أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - البطريرك إبراهيم وأساطير الشرق 1-2















المزيد.....


البطريرك إبراهيم وأساطير الشرق 1-2


كامل النجار

الحوار المتمدن-العدد: 3012 - 2010 / 5 / 22 - 19:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أكتب هذه المقالة بتشجيع من الصديق فؤاد النمري الذي طلب مني توضيح إذا ما كنت اعتقد أن قصة إبراهيم قصة حقيقية أم أسطورة.
في الأزمنة السحيقة من تاريخ البشر، وقبل أن يخترع الإنسان الكتابة، لجأت المجتمعات البدائية إلى القصة لحفظ تاريخها ومعتقداتها. هذه القصص كانت تُنقل شفهياً من جيل إلى الآخر بواسطة الجدات أو الأجداد عندما يقصون على أحفادهم قصصاً تساعدهم على النوم. ولما كان الشعر أسهل للحفظ من الكلام غير المسجوع، كانت أغلب قصص المجتمعات في شكل شعر أو كلام مسجوع. بعض هذه القصص كانت عن تصورات تلك المجتمعات لقصة الخلق. من خلق الإنسان والأرض والبحار والنجوم، والشمس والقمر، وبعضها عن الأبطال الذين أنقذوا تلك المجموعة من الناس من أعدائها أو من الحيوانات الكاسرة. وكل مجتمع بشري أتى بقصص تشرح قصة الخلق حسب مفهومهم في ذلك الزمان. وأغلب قصص الخلق تدور حول إله أو مجموعة من الآلهة شقوا حيواناً أو أحد الآلهة أو بطلاً خرافياً إلى شقين، وخلقوا من أحد الشقين الأرض ومن الشق الآخر السماء، بمعنى أن السماء والأرض كانتا جسماً واحداً (رتقاً) كما يقول القرآن.
وبمرور الزمن واستقرار الإنسان في مجتمعات زراعية حول مصادر المياه، كان اهتمامهم ينصب حول خصوبة الأرض وكثرة المحاصيل الزراعية، وربطوا هذه الخصوبة بالأنثى، واهبة الحياة، وجعلوا أغلب آلهتهم نساءً. وقد أثبتت الحفريات أن الهياكل العظمية التي عُثر عليها من تلك الحقبة لا تحمل أي آثار عنف أو كسور بالعظام، مما يدل على أن فترة تأليه الأنثى كانت فترة هدوء وسلام في تاريخ البشرية، وقد برزت من الآلهة الأنثى الإلهة عشتار في سومر وتيمات في بابل، وفينوس في اليونان. ثم بدأت الخلافات تنشب بين المجموعات البشرية عندما كثرت المنافسة على الأراضي والمياه، وبدأت الحروب بينهم مما أدى إلى ظهور أبطال محليين في تلك المجتمعات، استطاعوا أن يتغلبوا على الأعداء. وعندما مات هؤلاء الأبطال أرادت المجتمعات أن تحفظ قصصهم للأجيال القادمة، فخلقوا قصصاً خرافية عن بطولاتهم وانتصاراتهم للقبيلة أو المدينة. وكل جيل زاد في تلك القصص إلى أن أصبح البطل شخصية أسطورية تمتلك مقومات خارقة للطبيعة. وبعض هؤلاء الأبطال رُفع إلى درجة الألوهية، كما حدث مع جلجامش، ملك دهوك في الإلفية الثالثة قبل الميلاد، وسرجون الأكادي (David Leeming, Jealous Gods Chosen People, p 55). وحل الإله الرجل مكان الإلهة الأنثى وطغى الرجل على المرأة واضطهدها حتى يُرسي قواعد ألوهيته. وبعد أن أصبح الآلهة رجالاً أبطالاً كان لابد لمن تتصل معه الآلهة على الأرض أن يكون رجلاً. ولهذا السبب كان جميع الأنبياء رجالاً.
