أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - ثلاثية اليقظة الفلسفية - السهروردي وحكمة المتمرد!















المزيد.....

ثلاثية اليقظة الفلسفية - السهروردي وحكمة المتمرد!


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 3020 - 2010 / 5 / 31 - 13:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


السهروردي هو أبو الفتوح يحيى بن حبش بن أميرك ولد عام 549 للهجرة (1150ميلادية) في قرية سهرورد في أعالي جبال فارس، وقتل عام 587 للهجرة (1191 ميلادية) في مدينة حلب. تتلمذ في بدايته على يد الشيخ مجد الدين الجيلي (وكان أستاذ فخر الدين الرازي). وأثارت الفلسفة اهتمامه الشديد، كما تأثر منذ وقت مبكر بكتب ابن سينا، والمتصوفة إضافة إلى مختلف المدارس الفلسفية والأديان. مما يعكس مستوى انفتاحه العقلي والروحي. ووجد هذا الانفتاح تعبيره أيضا في حبه للسفر، أي للخروج من حدود الجغرافيا والبيئة التقليدية، بحيث تحولت حياته إلى رحلة دائمة من اجل المعرفة ومواجهة مصيره فيها. وقد أشار هو في إحدى رسائله على ذلك عندما كتب يقول، بأنه بلغ الثلاثين سنة وأكثر عمره في الأسفار والاستخبار والفحص عن مشارك مطلع على العلوم. وصنعت هذه الأسفار شخصيته الحرة وآفاقها المتفتحة، مع ما فيها من استعداد لما دعته التقاليد المحافظة بالتهور والاستهتار. بحيث قال عنه احدهم "ما أذكى هذا الشاب وافحصه. إلا إني أخشى عليه لكثرة تهوره واستهتاره وقلة تحفظه، أن يكون ذلك سببا لتلفه". بينما قال عنه ابن أبي اصيبعة:"كان أوحد زمانه في العلوم الحكمية، جامعا للفنون الفلسفية، بارع في الأصول الفقهية، مفرط الذكاء، جيد الفطرة، فصيح العبارة، وكان علمه اكبر من عقله!". غير أنه تقييم لم يكتمل بسبب انقطاع حياة السهروردي المبكر.
فقد كانت هواجس السهروردي وسلوكه ومواقفه ومساعيه محكومة بهموم البحث عن الحكمة. الأمر الذي جعله غريبا متغربا. وليس مصادفة فيما يبدو أن يطلق على رسالته المتعلقة بشرح قصة (حي بن يقظان) اسم (الغربة الغربية). فالعقول الكبيرة تحس على الدوام بغربة. لكنها غربة بلا اغتراب! من هنا استغراب الآخرين منها، وذلك بسبب طبيعة الميول المختلفة بين غربة الكبار بوصفه أسلوبا للتكامل الذاتي، واستغراب الآخرين إياها بسبب مظهرها "المتهور". إذ وصفه تلميذه الشهرزوري في كتابه (نزهة الأرواح)، قائلا، بان السهروردي كان مستوي القامة، يضرب شعره ولحيته إلى الشقرة. وانه كان يميل إلى السماع (الموسيقى). وكان يبدي احتقارا شديدا لكل مظاهر السلطان والأبهة. كما كان يغير ملابسه بطريقة مثيرة. وقد روى بعضهم عنه حادثة طريفة تروي كيف انه كان يماشيه في جامع ميافارقين، والسهروردي لابس جبة قصيرة مضربة زرقاء، وعلى رأسه فوطة طويلة وفي رجله زربول (نعال). وعندما رآه صديق له اقترب منه قائلا:
- ما جئت تماشي إلا هذا الخربندا (سائق الحمير)؟!
- اسكت! هذا سيد الوقت شهاب الدين السهروردي!
فتعاظم الرجل هذا القول وتعجب منه وانصرف! بينما نراه مرة أخرى موشحا بالسواد. وعندما اقترب منه احدهم يكلمه بينما كان السهروردي سارح في عالم آخر:
- لو لبست شيئا غير هذا اللباد الأسود!
- يتوسخ.
- تغسله!
- يتوسخ.
- تغسله!
- ما حييت لغسل الثياب! لي شغل أهم من ذلك.
ولا علاقة لهذه الصورة بالمظهر والمظاهر بقدر ما انه تعكس تمرده الشامل وتوحده الذاتي. كما أنها تعكس تكامله العلمي والعملي في الظاهر والباطن، الذي وجد تعبيره في فكرته عما اسماه بالحكيم المتأله. وكتب بهذا الصدد يقول، بأن "الحكيم المتأله هو الذي يصير بدنه كقميص يخلعه تارة ويلبسه تارة أخرى. ولا يعد الإنسان في الحكماء ما لم يطلع على الخميرة المقدسة. وما لم يخلع ويلبس. فإن شاء عرج إلى النور، وان شاء ظهر في أي صورة أراد. وأما القدرة فإنها تحصل عليه بالنور الشارق عليه. ألم تر أن الحديدة الحامية إذ أثرت فيها النار تتشبه بالنار وتستضيء وتحترق؟ فالنفس من جوهر القدس، إذا انفعلت بالنور واكتست لباس الشروق أثرت وفعلت، فتومئ فيحصل الشيء بإيمائها. وتتصور فيقع على حسب تصورها. فالدجالون يحتالون بالمخارق، والمستنير الفاضل المحب للنظام البريء من الشر، يؤثر بتأييد النور لأنه وليد المقدس".
