أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد عبد المجيد - أيها المسلمون، ماذا فعلتم بأقباطنا؟















المزيد.....

أيها المسلمون، ماذا فعلتم بأقباطنا؟


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 2885 - 2010 / 1 / 11 - 17:35
المحور: حقوق الانسان
    


أوسلو في 11 يناير 2010
مذبحة نجع حمّادي التي سقط فيها شهداءٌ أقباطٌ لم تكن مفاجأةً لي، والمذبحة القادمة، التي لا أعرف متى، وأين ستحدث، لن تكون هي أيضا مفاجأة!
يخطيء المصريون حين يظنون أنَّ القاتل هو ذلك المُتهَمَ الماثلُ أمام عدالةِ، أو ظلمِ، المَحْكمَةِ بعدما ثبتتْ عليه التهمة، ولم يبق إلا حُكم القضاءِ وتنفيذه.

كلنا قتلة، من رئيس الجمهورية إلى الأم التي تصمت ببلاهة ريثما يحكي لها ابنها الصغيرُ عن التلميذ المسيحي الذي يجلس بجواره في الفصل.

طاعونٌ أصاب المصريين وهم لا يعرفون أنَّ صَمْتهُم دعوة للوباءِ بأنْ يستشري في الجسدِ المصري البليدِ الذي لا تحَرّك فيه ساكناً التحذيرات والكتابات والاشارات الصريحة والضمنية، فالانهيارُ بدأ يوم تحوّلنا إلىَ بلهاء لا يقرأون، وإذا قرأنا اكتفينا بالعناوين، وإذا مررنا على التفاصيلِ سقطت من ذاكِرَتِنا قبل أنْ نطوي الورقة أو ننتقل إلىَ موقعٍ إنترنتيي آخر.

مذبحة نجع حمادي تخرج لنا لسانَها، فهي أمام أعيننا منذ ثلاثين عاما أو يزيد، وقد شاهدت مثلها مئات المرّات دون أنْ تراق دماءٌ، ظاهرياً، أو يُشيّع أقاربُ الضحايا أحبابَهم.

شاهدت المذبحة وأنا أجادل مسلمة تقول لي بأنها لا تشتري دواءً لابنِها المريضِ تحت أيّ ظرفٍ لو كان الصيدليُ مسيحياً!

وشاهدت المذبحة وأنا أقرأ سؤالا من مسلم غبي إلى شيخ أحمق يستفتيه رأيَّ الإسلامِ في صديقه المسيحي الذي عاده في مَرَضِه، وجلس على طرفِ فِراشِه، فهل أصبح الفراشُ نجساً؟

وشاهدت المذبحة في مفرداتِ لغةٍ سقيمةٍ تعْثر في ثناياها علىَ دماءٍ غيرِ مرئية، فالقبطي هو الآخر، وهو الذمّي، وهو دافعُ الجزيةِ ليحميه المسلمون على خط بارليف، وهو الكافرُ، وهو الوَثنيُّ الذي يريد بناءَ كنيسةٍ بجوار المسجدِ، وهو الذي ينبغي أنْ لا يشاركه المسلمُ في أعيادِه، ولا يبعث تهنئة له، ولا يتذوق طعامَه, وهو المتعاطفُ مع إسرائيل ( رغم أن كل الجواسيس تقريبا مسلمون)، وهو المحرومُ من أنْ يكون شهيدا في الدفاع عن بلده في الوقت الذي ينعم المسلمُ بالجنة والحور العين لو قاوم غزاة وطنه.

وشاهدت المذبحة عندما قصّ عليَّ صاحبي القبطي أنَّ صديقَ طفولته المسلم تديّن، وترك لحيته تغطي نصفَ وجهه، ورفض أنْ يُصافِحَه بعدما عرَفَ الطريقَ إلىَ اللِه، ولما قال لوالدته: كل سنة وأنتِ طيبة يا حاجة!، رَدّتْ عليه قائلة: والمسلمون طيبون!

وشاهدت المذبحة في مناهج الدراسةِ ووسائل الإعلامِ وألعابِ الأطفالِ، والتربية المنزلية، ومنع الأقباط من مناصب عِدّة في بلدهم، وشاهدتها في كل نقاشٍ متخلفٍ عن خانة الديانة في البطاقة الشخصية.

