أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد عبد المجيد - لماذا يهتم المتديّنون بالتفاهات؟















المزيد.....

لماذا يهتم المتديّنون بالتفاهات؟


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 3070 - 2010 / 7 / 21 - 23:38
المحور: حقوق الانسان
    



ظاهرةٌ لا تحتاج في الواقع لكاتبٍ ولكن لخبير نفسولوجي يقوم برصدِها، وتشريحِها، وتحليل أسبابـِها، ثم الخروج بنتائج قد تؤدي إلى فهمها، وعلاجها!
شغلتني ردحًا طويلا من الوقت، وكلما اقتربتُ من فهمها عاوتني بوجهٍ آخر أكثر غموضًا، وتعقيدا، وتشابكًا!
بمجرد أنْ ينتقل أحدُهم إلى التديّن المحدث يترك خلفه المنطق، والموضوعية، والعقل، والمعرفة الإنسانية، ويتقدم صوْب عالم جديد كأنه يقوم بزيارة ساحر تتصاعد أمامه أبخرة ملونة تتشابك في هواءِ الغرفة الملوّث مع أصوات مبهمة لا تدري إنْ كانت ضحكات الشياطين أم صرخات الجن!
الدينُ في رأيي حالة من الوعي المتناقضة تمامًا مع ذلك التغييب، وهو تدبّر للكون، وتأمل في معجزات الخلق، وتوجه للخالق، عز وجل، وخشوع في حضرة نفخة الروح التي وهبنا إياها الباري جل شأنه.
الدين في رأيي عبادة بالعقل والقلب معًا، وبهجة يحققها الإيمان فتضفي علىَ الحياة سعادة دنيوية، وتنتهي بالاستعداد للسعادة الأخروية.
الدين في رأيي حرية في الاعتقاد، وتوحد كامل لمراحل الإنسان، فهو ينتقل من مرحلة إلى أخرى، وقد يبدأ بالشك وينتهي بالإيمان( د.مصطفى محمود، د.طه حسين، خالد محمد خالد)، وقد يبدأ بالإيمان وينتهي بالشك ( عبد الله القصيمي، عباس نور، الميرزا غلام أحمد)، لكن الخطأ الأكبر الذي يرتكبه عاشقو تكفير الآخرين هو الامساك بخناق مرحلة معيّنة من عمر الإنسان، واعتبارها التهمة الجنائية المفصولة عما قبلها، والمقطوعة عما بعدها.
شهد العقدان الفائتان زيادة ملحوظة في أعداد المتدينين المحدثين، وينبغي التفرقة بينهم وبين الذين جذبهم روح الإيمان، وانخرطوا في مرحلة جديدة ومتطورة زادت من سعة العقل، واتسعت بها تحليقات التأمل الإنساني العميق في الدين والكون والخالق و .. وما بعد الموت.
المتدينون المحدثون حالة مرضية أفرزتها مجتمعات متأخرة تمكنت من تغييب الوعي، واحلال أفيون الشعب مكانه، ثم محاولة اقناع معتنقيه أنه الدين الصحيح،ورسالة سماوية بعدما أخفوا وراء ظهورهم رسالة السماء إلى أهل الأرض، ونداء الحق إلى البشر كافة.
إنهم جنود أوفياء لثقافة النقل، وخصوم أشراس للعقل، وباحثون في بطون الكتب الصفراء عن كل ما يتصادم مع العصر، وعباقرة في حوارات الكراهية، وانعزاليون في طوائفهم، وملتصقون بفـِرَقـِهم الناجية من النار كأن هناك عقدًا مكتوبا في سدرة المنتهى يؤكد لهم أن رضوان، عليه السلام، لن يفتح باب الجنة لغيرهم.
المتدينون المحدثون خصوم للثقافة الإنسانية، وينظرون بريبة إلى الآخر، ويشككون في عقائد الغير ، ويغرسون سيوفهم في مذاهب المختلفين معهم.
منفصلون عن العصر، ومنكبّون على كتب عتيقة تفصلهم عنها مئات الأعوام، يستخرجون منها ما يؤذي الدين وأصحابه، ويضعون الصغائر أمام محاوريهم فيخسرون من أول جولة ويحسبون أنهم هم المنتصرون.
شغلني كثيرا هذا الجيش من الجراد الذي يأكل الأخضر واليابس، ويأتي على التربة الخصبة فيجردها من اخضرارها، وجمالها، وبكورتها، وينزع عنها كل فرص الحصاد ولو بعد حين.
اعرض على أحدهم مواد الشرعية العالمية لحقوق الإنسان، فينبذها ويؤكد لك أن لديه الأفضل منها، فتنظر حولك ولا تجد إلا سجونا ومعتقلات وفسادا ورشوة وفقرا ومرضا ...!
تحدث في أي موضوع وستجد المتدين المحدث قد أحضر أمامك صفحات لا نهائية من أقوال السلف والسابقين والأولين، أما عقله هو فلا حاجة به إليه، فالعلماء يفكرون له، والفقهاء يُفتون من أجله، والأئمة يشفعون لأخطائه.
اكتب تحقيقًا عن التعذيب، والانتهاكات، ونهب أموال الفقراء، وتسميم التربة الزراعية، وتزوير الانتخابات، فسيمر عليه مـَرّ الكرام، ثم يلتقط من بين سطوره أقل الكلمات أهمية فيشتبك معك عليها، ويقضي على مقالك بالضربة القاضية.