لقد وضعته فكرة الحكيم المتأله في حالة غريبة وغربة تامة عن تقاليد الفقهاء والمدارس التقليدية. من هنا اختلاف الناس فيه بين مصدق ومزندق! والأخير من نصيب الفقهاء، الذين كان "الاجتهاد" الفقهي بالنسبة لهم هراوة السلطة. وقد عملوا كل ما باستطاعتهم من اجل جر هذا "المتهور"، الذي "كان عقله اكبر من علمه" إلى خديعة الجدل اللاهوتي. إذ استطاعوا جره إلى "الزندقة" من خلال الجدل حول القدرة الإلهية. لقد نظر الفقهاء إليها بمعايير النص، بينما نظر إليها هو بمعايير العقل المجرد. وهو خلاف يعكس الاغتراب الجوهري بين تيار القدرة الإنسانية الفاعلة والحرة وتيار تحجيرها. واستجابت السلطة بشخصية صديقه الملك الظاهر (568-613 هجرية) (1173-1216 ميلادية) إلى الموافقة على قتله "تلافيا للفتنة". ويقال انه ندم لاحقا على ذلك واقتص ممن أوقع السهروردي في القتل. وهو أمر محتمل لكن اليقين فيه هو أن رجل السلطة لا يمكنه أن يكون وفيا وأمينا للعلاقة بالمفكر الحر.
ومن الصعب الآن القول، فيما إذا كان السهروردي قد أدرك هذه الحقيقة أم لا، إلا انه لم يفكر بها. وذلك لان همومه الجوهرية بوصفها روافد صيرورته العلمية والعملية كانت تسير صوب بلوغ الحكمة وهدوءها المضطرب في"بحار المعرفة"! وليس مصادفة أن يطلق السهروردي لقب الحكيم على من له "مشاهدة الأمور العلوية". وهي درجة يمكن للمرء أن يبلغها في حال توحيد العلم والعمل في دورة لا تنتهي مما دعاه السهروردي بالانسلاخ عن الدنيا، ومشاهدة الأنوار الإلهية، والسير فيها إلى ما لانهاية. من هنا قوله في تقديمه لكتابه (حكمة الإشراق) إلى أن ما يكتبه هو "لطالبي التأله والبحث، وليس للباحث الذي لم يتأله ولم يطلب التأله فيه نصيب. ولا نباحث في هذا الكتاب ورموزه إلا مع المجتهد المتأله، أو الطالب للتأله. فمن أراد البحث وحده فعليه بطريقة المشّائين" (أتباع أرسطو). من هنا تصنيف السهروردي الحكماء إلى ثلاثة أصناف كبرى. الأول وهو حكيم الهي متوغل في التأله عديم البحث (مثل الأنبياء وشيوخ المتصوفة أمثال البسطامي الحلاج والتستري)، والثاني حكيم بحاث عديم التأله (مثل الأرسطيين القدماء والفارابي وابن سينا من المتأخرين)، وأخيرا حكيم الهي متوغل في التأله والبحث. والأخير يطوي في ذاته مراحل الحس والعقل والحدس في كل واحد، كما وضعها في لوحته الرمزية عن المعنى العميق في شخصية "حي بن يقظان".
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يقظة ابن سينا- حكمة الشفاء والنجاة!
- الحكمة الكونية وقصة اليقظة الفلسفية
- شخصية ومصير - حنين بن اسحق العبادي
- شخصية ومصير - فرقد السبخي
- شخصية ومصير - ثابت البناني
- شخصية ومصير - عبد الرحمن بن عوف
- حركة الوصفاء – نموذج التمرد الروحي والسياسي
- شخصية ومصير - الزهري.
- مفترق التطور أو التدهور العراقي
- أوهام الزمن -المقدس- وأحلام التاريخ الفعلي في العراق
- العراق وإشكالية الزمن والتاريخ
- أموية الشعر والشاعر – جبرية وارتزاق(2-2)!
- أموية الشعر والشاعر – جبرية وارتزاق(1-2)!
- شخصية ومصير- محمد بن سيرين البصري.
- التشيع وظاهرة السمو الروحي للشخصية العلوية (2-2)
- التشيع وظاهرة السمو الروحي للشخصية العلوية (1-2)
- الحلاج: فلسفة الفردانية المتسامية
- النفرّي وفلسفة الموقف
- المثال والحقيقة في الشخصية المحمدية – التاريخ والمقدس
- المثال والحقيقة في الشخصية المحمدية – من الغزالي حتى المعاصر ...


المزيد.....




- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...
- انفجار ضخم يهز قاعدة عسكرية تستخدمها قوات الحشد الشعبي جنوبي ...
- هنية في تركيا لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة مع أردوغان
- وسائل إعلام: الولايات المتحدة تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمي ...
- عقوبات أمريكية على شركات صينية ومصنع بيلاروسي لدعم برنامج با ...
- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - ثلاثية اليقظة الفلسفية - السهروردي وحكمة المتمرد!