أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - الراديكالية والخروج على منطق التاريخ القومي (العربي)















المزيد.....

الراديكالية والخروج على منطق التاريخ القومي (العربي)


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 3039 - 2010 / 6 / 20 - 11:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن التجربة العربية الحديثة تجربة بلا حداثة بالنسبة لبناء الدولة والمجتمع والثقافة! من هنا استفحال نفسية وذهنية الراديكالية السياسية والتوتاليتارية الدنيوية والدينية بوصفه مؤشرا نموذجيا على تحلل البنية التاريخية للوعي السياسي عند النخبة والجمهور، أو سيادة وهيمنة الوعي العادي الجماهيري الأسطوري على الوعي العلمي. وقد لا تخلو أكثر الدول تطورا من الناحية العلمية والاقتصادية عن إمكانية الإصابة بهذا العدوى الغريبة، لكنها تبقى في نهاية المطاف جزء من تجارب الإرادة العنيفة لتذليل الخلل (كما كان الحال في ألمانيا الهتلرية). غير أن الحالة العربية تعكس ليس نزوة التاريخ، بل غريزة الزمن في الوعي السياسي. وليس مصادفة أن تؤدي تجاربه السياسية على امتداد القرن العشرين إلى إنتاج احد اشد النماذج غرابة بهذا الصدد، أي تحول جميع الدكتاتوريات "العلمانية" إلى حليف "استراتيجي" لعتاة القوى السلفية. بحيث نرى السادات يتحول إلى "الرئيس المؤمن"، والنميري إلى مطبق الشريعة الإسلامية، وصدام إلى قائد "الصحوة الإيمانية"، والقذافي إلى "مفكر الإسلام الأخضر". مع ما يرافقه من تحول ممسوخ لبنية النظام السياسي عبر إعادة "بناء" السلطة على أسس عائلية جديدة. بمعنى رجوع اغلب النظم الجمهورية إلى نظم عائلية، أي إلى ملكيات جمهورية! وبالمقابل يمكن رؤية صعود الدعاوي الدعائية المستشرية عن تحول العائلات المالكة إلى "قائدة الإصلاح الديمقراطي" و"النظام الشرعي". وما بينهما تتراوح في مكانها الرتيب مختلف "العقلانيات" الجبانة والمتسترة وراء رداء "القانون والشرعية" و"المصالح القومية" وما شابه ذلك من أغلفة براقة لواقع لا قانون فيه ولا شرعية لغير المصالح الأنانية الضيقة.
إن اضمحلال وتلاشي الفرق والخلاف بين "الأنظمة العلمانية" و"الأنظمة التيوقراطية"، ومن ثم تلاشي الخلاف الجوهري بين فكرة التيوقراطية والعلمانية في "النخب السياسية" العربية، يعبر أساسا عن واقع استفحال القيم التقليدية واندماجها "الطبيعي" في منظومة الاستبداد التي وجدت في التوتاليتارية الدينية والدنيوية ملاذها الأخير. وهي توتاليتارية جعلت من الإرهاب الشامل للسلطة وسحق المجتمع المدني وفكرة الشرعية المرتع الفعلي للأصوليات الجديدة وإرهابها "المقدس". إذ لم يكن هناك من مقدس للاستبداد السلطوي غير السلطة. من هنا تسابقها مع الأصوليات الإسلامية المعاصرة في الدفاع عن "المقدس". ومن ثم إعادة إنتاج الحنبلية الجديدة التي تجعل من الإرهاب حربها المقدسة الجديدة ضد كل بديل يهدف إلى بناء الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي السياسي والمجتمع المدني والثقافة العقلانية.
