهروردي، حيث جمع بين اصالة الماهية في الموجودات الطبيعية وبين اعتبار المبدأ الاول وجوداً محضاً. فقد دافع اشد الدفاع عن اصالة الماهية في الممكنات الطبيعية ولم ير حرجاً - فيما نُسب اليه - من تبني القول بحقيقة كون المبدأ الاول محض الوجود الفعلي، بل واعترف صراحة بوجودية النفوس الانسانية وما فوقها من غير ماهية، فوقع في تناقض صارخ كما نبّه على ذلك صدر المتألهين، وهو ان السهرودي كيف حق له ان ينقد اصالة الوجود ويعدّه محض اعتبار مع انه قائل بوجودية المبدأ الاول وغيره من المفارقات والانوار . ذلك ان ما هو اعتباري كيف يمكن ان يكون نفسه في موضع اخر ليس اعتبارياً، فاذا كان اعتبارياً في الممكنات الحدوثية فكيف يجوز ان لا يكون اعتبارياً في حق المبدأ الاول والمفارقات العليا؟!
اذن ان الاعتقاد بالسنخية لا يسمح بوجود حقيقتين مختلفتين في العين، فاما ان يكون العين معبراً في الاصل عن الوجود فقط، او ماهية فقط، ولا يجوز الجمع بينهما الا على حساب هذا المولد الوجودي. وبالتالي فان القول بوجودية بعض المراتب وماهوية المراتب الاخرى ينطوي على هذه المفارقة. وهو الامر الذي دعا صدر المتألهين الى ان ينكر ان تكون الماهيات (الكلية) صادرة عن المبدأ الاول لفقدان المناسبة بينهما ، فلا يصدر عن الوجود الا وجود، كما لا تنشأ عن الماهية الا مثلها. وبعبارة اخرى ان الوجود الفعلي إما ان يكون عند الكل محض اعتبار وانتزاع، او انه يكون عينياً من غير فصل بين بعض وبعض. اذ بحسب قانون السنخية لا يعقل ان يكون عينياً لدى البعض، واعتبارياً لدى البعض الاخر. وبالتالي فانه حيث يكون عينياً لدى مبدأ الوجود الاول فانه لا بد ان يكون عينياً ايضاً لدى سائر الممكنات والمحدثات.
مع هذا فان ما يبرر وقوع السهروردي في الحرج السابق واضطراره الى تلك المفارقة - على فرض صدق ما نُسب اليه - هو انه اراد التفرقة بين حقيقة الممكنات وبين المبدأ الاول من خلال لازم الماهية. فمن حيث المبدأ ان لازم الماهية إما ان يكون الامتناع او الوجوب او الامكان، فعلى هذا التقدير لمواد القضية استنتج ان الماهية لو كان لازمها الامتناع لما تحققت الممكنات، ولو كان لازمها الوجوب لكانت الممكنات واجبة، لذا فان لازمها الامكان بالضرورة، وعليه فكل ما يقع ويحدث من اشياء فستظل هناك اشياء اخرى ممكنة الوقوع الى غير نهاية. فبهذا الشكل توصل الى ان واجب الوجود لا يمكن ان يكون ماهية، والا كان ممكناً باعتبار ان لازمها الامكان وعدم الوجوب.
لكن المشكلة لم تحل بعد. فهو يرى - كما ينقل عنه صدر المتألهين - ان النفس البشرية وما فوقها من المفارقات والانوار كلها من الواجبات لا الممكنات، وذلك لكونها ليست من الماهيات، مع انه يعتقد في الوقت ذاته بان النفس البشرية حادثة وغير سابقة الوجود للبدن ، وهو ما يناقض كونها واجبة.
ومهما يكن الحال فان السهروردي في استدلاله السابق قد جانب الصواب، اذ يمكن القول ان لازم الماهية يجوز ان يكون واجباً وممكناً وممتنعاً، لا بحسب الماهية بمفهومها العام، بل تبعاً لطبيعة الذوات والانواع. فقد يصدق ان تكون من طبيعة بعض الماهيات الامكان كما هو الحال مع الاجسام وغيرها. كما يصدق ان تكون من طبيعة بعض آخر الامتناع كما هو الحال مع شريك المبدأ الاول. وكذا يجوز ان تكون من طبيعة بعض الذوات الوجوب كما هو الحال مع ذات هذا المبدأ.