ربما تكون الميثولوجيا قد بدأت في أوقات متقاربة في سومر في جنوب العراق، وفي مصر، وفي الهند في الألفية الثالثة قبل الميلاد حسب ما توصل إليه علماء الحفريات. وقد نزحت بعض المجموعات البشرية من الهند، التي كانت تمتد حتى أفغانستان الحالية، وزحفوا جنوباً وغرباً وأصبحت هذه المجتمعات أصل ما يُعرف الآن بالجنس السامي. وقد حمل هؤلاء النازحون معهم قصصهم الميثولوجية إلى الأماكن الجديدة التي استقروا بها كما حملوا آلهتهم. وأثرت تلك القصص في ميثولوجيا الأماكن التي استقروا بها، كما تأثرت قصصهم بقصص الشعوب الأصلية في تلك المناطق التي نزح إليها الهنود، ولذلك نجد نفس الآلهة القديمة في سومر وفي المدن الآكادية وفي الحضارة الآشورية والبابلية، مع تغيير أسماء الآلهة لتتناسب والمجتمع الجديد، ولكن احتفظوا بقصص تلك الآلهة وبكيفية خلقها للعالم.
بدأت قصة الوحدانية الإلهية في مصر بظهور الفرعون الكاهن أخناتون الذي دعا إلى عبادة إله واحد هو إله الشمس، وممثله في الأرض هو كاهنه أخناتون وزوجته نفرتيتي. ولكن هذه الديانة الجديدة لم تدم طويلاً وانتهت بموت أخناتون وتولي توت عنخ آمون الطفل سدة الحكم. ورجعت مصر إلى التعددية تحت تأثير الكاهن الذي كان يصرّف أمور الدولة باسم الفرعون الطفل. وبما أن منطقة فلسطين (كنعان) كانت تحت سيطرة الفراعنة في ذلك الوقت، هرب أو نزح كهنة أخناتون إلى أرض كنعان وحملوا معهم فكرة التوحيد التي استغلها الشعب العبري فيما بعد ليخلق منها قصة البتريارك أبراهام الذي أصبح أباً للأديان الإبراهمية الثلاثة – اليهودية، المسيحية، الإسلام.
تُرجع بعض الدراسات في علم الأجناس أصل الشعب العبري إلى الهند، على أساس أن الشعوب السامية كلها تتكون من القبائل التي نزحت من الهند القديمة، وكان المؤرخ والأنثروبولوجست البريطاني جودفري هيجنز Godfrey Higgins (1772-1833) من أوائل المؤرخين الذين قالوا بهذا (http://www.viewzone.com/matlock.html).
فالقبائل العبرية التي نزحت من الهند في الألفية الثالثة قبل الميلاد أو قبلها، وسكنت لفترة في سومر وبابل، ثم استقرت في منطقة الهلال الخصيب، قد تأثرت بالميثولوجيا الهندية أولاً ثم بالميثولوجيا السومرية والبابلية والآشورية، ثم فكرة التوحيد من مصر، وخلقت من الخليط ميثولوجيا البتريارك أبراهام. فما هي قصة أبراهام وهل كان شخصية حقيقية أم فولكلور شعبي عبري؟
لأن الكتابة في الألفية الثالثة قبل الميلاد كانت في طفولتها عندما اقترع السومريون الكتابة المعروفة الآن ب the cuneiform writing والتي ترمز إلى الكلمات بأشكال كالهرم، لم يسجل لنا التاريخ أي شيء عن أبراهام . وكل ما نعرفه عنه هو القصة المعروفة في التوراة (العهد القديم). وقصة العهد القديم لم تبدأ كتابتها إلا في حوالي العام 950 قبل الميلاد عندما سجل اليهود في المملكة الجنوبية من إسرائيل التوراة التي تُعرف الآن بال Jehovist، نسبة للإله يهوه Jehova، ثم تبعهم اليهود في المملكة الشمالية في القرن الثامن قبل الميلاد بكتابة نسخة من التوراة تُعرف الآن بال Elohist نسبةً للإله إلوهيم Eloi, Eloa. وفي القرن الخامس قبل الميلاد قامت مجموعة من الكهنة بجمع الجزءين في كتاب واحد، مع المحافظة بقدر الإمكان على الروايتين المختلفتين. ويُعرف هذا الكتاب باسم Priestly وهو النسخة الحالية من العهد القديم.