وشاهدت المذبحة عندما أصبح للمسلمين قضاياهم، وللأقباط همومهم، وأضحت الرؤية السياسية ملتصقة بالهلال أو الصليب، وهرب المصريون من مواجهة نظامٍ عفن، وفاسد، ونتن، وإرهابي، وبلطجي، واستخرجوا من بطون وتراث وتفسيرات الإسلام والمسيحية مبررات الجُبن والضعف والتخاذل والطاعة العبودية وتفضيل لقمة العيش الذليلة على حياة الحرية والشرف والعصيان والمقاومة والرفض والتمرد.

وشاهدت المذبحة على البال توك، وفي القنوات الدينية التي تستقطب حواة ولاعبي الثلاث ورقات، ومفجري الفتنة الطائفية، ثم انضمت إليهم في السنوات العشر الماضية آلاف المواقع والمنتديات الدون كيشوتية التي تحارب طواحين الهواء، ويدّعي كل من يضع أصابعه على الكي بورد أنَّ الله منحاز إليه.

نحن غزاة مدينتنا، كما قال الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة:

حين جلسنا نصخب في أعراس الجن

حين أجبنا الغرقى بالضحات

حين أجاب الواحد منا

مادمت بخير فليغرق هذا العالمَ طوفان

كنا نحن الأعداء

كنا نحن غزاة مدينتا!

المذبحة تدخل عقدها الرابع قريبا، وهي مستمرة في كل مكان، وتستطيع أن تشاهدها لو كان في قلبك متسع لحب مصر والمصريين، وكلنا شاهدناها في مطاردة الكتاب والمفكرين الذين غادروا مصر هربا فتصادف هروبهم مع أشقائهم الأقباط الذين قرروا اللجوء إلى أحضان أمريكا وكندا والغرب.

المذبحة أيضا في مشاعر تحتضنها أضلعٌ، وتخفيها صدورٌ، وتحتفظ بها قلوبٌ لم تعُدْ تخفق بهجة للآخر.

مع أنني مؤمنٌ بأننا نحن المسلمين نتحمل النصيبَ الأكبرَ من الفتنةِ الطائفيةِ التي لم تعُدْ نائمة، وأنَّ التكفيرَ استخرجناه من ألسنةِ أباطرةِ الفتوىَ المنتشرين كالجَرَادِ في فضائياتنا وصحفِنا وكتبنا الغثةِ والرخيصةِ المرّصوصة بترابها على أرفف عتيقة في مكتبات فوضوية، وعلى أرصفة تجاورها أعقابُ سجائر ملقاة، إلا أن أقباطنا .. أحبابنا .. شركاء الوطن يتحملون قدرا لا بأس به من المسؤولية الجماعية عن إنهيار مصر العاجل أو الآجل!

كان يجب على كل قبطي أن ينخرط في المعارضة المصرية لنظام الطاغية مبارك، فهو الذي أمر أجهزة أمنه بأن تسيء للأقباط، وهو الذي رفض حقوقهم المشروعة، وميّز بينهم وبين المسلمين، واحتكر مناصب كبيرة للمسلمين فقط.

وكان يجب على كل قبطي أن يعمم مطالبه في حقوقِ الأقباط، فتصبح حقوقَ الانسان المصري، ويخرج كمصري قبطي مدافعا عن معتقل من الإخوان المسلمين ولو كان على نقيضه تماماً في الرأي والفكرة والنهج والإيمان، فحقوق الإنسان المصري العادلة هي الطريق لمساواة المسلمين بالأقباط.

وأخطأ أحبابنا عندما انخرطوا في منظمات قبطية تطالب بالانفصال، وبعودة الاستعمار، وبالمساواة بين الصليب الشرقي والصليب الغربي، وباعتبار الاسلام هو الخصم، وبتجاوز كل الأخلاقيات في وصف نبي الإسلام وحياته العامة والخاصة، واستقطاع مشاهد ملوثة من كتب صفراء فاقع لونها تضر الدين أكثر من أعدائه.

وأخطا قداسة البابا شنودة الثالث عندما أعطى إشارات لتأييده جمال مبارك ليرث بلدا مدمََرا، وعلى شفا الانهيار، فيكمل مسيرة والده الارهابي، وحينئذ يجلس المصريون، مسلمون وأقباط، يبكون بلدا رائعا لم يحافظوا عليه، ولم يدافعوا عنه.

وأخطأ شركاء الوطن عندما اعتبروا أنفسهم عنصرا من عنصري الأمة الاثنين، فالمسلمون والأقباط عنصر واحد أتحدى أي خبير في علم وظائف الأعضاء أو الآثار وطبائع الشعوب أن يستخرج فارقا واحدا بين مسلم وقبطي.