لكن رغم ذلك لا نستبعد ان يكون تعبير السهروردي عن المبدأ الاول بانه محض الوجود هو تعبير غير مراد على حقيقته، فربما اضطر اليه كالعديد من الفلاسفة على ما عرفنا . بدليل انه في كتاب (المشارع والمطارحات) لوّح بعدم اقراره بعينية الوجود لذلك المبدأ تبعاً للمعنى الفعلي الذي اكد عليه القائلون باصالة الوجود. اذ اعتبر الادلة التي اقامها الفلاسفة على اثبات المسألة الالهية محكومة باعتبار القول باصالة الوجود، وهي ادلة لا تصح عند من يعدّ الوجود امراً اعتبارياً . ويمكن تفسير الموقف لدى السهروردي بان سمح لان يعبر عن ماهيته بانها الوجود من حيث جواز الوصف بالامور الاعتبارية. وقد سبق له ان اعتبر الوحدة مفهوماً اعتبارياً لا يلزم من وصفنا للحق بها ان تزيد على ذاته. وكذا لا يعني اعتبار ماهيته الوجود ان لهذا الاخير حقيقة عينية. وهو وإن قرر بان الحق لا ماهية له، لكنه ليس بصدد نفي الماهية عنه على نحو الاطلاق، انما عنده هي تلك التي اذا كانت فهي ليست في موضوع.
وعلى العموم يمكن القول ان اغلب الادلة التي قُدمت لاثبات اصالة الوجود هي ادلة جدلية تفيد نقض اصالة الماهية على ما تعنيه من معنى النوع والجنس الذي لا يأبى التكثر والاشتراك، وهي لهذا لا تثبت اصالة الوجود الفعلي بالضرورة، اذ يصبح الامر مردداً بين هذه الاصالة وبين اصالة الوجود الذاتي، اي الذات المشخصة. وحتى السهروردي الذي يقر باصالة الماهية فانه احياناً يصرح بانه لا يريد من الماهية غير الحقيقة الخارجية، فهو من جهة ينفي وقوع الطبيعة النوعية من حيث انها نوعية في الاعيان . كما انه يفهم معنى الماهية عين حقيقة الشيء الخارجي، لذا فقد ايد القائلين باصالة الماهية ورد على من يقول بان الفاعل اذا أوجد يعطي حقيقة الوجود، فعارض ذلك بان الفاعل يعطي نفس حقيقة الشيء لا شيئاً اخر.
على ان اهم ما يُذكر من الادلة الجدلية التي تنقض اصالة الماهية بالمعنى النوعي او الكلي الطبيعي ما يلي:
1ـ ان الوجود الحقيقي هو نفس التحقق فكيف لا يكون موجوداً. بل لو لم يكن الوجود موجوداً لما امكن ان يوجد شيء. فالماهية من حيث ذاتها بما هي هي؛ ليست موجودة ولا معدومة، فلولا كون الوجود موجوداً لما صارت مستحقة لحمل الوجود عليها.
2ـ يعتبر الوجود الذي يترتب عليه اثاره واحكامه حقيقة كل شيء، فهو احق الاشياء بان يكون ذا حقيقة، وذلك لان غيره - اي الماهيات - بواسطته يصبح ذا حقيقة، فيكون بذلك حقيقة كل ذي حقيقة، ولا يحتاج بنفسه الى حقيقة اخرى، بل هو بذاته في الاعيان، وغيره به يكون فيها.
3ـ ان بالوجود يحصل الفارق بين الذهن والخارج، من حيث ترتب الاثار والاحكام على الثاني دون الاول، فلولاه لكان حالهما واحداً من دون ترتب تلك الاثار والاحكام. فمثلاً لولا ذلك لكانت النار لا اثر لها من جهة الاحراق والتسخين وسائر العوارض الاخرى، بل لكانت مجرد مفهوم صوري فحسب، كما هو الحال مع سائر المفاهيم الذهنية.
