نجيب الخنيزي
الحوار المتمدن-العدد: 3015 - 2010 / 5 / 26 - 08:00
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
جدل الثقافة بين الخصوصية والكونية / البعد الأيديولوجي ( 1 )
في سابقة هي الأولى منذ إنشاء جامعة الدول العربية انعقد في ديسمبر عام 2002 المؤتمر الثقافي العربي الأول تحت رعاية الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ، وشارك في أعمال المؤتمر الذي رفع شعار " حوار الحضارات تواصل لا صراع " العديد من ممثلي النخب الثقافية ، ومؤسسات المجتمع المدني ( غير الحكومية ) العربية ، ، وأتى ذلك الاجتماع غير العادي في سياق السعي لتحديد وصياغة رؤى وموقف ثقافي عربي مشترك إزاء ما يواجهه العرب والمسلمون عموما من تحديات مصيرية تهدد وجودهم ومستقبلهم في الصميم ، خصوصا في ضوء تداعيات أحداث 11سبتمبر المأساوية ، وما أحدثته من تبدلات وتطورات خطيرة ، شملت ميدان العلاقات الدولية بكل تجلياتها السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والثقافية ، وحيث يجري على نطاق واسع تفكيك وإعادة صياغة وبناء لعلاقات القوة والسيطرة . للتحالفات والصراعات على المستويين العالمي والإقليمي بأبعادهما الجيوسياسية والجيوعسكرية ناهيك عن تداخل المصالح الاقتصادية القديمة منها والجديدة . والتي تمثلت في مبدأ الرئيس السابق جورج بوش الابن وسياسات المحافظين الجدد الذين احكموا سيطرتهم على إدارته ، و التي تمثلت في إستراتيجية الحروب الاستباقية والحرب المفتوحة على الإرهاب التي وضعت موضع التنفيذ ، حيث تصدر العامل أو البعد الأيديولوجي ( باعتباره تزيفا للواقع ) ليحتل موقعه بامتياز في اطارسعي الولايات المتحدة لاعطاء مظلة ومشروعية دولية للحشد العسكري الدولي تحت قيادتها لإسقاط نظام طالبان في أفغانستان ، ثم قيامها منفردة وبدون تفويض دولي مع حليفتها التابعة (بريطانيا) بغزو واحتلال العراق واسقاط نظام صدام حسين ( نيسان 2003 ) . وقد تمثل البعد الإيديولوجي في التالي : إن التناقض الرئيسي في العالم بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفيتي، وتحقيق " الانتصار النهائي " لليبرالية الغربية انتقل وتموضع في إطار عالمي جديد للصراع ، يتمثل في تنافس وصدام الحضارات وفقا لصموئيل هنتجون وبرنارد لويس وغيرهما من أيديولوجيي الليبرالية الجديدة والمحافظين الجدد المهيمنين في عدد مهم من معاهد الابحاث و الدراسات الإستراتيجية ، والصحف الكبرى ، وعبر مراكز الضغط ( اللوبيات ) من المسيحيين/ الصهاينة الجدد ذات التأثير والنفوذ الواسع على صناع القرار في الإدارة الأمريكية ، ومجلسي الكونغرس ، والرأي العام الأمريكي , ومع إن هنتجون حدد 8 نماذج حضارية مرشحة للتنافس والصراع غير انه اعتبر إن شكل تجلي التناقض الرئيسي في هذه المرحلة التاريخية يتحدد بين الحضارة الغربية وما تمثله من خيارات ومنجزات وقيم من جهة ، وبين الحضارة الإسلامية التي تمثل النقيض على طول الخط لها من جهة أخرى. هذا الطرح الأيديولوجي الفاقع يدحض أطروحات غربية أخرى ( فوكوياما ) ترى بأن نهاية التاريخ قد اكتملت بالانتصار النهائي للرأسمالية ، وقوى السوق على المستوى العالمي رغم الإقرار بوجود أنماط هامشية ما قبل الرأسمالية في بعض البقاع الثانوية والمعزولة ، وهذا الانتصار أنهى وجود الايديولوجيا بوجه عام لصالح الليبرالية والبراجماتية ( النفعية ( الاقتصادية . وفي الواقع فأن البعد الإيديولوجي والاستقطاب العقائدي المشبع بالعدوانية وغطرسة القوة والهيمنة ( الامبريالية ) لم ينتف أو يضعف على الإطلاق في الخطاب الأمريكي ، بل تصاعد مع العولمة أو "الامركة" وفقا لنقادها ، ومناهضي تسلطها وسيطرتها المطلقة على مقدرات الشعوب والمجتمعات قاطبة . هذا الخطاب الإيديولوجي اتخذ أبعادا خطيرة بعد أحداث 11 سبتمبر الإرهابية لاقترانه بتنفيذ سياسة هجومية ذات أبعاد عسكرية ، أمنية ، سياسية ،وثقافية اختزلت هذه الايدولوجيا إلى مقولات صارخة ومباشرة مثل " زلة اللسان " التي تفوه بها الرئيس بوش حول " الحرب الصليبية " أو تساؤله " لماذا يكرهوننا " ؟ ويجيب " لأنهم يكرهون حريتنا وثراءنا وقيمنا " وضمن هذا السياق تقسيم الرئيس الأمريكي العالم إلى ابيض واسود ، وأن الصراع الاساسي هو بين معسكر الخير الذي تقوده الولايات المتحدة ، ومحور الشر الذي يضيق ويتسع وفقا للمصالح الأمريكية الثابتة ، والتي اختزلها جورج بوش في مقولة " من ليس معنا في الحرب على الإرهاب فهو ضدنا " . ومع إن الإدارة الأمريكية والحكومات الغربية حاولت التفريق نظريا بين الإرهاب من جهة والإسلام والمسلمين من جهة أخرى ، ودعت إلى احترام وحماية العرب والمسلمين المهاجرين في بلدانها ، غير إن مجمل التشريعات والقوانين الجديدة المقيدة للحريات المدنية تحت عنوان مكافحة الإرهاب ، والهجرة غير الشرعية كانت موجهة في المقام الأول ضد العرب والمسلمين ، ومنظماتهم وتجمعاتهم داخل الولايات المتحدة والدول الغربية وخارجها ، كما أخذت الأصوات والشعارات العنصرية التي تطالب بالانتقام ، والثأر من العرب والمسلمين تتزايد و تتصاعد من قبل القوى والتيارات اليمينية ، الفاشية ، والدينية المتطرفة التي دأبت على بث روح الكراهية والعداء للأجانب بدوافع سياسية ، اقتصادية ،اجتماعية ، أيدلوجية ، ثقافية ، وعنصرية ، ولا ننسى هنا الدور الذي مارسته تجمعات ومراكز التوجيه والتأثير الإعلامي والاقتصادي والسياسي اليمينية أو الواقعة تحت تأثير اللوبيات اليهودية والصهيونية في استغلال أحداث سبتمبر الإرهابية ، والنتائج السلبية و الخطيرة لتنامي وتصاعد وامتداد الإرهاب " الإسلامي " وجرائمه ليشمل المجتمعات العربية والإسلامية وعلى الصعيد العالمي على حد سواء لرسم صورة نمطية سوداء وكريهه عن العرب والمسلمين اللذين يتحكمون في سلعة إستراتيجية أساسية ( النفط ) ، و المتعطشين للدماء ، والمعادين بفطرتهم، ونمط مجتمعاتهم ، و تفكيرهم وأيدلوجيتهم للحضارة الغربية وقيمها الحضارية والثقافية ، و بالتالي تحميلهم وزر ما يعتمل ويمور في مجتمعات الغرب من تناقضات وأزمات ، مثل تفاقم البطالة ،الفقر ، تدني مستوى الأجور ، انتشار المخدرات والجريمة المنظمة ، وتصاعد وتيرة العنف والتطرف والإرهاب. وفي المقابل فإن قوى التطرف والتكفير من الجماعات الاسلامية المتشددة ، وممارساتها الإرهابية ، المتمترسة خلف شعارات إسلامية على غرار " الحاكمية لله " و " الإسلام هو الحل " وطرح مقولات " الولاء والبراء " و " دار الحرب ودار الإسلام " و " حربي الدفع و الطلب " و " ومنازلة الفسطاطيين بين الكفر والإسلام " بعد اقتطاعها من سياقاتها الشرعية والتاريخية ، أو تأويلها بصورة تعسفية خدمة لأغراضها واستهدافاتها (السياسية والأيدلوجية) المحلية والكونية . تلك الأطروحات والمواقف التي اخذت تحتل صدارة المشهد العالمي وما نجم عنها من ممارسات بشعة و تدمير و عنف دموي شرس و منفلت ، ضمن بيئة عربية تتسم بالركود والتخلف الاجتماعي ، والريع الاستهلاكي الاقتصادي ، والانحباس والاستبداد السياسي، والتكور والانغلاق الثقافي ، والضعف والتبعية للخارج ، ما اسهم في تظهير هذه الصورة القبيحة عن العرب والمسلمين ، والتي تشكل الوجه الآخر للعملة (الإيديولوجية) ذاتها . وهو ما أتاح لأيديولوجي عنصري مثل رئيس الوزراء الايطالي بيرلسكوني القول إن الحضارة الإسلامية منحطة ، وإنها أدنى من الحضارة الغربية المتفوقة على مستوى الأخلاق والقيم (وعلى غرار جورج بوش الابن تنصل بيرلسكوني من تصريحاته أمام حدة الانتقادات الداخلية والخارجية) . السؤال الذي يطرح نفسه هنا : ماذا بوسع العرب والمسلمين أن يفعلوا لامتصاص الهجمة (المتعددة الأبعاد) الشرسة التي يتعرضون لها ، ومجابهة الاستحقاقات المصيرية الداخلية ، و التحديات الخارجية التي تواجههم ؟
وكيف يستطيع الخطاب والسؤال الثقافي العربي احتواء وامتصاص البعد الاديولوجي الحاد والأستئصالي للصراع المتبادل بين الأنا والأخر ، عبر تجسيد فكرة " حوار الحضارات تواصل لا صراع " الذي طرحه مؤتمر المثقفين العرب ، وبالتالي تأصيل جدل العلاقة ما بين الخصوصية والكونية؟.
#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