أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - أوهام الزمن -المقدس- وأحلام التاريخ الفعلي في العراق















المزيد.....

أوهام الزمن -المقدس- وأحلام التاريخ الفعلي في العراق


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 2988 - 2010 / 4 / 27 - 11:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن إحدى مفارقات الوهم "التاريخي" هو أن يكون الوهم "تاريخا". لكن التاريخ والحياة بل والمنطق أيضا لا يخلون من مفارقات هي جزء من إشكاليات الوجود. وإذا كان بالإمكان حصر هذه الإشكاليات بمعايير الفكر المجرد، فان من الصعب إرجاع حقيقتها جميعا إلى قاعدة ثابتة وأبدية. وهي الهفوة الجميلة في منطق الوجود التي تجعل اشد الأفكار صرامة ودقة أميل إلى الإقرار بفكرة الاحتمال، بوصفها الذروة التي يتوصل إليها الفكر حالما يتحرر من رق الخنوع لنفسية وذهنية "قواعد العقائد". مما يعطي لنا إمكانية تحديد "الوهم التاريخي" بوصفه الصيغة المقلوبة للتاريخ الوهمي، أي للتاريخ المحشور ضمن قواعد العقائد السياسية واللاهوتية التي تجعل من الواقع وأحداث الماضي مجرد تمظهرا للفكرة. مع ما يترتب عليه من تصنيع مفتعل لمسار التاريخ الفعلي، ومن ثم قيمته ووظيفته.
بعبارة أخرى، إن خصوصية هذا الصيغة الوهمية تقوم في جعل تصوراتها عن التاريخ مفتاحا أبديا شاملا لفتح الغاز الحاضر والمستقبل والبدائل. الأمر الذي يجعل من التاريخ الفعلي نفسه أوهاما. وهو أتعس أنواع التاريخ لأنه مجرد اجترار لقواعد العقائد. وليس هذا بدوره سوى الصيغة الأكثر جزما وتشددا وانغلاقا للرؤية الأيديولوجية وأوهامها السياسية بشكل خاص. وذلك لأنه حالما تتحول القواعد (الفكرية) أو حصيلة الاستنتاجات التي يجري التوصل إليها إلى عقائد ثابتة عندها يكف الواقع المتغير والاجتهاد العقلي الحر عن الالتقاء في المواقف والتحليل، وعوضا عن ذلك تهيمن الصيغ الجاهزة التي تقاس بها الأحداث. ويصبح الماضي والحاضر والمستقبل مجرد "عينات" تتكشف فيها قواعد العقائد لا الواقع كما هو. الأمر الذي يجعل من هذه العقائد أداة فعالة لتوسيع وتعميم الوهم الأيديولوجي بشكل عام وفكرة الثبات والحقيقة المطلقة فيه بشكل خاص.
ومن الناحية المعرفية عادة ما ترتبط هذه الظاهرة بصعود وهيمنة الرؤية الراديكالية (الدينية والدنيوية) بمختلف أشكالها ومستوياتها. ويمكن رؤية ذلك على مثال تاريخ الغلاة القدماء والمعاصرين، وكذلك في مراحل الانقلابات الكبرى التي تجعل من انهماك القوى الراديكالية للعوام والخواص في الحياة السياسية أمرا لابد منه. وإذا كانت هذه العملية تتصف بقدر من التلازم الطبيعي في التاريخ الفعلي للدول والأمم، فان ما هو "غير طبيعي" فيها يقوم في تحول الراديكالية من قوة اطرافية إلى قوة مركزية. عندها تستفحل مختلف مظاهر اللاعقلانية التي عادة ما يتحول التاريخ فيها إلى "جراب شامل" على كل ما تحتاجه الأهواء السياسية المتحزبة.
وليس مصادفة أن يتلاقي هنا الوهم الأيديولوجي بوهم المقدس، أي تلاقي وامتزاج الفكرة الأيديولوجية (المحكومة أولا وقبل كل شيء بالمصالح الجزئية) بفكرة المقدس. ومن شرارة هذا الالتقاء تنقدح مختلف الأمزجة العنيفة والصور المغرية التي تطابق في بداية الأمر النفس مع "نماذج مثلى" ثم تنتهي في النهاية إلى اعتبار نفسها تجسيدا جديدا تاما لهذه النماذج. ومن الممكن التدليل على ذلك، رغم تباين الصور ومقدماتها ولحد ما غاياتها، في كيفية تحويل صور ونماذج اليونان والرومان في أوج الاستفحال الراديكالي في الثورة الفرنسية، وان يتحول سبارتاكوس إلى بطل الانقلاب البلشفي الروسي (ثورة أكتوبر)، وان يصبح صلاح الدين في مصر الناصرية بطلا قوميا، وحمورابي في عراق الدكتاتورية، الحسين وكربلاء زمن الثورة الإسلامية في إيران الخمينية.
بعبارة أخرى، إن الجميع تتذكر بعاطفة جياشة وتستعيد ذكريات الماضي "المقدسة". بمعنى أنها تتعالى على التاريخ الواقعي الذي تصنعه بأيديها من خلال جعله كبش فداء "العقائد الكبرى". وهي عملية طبيعية ملازمة لصناعة الأيدي وليس العقول. من هنا انعدام التاريخ الفعلي وصعود التاريخ "المقدس" أو تاريخ الأوهام الأيديولوجية. فالتاريخ الفعلي لا يعرف المقدس، لأنه لا مقدس من حيث الجوهر في التاريخ، باستثناء ما هو غير قابل للابتذال.
لكن مفارقة الظاهرة الراديكالية تقوم بالذات في الانغماس المتعاظم في أوحال الأوهام الأيديولوجية مع كل تركز في هرم السلطة. والمشترك بينها على امتداد تاريخ الظاهرة هو تلاحم أربعة عناصر كبرى هي كل من ثبات العقائد، واليقين الجازم، والهيام بالمقدس والصيام عن كل ما سواه! وأخيرا ضمور الرؤية العقلانية النقدية. وعادة ما تصنع هذه العناصر منظومة اللاهوت الفاعلة في الأيديولوجية النظرية ومختلف أشكالها ومستوياتها العملية (السياسية). مع ما يترتب عليه بالضرورة من تفعيل منظومة للذهنية السياسية محشوة بقواعد العقائد الثابتة، وقوتها المانعة لأي بديل آخر، وجبريتها الجازمة تجاه المستقبل، وممانعتها الحازمة تجاه كل ما يختلف عنها ويعارضها، أي كل ما يجفف قدرتها الحية في التعامل مع الواقع والمستقبل بمعايير الاحتمال العقلاني. من هنا تحول "المقدس" إلى وحش شرس، مع أن مغزاه بالنسبة للعقل النير والضمير الحر شيئا معاكسا تماما.
