أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سهيل أحمد بهجت - في ثنائية الروح و الجسد















المزيد.....

في ثنائية الروح و الجسد


سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر

(Sohel Bahjat)


الحوار المتمدن-العدد: 3026 - 2010 / 6 / 6 - 12:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



إن محاولة تفكيك العلاقة بين المادة و الروح كنقيضين هو عمل عبثي لا معنى له، فأن أجادل في طبيعة الروح و أضعها كنقيض للمادة هو نقيض لحقيقة الدين نفسه، بالذات عن الإسلام الذي يضفي بعدا ماديا على الحياة الدنيا و الآخرة، فبدون الجسم المادي و الشهوات و الرغبات لا معنى و لا حقيقة لوجود الإنسان، و أن نطالب الإنسان بأن يحكّم الدّين و العقل بعيدا عن الرغبات و الشهوات و حبّ الذات، هو أمر مستحيل قطعا و لو كان ممكنا لسارت البشرية في مسار مختلف كليا عن كل ما نراه في التاريخ الإنساني، فلا إنسان بدون هذا المخلوق الذي يمتلك أبعادا مادية و روحية ـ غير قابلة للفصل ـ و بالتالي فإن العلمانية و لأنها شأن عام ـ و لا تتدخل في حياة الفرد إلا من حيث إتاحة الحرية له لا أكثر ـ لذلك فهي تعالج الجوانب المحسوسة و المادية من الإنسان.
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري:
الثنائية نفسها و الإصرار نفسه على وجود الحيز الإنساني المنفصل عن الحيز الطبيعي المادي نجده في تعريف محمود أمين العالم للعلمانية، الذي يبدأ بالقول: إن العلمانية ليست مجرد فصل الدين عن الدولة، و إنما هي "رؤية و سلوك و منهج". لكنه حين يعرّف هذه الرؤية نجده يعطيها مضمونا خاصا للغاية، إذ يقول: "إن هذه الرؤية تحمل الملامح الجوهرية لإنسانية الإنسان، و تعبر عن طموحه [الثنائي] الروحي و المادي للسيطرة على جميع المعوقات التي تقف في طريق تقدمه و سعادته و ازدهاره"، فالإنسان هنا كائن له جوهر مستقل عن حركة المادة، و لم يتم تفكيكه (و ردّه) إلى عناصر المادية الأولية، كل هذا يعني أن علمانية محمود العالم ليست مادية، و لا ترفض فكرة الكل و الجوهر و الروح و المطلق و الغاية (تقدم الإنسان و سعادته و ازدهاره)، في هذا الإطار يرى العالم أن العلمانية لا تعارض الدين "بل لعل العلمانية تكون منطلقا صالحا للتجديد الديني نفسه بما يتلاءم و مستجدات الحياة و الواقع"، إن العلمانية كما يراها الأستاذ العالم تترك حيزا كبيرا للإنسان و مطلقاته و منظوماته." المصدر السابق ص 66 و 67
إن المغالطة التي يسعى المسيري إلى إثارتها تكمن في لب فلسفته التي لا تقبل الحلول الوسط، فأنت إما أن تكون مع الروح و المطلق و اللا نهائي ضد الجسد و المادة و النسبي و المحدود، بالتالي تكون النتيجة أن نرفض العلمانية كليا أو نقبلها كليا، بينما هو فيما سبق أوضح أن العلمانية مقبولة إذا كانت تعني فصلا في بعض السلطات و طبعا دون أن يوضح ما هو هذا البعض، و نحن نؤكد ها هنا إلى أن العلمانية بطبيعتها لا تقبل التجزئة و المساومة فهي إذا ما جُزئت تتحول شيء آخر ـ يسمى بالعلمانية و هي ليست بالعلمانية ـ فالمطلقات التي يحدثنا عنها المسيري تختلف كلّيّا عن مطلقات خلف الله و محمود أمين العالم، فقد سبق و رأينا كيف أن المسيري نصب للقاريء فخا في تعريفه الذي حصر الدين بتلك "هي في النظم التوحيدية الإله الواحد المنزه عن الطبيعة و التاريخ" و بالتالي حشر كل المطلقات في العقيدة التي "يؤمن هو بها حصرا" بينما تذهب كل المذاهب و الأديان و العقائد التي لا تنسجم مع "العقيدة الصحيحة"!! إلى مزبلة المحدود و النسبي و المادي.
إن المشكلة الحقيقية التي يتجاهلها المسيري هو أن تحديد الحرية الشخصية نفسه و بحد ذاته يتناقض مع كل التعريفات المتعلقة بالعلمانية، فمجرد محاولة التصرف في الطبيعة الفردية يناقض مبدأ الحرية و هو أمر مستحيل التطبيق حتى في ظل حكم الأنبياء فكيف بالبشر الطبيعيين؟ فحتى في الأنظمة الدينية تجد أن أبناء الشعب هم الأكثر اهتماما و انهماكا في الشؤون و المصالح المادية، رغم كل محاولات الحكومة و النظام فرض الإعلام "الديني" و "الوعظ" في الإذاعة و التلفزيون و الصحف و الحياة العامة، و كلما اتّسع نطاق "الإعلام الوعظي" كلما ازداد المواطن و الإنسان تحديا لنظام "الأخلاق" القسرية، فالأخلاق ما لم تنبع من القلب و الجوارح الحرة فإن لا معنى لهذه الأخلاق، فقد لا يشرب أو لا يتعاطى أحد المواطنين "المسكرات" و لكن ذلك يعود لعدم توفرها ـ مثلا ـ و ما أن تتوفر حتى ينطلق في تعاطيها مدفوعا بالانتقام من "أيام الكبت" و الممنوعات، كذلك الأمر بالنسبة للعلاقات الجنسية، إذ تظهر مجتمعات الوعظ انجرافا خطيرا نحو تعاطي الشذوذ و ذلك انتقاما من القيم القسرية.
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري:
و التعريفات الجزئية السابقة للعلمانية (التي تسمح بقدر من الثنائية، و باستقلال الظاهرة الإنسانية عن الظواهر الطبيعية/ المادية، و من ثم تسمح بوجود حيز إنساني) تقف على طرف النقيض من تعريف العلمانية التي تتعامل معها باعتبارها رؤية شاملة للكون، ترى أن عالم المادة، عالم الحواس الخمس، هو البداية و النهاية، و يقترب محمد رضا محرم من هذا التعريف الشامل، فهو يتحدث عن هذا التحديث باعتباره "مسار التاريخ إلى المستقبل"، و هو عملية تراكمية "فليس غير الحديث إلا ما هو أحدث منه، و ليس من سبيل إلى المستقبل غير الاستمرار في تعاطي الحداثة" (و النظرة التراكمية تشير إلى أن الصورة الكامنة في خطابه هي صورة المادة التي تتراكم، ذرة فوق ذرة)." ـ العلمانية تحت المجهر ص 67
إن محاولات المسيري في لصق صفة "الإلحادية المادية" بالعلمانية و العلمانيين تذكرني بمحاولات الغزالي ت 1111 م الذي اتهم الفلاسفة بالكفر و الزندقة و أن فلسفتهم خطر على إيمان و عقيدة الناس البسطاء الفقراء، و هذا بالضبط ما يفعله المسيري الذي يصور لنا خلال مئات الصفحات التي سودها في دراسته عن اليهود و اليهودية و كتبه عن العلمانية و الغرب و فلسفاته، يريد لنا أن نرى أن كل ما في الغرب هو "قبيح و بشع" و كل ما هو شرقي = مسلم = عربي ـ أو حتى غير عربي ـ هو جميل و حسن و جيد، و نحن نرى كيف أنه يضع النظرية "الثنائية التي تجمع الروح إلى جانب المادة" كنقيض للعلمانية التي يعتبرها المسيري و أمثاله "مادية بحتة" لا تقبل الأبعاد الأخرى، و هو ما يناقض واقع العلمانية في البلدان الغربية الحديثة خصوصا بعد ظهور نسبية أينشتاين، فالعلمانية ترى نفسها منعكسة في عالم العقل و الواقع التجريبي، و حتى الدّين لا يمتلك شرعية من دون مقياس المنجز الإنساني على أرض الواقع، فهل يمكن لنا أن نقارن بين الكنائس و المعابد و الحسينيات التي تقوم بأعمال خيرية اجتماعية و بين نظريات القاعدة و الإسلام المزيف المفخخ مقارنة مجردة على أساس لاهوتي فارغ، و فارق كبير بين اللاهوت المبدع و اللاهوت التبريري الذي يسوق الأدلة و الآيات و الأحاديث سوق البعير و قطعان الحيوانات و دون أن يكون هناك أي منجز على أرض الواقع في مداواة جروح الإنسان و آلامه، و صدق القس الأمريكي الذي قال:
الدّين الّذي لا يصنع الرّحمة هو دين مزيف.



