|
|
معوقات العمل الجماعى العام
سامح سعيد عبود
الحوار المتمدن-العدد: 3053 - 2010 / 7 / 4 - 16:46
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
هل فكرة العمل المباشر، أو ما يسمى بالتحرر الذاتى، كممارسة طويلة الأمد للتغيير الاجتماعى، لا تعنى سوى أن نستقيل من العمل الجماعى العام، وخاصة أنه توجد الكثير من الأسباب التى تعيق العمل الجماعى العام، الذى هو أساس أى ممارسة اجتماعية ثورية كانت أم إصلاحية، ومن ثم فعلى كل من الثوريين أو الإصلاحيين، على السواء أن يكفوا جميعا عن العمل الجماعى العام طالما أن هناك معوقات جسيمة تقف فى طريقهم. أننا نواجه دولة، تمارس القمع، سواء بقفازات حريرية أم بقبضات حديدية، و تتدخل فى كل عمل جماعى لتمنعه، أو لتسيطر عليه وتفسده، ومن ثم يصبح خوض معركة تقليص دور الدولة للحد الأدنى مهمة ضرورية وملحة للغاية، لكى يمكن أن نطلق العمل الجماعى من قيوده، إلا أنه حتى فى ظل هذا القمع المفرط، يمكن أن ننتزع مساحات من الحريات الفردية والحقوق لأنفسنا، وأن نساعد من يرغب فى أن يتحرر مثلنا، وذلك فى تقديرى خير من انتظار انتهاء القمع الدولتى ذات يوم، عندما تشاء الغالبية التمرد على وضع الخضوع، وتنجح فى رفع القمع من على كاهلها. لما كانت أعمارنا قصيرة للغاية، و لا ينبغى أن نستنزفها فى انتظار يوم القيامة الثورية، فعلينا أن نحقق أوسع قدر ممكن من الحرية، حتى فى ظل هذا القمع مع مقاومته وفضحه فى نفس الوقت، فهل من الخيالى أن نتحرر من عبودية العمل المأجور كأفراد وجماعات صغيرة إذا أمكنا ذلك، دون انتظار أن تتحرر كل قوى العمل المأجور من عبوديتها الأجيرة، وخصوصا أن البشر تخلصوا من الأشكال السابقة من العبودية الكاملة والجبرية بالتدريج وبالعديد من الوسائل، وليس فى يوم عالمى للخلاص النهائى من العبودية. أن الدولة وأجهزتها البيروقراطية العاتية، ليست مطلقة القدرة، و إلا كانت استطاعت القضاء على الأنشطة غير المشروعة، وأشكال الاقتصاد غير الرسمى الذى يشكل حجما ضخما فى الاقتصاد، ويحرمها بالتالى من موارد ضريبية ضخمة، فنساء المفقودين والمعتقلين والقتلى اليساريين إثناء حكم بينوشية فى شيلى استطاعوا أن يشكلوا شبكة عمل جماعى متصلة بشبكات أخرى فى الخارج لترويج منتجات منزلية مختلفة صنعوها بأيديهم ساعدتهم على توفير سبل الحياة التى حرمتهم منها السلطة القمعية. الجمعيات التعاونية أى كان نشاطها كيانات موجودة منذ أكثر من مئة وخمسين عاما عبر العالم، وقد نشأت بمعزل عن الحكومات، حتى تدخلت الحكومات فى تنظيمها، وهى أحد الأشكال التنظيمية التى يطرحها الأناركيون التعاونيين لتجاوز الرأسمالية والدولة، والمطلوب ليس إعادة اختراعها من جديد، وإنما تحريرها فقط من سيطرة الدولة وتشوهات البقرطة والرسملة التى تلحق ببعض ممارستها، وهذا لا يحتاج ليوم قيامة ثورية، وما نحتاج إليه لتحريرها وتخليصها من تشوهاتها هو أمرين الأول انهاء سيطرة الدولة على الحركة التعاونية، وهذا يحتاج لمعركة سياسية، والثانى خلق تعاونيات تحررية خالية من الرسملة والبقرطة بعيدا عن تدخل الدولة، وترسانة قوانينها ومؤسساتها. أن الغالبية الساحقة من البشر ليسوا مهيئين للتحرر من واقع عبوديتهم، ذلك لأنهم ليسوا مقموعين ومضللين فقط، ولكن لأنه تم تشكيلهم عقليا طوال تاريخهم الطويل، وبواسطة مؤسسات المجتمع والدولة ليقبلوا بوضع عبوديتهم باعتباره الوضع الطبيعى، و تم اقناعهم بأن الشأن العام هو مسئولية الساسة والحكام لا مسئوليتهم هم، و من ثم فإن قضية تحررهم من العبودية لا تعنيهم، كما إن الشئون العامة للمجتمع والعالم لا تعنيهم، إلا إذا مست مصالحهم الشخصية المباشرة، وهم ليسوا على استعداد لتحمل مسئوليات العمل الجماعى العام، وقد تعودوا على