أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - حوار مع الروائي العراقي سلام إبراهيم - الشيوعي ليس من معدن خاص كما تشيع الأيديولوجيا















المزيد.....


حوار مع الروائي العراقي سلام إبراهيم - الشيوعي ليس من معدن خاص كما تشيع الأيديولوجيا


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 3040 - 2010 / 6 / 21 - 23:56
المحور: الادب والفن
    



حوار مع الروائي العراقي سلام إبراهيم بمناسبة صدور روايته الجديدة – الحياة لحظة* -


الشيوعي ليس من معدن خاص كما تشيع الأيديولوجيا


حوار: سالي أسامة*


* قدمت من خلال روايتك " الإرسي* " و " الحياة لحظة " إبحاراً في أعماق النفس البشرية وإظهارها بكل جوانبها بكل حيادية ودون تحيز لفكرة ما!.

- أبدأ من الشطر الأخير لمحورك. لست غير منحاز، فالحياد المجرد يفقد الإنسان حسه وتعاطفه وكينونته المجبولة على الأهواء والتجاذبات.. وتجعله إلى الجماد أقرب. أنا منحاز بشكل تام ومطلق إلى الإنسان كقيمة عليا في الوجود، وهذه القناعة ظلت تتبلور منذ بواكير وعي الثقافي والسياسي. وتتعمد متعمقة في خضم التجربة الشرسة والدموية التي خضتها سواء في الاعتقالات المتكررة وفي خدمتي كجندي مكلف في جبهات الحرب العراقية – الإيرانية، ثم تجربة حرب الأنصار في كردستان العراق، وتجربة التشرد في معسكرات اللجوء التركية والإيرانية.. لتظهر لاحقاً بشكل جلي في فترة استقراري في الدنمارك التي أتاحت لي تأمل تلك التجارب من زواية الإنسان الذي وجدته الضحية في كل هذه المخاضات. هذا الزاوية فتحت لي آفاقاً أستدعت الصراحة المطلقة في النص، إذ كان هاجسي هو تجسيد عذاب الإنسان في خضم تلك التجارب العنيفة، ففي – الإرسي – حاولت الغور والغوص في روح العراقي المتورط في تجربة الحرب المساق إليها قسرا، ثم في تجربة الثورة في الجبل التي كان يظن أن في الإلتحاق بصفوفها خلاصا، وهذه التجارب جعلته يعيش على حافة الحياة، فهو مهدد في كل لحظة أثناء الأختفاء في مدن جنوب العراق عندما تسلل سرا من الجبال، أو وسط الثوار في الجبل. وهذه المحنة – الثيمة – ( الخوف ومحاولة البقاء على قيد الحياة ) تشكل روح النص وكل الأحداث والتفاصيل والتأملات والكوابيس والأحلام التي تشكل بنية الفصول وبالتالي النص تدور حولها وتعبر عنها.
أما في – الحياة لحظة – تجدين أن النص مختلف تماما بنية ولغة، رغم إنشغاله أيضا بالإنسان كقيمة تعلو على كل القيم والقوانين والأعراف. فبعد الخلاص من هاجس الموت الوشيك في ظل الدكتاتورية والحروب، تولدت في فسحة الخلاص – ثيمة – جديدة، فالشخصية المحورية – إبراهيم السلامي – وما حوله من شخصيات كثيرة وجدت نفسها تحاكم كل التاريخ السياسي والشخصي والقيمي، وبالتالي كل البني المجتمعية بما فيها إيماناتهم الأيديولوجية السالفة في نقطة تحول كبرى في الصراع السياسي العالمي؛ إنهيار الأشتراكية بنموذجها السوفياتي. إذ يكتشف هؤلاء الثوريون الخاسرون خطل الأيديولوجيا، فيلتصقون بالإنسان ولحظته حينما يتأكدون كونه الخاسر الأكبر في خضم صراع الأيديولوجيات والمصالح. وهذه الثيمة الجوهرية أستقطبت كل التجارب الشفافة والإنسانية التي تؤكد هذه القيمة، فتنغمر كل الشخصيات بأعماقها باحثة عن الآخر العاري الجميل. وهذه الموضوعة جعلت الشخوص شديدي الصراحة يعترفون بكل شيء أرتكبوه أو أرتكب ضدهم ناسين كل الأعراف والنواميس والبني المجتمعية المبنية على النفاق والكذب.