عندما نشرتْ الصحافة صورة مفزعة للصحفية أطوار بهجت بعدما ثقب الإرهابيون رأسها، علـّق أحدهم قائلا بأنه مستاء كثيرا لنشر المواقع الإسلامية هذه الصورة وقد ظهر شعر رأسها، وكان ينبغي تغطيته لأنه عورة ( أما الثقب في رأسها المهشم، وجسدها المطعون في كل أجزائه فلم يثر انتباه صاحبنا)!
كتبت مقالا عن العهد الأسود لمبارك، وكان القلم في يدِ جهازي العصبي، ونشرتُ بعضا من جرائم الطاغية، وتوقعت أن يغشى على كل ذي ضمير يقرأ كلماتي، فإذا بأحدهم يكتب لي قائلا بأنه قرأ المقال، وأغضبه أنني ذكرت ملك الموت باسم عزرائيل، ولم يثبت في الكتاب والسُنـّة أن اسمه الحقيقي عزرائيل!
هذا الأحمق نموذج متطور من المتدينين المحدثين، كما كتبت لي إحداهن بأنها عثرت في كتاب مرت عليه قرون على أدلة أن الرئيس مبارك هو الحاكم الشرعي للبلاد!
إن امكانياتهم لا تسمح لهم بقراءة أكثر من ثلاثة سطور ثم تنفصل كهرباء الفكر من العقل، فيغترفون من أقوال فاقعةٍ تضر ولا تنفع، تنقص ولا تزيد، تـُميت ولا تحيي!
كتب أحدهم بأنه يسرع الخطى عندما يمر أمام محل تخرج منه موسيقى أو غناء لئلا يحاسبه الله، جل شأنه،على تلك اللحظات التي اخترقت معازف الشياطين أذنيه.
اكتب عن النقاب وأضراره وتعارضه مع كرامة الإنسان وأهمية أن يرى كل منا وجه الآخر، وعن حق أي منا أن يرى وجه من تتحدث معه، فلن ينام المتدينون المحدثون، وسيقومون لصلاة الفجر يدعون الله عليك باللعنة في الدنيا والآخرة ( حدث هذا معي فعلا، وقال الذي أقام صلاة اللعنة بأنني مُنكر للسنة والمعلوم بالضرورة من الدين لأنني أرى أهمية أن يتعارف الناس!).
عالم المتدينين المحدثين معجون بالجهل والكراهية، لذا فعندما تضاعفت أعدادهم أفسحت المجال للمستبد أن يستمر خانقًا شعبه، وللمخدرات أن تـُغَيـّب الملايين، وللدولة أن تتراجع، وللفساد أن يقتحم كل مؤسسات الدولة.
المتدينون المحدثون أعداء الدين الحقيقي، وحُماة الطغاة، وفي كنفهم ينبت سوس البغضاء، والتمذهب، والطائفية، واحتقار الغير، وصعود الصغائر والتفاهات.
قل لأحدهم بأنه ستكون لديه أقل من اثنتين وسبعين من الحور العين، وأن زعيم بلده أمر بذبح عدة آلاف من سجناء الرأي ومعتقلي الضمير، فسيرى الخبر الثاني تافها لا يستحق منه وقفة واحدة، أما الحور العين فهو على استعداد للدفاع عن عددهن، لا ينقصن واحدة، حتى آخر رمق في حياته!
قل لآخر بأن تحريك السبّابة وأنت تقرأ التشهد في صلاتك غير مهم، وأن جارك تم اغتصابه في قسم الشرطة القريب من منزلك، فلن ينصت إلى جملتك الأخيرة، لكنه سيفتل عضلاته النقلية في عنعنةٍ تمتد للقرن الثالث الهجري، فتحريك السبّابة فرضُ عينٍ على المُصـَلّي!
قل لثالث بأنك حضرت زواج سبعيني من فتاة في الثالثة عشرة من عمرها، وأن عدد الأطباء الذين يجرون جراحة نقل الأعضاء، سرقة وخلسة، تجاوز المئات في مستشفيات الدولة كلها والعيادات الخاصة، فسيرُدّ على الفور بأن من حق السبعيني أن يتزوج من فتاة في العاشرة من عمرها، شريطة أن يكون جسدُها ممتلئا، وقويا، ومـُرَبـْرَبًا، وأن يظهر نهداها كأنهما بالونتان غير منتفختين تمامًا، أما سرقة الأعضاء من أجساد المرضى فلا شأن للمتدين المحدث بها.
قل لرابع بأن باب التبرع لجمعية مساعدة المنقبات في فرنسا لدفع الغرامة نصف مفتوح، وباب التبرع لتأهيل ضحايا التعذيب في بلدك مفتوح على مصراعيه، فسيفتح حصّالته القديمة من أجل ( المؤمنات في بلاد الكفرة)، أما ضحايا التعذيب والاغتصاب فالله يتولاهم برحمته!
أستطيع أن آتي بمئات، وربما آلاف الأمثلة والنماذج على عبقرية المتدينين المحدثين في العثور على التفاهات والصغائر والعباطات والهبالات واعتبارها من صُلب الدين، وأن الثقافة والحضارة والكتاب والتطور والتمدن والتسامح والعقلانية والموضوعية تقف في ذيل قائمة اهتماماتهم.
لقد جعلونا أضحوكة في الغرب والشرق، وصنعوا لنا خصوما في كل مكان، وباعدوا بيننا وبين أصدقائنا، وجعلوا المخالفين لنا في ديننا متوجسين خيفة، وفتحوا صفحات مجهولة في تاريخ قديم، وقدّموها على أطباق من ذهب لكل من يريد أن ينال من الإسلام الحنيف.
جراد في كل مكان، وعلى مئات الآلاف من مواقع ومنتديات الإنترنت، وفي الفضائيات الحمقاء التي تستضيف ملوثين عقليًا للحديث عن أسمى الرسالات، ولتفسير كلمات الخالق العظيم لأهل الأرض.
ويبقى سؤالي مطروحا: لماذا يهتم المتدينون المحدثون بالتفاهات؟

محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو في 21 يوليو 2010
[email protected]



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقطع من يوميات شاب إنترنيتّي
- رسالة اعتذار من مصري إلى الرئيس مبارك!
- مقطع من يوميات ضابط شرطة مصري
- مقطع من يوميات طفلة عربية
- مقطع من يوميات معمر القذافي
- مقطع من يوميات منقبة
- مقطع من يوميات الرئيس مبارك
- مقطع من يوميات مواطن عراقي
- مقطع من يوميات برلماني مصري
- مقطع من يوميات جبان
- تعريف جديد للكفر: تأييدك للرئيس مبارك!
- تشكيل حكومة البرادعي ضرورة وطنية
- مبارك والبرادعي .. ليس هناك خيار ثالث!
- المصريون والبرادعي بين الحلم و .. الوهم!
- حوار بين جاهل و .. مثقف
- خطاب الرئاسة الأول لجمال مبارك
- رسالة تحريض إلى أبطال العبور
- الجنس في الذهنية السعودية!
- أيها المسلمون، ماذا فعلتم بأقباطنا؟
- حوار بين عزرائيل و .. الرئيس حسني مبارك!


المزيد.....




- أبو الغيط يأسف لاستخدام ‎الفيتو ضد العضوية الكاملة لفلسطين ب ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- -الرئاسة الفلسطينية- تدين استخدام واشنطن -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- فيتو أمريكي بمجلس الأمن ضد العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم ...
- مؤسسات الأسرى: إسرائيل تواصل التصعيد من عمليات الاعتقال وملا ...
- الفيتو الأمريكي.. ورقة إسرائيل ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحد ...
- -فيتو-أمريكي ضد الطلب الفلسطيني للحصول على عضوية كاملة بالأم ...
- فيتو أمريكي يفشل مشروع قرار لمنح فلسطين العضوية الكاملة بالأ ...
- فشل مشروع قرار لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة ...
- فيتو أمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد عبد المجيد - لماذا يهتم المتديّنون بالتفاهات؟