ومن الواضح ان اساس هذه الادلة يتضمن المنطق القائل (ان الذات بلا وجود هي اللا وجود او العدم)، وهو صحيح لا شك فيه، لكن من الواضح ايضا ان الوجود بلا ذات هو لا شيء ايضاً. على هذا كان التلازم بينهما امراً مؤكداً، وهو ليس من قبيل التلازم بين امرين لكل منهما حقيقته المنفصلة، بل كلاهما يعبران عن حقيقة واحدة، فبما كون الشيء ذاتاً متشخصة فهو موجود، وكذلك بما انه موجود فهو عبارة عن ذات متشخصة، سواء كان له اثر او تأثير ام لم يكن، وسواء كان في الذهن او الواقع بلا فرق، وهو ما لم تستدركه الادلة السابقة، اذ اعتبرت الوجود مختصاً بالواقع دون الذهن، وإن كان من المتفق عليه ان الوجود لا يختص بالخارج، بل يطال العالم الذهني، فالماهية في العقل عبارة عن وجود لها فيه.
لكن رغم ذلك يظل التشخيص للذات لا الوجود، فلا يصح اعتبار الوجود بما انه متشخص فهو موجود، حيث التشخص لا يصدق الا على ما هو ذات، فهي من حيث ذاتيتها تكون موجودة، وبغيرها تصبح عدماً محضاً. وبالتالي ليس للوجود في حد ذاته حقيقة ما، بل حقيقته تنبع من نفس كون الذات ذاتاً، فبهذه الحيثية وحدها تستحق نزع الوجود عليها صفة؛ كما في نزع اللون الابيض على الشيء. وهذا يعني ان الوجود بحسب حقيقته يتوقف على الذات من غير عكس، وان كان يسبقها من حيث التقدم العقلي، وذلك لانه لا ذات من دون وجود.
اذن هناك تلازم بين الوجود والذات، فلا ذات بدون وجود، ولا وجود بدون ذات، الا ان حيثية عين الذات تكفي لنزع الوجود عليها، ولا يمكن ان يقال بان حيثية الوجود كافية لنزع الذات عليه، حيث الوجود ليس بشيء حتى يمكن ان ننزع عليه الذات، ولهذا لا يمكن وصفه بانه مذوّت، بخلاف الذات التي نصفها بانها موجودة. وشبيه بهذا الحال تلك العلاقة التي تخص العرض بالجوهر، كعلاقة اللون بالجسم، فرغم التلازم بينهما فانه يصح خلع صفة اللون على الشيء من غير عكس، فنقول الجسم ملون، ولا نقول اللون مجسم، مع ان كل جسم ملون، وكل ملون هو جسم. والسبب في ذلك هو اننا ندرك بان وجود اللون في ذاته غير معقول، وانه حيث نفترض وجوده لا بد ان نقدره مشخصاً تبعاً لوجود الجسم من دون عكس.
اذن طبقاً لما سبق يصح ان نقول بوجه ان الوجود عين الماهية كما يقول صدر المتألهين، ومرادنا نفس مراده إن كان يعني بالوجود هو الوجود الذاتي، فهذا المعنى يجمع ما بين الوجود والماهية، فهو وجود من حيث العينية الخارجية، وهو ماهية من حيث الذات. وبالتالي فالقول باصالة الماهية استناداً الى هذا المعنى صحيح، وكذا القول باصالة الوجود استناداً اليه صحيح ايضاً، وبالتالي ليس هناك من فرق بين الوجود والماهية.