* جعلت القارئ يبحر في قصص إنسانية لأبطالك الكثر في – الحياة لحظة – السؤال هو:
هل كل هذه القصص شديدة التفاصيل من وحي خيالك أم أنها حقيقة؟


- الكتابة الفنية المكتملة وأشدد هنا على – المكتملة - هي بنية خيالية، فالروائي فنان أدواته الحروف والكلمات التي هي أصلا رموز ساعدت البشرية على تأسيس المجتمعات وتطور الحضارة. الروائي لديه هذه الأدوات التي يحاول أن يخلق بترتيبها عالماً أفتراضياً يمتع بها القارئ ويقدم له رؤيا مختلفة للأحداث والحياة تساعده على الأقتراب من الحقيقة بمعنى آخر يقول فلسفته من خلال النص. والروائي المُجيد في رأيي هو من يستطيع إيهام القارئ بحقيقة ما يرويه لي، وإلا سوف لا يستطيع متابعة القراءة. وهذا يعتمد على جملة من الشروط الفنية المعقدة التي تتعلق ببنية النص الروائي وتقنياته وعلاقته بالتجربة التي يتناولها والقدرة على توظيف اللغة حد الغياب، بمعنى جعل القارئ يعيش ويلهث ويذوب مع الشخصيات والأحداث بحيث لا يرى كلمات في فعل القراءة – لكن ليس على طريقة قصص التشويق البوليسية – فهذه خارج نطاق حوارنا. وهذه الموضوعة معقدة ليس لدينا هنا مجالا في حوار لإفائها حقها. أعود إلى صراحة سؤالك البرئ حول الحقيقة والخيال في الكتابة. أنا أصلا نشأت في بيئة جعلتني شبه حالم أعيش لحظتي منذ الطفولة حتى الآن وكاني أعيش في باطن رواية. الأسباب مختلفة، لكن الجوهر في الأمر هو في طفولتي البعيدة وقبل زمن المدرسة يعني تحت الستة اعوام كنت اساعد عمي الحلاق – خليل سوادي – أحد الذين اهديتهم روايتي – الحياة لحظة – وكان كذابا كبيرا فأمي ربته صغيرا وكانت تصرح
- لو يگول الشط ناقص يعني هو زايد!.
لاحقا أكتشفت في نضجي وعمي يتحول من كاذب إلى مضحك المدينة وهو حي إلى هذه اللحظة أن له القدرة على ترتيب الواقع والأحداث بما يجعل منها نكتة. لذا وجدتني وانا لصيقه في الدكان منذ الرابعة من عمري حتى الخامسة عشر اعيد صياغة أي واقعة سمعتها أو حدثت أمامي بطريقة تجعل السامع يندهش ويهتم. فرحت أزيد وانقص بما يخدم فعل الدهشة الذي يثيره حديثي والذي يجعلني منتشيا. هذا الترتيش والتزويق على الأحداث التي وقعت يكمن فيه سر الكاتب.. أي كاتب..
هل يكفي هذا التوضيح البعيد عن سؤالك على الإجابة عن حدة وصراحة سؤالك؟!.
لا أعتقد!.
أفعل مع شخوصي مثلما يفعل عمي في توظيف حدث بسيط وتحويله إلى نكتة!.
أفعل مع شخوصي الأحياء بالكلمات مثلما كنت أفعل عندما أعيد صياغة حدث سمعته أو رأيته أشتغل عليه رويا شفهيا حتى يتحول إلى مصاف الواقعة المؤكدة.
شخوص رواياتي الأحياء غيرت أسمائهم أما الأموات فمذكورين بأسمائهم
- هل ما أرويه حدث حقا؟!.
أهمس لك أن ما أرويه حقيقة عارية مرتبة بطريقة عمي – خليل سوادي في روي النكت – وبطريقة الطفل سلام عبد سوادي وهو يحكي الحادثة بصياغة يجعل منها حدثا رغم عاديتها.