وليس مصادفة أن تصبح الكثير من الأعمال الإجرامية التي جرى ويجري اقترافها في تاريخ العراق الحديث والمعاصر جزءا من تاريخ "مقدس". فقد مارست التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية مختلف أصناف الإرهاب الشامل تحت شعارات لا تتمتع بأية رؤية واقعية وتاريخية، ومع ذلك حاولت أن تعطي لها أبعادا ما فوق تاريخية من خلال ربطها "برسالة خالدة" لأمة لم تتكامل بعد! أما النتيجة فهي الإفساد الشامل لفكرة القومية العربية وتشويه محتواها وتخريبها الفعلي. وهي رؤية تشاطرها الكثير من الحركات الدينية والدنيوية، اليسارية واليمينية، القومية والاشتراكية في العراق. مما يعطي لنا إمكانية القول، بأن ضعف الرؤية الواقعية والتاريخية المشار إليه أعلاه يختبئ في معظم جوانبه وراء البحث عن صيغة أسطورية تلتهم كلمات "المقدس" من اجل تبرير ضعفها البنيوي في ميدان العمل السياسي وبالأخص فيما يتعلق منه ببناء الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني. وهو ضعف لازم، في تاريخ العراق المعاصر، كيفية تشكل الدولة الحديثة وابتعادها المتزايد عن كينونتها السياسية ومضمونها الاجتماعي. وضمن هذا السياق يمكن فهم "الجرأة" التي تميز كثرة من الأفعال الإجرامية التي يجري اقترافها وتقديمها على أنها جزء من الدفاع عن "المقدسات" عند الغلاة الجدد!
ما سبق نستطيع القول، بان تاريخ الأوهام المقدسة هو تاريخ الوعي الأيديولوجي بشكل عام والراديكالي بشكل خاص بمختلف أشكاله وأصنافه وألوانه ومستوياته. وفيما لو حاولنا تكثيف هذه الخلاصة فيما يتعلق بعلاقة السياسة والمقدس في العراق الآن فانه يمكن صياغتها بالشكل التالي: إن المقدس الأوحد للراديكالية هو يقينها الخاص بما تعتقده. مما يجعل من أفعالها تضحية دائمة لا غاية منها سوى "البرهنة" على "صحة" و"عظمة" عقائدها وشعاراتها المتعالية في سماء الأوهام. إلا أن الراديكالية لا تتحسس الآلام لأنها تجرّب كل نماذج الكسر العنيف على الآخرين، ولا تستمع لأي تأوه واعتراض ونقد لأنها تجد في الآهات نغم الوجود، وفي الاعتراض حجرة على قارعة الطريق، وفي النقد تشكيكا باليقين. كما أنها لا ترى الماضي لأنها تحتقر تجارب الأسلاف، ولا تشاهد الحاضر لأن عيونها شاخصة صوب مستقبلها فقط، ولا تشم نتانة الاستبداد المترتب على استهتارها بالحق والحرية لأنها مصابة بزكام التأفف من الهواجس والخواطر والأفكار المخالفة لها، ولا تتذوق طعم الحياة لأن ما يثير غريزتها دماء "الأعداء". أما الحصيلة فتقوم في تحول العقل عندها إلى هوى، والهوى إلى هوس، والهوس إلى هراوة. وهي نتيجة يمكن التدليل عليها في حال جمع الكلمات والعبارات والشعارات والتبريرات التي رافقت كل أشكال وأنواع الأيديولوجيات الراديكالية العراقية الحديثة والمعاصرة، الدنيوية منها والدينية. والشيء نفسه ينطبق على نماذج الصراع الحالي في العراق أيضا بعد سقوط الدكتاتورية الصدامية.
لكننا نستطيع في الوقت نفسه رؤية الآفاق المسدودة لهذه الظاهرة. وبالأخص ما يتعلق برؤية مؤشرات انحلال تأييد الرابطة العقائدية (الأيديولوجية) بين المقدس والسياسة في الوعي الجماهيري. وهي إحدى الضمانات الكبرى لكي لا تكون السياسة جزءا من المقدس ولا المقدس جزءا من السياسة. بمعنى ضرورة إدراك مقدمات وحدود ووظيفة كل منهما على حدة، السياسة باعتبارها علم وفن إدارة شئون الدولة والمجتمع بمعايير الحقوق والاجتماع المدني، والمقدس باعتباره كل ما لا يخضع لابتذال الدعاوى العقائدية والمصالح الضيقة أيا كان شكلها وهدفها المعلن.
فالتجربة التاريخية للعراق في مجرى القرن العشرين كله تجعل من الضروري الإجماع الملزم للحركات الاجتماعية والسياسية على مبادئ عملية بالنسبة لبناء مكونات تيار المعاصرة. ولعل أهمها هو الاقتصاد الديناميكي، والنظام الاجتماعي العادل، والثقافة الإنسانية الراقية، والعلم المتنور، والتكنولوجيا الرفيعة. وهذه جميعا تفترض إعادة تأسيس وبناء منظومة التربية والتعليم على أسس عقلانية ونقدية شاملة. وبدونها يصبح من العبث الحديث عن بديل شامل فيما يتعلق بالرؤية التاريخية وإعادة نفيها بمعايير الاجتهاد العقلاني الحر.
والخلاصة العامة بهذا الصدد هي أن حقيقة التاريخ خارج المقدس. والمقدس لا علاقة له بالتاريخ ألا من حيث كونه صورة قابلة للاندماج في مساعي القوى الإنسانية للتحرر من العبودية المباشرة وغير المباشرة للسلطة المغتربة (سواء كانت في جهاز منظم، أو قوة عشوائية مخربة، أو عقيدة مكبلة للعقل، أو نص يرتقي إلى مصاف "المطلق")، باختصار إلى كل ما يمكنه أن يعمل في اتجاه ابتذال الحرية وشروط التقيد بقواعد المنطق العلمي والعقل النقدي.
***