وبهذا التحقيق يمكننا الجواب على اهم الادلة الواردة بخصوص اعتبار المبدأ الاول محض الوجود، والتي منها ما قيل لو كان هذا المبدأ ماهية سوى الوجود لكان مركباً؛ لان الماهية بحسب حالها لا تقتضي الوجود ولا العدم، ولو اعتبرت موجودة فلا بد من ان يكون هناك شيء ما يضاف اليها لكي تكون موجودة، وهذا الشيء المضاف هو الوجود، وبالتالي لا بد ان يكون الشيء وكذا ذات الحق عبارة عن الوجود والماهية معاً فيحصل التركيب . ومن هذه الادلة ايضا انه لو كان للمبدأ الاول ماهية وراء وجوده الخاص لكان وجوده زائداً عليها وعارضاً لها، وحيث ان كل عرضي معلل، فلا بد ان يكون وجوده معلولاً إما لماهيته او لغيرها، وكلاهما واضح الاستحالة.
والجواب على ذلك كله لا يأتي الا من حيث ما سبق ان طرحناه في علاقة الوجود بالذات، فمن حيث كون الشيء ذاتاً فهو موجود؛ بدون ان يستوجب عروض او زيادة امر اخر وراء حيثية الذات نفسها، بل من غير الصحيح عدّ المبدأ الاول محض الوجود بالمعنى الفعلي، بل يشار اليه كما ورد في الاحاديث بانه شيء لا كالاشياء، او بما جاء في قوله تعالى: {ليس كمثله شيء} الشورى/11. اذ من المحال التسليم بمحض الوجود الفعلي، انما الاشارة اليه بمحض الوجود يمكن قبولها مجازاً من حيث عدم انفكاك الوجود عنه بخلاف الممكنات. مع تقديرنا ان اخذ ذلك الوصف على حقيقته الفعلية كان مغرياً لدى الفلاسفة، حيث مكّنهم من اثبات وجود المبدأ الاول وتوحيد صفاته ونفي الشرك عنه بجرة واحدة. اذ لو كان المقدر عين الوجود فان من السهل اعتباره عين العلم والقدرة والارادة والحياة ما دام الوجود حقيقة واحدة غير قابلة للتعدد، فبهذا يكون المصداق واحداً رغم اختلاف المفاهيم . وهو عبارة عن ذريعة اخرى لنفي الشرك عنه، حتى صرح بعضهم بانه لولا حقيقة الوجود العينية لكانت شبهة ابن كمونة في جواز الشريك شديدة الورود.
اذن لو اعتبرنا الوجود عين الماهية في الخارج وإن كان في الذهن غيرها، فإن النزاع حول اصالة أي منهما يؤول الى نزاع لفظي، حيث الماهية هنا ليست نوعاًً ولا جنساً وانما هي تلك الحقيقة ذات الهوية الشخصية المعبر عنها بالذات او الهوية. فالقائلون باصالة الماهية واعتبارية الوجود انما يرون نفي حقيقة الوجود الفعلي المعبر عنه بالكون والثبوت، ولا يريدون نفي الوجود الذاتي المعبر عنه بتشخص الذات كما علمنا.
مع هذا يمكن تقرير ان ما ألفناه من القول بالوجود الذاتي، او الذات المشخصة، قد يعطي انطباعاً باننا نعد الموضوع الخارجي عبارة عن ذات تتضمن الثبات والسكون، في حين ان الممكنات الحادثة، او الكائنات الطبيعية، لا تخضع الى مثل هذا المعيار. وبالتالي يمكن اعتبار الممكن الحادث ليس مجرد وجود ذاتي بالمعنى المألوف، انما حقيقته تعبر عن ‹‹وجود صيرورة››‮. فهو مؤلف من امرين متلازمين: احدهما يمكن التعبير عنه بانه مادة او شيئية لا يمكن تحديدها بمعزل عن الامر الاخر. والثاني كون هذا الشيء غير المحدد هو في حالة من الوجود الفعلي المتكرر والمتغير بلا انقطاع، فهو في صيرورة حدوثية يتجدد فيها الوجود الفعلي بشكل دائم لا يقف عند حد. والمهم في الامر هو انه بفضل الصيرورة تتحدد ماهية الموضوع الخارجي، وتنشأ الذات، او ما يطلق عليه الوجود الذاتي، ولولاها ما كان للاشياء ماهية بالمعنى الذي ندركه، او انه بغير الصيرورة يكون العالم، إن شاء له الوجود، شيئاً اخر غير ما نعهده.
