أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم خليل العلاف - قصة اعتصام للأستاذ الدكتور عمر الطالب















المزيد.....

قصة اعتصام للأستاذ الدكتور عمر الطالب


ابراهيم خليل العلاف

الحوار المتمدن-العدد: 3015 - 2010 / 5 / 26 - 23:53
المحور: الادب والفن
    


قصة اعتصام للأستاذ الدكتور عمر الطالب
ا.د.إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل
كان الأستاذ الدكتور عمر الطالب ،رحمه الله ،يحرص على توثيق الأحداث التي يعيشها، قصصيا . وقد ظل هاجسه الوطن، والإنسان في العراق. وقد أدركت هذه الحقيقة منذ كنت طالبا عنده في الإعدادية الشرقية أوائل الستينات من القرن الماضي ،فقد كان يكلفني باستنساخ ما يكتبه، ويقول لي أن خطك جميل ويستطيع كاتب الطابعة أن يقرأه جيدا، وكنت استفيد من قراءتي لما يكتب، وأتذكر أنني استنسخت مجموعته القصصية "سنوات أضاعها ضباب الخمسينات " كلها وبعد ذلك دفعها للطبع .
والقصة القصيرة التي نعرضها اليوم وهي بعنوان : "اعتصام " كتبها عندما وقع العدوان الثلاثي( البريطاني –الفرنسي –الإسرائيلي) على الشقيقة مصر بعد إقدام الرئيس جمال عبد الناصر رئيس جمهورية مصر على اتخاذ قرار تأميم قناة السويس في 26 تموز –يوليو 1956 ردا على رفض الولايات المتحدة الأميركية، قيام البنك الدولي بتمويل بناء السد العالي والبدء بمشروع طموح لتحديث مصر وتطوير بنيتها التحتية .وكان صدى التأميم والعدوان كبيرا في كل الدول العربية والإسلامية ومنها العراق . ففي الموصل –على سبيل المثال –جرت مظاهرات عارمة، واعتصم الطلبة واحتجوا وطالبوا الحكومة بنصرة مصر .وقد استخدمت الشرطة خراطيم المياه، والقنابل المسيلة للدموع في تفريق المظاهرات. وأتذكر أنني كنت تلميذا في الصف الخامس الابتدائي، وفي مدرسة أبي تمام الابتدائية للبنين القريبة من الإعدادية المركزية في البارود خانة قرب المستشفى الملكي(الحمهوري حاليا )، وقد انهمرت الدموع من أعيننا وقال المعلم لنا لا تخافوا يااولادي ،فان الشرطة ألقت قنابل مسيلة للدموع لتفريق اعتصام طلبة الإعدادية المركزية. وفي الوقت نفسه أقدمت الشرطة على تفريق ومنع اعتصام طلبة الإعدادية الشرقية وهو الاعتصام الذي كان يقصده الدكتور عمر الطالب في قصته : "اعتصام " .ومن الغريب أن مدير المدرسة المعنية –ونحتفظ بأسمه –وقف أول الأمر ضد الاعتصام وأراد استعداء الشرطة للدخول إلى المدرسة لكنه تراجع أمام ضغط المدرسين والطلبة .المهم أن قصة اعتصام توثق كل ذلك ويسعدني أن أقدمها بعد أن أعدت طبعها .وقد نشرت في العدد السادس (السنة الأولى ) من مجلة "الجامعة " الموصلية (15 مايس-مايو 1971 ) ،وهي المجلة الثقافية العامة الجميلة التي كانت تصدرها جامعة الموصل منذ آذار-مارس سنة 1971 وتوقفت أوائل الثمانينات من القرن الماضي بسبب نشوب الحرب العراقية –الإيرانية 1980-1988 .
اعتصام
قصة بقلم الدكتور عمر الطالب


