أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - القرآن وبنو إسرائيل 3-4















المزيد.....

القرآن وبنو إسرائيل 3-4


كامل النجار

الحوار المتمدن-العدد: 3003 - 2010 / 5 / 13 - 10:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قد رأينا في الحلقتين الأولى والثانية تذبذب القرآن المكي بين مدح بني إسرائيل وذمهم، ومحمد ما زال في مكة. وعندما هاجر إلى المدينة واختلط مع يهودها ورأى مزارعهم ودكاكين صياغتهم، طمع في تعاونهم معه ومده بالمال اللازم لتكوين جيشه الذي كان يعده لقطع الطريق على قوافل مكة ولإخضاع القبائل المجاورة. وكان قد رمي لليهود كعكةً في آخر سورة نزلت بمكة عمدما قال لهم لا حجة بيننا وبينكم وإلهنا وإلهكم واحد، وكان شبه متأكد أنهم سوف يقابلونه بالأحضان. وعندما شعر أن اليهود لن يتعاونوا معه، لم يقطع الأمل وظل يطري عليهم وفي نفس الوقت يخطط لإبادتهم. وقد كانت خطته أن يألب الأوس والخزرج عليهم بالإيحاء لهم أن اليهود لا يستحقون أن يثق بهم العرب لأنهم قومٌ جاحدون للمعروف ويتنكرون للعهود، وجبناء لا يحبون القتال. ولكي تنجح خطته فلا بد له أن يضرب إسفيناً بين الأوس والخزرج من جهة، واليهود من الجهة الأخرى، لأنهم كانوا متحالفين، بنو قريظة مع الأوس، وبنو قينقاع مع الخزرج. وكان نساء الأوس والخزرج إذا مات للمرأة أكثر من طفل صغير، ترسل مولودها الجديد لليهود ليتربى عندهم لأنهم أهل كتاب وقد يحمي إلههم طفلها من الموت. وقد شب أغلب هؤلاء الأطفال على اليهودية، وعندما أجلى محمد بني قينقاع عن المدينة، أراد الأنصار أسلمة أبنائهم الذين تربوا في بني قينقاع، فرفضوا، ويقال إن هذا هو سبب نزول الآية (لا إكراه في الدين) (تفسير القرطبي للآية). وبعد أن يضرب محمد إسفينه ويمهد الأرضية بهذا الإيحاء، يطلب من الأوس والخزرج أن يحاربوا اليهود..
فأول آية ذكر فيها اليهود بعد الهجرة كانت في سورة البقرة، التي كانت أول سورة "نزلت" عليه في المدينة. هذه السورة فتحت الباب إلى القتال والهجوم على الرافضين للإسلام، ولكنه في نفس الوقت لم يشأ أن يغلق الباب أمام كسب ود اليهود، فجاء في سورة البقرة:
(يابني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم وإياي فارهبون) (البقرة 40). عندما جاءت هذه الآية كانت اليهودية قد ظهرت قبل حوالي ألف وثمانمائة عامٍ، فما هو العهد الذي قطعه اليهود مع الله في عصر موسى ولم يوفوا به طوال هذه السنين حتى يطلب منهم في القرآن أن يوفوا بعهده؟ وإذا كانوا لم يوفوا به منذ أيام موسى، هل من المحتمل أن يوفوا به في القرن السابع الميلادي؟ من دراسة القرآن والعهد القديم، نعلم أن الله قد طلب من اليهود أن يعاهدوه على ألا يعبدوا إلا إياه ولا يشركوا به أحداً، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، ويظهروا الإحسان لوالديهم، وكعلامة على هذا العهد أظهر الله قوس قزح في السماء ليذكر بني إسرائيل بذلك العهد، كما تقول التوراة. فهل أخل اليهود بهذا العهد؟ اليهود في عهد محمد كانوا يصلون، وقد تعلم محمد الصلاة منهم، وكانوا يصومون وقد تعلم الصيام منهم، وكانوا مخلصين للإله الواحد لدرجة أنهم ضحوا بحياتهم تحت سيوف محمد ليحتفظوا بدينهم بدل التحول إلى الإسلام. فيبدو أنهم قد أوفوا بعهدهم، فلماذا لم يوفِ هو بعهده معهم بأن يجعلهم الأعلون وشعبه المختار ويضمن لهم الأرض التي أورثهم إياها؟ لماذا سمح للرومان بتحطيم هيكل سليمان في القدس وطرد اليهود خارج فلسطين؟ وقبل ذلك لماذا سمح لبختنصر البابلي بسبيهم وترحيلهم إلى بابل والله كان قد فضلهم على العالمين وأسكنهم الأرض التي بارك فيها ووعدهم بها؟ وهذا كان عهده معهم. فهو الذي أخل بالعهد معهم. وهل هذه العهود مع اليهود في ذلك الزمن السحيق تستدعي نزول آيات في القرآن الذي نزل بلسان عربي مبين وكان الغرض منه هداية عرب مكة وما حولها (وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها) (الشورى 7)؟ محمد أراد أن يذكر يهود يثرب أن الله قد فضلهم على العالمين وجعلهم شعبه المختار، وكرد فعل لهذا الجميل يجب على اليهود أن يؤيدوا محمداً.
وفي الآية 47 من نفس سورة البقرة، يقول لبني إسرائيل: ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين). القرآن يقول لمحمد (لا تمنن تستكثر) وهاهو إله القرآن يمنن على بني إسرائيل للمرة الثانية في نفس السورة، وللمرة الخامسة أو السادسة في القرآن، بأنه فضلهم على العالمين. فيبدو أن إله القرآن ينصح الناس بما لا يفعله هو.
ثم تستمر سورة البقرة في مخاطبة اليهود: (وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاءُ لكم من ربكم عظيم) (49). فما زال إله القرآن هنا يحاول التودد لبني إسرائيل ويذكرهم بالجميل الذي له عليهم لأنه نجاهم من فرعون الذي كان يذبح صبيانهم، مع أنه قال في آية سابقة إن فرعون كان يود أن يستفزهم من الأرض، وإله القرآن يقول إنه هو الذي نجاهم من فرعون. ورغم أنه كرر هذه الآية عدة مرات في السور المكية، فقد رأى أن يكررها مرة أخرى في أول سورة تنزل في المدينة. ربما كان محمد هو من اخترع سياسة جوبلز "أكذب، أكذب، ثم أكذب، حتى يصدقك الآخرون" بمئات السنين قبل ولادة جوبلز. وهو يقول في الآية إن قتل صبيان اليهود واستحياء بناتهم كان بلاءً عظيماً، أي اختباراً لبني إسرائيل، فلماذا إذاً اختبرهم مرة أخرى عندما عبروا البحر (فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري)؟ والفتنة هي الاختبار. فإذا كان بنو إسرائيل قد نجحوا في الاختبار الأول عندما قتل فرعون صبيانهم، فلم يكن هناك أي داعي لاختبارهم مرة أخرى. وإذا كانوا قد رسبوا في الاختبار بمصر، كان يجب على رب القرآن أن يتركهم في ذلهم في مصر.
وعندما لم يفلح تذكير اليهود بعهدهم مع الله وبالجميل الذي له عليهم، لجأ محمد إلى الخطة "ب" وهي أن يذكر الأوس والخزرج أن اليهود لا يحفظون الجميل ولا يوفون بعدهم، وكان قد كتب صحيفةً مع يهود المدينة يضمن سلامتهم إذا التزموا الحياد، ولكن في سريرته كان ينوي الاستيلاء على أموالهم ومزارعهم، فجاء بآية من القرآن في سورة البقرة تقول: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم) (البقرة 53-54). فمحمد هنا يريد أن يذكرهم بالعهد الذي قطعوه مع ربهم عندما أخرجهم من مصر، ثم طلبوا من السامري أن يصنع لهم عجلاً ليعبدوه، فخانوا عهدهم مع ربهم. فذكرهم محمد أن الله قال لهم أن يقتلوا أنفسهم لما خانوا العهد معه، ومحمد سوف يقتلهم لخيانة عهدهم معه (يقول مفسرو القرآن إن بني إسرائيل قتلوا من بعضهم سبعين ألفاً عندما أخبرهم موسى أن يقتلوا أنفسهم).