* قدمت الشيوعيين بطريقة مختلفة، من خلال شخصيات وقصص انسانية

ما قدمته في – الحياة لحظة – و - - الإرسي – ومجاميعي القصصية هو الإنسان في التجربة، والشيوعي ليس من معدن خاص كما تشيع الأيديولوجيا بل من خلال مخاضي وجدت بالشيوعي العراقي تحديدا ثمة نفس صوفي في النقاء يتجاوز حتى الأيديولوجيا. أقول ذلك عن يقين من خلال تجربتي الحية،
الشيوعي بشر وما قدمته في - الحياة لحظة - هم مجاميع خاطرت بحياتها من أجل المثل وبناء مدينة ماركس الفاضلة، لكنها أحبطت وهي الخارجة للتو من تجربة الكفاح المسلح عندما حلّت في موسكو في اللحظة التاريخية المفصلية فرأت بأم أعينها انهيار النموذج السوفياتي.
كل الأيديولوجيات تعتم الجانب الإنساني في حياة مناضليها وتصوريهم بطريقة مثالية، وكانهم أبطال أسطوريين كجلجامش.. وسيزيف.. وأخيل.. ويجعلونهم بمصاف المقدس والمنزه وكأنهم أئمة أطهار. لكن الحقيقة والواقع غير ذلك تماماً فالمناضلين الذي تجشموا أهوال النضال ينحدرون من نفس بيئة المجتمع العراقي، ويعانون نفس مشاكل بنية هذا المجتمع المركب على ثقافة عنف، لذا تجدين نفس المشاكل الاجتماعية والأخلاقية والنفسية التي يعاني منها العراقي تحت وطأة بيئة مغلقة شديدة الشكلية. ببساطة سر سحر شخوص – الحياة لحظة – هو تجريدهم من وهم ومنطق الأيديولوجيا الطهراني الثوري، وعرض قصصهم وعذابهم ومحنتهم في الحياة والتجربة كما هم حقا لا كما يصوره الحزبيون المتعصبون وهم قبل غيرهم يعرفون هذه الحقيقة، وعانوا نفس معاناة شخوص الرواية لكن يحرّم عليهم الاعلان عن ذلك.


* تناولت السياسة في الروايتين على محمل أراه جانبيا مقارنة بالجانب البشري لأبطالهما،
طز بالسياسة ونعم للإنسانية تكررت هذه الرسالة في روايتك الأخيرة!.

كما ذكرت لك يشكل الجانب الإنساني لب فلسفتي في الحياة، وهذا القناعة الفلسفية تشكلت لدي من خلال تجربتي في خضم الصراع السياسي الدموي في العراق منذ أواخر الستينات، إذ تعرضت للإعتقال وأنا في السادسة عشرة من عمري.. وحتى لحظة التشرد في معسكرات اللجوء التركية والإيرانية. وإختلاف قناعاتي الفكرية من يساري يؤمن بالثورة الدائمة العالمية على الطريقة التروتسكية في بواكير وعي إلى يساري يؤمن بإشتراكية إنسانية تحل مشكلات الإنسان في الفقر والبطالة والمساواة عبر المؤسسات المدنية لتحقيق نظام ضمان إجتماعي يكفل حياة كريمة لكل العراقيين. الكتب التي كتبتها ونشرتها وهي خمسة، مجموعتان قصصيتان وثلاث روايات كتبت في ظل القناعة الأخيرة وهي خلاصة تجربتي الفكرية والحياتية. أما ما كتبته في مرحلتي الثورية ورغم وجود المنحى الإنساني فيه فلم أنشر منه شيئا وهي قرابة خمسون قصة قصيرة أحتفظ بها الآن مخطوطة، وليس لدي النية بنشرها.
وأنا عضو منذ سنوات في الهيئة الإدارية لمنظمة حقوق الإنسان العراقية في الدنمارك.