اذن نحن لسنا امام عنصرين كالماهية والوجود، بل ثمة عناصر ثلاثة يتضمنها الموضوع الخارجي كالاتي:
الاول: الشيئية الوجودية، وهي قابلة للادراك بحسب التحليل العقلي. ويمكن التعبير عنها بالمادة والهيولى، وذلك لانها الاصل الذي تتوارد عليها صيرورة التجددات، ولا اقول الصور، اذ ان هذه الاخيرة ناشئة بفعل الامرين معاً، الشيئية والصيرورة.
الثاني: الصيرورة، وهي عبارة عن تجدد كينونة الشيئية ووجودها بلا انقطاع. ومن الناحية المنطقية ان الصيرورة لا يمكن تصورها من غير ان تكون واردة على تلك الشيئية الوجودية، وليس العكس صحيحاً، اذ للعقل ان يتصور وجود الشيء من غير صيرورة، في حين ان تصور الصيرورة الوجودية من غير شيء هو امر غير ممكن ولا معقول.
الثالث: الذات، وهي مركبة من الشيئية الوجودية وصيرورتها، ولو ان احد هذين العنصرين كان مفقوداً لما تمّ للذات ان تكون كما هي عليه، ولحلّ الخراب على العالم المشهود. وبهذا نعرف ان الاصالة ليست للوجود او الماهية بمعناهما التقليدي، او ما عبرنا عنهما بالوجود الفعلي والذاتي، وانما هي لما اسميناه (الوجود الصيروري).
لكن الوجود الصيروري للكائنات الطبيعية على انحاء من حيث قابلياتها المفتوحة، واشدها مرونة تلك التي للانسان، حيث لا تتحدد هويته بشخوصه وحضوره، انما فيه امكانات اخرى تجعله ينقلب عما هو عليه صعوداً ونزولاً بلا توقف . لذلك استساغ العديد من المفكرين الغربيين ان يضفوا عليه صفة الوجود دون غيره من الكائنات التي عدّوها مجرد ماهيات ساكنة، وإن كانت هذه الاخيرة تتفاوت فيما بينها من حيث المرونة والثبات، لكنها في جميع الاحوال لا تقارن بالانسان ذي الامكانات المفتوحة. بل بسبب هذه الاخيرة فان الانسان يظل مستعصياً على الفهم والادراك مقارنة بغيره، كما هو واضح مما تعاني منه الدراسات الانسانية الحديثة.

لفظ الوجود والالتباس اللغوي
بداية نحن نقدر ان المسائل الفلسفية هي من اكثر القضايا التي تستقطب الملابسات اللغوية والمنطقية، فتخلق بذلك مشاكل وهمية او تدفع الى ايجاد نظريات ما كان لها ان تكون لولا تلك الملابسات. لكن ذلك لا يدعونا الى تلك النتائج التي تطرفت فيها بعض الاتجاهات الغربية الحديثة فاخذت تعلن بان المسائل الميتافيزيقية لا تعبر عن مشاكل حقيقية ولا توجد معان وراء ما يذكر من العبارات الفلسفية، تعويلاً عن كون اللغة هي مصدر تلك المشاكل الزائفة، وبالتالي فان حلها لا يتم الا عبر التحليل اللغوي فحسب. وابرز من يمثل هذا الخط هو تيار الوضعية المنطقية ومن على شاكلتها من امثال فتجنشتاين Wittgenstein .
وقد كان علماؤنا القدماء على وعي بأثر الملابسات اللغوية على النتاج الفكري، ومنه النتاج الفلسفي. ومن ذلك ان الامام الغزالي اعتبر ان الكثير من اخطاء المتكلمين نابع من الوهم اللغوي، حيث تطلب المعاني من الالفاظ دون العكس. فهو يقول: ‹‹اذا انت امعنت النظر واهتديت السبيل عرفت قطعاً ان اكثر الاغاليط نشأت من ضلال من طلب المعاني من الالفاظ، ولقد كان من حقه ان يقدر المعاني اولاً ثم ينظر في الالفاظ ثانياً، ويعلم انها اصطلاحات لا تتغير بها المعقولات››‮.