وحتى يكون محمد في موقف القوي عندما يتفاوض مع اليهود، حاول أن يشعرهم أنهم أذلة في بلاد العرب، فقال: (وضُربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق) (البقرة 61). مع انه قال في آيات سابقة إن من قوم موسى أمة يدعون إلى الخير (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) (الأعراف 159). وليس هناك في تاريخ اليهود ما يدل على أنهم قتلوا نبياً واحداً، ناهيك عن قتل الأنبياء. وهل هناك قتل للأنبياء بالحق؟ (ويقتلون النبين بغير الحق). وليس في تاريخ اليهودية ما يوحي بأنهم كذبوا بآيات الله، فلماذا ضرب عليهم الذل والمسكنة وباءوا بغضبه؟
كان اليأس من إيمان اليهود قد بدأ يتسرب إلى عقل محمد، فقال له إله القرآن: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه) (البقرة 75). وهذا المنطق معوج إلى أبعد الحدود لأن الفريق قد يتكون من بضعة أشخاص، فلو آمنا أن فريقاً من اليهود كانوا يسمعون القرآن ثم يحرفونه، أو التوراة ثم يحرفونها، هل يعني هذا أن بقية اليهود لا يمكن أن يؤمنوا حتى يقول إله القرآن (أتطمعون أن يؤمنوا لكم)؟ ولماذا لم يمنعهم من تحرف القرآن أو التوراة، وهو القائل (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). الغرض من الآية كان تهيئة عقول الأوس والخزرج إلى أن اليهود الذين كانوا متحالفين معهم، لن يؤمنوا بالرسالة الجديدة وعلى الأوس والخزرج أن يعاملوهم كأعداء بدل حلفاء.
ولكي يؤكد لليهود أنهم لا يحفظون العهد، قال: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى والمساكين وقولوا للناس قولاً حُسناً وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون) (البقرة 83). ومع أن يهود يثرب قد أوفوا بهذا العهد مع الله، فقد جاء محمد بهذه الآية إنذاراً مبطناً ليهود يثرب بأن الدائرة سوف تدور عليهم رغم الاتفاقية التي أبرمها معهم، لأنهم أعرضوا عن ذكر الله ولم يؤمنوا بمحمد.
ولكن إله القرآن يناقض نفسه في نفس هذه السورة ويقول لبني إسرائيل: (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون) (البقرة84). فكيف أخذ ميثاقهم ألا يسفكوا دماءهم وفي نفس الوقت قال لهم اقتلوا أنفسكم، عندما عبدوا العجل، وقد سفكوا دماء سبعين ألفاً منهم؟ فهو الذي دفعهم لعدم الوفاء بميثاقهم معه بألا يسفكوا دماءهم.