إن هذا التضافر التاريخي بين مكونات ومقومات متضادة في الفكر والممارسة السياسية يشير إلى عمق الخلل البنيوي في طبيعة الدولة والنظام السياسي والثقافة. وهو خلل يتناغم مع خلل الأوزان الداخلية في كل شيء. وبالمحصلة هو تعبير عن انحطاط فعلي شامل. وفي ظل ظروف كهذه يصبح الإرهاب ثمرة حلوة كما كانت الحرية هي الثمرة الحلوة لصعود القوى الاجتماعية الحية والفكرة التنويرية والعقل الحر. ذلك يعني، إن تحول الإرهاب إلى "عقيدة مقدسة" هو بحد ذاته مؤشر على نوعية الهبوط الشامل في الوعي النظري والعملي، أي في الفكر والأخلاق. ويشير هذا الهبوط بدوره إلى طبيعة الأزمة البنيوية التي يعاني منها المجتمع والدولة والثقافة. وفي الحصيلة ليست هذه الأزمة سوى الصيغة الأكثر تجريدا للانحطاط الثقافي.
فالانحطاط الثقافي هو الحاضنة الفعلية للتطرف والغلو. والقضية هنا ليست فقط في أنه يمد الوعي السطحي بكل الصيغ والرموز السهلة للهضم السريع للعوام، بل ولما فيه من "طاقة" على شحذ أوهام الحثالة الاجتماعية وأنصاف المتعلمين بروح العنف والتخريب. وفي هذا يكمن سر القدرة الفائقة والاستعداد الأكبر من جانب الأصوليات الإسلامية المعاصرة على ابتذال قيم الاعتدال العقلانية. ويكشف هذا الابتذال عن ضعف الثقافة العقلانية واضمحلال أو غياب الذهنية النقدية، أي كل ما تشترك به وتتسابق الأنظمة السياسية العربية والأصوليات الإسلامية المتطرفة. ومن فعل هذين المصدرين تتراكم قيم الحنبليات الجديدة بوصفها التجسيد العملي لجنون "الإرهاب المقدس"، أي التجسيد الأغرب لتبذير الثروة التاريخية للأمة.
فقد كانت الحنبلية التيار المناسب لإيمان العوام، أي للذهنية العادية والتقليدية. وذلك لان مضمونها لا يتعدى فكرة الانصياع والتنفيذ الشكلي والتقليد الحرفي لمجموعة النصوص المتراكمة في خيال الثقافة وأوهامها وعقولها. كما أنه التيار الذي مّثل الفكرة القائلة بضرورة التقيد الحرفي بكل ما هو "مقدس" و"إسلامي". بينما لم يكن هذا المقدس والإسلامي في تصوراته وأحكامه سوى كمية النصوص المحببة لأوهام العوام. من هنا انهماكه الفعال في شئون الجسد الفردي. إذ ليست حقيقة الحنبلية سوى الاعتناء المفرط بحقوق الجسد والتزاماته بما يخدم "واجبات" الانتقال من لذة الدنيا إلى "نعيم الآخرة". ذلك يعني أن حدودها القصوى تنحصر في شهوة الفرجين. وهي شهوة اختزلت مضمون الإسلام وعقائده الكبرى من خلال تحييد العقل ومنعه من الإبداع الحر، لأنها وجدت في كل فعل عقلي حر أسلوبا يؤدي بالضرورة إلى "بدعة".
وتشير هذه الحالة أولا وقبل كل شيء إلى جمود الروح الثقافي وخراب الذهنية النقدية وانحسارها التام. وليس مصادفة أن تسود الذهنية الحنبلية في جميع مراحل السبات الثقافي والحضاري في عالم الإسلام عموما وفي العالم العربي خصوصا. الأمر الذي جعل منها أيديولوجية مناسبة للانحطاط الثقافي والسياسي.
لقد غرست الحنبلية في النفسية الاجتماعية والذهنية الثقافية نمطا أصوليا (راديكاليا وتوتاليتاريا) في الفكر والممارسة استطاع في غضون قرون عديدة تجفيف أغلب المصادر الحية للرؤية الإسلامية. إنها استطاعت أن تنتج وتعيد إنتاج ذهنية لا يتعدى اهتمامها حدود الجسد الفردي المرفوع إلى مصاف "الأمة". بمعنى غياب واضمحلال، بل واندثار الأبعاد الاجتماعية والسياسية للفكر. مع ما ترتب عليه من تجميد للحياة الاجتماعية بمعايير العبادات الشكلية، وتحنيط للحياة السياسية يقيم الخضوع، ومن ثم ترسيخ وتوسيع وتجذير الاستبداد السياسي والفكري والاجتماعي عبر دعمه الدائم بقواعد الإيمان التقليدي.