* هل يمكن أن نصف روايتيك " الإرسي " و " الحياة لحظة " بروايتين جنسيتين؟

لا أعتقد بذلك. الروايتان كما ذكرت لكِ أشتغلت على – ثيمتين – لا علاقة لهما بالجنس. فالإرسي على ثيمة الخوف من القتل ومحاولة النجاة من حافة الهوة بكرامة وإنسانية، ويأتي الجنس هنا في الواقع والأحلام والكوابيس كمعادل لمعادلة ( الموت – الحياة). فالذي يعيش تحت وطأة التهديد اليومي تكون الغرائز محاولة للتشبث بالحياة والنيل من تمثلاتها، وغريزة الجنس من أقواها. من جانب أخر يشكل الجنس والعلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمعات الشرقية مأزقا لاحل له، وما زال من المشاكل المستعصية بحكم موروث القيم والعادات والتقاليد، وحتى في البيئة الثورية التي تدعي المساواة والتحرر جرى حجب الزوجات عن الأزواج، وجرت محاولات إغتصاب لرفيقة نضال، ومحاولات للإيقاع بزوجات الرفاق حال غياب الزوج بمهمة قتالية، أما في المفصل الأول من الرواية فالجنس يأتي في الأحلام وأخيلة الرعب حيث يختلط الواقع بالوهم وشخصية المختفي عن أنظار السلطة يفقد توازنه الإنساني في التجربة.
أما في – الحياة لحظة – فالثيمة تبرر الأحداث والتفاصيل وسلوك الشخصية المحورية وما حولها، فالعيش في اللحظة الراهنة دون الماضية أو الآتية بعد الخلاص من ثقل الأيديولوجيا السياسية والإجتماعية، وإنهيار المنظومة الفكرية الثورية للشخوص جعلتهم يستعيدون مجد الفلسفة الوجودية، ومن هنا تأتي التجارب الجنسية ملتحمة بثيمة النص ومعماره البنائي، أي لا توجد مشاهد غرضها الإثارة المجردة – بورنو – بل جاءت في سياق حياة النص وجزء من نبضه.
من جانب الآخر يعري النص بنية المجتمع العراقي المغلقة التي يكثر فيها ممارسة الجنس بالسر من خلال سرد تجارب الشخوص كما هو في فصل – مجد الغرف - . كما يفضح طبيعة نظرة الرجل الشرقي لموضوعة الجنس والمرأة رغم أن النماذج المنتقاة تعد من أكثر النماذج تنورا في المجتمع العراقي، التأمر على أي امرأة للإيقاع بها، التنافس، النظر للمرأة كأداة متعة مجردة، إغتصاب المتشردة، الترفع على بائعات الخضرة، ترك رفيقتهم – جميلة – وعدم مضاجعتها رغم شدة رغبتها بسبب قبحها، وغير ذلك من الزوايا التي تناولتها الرواية في موضوعة الجنس ضمن سياق نفسي اجتماعي في بيئة العراق المعقدة والمنفى الأعقد.

* الكلمات العراقية والجمل التي كانت تدخل في الحوار أحب أن أحييك عليها وبشدة لأنها خلقت لي حميمية وتوحد مع أبطال الرواية.

حرصت في جميع نصوصي التي كتبتها وفي وقت مبكر جدا على تطويع اللهجة العراقية ليس في الحوار فحسب بل في المتن السردي أيضاً لأن منطق السرد في – الحياة لحظة – مثلا يستدعي ذلك، فغالبية الشخصيات تسرد تجاربها شفهيا لبعضها، أو تتحاور في تفاصيل حياتية تتعلق بالسياسة والجنس. وهذا حقق للنص ميزتين مهمتين:
الأولى هي إعطاء نكهة البيئة العراقية الخالصة التي تتحرك فيها الشخصيات
والثانية أكساب الشخصيات روح الواقع الحقيقي، لأن اللغة هي صوت بالأصل قبل أن تكون كلمة مكتوبة. فالرواية صوتها عراقي خالص بيئةً، والسرد عراقي النكهة. وقد حرص ناشرها المصري ( الدار المصرية اللبنانية ) على الأبقاء على اللهجة كما هي، حتى على الحروف المعجمة كحرف الـ گ مثلاً.

* في – الحياة لحظة – لم تقف على أخطاء النظام السابق بل قدمت الأخطاء التي وقع بها الثوار، وهذه حيادية لم نعتد عليها.


هذا صحيح جدا، فالحياة الثقافية العراقية مستقطبة أيديولوجيا طوال تأريخها والنصوص الحيادية نادرة جدا بسبب ذلك. المنطلق الإنساني الذي أشرت إليه هو ما سمح لي بالوصول إلى ناصية الحياد التام والنظر إلى كل شيء من خلال المعيار المتعلق بموقع الإنسان في التجربة. لذا فمن البديهي أن أية ممارسة تصدر من أي جهة كانت تكون مرصودة من هذه الناصية. هذا شيء، الشيء الآخر من قال أن الثوار أنبياء أنهم بشر يخطئون، يضعفون، يستشهدون بكل شجاعة، يرتكبون الجرائم، يصدقون، يكذبون، فهم يحملون كل سمات مجتمعهم الذي قدموا منه. التفاصيل التي ذكرتها بعضها رأيتها بأم عيني، وبعضها سمعتها ممن أرتكبها كما ذكرت في سياق النص. وكنت حريصا رغم فنية النص على أضفاء طابع الوثيقة عليه بتثبيت تواريخ وأسماء الشخصيات الأموات منهم، أما الأحياء فقد غيرت حتى أسمائها الحركية لاسباب تتعلق بفظاعة التجربة وطبيعة بعض التفاصيل الفضائحية وشدة عنفها.