ومن الفلاسفة من اخطأ بسبب التعبير اللغوي، وذلك عند محاولته الاستدلال على نفي صفات المبدأ الاول، حيث اعتبر وجودها يفضي الى تكثر جهتي الفاعلية والقبول في ذات هذا المبدأ. وموضع الالتباس كما نبّه عليه صدر المتألهين هو انه قد اخذ القبول بمعنى الانفعال التجددي مكان القبول بمعنى مطلق الاتصاف . او كما يقول ابن سينا: ‹‹ليس هناك قابل وفاعل، بل من حيث هو قابل فاعل››‮.
ومن بين الالفاظ الملتبسة المؤثرة على العلاجات الفلسفية لفظة (الحوادث). فقد استخدمت هذه اللفظة لدى المتكلمين للدلالة على خلق العالم ونفي قدمه الزماني، حيث انها تشعر ‹‹بان لها ابتداء، كالحادث المعين والحوادث المحدودة››‮. في حين هناك فرق بين هذه الحوادث وبين جنس الحوادث، حيث يمكن ان تكون الحوادث متصلة منذ الازل. وهذا ما لم يتداركه اهل الكلام، حيث انساقوا الى المعنى المألوف من اللفظة، ووقعوا في المغالطة لدى اثباتهم للخلق والخالق. وعلى هذه الشاكلة الاستدلال المغالط على ما لا يتناهى من جهة الماضي عبر المثال التالي: ‹‹انك لو قلت لا اعطيك درهماً الا اعطيك بعده درهماً كان هذا ممكناً، ولو قلت لا اعطيك درهماً حتى اعطيك قبله درهماً كان هذا ممتنعاً››‮. فهذه الموازنة ليست صحيحة كما دل عليها ابن تيمية، اذ الصحيح هو ان تقول: ‹‹ما اعطيك درهماً الا اعطيتك قبله درهماً، فتجعل ماضياً قبل ماضي كما جعلت هناك مستقبلاً بعد مستقبل››‮ . ولا شك ان لهذا التصحيح اللغوي ثمرة فلسفية بخصوص البحث عن امكانية وجود حوادث ليس لها بداية محددة.
ولفظ الوجود هو من اكثر الالفاظ مدعاة للبس والخلط والايهام، وقد اوقع الفلاسفة في مطبات الاختلاف والتناقض، لشدة ما اكتنف معناه من غموض وابهام. فقد وُصف انه اظهر من كل شيء تحققاً وإنية حتى قيل فيه انه بديهي، كما وُصف انه اخفى من جميع الاشياء حقيقة وكنهاً حتى قيل انه اعتباري محض . فمثلاً في وصف المبدأ الاول بالوجود؛ نعلم ان من المستحيل التفكيك بين ذاته وبين وجوده لانه ازلي، الا ان هناك فرقاً واضحاً بين العبارتين التاليتين، الاولى ان نقول: ‹‹هذه الذات هي ذات موجودة ازلاً››‮، والثانية ان نقول: ‹‹ان هذه الذات هي محض التحصل والكون والوجود››‮، فلا شك ان العبارة الاولى سليمة لا اشكال عليها، بخلاف العبارة الاخرى التي لا تعقل، وذلك فيما لو اخذت بحسب المعنى الفعلي كما مر علينا. وما فعله الفلاسفة هو انهم استنتجوا قضيتهم في العبارة الثانية تعويلاً على الاولى. ذلك ان مفاد الاولى هو الاعتراف بكون الشيء بلا وجود لا ثبوت له في العين، فمن هذه المقدمة الحقة ظهرت المغالطة في مفاد العبارة الثانية، وهي النتيجة التي تعتبر الوجود احق الاشياء بالثبوت لانه المنبع لعد الاشياء موجودة.