#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق وإشكالية الزمن والتاريخ
- أموية الشعر والشاعر – جبرية وارتزاق(2-2)!
- أموية الشعر والشاعر – جبرية وارتزاق(1-2)!
- شخصية ومصير- محمد بن سيرين البصري.
- التشيع وظاهرة السمو الروحي للشخصية العلوية (2-2)
- التشيع وظاهرة السمو الروحي للشخصية العلوية (1-2)
- الحلاج: فلسفة الفردانية المتسامية
- النفرّي وفلسفة الموقف
- المثال والحقيقة في الشخصية المحمدية – التاريخ والمقدس
- المثال والحقيقة في الشخصية المحمدية – من الغزالي حتى المعاصر ...
- الشخصية المحمدية في الفكر اللاهوتي والفلسفي الإسلامي
- المثال والحقيقة في الشخصية المحمدية
- المشروع الديمقراطي الاجتماعي وفلسفة البديل العراقي
- شخصية ومصير- عامر الشعبي
- شخصية ومصير- طاووس بن كيسان
- شخصية ومصير - أيوب السختياني
- شخصيات ومصائر – ثلاثة نماذج أموية
- شخصية ومصير - كعب الأحبار!
- شخصية ومصير – أبو هريرة!
- الشعر والحرية في الفكر العربي الحديث (2-2)


المزيد.....




- شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
- مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
- زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
- هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على ...
- رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز ...
- وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات ...
- مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر ...
- البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها ...
- بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
- هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - أوهام الزمن -المقدس- وأحلام التاريخ الفعلي في العراق