* في - الحياة لحظة - مشهد وصول العراقيين اللاجئيين إلى بلاد الهجرة وتلاقيهم مع المهاجرين اليهود إلى إسرائيل وكأنك تريد القول بوجود مخطط كوني لإخلاء المنطقة برمتها من العرب!.

هل بدا الأمر هكذا في الرواية؟!. لا أدري لكنني في الحقيقة كنت أرسم مشهدا رأيته أمامي حال نزولي من الطائرة القادمة من دمشق إلى مطار موسكو في كانون الأول 1990 إذ كان مكتظا بالآلاف المتوسدين قاعات المطار وأبوابه تبين أنهم من اليهود الروس المهاجرين إلى إسرائيل بعد ظهور بوادر تفكك النظام السوفياتي، تزامن ذلك مع يأس المنفيين العراقيين المنتظرين نهاية الحرب العراقية الإيرانية والذي كانوا يتوقعون سقوط نظام الدكتاتور جرائها، والمتكدسين في سوريا وإيران، لكن بعد نهاية الحرب في 8 – 8 -1988 هاجروا بكثافة إلى الدول الإسكندنافية وإلى أوربا وكان طريق موسكو أسهل الطرق. وكان الجميع يظن أن ذلك تساهلا من لدن السلطات السوفيتية مع العراقيين المنفيين لكن الحقيقة كان سهولة العبور من موسكو لدول اللجوء بسبب التسهيلات المقدمة لليهود الروس المهاجرين إلى إسرائيل.
هل بدا الأمر كما عرضته بسؤالك؟
لا أدري، فالدول الكبرى وقوى الإحتلال ورأس المال العالمي يخطط أبعد مما نظن بكثير.


* بعد كل هذا النضال والكفاح والغربة كيف ترى حال الوطن واقعيا؟


أنا في العراق الآن، وهذه المرة الثالثة التي أزور فيها وطني بعد الاحتلال وسقوط الدكتاتور. باختصار شديد وجدت كل شيء مخرباً.. المكان والإنسان، وهذا المآل هو نتيجة طبيعية لأكثر من خمسين عاما من القتل اليومي والحروب العبثية، التي كان حصار تسعينيات القرن الماضي ذروة الذروة وأهم عامل في تخريب البنية النفسية والأخلاقية وبالتالي الاجتماعية للإنسان العراقي.
العراقي الآن إنسان خائف مذعور، مندفع لكنز المال الذي صار معيار العلاقة بالآخر، الجميع يشكو من خراب الأخلاق والجميع يمارس نفس السلوك في معادلة وكأن هنالك شيزوفرينيا اجتماعية عامة. لكن ومن خلال أختلاطي اليومي في المقاهي الشعبية وسط المدن وجدت أن العراقي شخصية حيوية لم تنطفئ جذوتها، تساهم بفعالية ملفتة في مناقشة الأوضاع القائمة مشيرة إلى الفساد علّة البلد، وترفض الطائفية، وتؤيد فكرة فصل الدين عن الدولة بعد تجربة حكم الأحزاب الدينية خلال السنوات السبع الفائتة، وهذا الهم يومي يناقشه العراقي منذ بكرة الصباح حتى النوم. هذه الحيوية لم أجدها مثلا في المواطن المصري من خلال اختلاطي اليومي برواد المقاهي الشعبية في فترة مكوثي في القاهرة العام الفائت 2009 لقرابة ثلاثة أشهر. فالمصري مهموم بمتطلبات الحياة المعاشية ولديه رغبة في التنكيت للخلاص من وطأة اليوم، لذا يندر أن يتناول موضوعا سياسيا الذي هو زاد العراقي وخبزه. هذه الحيوية والاهتمام بفكرة الديمقراطية نقطة ضوء في نفق الخراب العراقي.
الوطن واقعيا وطنٌُ متعوب يحتاج إلى عدة عقود ليصل إلى ما كان عليه في سبعينيات القرن الماضي.
هل سيصل؟!.
هل سيعاد بناء العراقي خلال عقود؟!.
لا أدري، لكنني واثقا من توهج جذوة العراقي الكامنة في روحه.
منذ وصولي إلى العراق في أواخر شهر كانون الثاني 2010 أتناول المضاد الحيوي لإلتهاب الرئة، وحبوب عجيبة غريبة حساسية، ضغط، موسع قصبات، و.. و,, و لكنني أشعر هذه اللحظة أنني طفل، فرح، بالغبار والشمس والنخيل ونهر الديوانية. أدور كل يوم متلمسا بأصابعي جدران المحلات القديمة التي لم تزل بعد بغبطة طفل حالم. كل شيء هنا في العراق معجون بدمي، أتنفسه في الشهيق وأضمه في أحشائي رغم خراب النفوس والأمكنة.-