واستمر إله القرآن وقال لهم: (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسرى تفادوهم وهو محرّم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) (البقرة 85). فإله القرآن هنا يُظهر نفسه بأنه حريص على مصلحة بني إسرائيل ويُحرّم عليهم إخراج بعضهم البعض من بيوتهم. ولكنه كالعادة يناقض نفسه ويقول في سورة الأحزاب، وهي رابع سورة تنزل بالمدينة: (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً) (الأحزاب 26). وأتت هذه السورة بعد غزوة بني قينقاع الذين طردهم من المدينة، وغزوة بني قريظة الذين ذبحهم. فلماذا يُحرّم على بني إسرائيل إخراج بعضهم البعض من منازلهم، ويخرجهم هو من صياصيهم ويقذف في قلوبهم الرعب؟
وحتى يوحي محمد لعرب يثرب أن دينه من عند الله وأن اليهود معروفون بنكران الجميل وقتل الأنبياء، قال: (أفكلما جاءكم رسولٌ بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون) (البقرة 87). وأراد هنا أن يقول لأهل يثرب إنه من فريق الأنبياء الذين كذبهم بنو إسرائيل، مع أن بني إسرائيل آمنوا بكل الرسل والأنبياء الذين ذكرهم القرآن، بل كان كل الرسل منهم، ما عدا محمد. ولم يذكر لنا تاريخ اليهودية أنهم قتلوا نبياً أو كذبوا أحداً من أنبيائهم. فلماذا وصمهم محمد بهذه الكذبة الشنيعة إذا لم يكن قد نوى ذبحهم وطردهم؟
وتأكيداً لتكذيب اليهود بالرسل، قال عنهم: (ولما جاءهم كتابٌ من عند الله مصدقٌ لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين) (البقرة 89). فمحمد هنا أراد أن يصطاد عصفورين بحجر واحد: فهو يقول إن كتابه من عند الله ومصدق للتوراة التي عند اليهود، وأن اليهود كفروا به رغم أنهم كانوا يعرفون أنه الحق من عند الله. فإذا كذبه اليهود وهم يعرفون أنه من عند الله، يصبح واجباً على عرب يثرب أن يؤيدوا محمداً دفاعاً عن العروبة (أنا وابن عمي على الغريب). ولأنهم كذبوا محمداً لعنهم الله بعد أن كانوا شعبه المختار.
وللمرة الثالثة في سورة البقرة يقول إله القرآن لبني إسرائيل: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) (البقرة 122). فلماذا كل هذا المن على اليهود بأنه فضلهم على العالمين، بينما قال لهم في الآية 89 السابقة (لعنة الله على الكافرين). كيف فضلهم على العالمين ولعنهم في نفس الوقت؟
ولما لما يستجب بنو إسرائيل للدعوة، بدأ إله القرآن بالتهديد، فقال في نفس السورة: (سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آيةٍ بينةٍ ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب) (البقرة 211). فعندما أيقن أن يهود يثرب لا أمل فيهم بدأ يهددهم تهددياً ظاهراً بدل التهديد المبطن في الآيات السابقات، وقال لهم إن الله شديد العقاب. ولما لم يأتِ هذا التهديد بالثمار المرجوة منه، أراد إله القرآن أن يمهد الطريق لقتالهم، فطمأن أهل يثرب أن اليهود جبناء ولن يثبتوا في القتال، فقال: (ألم ترَ إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم أبعث لنا مَلِكاً نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كُتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا ومالنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أُخرجنا من ديارينا وأبنائنا فلما كُتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم والله عليم بالظالمين) (البقرة 246).
وهذه الآية لا يمكن أن تكون من عند الله الذي يعلم كل شيء. وأضح أن محمداً لم يكن يعرف اسم نبي بني إسرائيل الذي طلبوا منه أن يأتيهم بملك ليقاتلوا معه، وكان قد سمع القصة من بعض اليهود، فقال (إذ قالوا لنبي لهم). وذلك النبي هو صموئيل كما يقول العهد القديم: (فاجتمع كل شيوخ القرية وجاءوا إلى صموئيل إلى الرامة. وقالوا له "هو ذا أنت قد شخت وإبناك لم يسيرا في طريقك فالآن اجعل لنا ملكاً يقضي لنا كسائر الشعوب") (صموئيل 1، الإصحاح 8، الآيات 4، 5).
ومن المؤكد أن محمداً لم يكن يعرف تاريخ اليهودية جيداً، فقال في نفس السورة: (وقال لهم نبيهم إنّ آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقيةٌ مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إنّ في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين) (البقرة 248). فالتابوت لم تكن به بقية مما ترك آل موسى وآل هارون، الذين هم نفسهم آل موسى، وإنما كان بالتابوت الألواح التي كتب الله عليها الوصايا العشر. ولم تكن الملائكة تحمله وإنما كان الكهنة من أفراد قبيلة لاوي هم الذين يحملون التابوت كلما تحركت القبائل اليهودية من مكان لآخر.