يحمل كتاب العهد القديم في طياته عدة تناقضات عن شخصية أبراهام لأن للكتاب عدة مؤلفين، وبالضرورة يحدث الاختلاف بينهم لأن كل مؤلف أو مجموعة من المؤلفين يسردون القصص كما سمعوها نسبةً لعدم وجود أصل مكتوب ينقلون عنه. وما دامت القصص قد تناقلها الناس شفهياً على مدى مئات السنين، فمن المستحيل أن تحتفظ بإصولها كما حدثت، أو كما رويت أول مرة.
حسب قصة العهد القديم، فإن أبرام كان يعيش مع والده تارح terah وإخوانه الاثنين في مدينة أور Ur في جنوب العراق. قرر الوالد الذي كانت مهنته صناعة التماثيل من الطين، النزوح شمالاً مع ابنيه الباقيين لأن الثالث كان قد مات بعد أن أنجب لوطاً، وكان أبرام قد تزوج من سراي sarai. فنزحت العائلة شمالاً حتى وصلوا مدينة حاران Haran في جنوب تركيا، واستقروا هناك لفترة طويلة، وتوفي الأب هناك. في هذا الأثناء سمع أبرام من إله في السماء أخبره أن ينزح من جديد إلى أرض سوف يخبره بها عندما يصلها. وهذا الإله اسمه يهوه، وهو يختلف عن الآلهة الأكاديين في تلك الفترة الذين كانوا متعددين وكانت أسماؤهم: إيا Ea، آنو Anu، بيل Bel، شماش Shamash، شن Sin (إله القمر)، وعشتار Ishtar إلهة الحب والجنس المقدس. ويبدو أن أبرام قد رفض كل هؤلاء الآلهة واختار إلهاً جديداً يحمل إسماً عبرياً.
نزح أبرام وسراي ولوط غرباً حتى وصلوا مدينة دمشق. تقول بعض الروايات إنهم استقروا فترة في دمشق، وتذهب بعض الروايات إلى أن أبرام أصبح الملك الرابع على دمشق، كما يقول المؤرخ اليهودي جوزيفس. ثم واصلوا تلك الرحلة الطويلة جنوباً حتى وصلوا أرض كنعان التي أقام بها أبرام معابداً لإله السماء. وهنا قطع الإله عهداً مع أبرام ووهبه كل الأرض من النيل إلى الفرات لتكون له ولسلالته إلى ما لا نهاية. ثم أصابت أرض كنعان مجاعةٌ، فقرر ابرام وسراي ولوط النزوح جنوباً إلى مصر والسفر عبر صحراء سيناء. ولم يخبرنا العهد القديم لماذا لم ينزح أبرام شمالاً ويرجع إلى دمشق التي لم تكن بها مجاعة ولا تفصلها عنه صحراء جرداء كصحراء سيناء.
عندما وصلوا إلى مصر خاف أبرام أن يقتله المصريون ويستولوا على زوجته الجميلة والتي تصغره بعشر سنوات، فاتفق معها أن تقول إنها اخته بدل زوجته، ووافقت سراي. وفعلاً أُعجب الفرعون بجمالها الخارق واتخذها زوجةً وأغدق على أخيها الهدايا من جمال ومواشي وخدم وحشم ومال. ولكن الفرعون اكتشف أن سراي زوجة أبرام، فوبخ أبرام على ما فعل وطرده من مصر مع زوجته وابن أخيه وكل الهدايا التي كان قد أغدقها عليهم.
وفي طريق عودتهم إلى أرض كنعان، مروا بأرض عليها أحد الملوك العرب، فلجأ أبرام إلى نفس الكذبة التي جلبت له الهدايا، وقال إن سراي هي أخته. وأُعجب الملك بسراي واتخذها زوجةً وأغدق الهدايا على أبرام. ثم عرف الملك أنها زوجة إبرام وردها له مع الهدايا الكثيرة من مواشي وغيره، وأرسلهم في طريقهم. ولما كانت الجمال والمواشي التي أصبحت بحوزتهم لا تسمح أعدادها بالرعي في مكان واحد، اتفق أبرام ولوط على أن يفترقا. سافر لوط شرقاً إلى الأردن، وسافر أبرام شمالاً إلى فلسطين.