إلقاءها على عاتق الغير، والتهرب منها كلما أمكن، إلا إذا حققت لهم مصلحة شخصية مباشرة. غالبية الناس الساحقة يقتصر دورهم على الفرجة على الاستعراضات التى تقدمها لهم النخب الحاكمة، وذلك بمتابعة ما تبثه لهم أجهزة الإعلام المختلفة، أو الساسة فى مهرجانات الانتخابات العامة، لكن دون تعمق فى الفهم للشئون العامة، الذى لا يمكن أن يتحقق لهم عبر وسائل الثقافة والتعليم والحملات الانتخابية التى تسيطر عليها النخب الحاكمة والمالكة، ومن ثم هم أسرى غوغائية الإعلانات، وضجيج الدعاية، والتعليم المؤدلج، ومن هنا تصبح خياراتهم فى الانتخابات ليست تعبيرا عن مصالحهم، وإنما تأثرا بروعة الدعاية والإعلان والإثارة. لا تتجاوز اهتمامات الغالبية الساحقة من البشر ثقافة الاستهلاك والترفيه والتسلية والمتعة الغريزية، معظمهم مدمن على الفرجة على ما يلقي إليه من الاستعراضات السياسية و الرياضية والفنية، التى تلهيهم وتخدرهم، وتحرمهم من الفهم، وتصيبهم فى النهاية بالبلاهة والجهل، وحتى بعد انتشار الانترنت وبرغم كل ما فيه من إمكانية مذهلة و رخيصة للثقافة والفهم العميقين، وبرغم إمكانياته الرائعة فى تشكيل عقول متحررة من سيطرة النخب الحاكمة والمالكة، فإن الغالبية العظمى من مستخدمى الانترنت، لا يستخدمونه إلا لمتابعة مواقع الجنس والخرافات و الإثارة والألعاب والدردشة الفارغة والثرثرة التافهة، والخلاصة أن الغالبية الساحقة من البشر مدمنون لأشكال متنوعة من المخدرات، ومهووسون بالمتعة الغريزية والمصلحة الشخصية ولا شئ آخر، وبرغم كل ما حققته البشرية من تقدم علمى ومعرفى مذهل، فإنهم وعلى التضاد من ذلك يكرهون العلم، ويدمنون الخرافة ، و فى حين يتشككون فى العلماء فإنهم يسلمون عقولهم لكل من يبيع لهم الخرافة. الثقافة السائدة تقوم على قيم التنافس الفردى والصراع على المنافع الأنانية ، و من ثم تم ترسيخ الحلول الفردية، وتم رفع قيمة تحقيق المصلحة الشخصية، وهى ثقافة مضادة لقيم التعاون والتكافل لتحقيق المصالح المشتركة، وهو ما يمكن أن يدفع الناس للعمل الجماعى التعاونى. الثقافة السائدة هى التى تدفع عشرات الألوف من شباب العاطلين المصريين سنويا للمغامرة ببيع بعض ممتلكاتهم أو ممتلكات ذويهم الصغيرة ليدفعوها لعصابات الهجرة السرية لأوروبا حيث يتعرض هؤلاء الشباب إما إلى الموت فى عرض البحر أو الترحيل من على الشواطىء الأوروبية، ولكنهم لا يفكرون فى تنظيم أنفسهم فى جمعيات تعاونية إنتاجية يستثمرون فيها نقودهم القليلة ومهاراتهم المختلفة، ويضمنون عمل حر فى بلادهم بدلا من تلك المغامرة غير المأمونة.وتلك الثقافة السائدة هى التى تدفع الكثير من الناس للهجرة أو للعمل فى أكثر من عمل فى نفس الوقت فى مواجهة ارتفاع الأسعار، ولكنهم لا يفكرون فى تنظيم أنفسهم فى جمعيات تعاونية استهلاكية، توفر عليهم ما يدفعوه للتجار، وتمنحهم الفرصة لتقليص عدد ساعات عملهم ليستمتعوا بالحياة. الحقيقة أن الحرية والمساواة والعدل والتقدم لم تكن يوما محور اهتمام غالبية الناس الساحقة، وإنما هو محور اهتمام قلة طليعية، ناضلت عبر التاريخ دافعة الإنسانية معها لتحقيق كل ما تم تحقيقه من حريات وحقوق للإنسان وتقدم للبشرية، و ما يرفضه الأناركيون هو أن تشكل تلك الأقلية الطليعية من نفسها وصية على الغالبية، مدعية تمثيلها، ومحاولة للوصول للسلطة لتحقيق برنامجها، لأنها فى النهاية سوف تعيد إنتاج القهر والاستغلال، طالما ظلت الغالبية على حالتها سالفة الذكر، وانطلاقا من ذلك فإن الدور المطروح على هذه الطليعة أن تقدم نماذج عملية للتحرر تنطلق من تلبية مصالح أفراد الغالبية المباشرة، وفى حالتنا تلك التعاونيات الاستهلاكية لمواجهه ارتفاع الأسعار، والتعاونيات الانتاجية لتوفير فرص للعمل.