والحقيقة ان الاشياء بالوجود توصف موجودة، وهو حق لا ريب فيه، لكنه لا يقتضي ان يكون له ثبوت خارجي تنبع منه الاثار. وكما يرى السهروردي فان قولنا لشيء ما بانه موجود في الاعيان لا يعني ان له وجوداً في الاعيان ليصح حكمنا السابق عليه، كما يدعي اصحاب اصالة الوجود، فحكمنا على الشيء وحملنا عليه بشيء لا يدل على وجوده في العين . فحال الوجود كحال البياض الذي يشرط الشيء الابيض به، رغم عدم وجود دلالة على ثبوته مستقلاً، باعتباره مصدراً من الصفات الاضافية النسبية. فكما لا يقال للبياض ابيض فانه لا يقال للوجود موجود، لكن يصح ان يقال للشيء ابيض او موجود، حيث من شرط وجود الشيء الابيض ثبوت صفة البياض وتقدمها عليه عقلاً، رغم عدم ثبوت البياض لنفسه واصالته مستقلاً، وكذا الحال - تماماً - مع الوجود، اذ ليس للشيء ان يتحقق بغير ثبوته كصفة متقدمة عليه عقلاً، ومع ذلك فلا يقتضي ان يكون لنفسه ثبوت في العين. فالتعبير بان الشيء لا يتحقق الا من حيث تقدم الوجود عليه عقلاً هو تعبير صحيح، لكن ما يترتب على هذه المقدمة من نتيجة في الحاق الاصالة بالوجود فهو خطأ باعتباره غير معقول. من هنا يصح اعتبار العلم والقدرة والحياة هي من آثار الشيء الموجود، وان كان لا يصح اعتبارها من آثار نفس الوجود.
ومن الواضح ان هذا التمييز المنطقي لم تراعه ادلة القائلين باصالة الوجود. فبعض الحكماء من امثال صدر المتألهين اعتبر الوجود احق ان يكون موجوداً من الماهيات التي يعرض اليها في ملاحظة العقل، كما ان البياض اولى ان يكون ابيض من المعروض له. وآخر يرى ان الوجود موجود، وكونه موجوداً هو بعينه وجود، وهو موجودية الشيء في الاعيان . والذي لا يساعد على ذلك كله هو ان معنى الوجود لا يمكن فهمه بدون نسبة الاضافة، وقد التفت الى هذه الناحية بعض المفكرين الاسلاميين كالغزالي الذي اعتبر الوجود بلا ماهية ولا حقيقة غير معقول ، وإن كان في (معارج القدس) أيد الفلاسفة في علاقة المبدأ الاول بالوجود وغيرها من المسائل، حيث اعتبر وجود هذا المبدأ عين ماهيته، كما وافقهم في اعتبار صفاته عين ذاته بخلاف ما طرحه في كتبه الكلامية ككتاب (تهافت الفلاسفة) وكتاب (الاقتصاد في الاعتقاد) وغيرهما.

الخلاصة
يمكن ابراز خلاصة ما قدمناه بحسب النقاط التالية:

* لدى النظام الوجودي ان الشيء إما ان يكون ماهية او وجوداً من حيث اصالته وحقيقته الموضوعية. وانه من قال باصالة الوجود عدّ الماهية اعتبارية ذهنية، ومن قال باصالة الماهية عدّ الوجود منتزعاً ذهنياً.

* ان للفظ الوجود التباساً شديداً في المعاني عند الفلاسفة، إلى درجةٍ اعتبره جماعة انه اظهر الاشياء، وعدّه اخرون انه اخفى الاشياء. ومن حيث الظهور والخفاء قيل فيه ما قيل من الاصالة والاعتبار.

* بحسب منطق السنخية انه اذا كان المبدأ الحق محض الوجود كما يرى الفلاسفة عادة، فان من الطبيعي ان تكون الممكنات الصادرة عنه هي الوجود ايضاً. وبالتالي انه لا بد ان تكون الحقيقة الخارجية لكليهما إما وجوداً او ماهية بلا تفكيك.