بعد فترة من الزمن استعرت الحرب بين مجموعة من خمسة ملوك تحالفوا ضد أربعة ملوك من مملكتي سدوم وقمورية حيث كان لوط من المواطنين. وانتصر تحالف الملوك الخمسة وهزموا ملوك سدوم وأخذوا لوطاً ومواشيه ضمن السبايا والغنائم. ولما سمع أبرام بذلك أخذ ثلاثمائة وثمانية عشر رجلاً من أهل بيته مدربين على القتال ولحق بجيوش الملوك المنتصرين، فهزمهم وأنقذ ابن أخيه لوطاً وأمواله وبقية السبايا.
أصبح أبرام مشهوراً وغنياً بعد هذا العمل العظيم، ولكنه كان مهموماً أنه لا ولد له يرث أمواله الطائلة. هنا تدخلت سراي وطلبت منه أن ينام مع خادمتها المصرية هاجر علها تنجب له ولداً. وفعلاً نام معها وحبلت هاجر وأنجبت له إسماعيل. وبعد عددٍ من السنين ظهر له الإله الذي في السماء وأخبره أنه سوف يمنحه ابناً باراً يصبح الملوك من ذريته التي سوف يفوق عددها عدد النجوم، وأنه قد جدد العهد معه على شرط أن يغير اسمه إلى أبراهام، واسم سراي إلى سارة، وأن يختن نفسه وكل أهل بيته من الذكور ومن يولد بعدهم في ملته، وسوف يمنحهم الإله الأرض من نهر مصر إلى الفرات. ثم بعد البشرى الإلهية حبلت سارة وأنجبت له إسحق الذي ورث أموال أبيه. أصبح إسحق فيما بعد أباً لكل القبائل اليهودية، بينما أصبح إسماعيل أباً للقبائل العربية
ولكن عندما كان إسحق صغيراً قرر الإله الذي في السماء اختبار قوة إيمان أبراهام، الذي لم يخطر ببال الإله اختباره طوال كل السنين التي سافر فيها من حاران حتى وصل أرض كنعان ومصر وأنجب إسماعيل. والاختبار كان صعباً جداً إذ كان الإله قد طلب من أبراهام أن يذبح الطفل الذي منحه إياه على الكبر، ووافق أبراهام وأخذ إسحق إلى أعلى الجبل ووضع السكين على عنقه. في هذه اللحظة ظهر ملاك ومعه كبش الفداء الذي ذبحه أبراهام بدل إسحق. وأصبحت قصة الفداء بالكبش من ركائز الدين الجديد. وأخذت المسيحية نفس القصة من العهد القديم، ثم تبعهم الإسلام وبالغ محمد في قصة أبراهام الذي أصبح إبراهيم في الإسلام، وزعموا أنه ذهب بإسماعيل إلى مكة وبنى الكعبة التي كانت أول بيت لله بناه على الأرض.
فهل كان أبراهام فعلاً شخصاً حقيقياً أم قصة ميثولوجية استقاها الشعب العبري من ميثولوجيا الهند وسومر وآكاد ومصر؟ منذ القرن الثامن عشر بدأ الفلاسفة الأوربيون من أمثال سبنوزا وفولتير التشكيك في قصة إله التوراة وفي وجود أبراهام وحتى موسى كذلك، بل شكك بعض المؤرخين في قصة يسوع المسيح من طريقة ولادته إلى صلبه. في عام 1907 قدم البروفسور روبرت دِك ويلسون Robert Dick Wilson عالم اللغات وأستاذ الدراسات العبرية بجامعة برنستون في بنسلفانيا محاضرة عن أبراهام، قال فيها (إن إجماع رجالات العلم يقول إنه من المشكوك فيه أن يكون هناك رجل اسمه أبراهام قد عاش فعلاً في فترة ما من التاريخ) (نيويورك تايمز 24 مارس 1907). وقد كان بروفسور ويلسون هذا من جماعة الكنيسة البرسبتيريان Presbyterian Church وقد كان يؤمن أن أبراهام كان شخصية حقيقية، ولكي يُثبت ذلك تعلم 45 لغة وكان يقرأ الإنجيل بتسعة لغات http://en.wikipedia.org/wiki/Robert_Dick_Wilson