* كيف ترى الحركة الثقافية العراقية بعد أن أنتشر المبدعون العراقيون في مختلف أنحاء العالم؟!.

يشكل المبدعون العراقيون رغم الشتات تكتلاً حيوياً صلبا لم تستطع السلطات السيطرة عليهم، لا في زمن الدكتاتور ولا في زمن السلطات الجديدة. والوسط الثقافي العراقي وسط حيوي يناضل في النشر والقول والنصوص من أجل دولة عراقية علمانية تكفل للجميع نفس الحقوق والواجبات، ووقف بحزم ضد فكرة الطائفية وقدم العديد من الضحايا الذين أغتيلوا هنا في الداخل، أما مبدعي الخارج فيرفدون الثقافة العراقية بالمزيد من النتاج القصصي والروائي المهم والذي يشكل أضافة لا للنص العراقي فحسب بل للعربي أيضا لفرادة التجربة العراقية وشدة دمويتها.



* ما هي مشروعاتك القادمة؟!.

لدي الكثير.. مانشرته هو جزء يسير من مشروعي الروائي المتشعب المهتم بالعراقي في خضم هذه التحولات التراجيدية، لدي رواية جاهزة للطباعة عنوانها " كل شيء ضدي " وهي بحجم رواية " الحياة لحظة"، مجموعة قصصية جاهزة للطباعة أيضا بعنوان " عشتاري العراقية، ورواية تسجيلية جاهزة للطباعة أيضا " باطن الجحيم". وعاكف على دراسة الناس هنا في وطني لمعرفة ماذا حل ببنية العراقي من خراب كي أكتب عن ذلك في السنوات القادمة فيما لو سمحت صحتي بذلك. بأختصار أنا مشروع متجدد وسأبقى أكتب إلى أخر نفس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* - الحياة لحظة - صدرت عن - الدار المصرية اللبنانية - القاهرة 2010
* صحفية عراقية تقيم في القاهرة. [email protected]
* - الإرسي – رواية صدرت عن دار – الدار – القاهرة 2008



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فصل من رواية الحياة لحظة/المتشردة الروسية/
- نقاد ومثقفون يناقشون رواية «الحياة لحظة»
- رواية الحياة لحظة تثير جدلاً سياسيا حاداً
- «الحياة لحظة» تشبه الفقاعة حاولت توثيقها قبل ان تنفجر
- سلام إبراهيم في اتحاد الأدباء..رواية (الحياة لحظة) تثير الجد ...
- إغماض العينين للؤي حمزة عباس - تجليات العنف في زمن حرب مليشي ...
- إلى: ناهدة القزمرية - بهار - أنا أكتبُ لكِ فقط
- الناقد د. صبري حافظ: صدرت روايات عربية بعضها أهم كثيراً من ا ...
- عن رواية الإرسي - د. صادق الطائي
- -الإرسي- الخارج من المحرقة*
- شعريّة الكتابة الروائية -قراءة أجناسية في رواية (الأرسي) لسل ...
- ‬-الإرسي- لسلام ابراهيم: الرواية والكناية عن التجربة ا ...
- (الإرسي)..إشكالية التجنيس، والأسئلة المعلقة!!
- رواية الإرسي.. رحلة الكينونة المعذبة ....من منظور اخر
- أماكن حارة/ محاولة لكتابة التاريخ العراقي الحي عبر قرن
- الإرتياب في المكان - قراءة في رواية- الإرسي
- سلام إبراهيم.. الحياة والصداقة
- الحياة لحظة رواية الكاتب العراقي سلام إبراهيم
- -الحياة لحظة - . رواية تجسد العذاب العراقي في نصف قرن
- رواية حسن الفرطوسي - سيد القوارير - عن أحوال العراقيين في بق ...


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - حوار مع الروائي العراقي سلام إبراهيم - الشيوعي ليس من معدن خاص كما تشيع الأيديولوجيا