النظام الفاسد في مصر يصنع قبحا، وانهيارا، ويدمر كل صور الجمال في الفكرة، والمعتقد، والمشاعر، والعلاقات الأخوية، وعلينا نحن أن نقاومه، ونصنع زمنا جميلا، ونلتحم رغم أنفه، ونهزم الحمقى الذين يظنون أن الله، تعالى، سينحاز يوم القيامة لفريق وفقا لخانة الديانة في البطاقة الشخصية.

مذبحة نجع حمادي، كغيرها في الماضي والحاضر والمستقبل، نتيجة طبيعية لافرازات مريضة في أذهان متخلفة يظن أصحابها أن كراهية الآخر ترضي العلي القدير، وتفسح لصاحبها مكانا في الجنة.

نجع حمادي موجودة في عقولنا ونفوسنا وصدورنا كعفريت من الجن يتلبسنا، ولن يخرج إلا بثقافة التسامح، وقبول الآخر، والتوقف عن السخرية من معتقدات الغير.

عندما تفكر، ولو للحظة واحدة، أن هذا أفضل من ذاك لأنه يعتنق دينك، الاسلامي أو المسيحي، فأنت في الواقع مشترك في مذبحة بين المسلمين والأقباط لم تحدث بعد.

عندما تستخرج من القرآن الكريم أو العهدين القديم والجديد آيات يفسرها هواك على أنك أقرب إلى الله من أخيك الآخر، المختلف عنك في العقيدة، فأنت في الواقع تشعل فتيلا لنار ستحرق وطنك في يوم ليس بعيدا.

هل تريد أن تسحب البساط من تحت أقدام القتلة من المتطرفين والمتشددين، ونظام البغي المباركي، فالأمر في غاية البساطة، وجارك المسلم أو القبطي على مبعدة أمتار منك، والابتسامة والمصافحة والكلمات الطيبة لا تكلف كثيرا.

أعود لنجع حمادي، وأبعث خالص التعازي للشهداء الأقباط الذين سقطوا في مذبحة الكراهية والطائفية والبغضاء والعَمى والتخلف الذهني.

وأعتذر لكل قبطي عما حدث، فنحن كلنا قتلة، وأثوابنا ملوثة بدماء الشهداء منذ أن رضينا بنظام طائفي، إرهابي، يقف على رأسه طاغية يكره أن يرى مصر تعيش في أمن وأمان ورخاء وسلام ومحبة.

وقبل أن تشهد مصر المذبحة الكبرى التي لن تقوم لأرض الكنانة بعدها قائمة، علينا أن نرفض شرعية حكم الطاغية وابنه، وأن نقاومهما بوحدة الهلال والصليب، وأن نرفض كل صور الحوار حول أفضلية دين على الآخر، وأن تتوقف المواقع والمنتديات والفضائيات عن توجيه سهامها لعقيدة الآخر.

مصر في حاجة لأقباطها كحاجتها لمسلميها تماما، وأي مقاطعة من مسلم لقبطي أو العكس هي مساهمة كريهة في مذبحة قادمة .. لا تبقي ولا تذر.

كلنا قتلة ومن كان منا بلا خطيئة فليرجم الآخر بحجر!

وسلام الله على مصر.



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار بين عزرائيل و .. الرئيس حسني مبارك!
- رسالة مفتوحة إلى الدكتور محمد البرادعي
- الرجل الذي أحلم به رئيساً لمصر!
- الإنسان قِرْدٌ تلفزيوني!
- مؤتمر القمة العربي للتوريث!
- لكن الخاسر هو نور الشريف!
- خادم الحرمين الشريفين ..معذرة، فلا فائدة في الجامعة!
- كارت أخضر لعبد الحليم قنديل
- تأييدك لجمال مبارك تجسس لحساب إسرائيل!
- نعم، لقتل سيد القمني!
- أيامي في المستشفى .. وماذا عن الآخرين؟
- ولكن جمال مبارك ليس مواطنا!
- العروسة-باربي- تغطي وجهها !
- برونتو .. العقيد في ايطاليا!
- سيدي جمال مبارك .. الآن يمكنك أن تعتلي عرش مصر!
- أحفاد الرئيس لهم الجنة، وأطفالنا ولاد ستين ألف كلب!
- رسالة غاضبة إلى قائد عسكري مصري
- ..... فينا جميعا!
- البيان النهائي قبل انتصار ثورة شباب 6 ابريل
- سقوط مبارك مرهون بسقوط أقسام الشرطة


المزيد.....




- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...
- يديعوت أحرونوت: حكومة إسرائيل رفضت صفقة لتبادل الأسرى مرتين ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد عبد المجيد - أيها المسلمون، ماذا فعلتم بأقباطنا؟