ومع ذلك لم يستطع أن يقنع كل الحاضرين بما قاله لأن قصة أبراهام في العهد القديم تحتوي على كمية من التناقضات تجعلها في حيز الميثولوجيا. فمثلاً يخبرنا العهد القديم أن تيرا رُزق بأبرام عندما كان عمره سبعين عاماً (التكوين، 11-26). وتقول نفس القصة إن تيرا مات في حاران وكان عمره مائتين وخمس سنوات، مما يعني أن أبرام الذي لم يغادر حاران إلا بعد أن مات أبوه، كان عمره مائة وخمس وثلاثين سنةً عندما ترك حاران. ولكن العهد القديم يقول إن أبرام كان عمره خمساً وسبعين سنة عندما ترك حاران (تكوين 12، 4). والفرق شاسع بين 75 و 135. ثم أن الأعمار التي ذكرها العهد القديم تخالف ما نعرفه الآن عن أعمار الناس في تلك الفترة التي كانت الأمراض تفتك فيها بالناس وهم ما زالوا في مقتبل العمر. فمتوسط عمر الفرد في ذلك العهد كان نادراً ما يتجاوز الأربعين سنة. ومع تحسن الغذاء والعلاج وقلة الحروب والاقتتال، زاد متوسط عمر الفرد تدريجياً حتى وصل الثمانين في الدول النامية في عصرنا هذا. ولكن العهد القديم يخبرنا أن تارح مات وعمره 205 من السنين، وسارة ماتت وعمرها 127 سنة وأبناء إسحق ماتو بعد أن زاد عمر كلٍ منهم عن المائتين عامٍ. كل هذا يجعلنا نعتقد أن قصة أبراهام قصة لا تمت للواقع بصلة، ولذلك تدخل حيز الميثولوجيا، مثلها مثل قصة نوح الذي عاش 950 سنة، وآدم الذي زاد عمره عن الألف عام.
يقول العهد القديم إن أبرام كان عمره ستاً وثمانين سنةً عندما أنجبت له هاجر ابنه إسماعيل، ولكنا نعرف أن أبرام كان لا يزال في حاران عندما كان عمره ستاً وثمانين سنة، وسارة لم تمتلك هاجر إلا بعد أن رجعوا من مصر. ويقول العهد القديم عندما كان أبراهام قد بلغ مائة عامٍ من العمر، بشره إلهه بإسحق، وكانت سارة قد بلغت تسعين عاماً من العمر (تكوين 17، 1-17)، ومع ذلك أنجبت ولداً.
يوم أن جدد إله أبراهام العهد معه وأمره أن يختتن ويختن جميع أهل بيته من الذكور، كان عمر إسماعيل ثلاثة عشر عاماً يوم ختنه أبوه بعد ولادة إسحق بأسبوع (التكوين 17، 25). وقتها أمرت سارة أبراهام أن يطرد هاجر وابنها من البلدة، فوضع أبراهام إسماعيل على كتفي هاجر وأعطاها قرية مليئة بالماء وطردها (تكوين 21، 14). ولكن إسماعيل كان عمره يومئذ ثلاث عشرة سنةً وليس من المعقول أن تحمله هاجر.
توفيت سارة وعمرها مائة وسبعة وعشرون عاماً ودفنها أبراهام في مغارة المكفيلة بعد أن اشتراها من بني حث The Hittites(تكوين 23، 1-7). ولكن كل التنقيب حتى الآن لم يجد أثراً لسارة أو أبراهام في تلك المغارة، رغم حرص الإسرائيليين على ذلك.
بما أن أبرام ترك حاران بعد موت أبيه الذي كان عمره 205 سنوات عندما مات، وكان عمر أبرام حوالي 135 سنة، وربما استغرقت رحلته إلى كنعان خمس سنوات أو يزيد، يكون عمر أبرام عندما قرر الذهاب ‘لى مصر حوالي مائة وأربعين عاماً، وبما أن سارة تصغره يعشر سنوات، فعمرها يومئذ يكون مائة وثلاثين عاماً، فهل يمكن أن تكون بذلك الجمال الذي يجعل فرعون مصر يتخذها زوجةً ويغدق على أبرام الهدايا؟ والعهد القديم يخبرنا أن سارة حملت بإسحق وعمرها تسعون عاماً وهذا يُعتبر مستحيلاً من الناحية العلمية حتى في عصرنا هذا، ناهيك عن ذلك الزمن السحيق.