#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)       Sohel_Bahjat#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شاكر النابلسي.. معروض للبيع
- الإنسان... المستحيل الوجود
- 9.4 .. يوم سقوط مقتدى البعث
- النظام العلماني و الدّين العقلاني
- علاوي و الطائرة الأمريكية
- المرحوم عبد الوهاب المسيري و عمى الألوان
- محاولات في تعريف العلمانية
- إرهاب.. تحت قناع الفلسفة
- تطابق المصطلحات بين مقتدى و البعثيين
- العلمانية مقدمة للحرية
- في نقد -تطور العلمانية-
- عادل إمام... رئيسا منتخبا لمصر
- العلمانيّة في مواجهة المشكّكين
- العلمانية بين السؤال العبثي و اليقين الجامد
- سيف الخياط و استعادة الكرامة العراقية
- العلمانية... موقف وسطي
- نسبية الأخلاق و التدين
- العلمانية و -الاغتراب- كضرورة
- تجليات علمانية
- أوهام... ما وراء فصل الدين عن الدولة حلقة ثانية


المزيد.....




- فرصة ذهبية نادرة: جزيرة اسكتلندية خاصة وقلعة منسية للبيع
- رئيس CIA الأسبق لـCNN: الحرب بين إسرائيل وإيران -لم تنته بال ...
- إحياء طقوس الإنكا القديمة في مهرجان إنتي رايمي في بيرو وسط ح ...
- تظاهرات في تل أبيب.. دعوات لإبرام صفقة تعيد الرهائن وتُنهي ا ...
- كيف استقبل الفلسطينيون في غزة خبر وقف إطلاق النار بين إسرائي ...
- أكبر مستشفيات إسرائيل تعمل تحت الأرض بعد وقف إطلاق النار
- خامنئي يظهر في كلمة مسجلة لأول مرة منذ وقف إطلاق النار، ووزي ...
- غارة إسرائيلية على جنوب لبنان ومقتل العشرات في غزة وسط تعثر ...
- ما أبعاد الخلاف بين ترامب وإسرائيل بعد وقف إطلاق النار مع إي ...
- أمسية حوارية حول الثورات والديون الفلاحية من الماضي إلى الح ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سهيل أحمد بهجت - في ثنائية الروح و الجسد