دق الجرس معلناً بدء الدرس الأول. وقف الطلاب أمام صفوفهم متحفزين لإعلان تكاتفهم مع إخوانهم عرب مصر في حربهم من أجل الحرية... كانت السماء هي الأخرى قد أعلنت الحرب ضد الطغاة، رعدت وأبرقت، ضاع صوت المدير الحانق (ادخلوا الصفوف) وسط الرعد القاصف في قبة السماء.ازداد هطول المطر وبعث صوتها المتتابع الرتيب، القلق في النفوس... خرج المدرسون من غرفهم بوجوه شاحبة قلقة متوجهين نحو صفوفهم، عاد صوت المدير الحانق مرة أخرى (ادخلوا الصفوف).. تتابع الرعد أشد مما كان... سمع صوت جهوري ينادي (أيها الإخوان... لا تدخلوا الصفوف إننا نعلن إضرابنا واعتصامنا تضامناً مع إخواننا العرب الذين يقتلون في بور سعيد دفاعاً عن حرية العرب وكرامتهم.. إننا لاندخل صفوف الدرس حتى تشارك جيوشنا في الدفاع عن بور سعيد...).
انبعث تصفيق مدو، ضاع صوت المدير (ادخلوا الصفوف وإلا..) وفهموا ماتعنيه (إلا) هذه أنه ينذرهم بالشرطة انبعث صوت أشبه بصوت النحل بدده صوت قوي (لاندخل الصفوف حتى تتحقق مطا ليبنا).
نشر قميص أبيض ملطخ بالدم على عمود طويل وضع وسط فناء المدرسة وانبرى شاب (لقد قتلوه ... لأنه طالب بحريتنا.. قتلته شرطة نوري السعيد ليخرسوا صوت الحق.. ولكن كل واحد منا عدنان الشهيد) علت الهتافات في فناء المدرسة – حاول إسكاتهم، لكن صوته الحانق ضاع وسط الهتاف المدوي... سمع صوت يصيح (احذروا...احذروا... لقد جاءت الشرطة)... اندفع الطلاب نحو الباب الرئيس للمدرسة.. وضعوا خلفه رحلات الدرس الخشبية. استعدوا للدفاع عن أنفسهم وإخوانهم إذا ما اعتدت الشرطة وأطلقت الرصاص. قطع البعض أسلاك التلفون خشية الاتصال بالشرطة.. شرع آخرون بتثبيت لوحات على الجدران..آز الرصاص وتناثر في فناء المدرسة بعد أن خرق الزجاج عبر النوافذ ،فازداد الطلاب حماسة ارتفعت الهتافات من كل جانب. همس احد المدرسين وقد شحب لونه (هيا.. هيا إلى الغرفة قد تصيبنا رصاصة طائشة) ضاع همسه في صوت المدير الحانق (كل شئ يهون إلا).. ظهر الإعياء على وجهه، تكسر الخشب بين أنياب النار المتأججة في المدفأة، وارتسم الوجوم على أوجه المدرسين (خير عمل نقوم به للقضاء على الاعتصام، هو أن نحصر التلاميذ، ونفتح الأبواب وتدخل الشرطة)، دخل احد المدرسين مسرعاً بيده ورقة كتب فيها بعض الأسماء نظر المدير إلى الورقة وما تحتويه نظرة استهجان وهو يقرأ الأسماء (ذنون إسماعيل..هو..هو..هو في كل المظاهرات.. هتاف.. خطيب.. مشاغب ،لابد أنه يتقاضى راتباً على ذلك سأعلمه درساً لن ينساه) طوى الورقة ووضعها في جيبه.. سمع همس ولفظ علت كلمات متقطعة.. خائفة ارتعشت الأصوات.. وضاعت كلمة (نعم) في كلمة (لا) وتجرأت الأصوات الخائفة (لا.. لايمكن هذا).
شحب وجهه ،وبدت الصورة بشعة في مخيلته... لم يحتمل ذلك (ماالعمل اذن؟). ساد صمت عميق في الغرفة فتجاوبت قطرات المطر على الزجاج،وارتسم الشحوب على الوجوه تفكر في مخرج... انبعث صوت انفجار هائل في فناء المدرسة ملأ الدخان مسالكها أعقبه انفجار آخر وآخر فبدأ الجميع وسط حريق هائل لايرى فيه سوى الدخان المتكاتف فتعالى الشهيق ..سالت الدموع... علت أصوات مشجعة مؤمنة (لاتخافوا أيها الإخوان... الإيمان أقوى من الرصاص) مسكوا بالقنبلة المسيلة للدموع قبل أن تلامس الأرض. قذفوها إلى الشارع. أعقبوا ذلك بوابل من الحجارة لاتنضب... تسلل رجال الشرطة هاربين بعد أن شاع في المدينة أن السكان سيتدخلون لإنقاذ أبنائهم... تراص الناس حول المدرسة ،يحيون الطلاب المعتصمين ،وقد غمرتهم السعادة والنشوة (سيحققون مطاليبهم) كانت هذه العبارة تتردد على جميع الأفواه خيم الظلام. ازداد الجو برداً، اشتدت الريح عتواً، خفت الزحمة تدريجياً خارج المدرسة... تناوب الطلاب الحراسة بهراواتهم... راحوا يتدبرون خطة الغد ... جلس المدير في غرفته يترقب وينفث دخان لفافته، رقد المدرسون على الأرائك وقد استبد بهم الأرق... عبر وحشة الليل ومض البرق كاشفاً شحوبه كشر الليل في أنيابه في وميض برقه.. بدا وجه المدير شاحباً خلف زجاج النافذة...(وجدتُ الحل وجدتُ) وبخطى وئيدة اتجه صوب غرفة المدرسين وهمس (أستاذ حمدي أستاذ حمدي إنني اعتمد عليك سننزع عن نوافذ غرفتي القضبان الحديدية وتذهب أنت إلى مدير الشرطة. هز حمدي رأسه (قد تنكشف الخطة) (الشرطة..)!! .
سمع صوت القضبان الحديدية... أصغت القضبان الحديدية... أصغت آذان كثيرة ... أن صوت معول... (أهم خلف الجدران؟!!.)
سارع الطلاب يرقبون الجدران (سنقابلهم بصدورنا...) تساءل البعض (أين المدرسون؟ (إنهم يغطون في النوم.(أين المدير؟)
(أيها الإخوان كونوا على حذر) واتجه ذنون صوب غرفة المدير الموصدة طرقها بشدة (نريد مقابلتك) ساد صمت (أخرج إلينا... اخرج إلينا..)..
تزاحم الطلاب.. تدافعوا بقوة تكسر الباب تحت وطأة سواعدهم .. تلاقت النظرات اسقط في يد المدير آآآآنا...آنا...آنا...آ... وكم...آآآآنتم أولادي آآآآآرجوكم) أجاب ذنون بصوت مؤمن ( لاتخف إننا لانعاقب الخطاة) كم كره هذا الصوت... لقد فصله عدة مرات في المدرسة (انه خطر) هذا ماكان يردده للشرطة دائماً (هيا...هيا... اذهب إلى أهلك هذا ماقاله ذنون له... اتجه إلى الباب الرئيس وصفق الباب الكبير...) .
أومض البرق.. واستمر المطر في الهطول ..تعالت الهتافات.. تساقطت قطرات مخضبة بالدم من الثوب المعلق..