ثم إذا نظرنا إلى قصة أبراهام عندما أخذ من رجال بيته 318 رجلاً مدربين على القتال ولحق بجيوش مكونة من تحالف خمسة ملوك من بلاد كنعان، فهل يُعقل أن يهزم 318 رجلاً يقودهم أبراهام الذي كان عمره حوالي 140 سنة، هذا الجيش العظيم الذي هزم جيوش أربعة ملوك؟ أم أنها فكرة تمجيد البطل الأسطوري وجعله إلها حسب الميثولوجيا البابلية؟
جزء كبير من علماء الأجناس والمؤرخين للأديان أن أبراهام ما هو إلا نسخة عبرية من ميثولوجيا الهند عن الإله براهما Brahma خالق الكون. وقد كانت زوجته تدعى Saraswathi. ولا شك أن تشابه الأسماء يقوي من احتمال أن يكون أبراهام هو نفسه براهما الشخصية الميثولوجية
http://tribes.tribe.net/solarmythologynastrotheology/thread/e76ae63b-6608-4aa5-a33a-537573fba714
ثم إذا أخذنا قصة الفداء، وأمر إله أبراهام له أن يذبح ابنه الوحيد إسحق، كما يقول العهد القديم، فإن هذه القصة ليست فريدة في نوعها، فقد سبقتها قصص الميثولوجيا الهندية وميثولوجيا مابين النهرين، وحتى الميثولوجيا الإغريقية بقصص التضحية من أجل الآلهة. وقد كانت بعض الحضارات القديمة تبالغ في هذه التضحية وتهب للإله الأطفال قرابيناً يذبحونهم في معابدهم أو يُلقون بهم في الأنهار كي تمنحهم الآلهة المياه اللازمة وقت الفيضان لتسقي لهم الأراضي الزراعية، كما كان يحدث في مصر. يقول لويد جرام Lloyd M Graham في كتابه
Deception & Myth in the Bible الذي صدر عام 1975: (قصة الفداء من القصص القديمة جداً وبدأت في الهند عندما أمرت الآلهة النبي شيفا Siva أن يحرق ابنه في كومة من الحطب funeral pyre وفي اللحظة الأخيرة قبل أن يشعل النار أتت الآلهة بحيوان وحيد القرن لفداء الطفل). وفي روما القديمة كانوا يقدمون الأطفال والبنات خاصةً، قرابين للآلهة، وقد أصدر الكونجرس الروماني قانوناً في العام سبعة وتسعين قبل الميلاد، منع بموجبه القرابين الآدمية.
ومن الأخطاء التاريخية في العهد القديم نجد أن أبراهام كان يمتلك كمية كبيرة من الأغنام والجمال (تكوين 12، 16)، ويقدر علماء الأديان أن قصة أبراهام نشأت في حوالي العام 1800 قبل الميلاد حسب جينولوجيا التوراة، ولكن الجمل لم يُهجن وينتشر في الجزيرة العربية وشمال إفريقيا إلا في حوالي عام ألف قبل الميلاد
http://www.livius.org/caa-can/camel/camel.html
ثم أن الحفريات في فلسطين وفي بلاد ما بين النهرين لم تثبت حتى الآن أن أبراهام قد ظهر في تلك البلاد. ثم أن المصريين في الفترة التي يفترض أن يكون أبراهام قد زار فيها مصر – 1800-1600 قبل الميلاد- كانوا قد اعتادوا على كتابة التاريخ على أوراق البردى وعلى الحجارة المصقولة، ولم يظهر في التاريخ المصري أي أثر لأبراهام هذا ولا لزواج الفرعون بامرأة جميلة ثم اكتشف أنها زوجة رجل آخر. يقول بروفسور سايز Sayce في كتابه Early History of the Hebrews المجلد الثامن، ما يلي:
Cuneiform tablets have been found relating to Chodorlahomor and the other kings of the East mentioned in the 14th chapter of Genesis, while in the Tel-el-Amarna correspondence the king of Jerusalem declares that he had been raised to the throne by the arm of his God, and was therefore, like Melchisedech, a Driest-king. But Chodorlahomor and Melchisedech had long ago been banished to mythland and criticism could not admit that archaeological discovery had restored them to actual history.