#سامح_سعيد_عبود (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأناركية والدارونية
-
استبيان رأى عن اللاسلطوية
-
المول وثقافة الاستهلاك
-
تقدم علمى تأخر فكرى (9) السببية بين العقل الخرافى والعقل ا
...
-
تقدم علمى .. تأخر فكرى(8) احتقار العلم وتقديس الخرافة
-
تقدم علمى تأخر فكرى(7) عدم اليقين
-
تقدم علمى ..تأخر فكرى(6) هل نحن حقا مجرد موجات
-
تقدم علمى تأخر فكرى (5) أوهام تستند على أوهام
-
تقدم علمى ..تأخر فكرى (4) الدجل بعلم الفلك
-
تقدم علمى .. تأخر فكرى (4) أسلمة ومسحنة وهودنة العلم
-
تقدم علمى تأخر فكرى .. (3) أنيس منصور ومصطفى محمود
-
تقدم علمى ..تأخر فكرى (2)جهل مع فيض المعرفة اللامتناهى
-
تقدم علمى.. تأخر فكرى (1)إستخدام العلم لإثبات الخرافة
-
رحلة الكون عبر الزمان(32) جهاز الاشارات الثانى أو اللغة أو ا
...
-
رحلة الكون عبر الزمان(31) الانعكاس النفسى عند الكائنات الحيه
-
رحلة الكون عبر الزمان(30) الاحساس فى الكائنات الحية
-
رحلة الكون عبر الزمان(29) الأدلة العلمية على تطور الكائنات ا
...
-
رحلة الكون عبر الزمان(28) تطور الكائنات الحية
-
رحلة الكون عبر الزمان(27) الوراثة والهندسة الوراثية
-
رحلة الكون عبر الزمان(26) التكاثر فى الكائنات الحية
المزيد.....
-
If Trump Is Serious About Peace, Marco Rubio Has to Go
-
7 و 8 ديسمبر 1952 يومان مشهودان في تاريخ الطبقة العاملة المغ
...
-
On Renaming, Memory, and the Strange Weight of Words
-
Germany’s Far-Right Reinvents Its Youth
-
Why Did the PKK Dissolve Itself? And What Comes Next?
-
كلمة الميدان: في طريق النصر
-
طوسون: 17 عامًا من النضال ضد التشريد
-
تيسير خالد : ما احوجنا الى انتفاضة شعبية جديدة وعصيان وطني ف
...
-
ينبغي ألا تكون كأس العالم لعبة في يد ترامب
-
كتاب: عندما كان لسان يسمى فرناندو (حلقة 4)
المزيد.....
-
التبادل مظهر إقتصادي يربط الإنتاج بالإستهلاك – الفصل التاسع
...
/ شادي الشماوي
-
الإقتصاد في النفقات مبدأ هام في الإقتصاد الإشتراكيّ – الفصل
...
/ شادي الشماوي
-
الاقتصاد الإشتراكي إقتصاد مخطّط – الفصل السادس من كتاب - الإ
...
/ شادي الشماوي
-
في تطوير الإقتصاد الوطنيّ يجب أن نعوّل على الفلاحة كأساس و ا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (المادية التاريخية والفنون) [Manual no: 64] جو
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية(ماركس، كينز، هايك وأزمة الرأسمالية) [Manual no
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
تطوير الإنتاج الإشتراكي بنتائج أكبر و أسرع و أفضل و أكثر توف
...
/ شادي الشماوي
-
الإنتاجية ل -العمل الرقمي- من منظور ماركسية!
/ كاوە کریم
-
إرساء علاقات تعاونيّة بين الناس وفق المبادئ الإشتراكيّة - ال
...
/ شادي الشماوي
-
المجتمع الإشتراكي يدشّن عصرا جديدا في تاريخ الإنسانيّة -الفص
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|