* وجدنا ان اهم القائلين باصالة الوجود، وهو صدر المتألهين، قد استخدم معنيين للوجود، وليس معنى واحداً، وذلك لاغراض توظيفية داخل المنظومة الفلسفية، رغم ان بين المعنيين اختلافاً وتعارضاً ظاهراً، احدهما اطلقنا عليه الوجود الفعلي، والاخر الوجود الذاتي.

* ان معنى الوجود الفعلي هو الكون ومرادفاته من الحصول والثبوت والتحقق والتشخص، والذي يدرك بالشهود الحضوري المباشر. وعلاقته بالماهية هو انه يعبر عن كون الماهية وثبوتها وتحققها وحصولها وصيرورتها، فهذه التسميات مترادفة، وتجعل بين الماهية والوجود نوعاً من الاتحاد الخارجي، حيث يوجد الوجود بذاته، وتتحد بوجوده الماهية ويصدق عليها انها تكون موجودة به عرضاً. أما معنى الوجود الذاتي فهو نفس الماهية عند تحققها خارجاً. اي ان الشيء عندما يكون ذهنياً يطلق عليه ماهية، وعندما يكون خارجاً يطلق عليه وجوداً، وبالتالي فان بين الخارج والذهن نوعاً من المشاكلة للشيء، اي ان بين الماهية والوجود بحسب هذا المعنى شبهاً ومحاكاة، تكون فيه الماهية في الذهن ظلاً تابعاً وحاكياً لما عليه الوجود في الخارج.

* ان اطلاق الوجود بالمعنى الفعلي على المبدأ الحق أُريدَ منه في بداية الامر المجاز، حيث لا تُعلم حقيقة ذات هذا المبدأ، لكن الاطلاق سرعان ما انتهى الى معنى الحقيقة الفعلية، وهو انه لا ماهية له غير وجوده المحض. كما ان الفلاسفة المتأخرين من امثال صدر المتألهين قد فهموا حقيقة الواجب بحسب كلا المعنيين السابقين للوجود رغم التعارض بينهما، وذلك لاسباب توظيفية يراد لها حل المشاكل الفلسفية داخل المنظومة الوجودية. ومن ذلك حل مشكلة التوحيد تبعاً للمعنى الفعلي للوجود، وكذلك حل مشكلة كون المبدأ الحق يحمل صور الاشياء كلها، حيث انه عبارة عن كل الاشياء، وذلك تبعاً للمعنى الذاتي للوجود.

* لقد رأينا في الممكنات الحادثة ان الاصالة ليست للوجود الفعلي ولا الوجود الذاتي ولا الماهية بحسب معانيها المألوفة، انما الاصالة لما اطلقنا عليه الوجود الصيروري. وبحسب هذا الوجود هناك ثلاثة عناصر تحدثنا عنها، هي: الشيئية الوجودية، والصيرورة، والذات التي هي مركبة من الامرين السابقين.



#يحيى_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حضارة بين حضارتين(مقارنة بين الحضارة الإسلامية والحضارتين ال ...
- الحركة العقلية الاسلامية وتطوراتها
- الصراع والتكامل بين الفلسفة التقليدية والعرفان
- الجابري والخلط بين مفكري اللحظة المغربية
- آليات قراءة النص الديني
- صدور كتاب جديد ليحيى محمد بعنوان منطق فهم النص
- علم الطريقة وفهم الخطاب الديني
- مقارنة بين العقل المثقف الديني والعقل الفقيه
- منطق السنخية والتنظير الفلسفي داخل الحضارة الإسلامية
- مع مشروع نقد (نقد العقل العربي)
- الفهم الديني: سننه وقوانينه وقواعده ومستنبطاته
- القطيعة بين إبن سينا وأرسطو (قراءة في مشروع المفكر محمد عابد ...
- ابن رشد وعلاقة الفلسفة بالدين


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - يحيى محمد - النظام الوجودي وتحليل العلاقة الوجودية