والترجمة المختصرة لهذه الفقرة هي أن بعض الكتابات الكيونيفورم التي عُثر عليها تذكر كدرلعومر وبعض ملوك الشرق الذين ذكرهم العهد القديم، كما وجد في تل العمارنة مراسلات من ملك القدس تقول إن ذراع ربه رفعته إلى العرش. وكان مثله مثل الملك "ملكي صادق"، ولكنا نعرف الآن أن كدرلعومر وملكي صادق قد تمت إضافتهم إلى عالم الميثولوجيا منذ أمد بعيد ولم تفلح الحفريات في إعادتهم إلى عالم الواقع. وهذا يعني أن كثيراً من الأسماء والشخصيات التي ذكرها العهد القديم هي شخصيات ميثولوجية لا غير.
ثم أن الهدف الأساسي من أي دين هو تعليم الأتباع الأخلاق الحميدة، فهل قصة أبراهام فيها شيء من الأخلاق الحميدة؟ فهو مثلاً قدم زوجته مرتين، مرة لفرعون مصر ومرة لملك العرب، إما خوفاً من القتل كما تقول التوراة وإما طمعاً في الهدايا، وتقديم الزوجة إلى رجل آخر ليعاشرها معاشرة الأزواج، مهما كان السبب، لا شك نوعٌ من تسيب الأخلاق. ثم أن أبراهام الذي أنجبت له هاجر إسماعيل، وأنجبت له سارة إسحق، ثم تزوج أبراهام قتورة التي ولدت له ستة صبيان، وكان لديه عدد من الجواري ربما ولدن كذلك، قد ترك هذا النبي المرسل من عند إله السماء، كل ما يملك لابنه إسحق، كأنما الآخرين لم يكونوا أطفاله (وأعطى إبراهيم إسحق كل ما كان له. وأما بنو السراري اللواتي كانت لإبراهيم فأعطاهم إبراهيم عطايا وصرفهم عن إسحق إبنه شرقاً إلى أرض المشرق وهو بعد حيٌ) (تكوين 25، 5-6). وواضح من صياغة القصة إن كاتبها من بني إسرائيل لأنه فضّل إسحق على جميع الأبناء الآخرين، بل طرد الآخرين من الأرض الموعودة. فلو كان هذا النبي فعلاً شخصاً من لحم ودم أرسله إله السماء لهداية الناس، لا يُعقل أن يقبل منه الإله هذا التصرف غير اللائق بحاكم، ناهيك عن نبي مرسل. فكل الدلائل هنا تشير إلى أن قصة إبراهيم لا تختلف كثيراً عن الميثولوجيا في بلاد الرافدين التي زعموا أن إبراهيم جاء منها. ونسبةً لعدم وجود أي دليل تاريخي من الحفريات أو أي دليل عقلي على صحتها، يجب أن تُعتبر قصة إبراهيم أسطورة من أساطير الأولين.
وسوف نتحدث في الحلقة القادمة عن أسطوة النبي إبراهيم في الإسلام



#كامل_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طول اليوم الإلهي
- القرآن وبنو إسرائيل 4-4
- القرآن وبنو إسرائيل 3-4
- القرآن وبنو إسرائيل 2-4
- يهود الأندلس
- في استراحة القراء 1
- القرآن وبنو إسرائيل 1-4
- في معية القراء
- القرآن ونساء النبي
- في رحاب القراء 4
- تأملات في القرآن المكي 4-4
- في رحاب القراء 3
- تأملات في القرآن المكي 3-4
- في رحاب القراء 2
- تأملات في القرآن المكي 2-4
- في رحاب القراء 1
- تأملات في القرآن المكي 1-4
- تعقيباً على تعليقات القراء على تاريخ القرآن
- تاريخ وماهية القرآن 3 – 3
- تاريخ وماهية القرآن 2 – 3


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - البطريرك إبراهيم وأساطير الشرق 1-2