#ابراهيم_خليل_العلاف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتور صباح مهدي رميض مؤرخا
- محمد مفتاح الفيتوري في الموصل 1971
- الوسطية والطبقة الوسطى وسبل تحقيق التعايش الاجتماعي في العرا ...
- العراق ومحيطه الإقليمي في عالم متغير ..مفاهيم جديدة !!*
- حامد شريف الحمداني سياسيا وكاتبا ومؤرخا
- خيري شيت شكر كاتبا ومؤرخا وصحفيا
- حميد المطبعي... موسوعة العراق
- قصة النشأة الأولى لدائرة صحة نينوى
- الدكتور حسين علي الطحطوح مؤرخاً
- الحدباء تخاطب الغائبين
- ناظم العمري (1888- 1952 ) والندوة العمرية
- محمد مكية والمدرسة المعمارية العراقية المعاصرة
- حسن الكرمي ومعاجم اللغة
- الدكتور نمير طه ياسين الصائغ مؤرخا
- الدكتور ذنون يونس الطائي مؤرخا
- محمد أنيس (1921 – 1986 ) والتوجه الاقتصادي- الاجتماعي في درا ...
- جماعة كركوك (الأدبية): فصل من تاريخ العراق الثقافي المعاصر
- الدكتور يوسف حبي وإسهاماته في خدمة الفكر والتراث العراقيين
- الموصل في عيون الشعراء
- أنور عبد العزيز ..القاص المبدع، والكاتب الكبير يقيم كتاب تار ...


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم خليل العلاف - قصة اعتصام للأستاذ الدكتور عمر الطالب