وليس اعتباطا أن تكون معظم الحركات الأصولية الإسلامية والمتعصبة منها والإرهابية هي مجرد نماذج متنوعة للحنبلية (الوهابية المحدثة وأمثالها). وهي ظاهرة يمكن تحسسها الملموس من خلال رؤية الارتباط العلني والمستتر بين الحركات الأصولية المتطرفة والأنظمة التقليدية. ففي كليهما تسود وحدة القيم المشتركة عن "الوحدة" و"الصراط المستقيم" ومحاربة الحرية الفردية والاجتماعية والسياسية والدفاع عن "القيم الإسلامية"، أي كل ما يمثل تقاليد الاستبداد والثقافة الأصولية.
فالوهابية من حيث بنيتها العقائدية وذهنيتها الثقافية ومزاجها النفسي هي الصيغة الأكثر تمثلا لتاريخ الانحطاط الفكري والروحي والعقلي للإسلام. ومن ثم لا يعني صعودها المعاصر سوى عصرنة الانحطاط بأحد أقسى وأتعس وأرذل نماذجه النظرية والعملية. وبالتالي، فان بلوغ الحركات الإسلامية الراديكالية ذروتها في الأصولية الوهابية الجديدة هو مؤشر على ما يمكن دعوته بختم الولاية الراديكالية في التاريخ العربي المعاصر. بمعنى تراكم الذهنية والنفسية الراديكالية في نموذج ديني أصولي توتاليتاري جمع في ذاته كل النتاج اللاعقلاني للقرن العشرين في العالم العربي. وبما انه قرن التفريغ الشامل للبدائل العقلانية، من هنا فراغ البدائل الأصولية الإسلامية بشكل عام والوهابية بشكل خاص من أية رؤية إستراتيجية باستثناء إستراتيجية الإرهاب بوصفه أسلوب "الشهادة الحية" للأموات. وهذا بدوره لا يعني سوى الاستمرار الأعنف بتبذير الرأسمال التاريخي للدولة والأمة. وهو السر القائم وراء الالتقاء الفعلي بين "الأنظمة التيوقراطية" و"الأنظمة العلمانية" في إعادة إنتاج الراديكالية المتشددة، أي في التبذير الدائم للكل الاجتماعي.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزمن الراديكالي وتهشيم بنية الوعي التاريخي للدولة والأمة
- إشكالية الزمن والتاريخ في ثروة الأمم
- المثلث العربي الفارسي التركي وفلسفة الرجوع إلى النفس
- المثلث العربي الفارسي التركي ومشروع المستقبل
- ابن طفيل- حكمة التجانس والاعتدال!
- ثلاثية اليقظة الفلسفية - السهروردي وحكمة المتمرد!
- يقظة ابن سينا- حكمة الشفاء والنجاة!
- الحكمة الكونية وقصة اليقظة الفلسفية
- شخصية ومصير - حنين بن اسحق العبادي
- شخصية ومصير - فرقد السبخي
- شخصية ومصير - ثابت البناني
- شخصية ومصير - عبد الرحمن بن عوف
- حركة الوصفاء – نموذج التمرد الروحي والسياسي
- شخصية ومصير - الزهري.
- مفترق التطور أو التدهور العراقي
- أوهام الزمن -المقدس- وأحلام التاريخ الفعلي في العراق
- العراق وإشكالية الزمن والتاريخ
- أموية الشعر والشاعر – جبرية وارتزاق(2-2)!
- أموية الشعر والشاعر – جبرية وارتزاق(1-2)!
- شخصية ومصير- محمد بن سيرين البصري.


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - الراديكالية والخروج على منطق التاريخ القومي (العربي)