ثم يئس محمد وشمّر عن ساعده وأعلن الحرب على اليهود في آخر سورة البقرة، فقال: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةً ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين (البقرة 193). يقول القرطبي في تفسيره إن سبب القتال هو الكفر. وبما أن المدينة لم يكن بها من الكفار غير اليهود، فإن الآية تعني قتال اليهود.
وبعد أن صبر محمد فترةً وجيزة ليرى إذا كان اليهود سوف يؤمنون به أم لا، أتى بسورة آل عمران، وترتيبها 89، وقال فيها: (َُضُربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبلٍ من الله وحبلٍ من الناس وباءوا بغضبٍ من الله وضُربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) (آل عمران 112). كل هذه الآيات التي تقول إن بني إسرائيل كانوا يقتلون الأنبياء بغير الحق، ولم يذكر لنا القرآن ولا مرة واحدة اسم نبي قتله بنو إسرائيل. وقد كرر هنا أن الله قد ضرب عليهم الذل والمسكنة، وقد أثبت التاريخ أن إله القرآن لم يكن يعرف أن اليهود سوف يسيطرون على العالم بذكائهم وتفوقهم في المعاملات المالية. وهاهم الآن يسيطرون على السياسة الخارجية لأمريكا والاتحاد الأوربي، ويفرضون رأيهم على الحكومات الغربية والشرقية، فأين هي المسكنة التي ضُربت عليهم؟ وأين الذلة؟
ثم احتار محمد في ما يقوله عن اليهود، فجلس على الجدار ولم يقرر على أي جنب ينزل، فقال : (لو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) (آل عمران 110). فرغم وصف اليهود والمسيحيين بالفسق، كان الأمل ما زال يراود محمداً، ولذلك أتى بآية في نفس السورة حاول بها أن يغري أهل الكتاب باتباعه، فقال: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمةٌ قائمةٌ يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ويؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروفِ وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين) (آل عمران 113-114). فما زال محمد رغم إعلان الحرب على اليهود، يطمع في أن يغيروا رأيهم ويعترفوا به. ولكن إذا كان أهل الكتاب (يهود ومسيحيون) يتلون آيات الله آناء الليل ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، هل يحتاجون إلى اعتناق الإسلام الذي لا يأمر بأكثر من ذلك؟ أم أنها السياسة التي أراد محمد أن يطبقها ليصبح ملكاً على العرب، كما قال أبو سفيان للعباس يوم فتح مكة (إنّ مُلك ابن أخيك قد بلغ شأواً بعيدا)؟
ثم كرر هذه الآية في نفس السورة، فقال: (وإنّ من أهل الكتاب من يؤمن بالله وما أُنزل إليكم وما أُنزل إليهم خاشعين لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم) (آل عمران 199). فإذاً نفهم من هذه الآية أن آيات التوراة والإنجيل هي آيات الله وأن أهل الكتاب لا يشترون بها ثمناً قليلاً. فلماذا أراد إله القرآن أن يحولهم إلى الإسلام ما دام لهم أجرهم عند ربهم بما حفظوا مما أُنزل عليهم؟ فما زال محمد هنا يتذبذب بين لعن اليهود وبين مدحهم بأنهم يؤمنون بالله ولا يشترون بآياته ثمناً قليلاً.
بعد مذبحة بني قريظة وطرد بني قينقاع من مساكنهم إلى خيبر، جاء محمد بسورة الأحزاب، رقم 90 في النزول، والتي تقول: (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً) (الأحزاب 26). ففي هذه المرحلة كان محمد قد أيقن أن اليهود لن يقبلوا به نبياً، فقرر أن يقطع حبل الوصل بهم ويذبحهم عن بكرة أبيهم لولا تدخل عبد الله بن أبي بن سلول الذي أنقذ بني قينقاع من سيوف محمد لأنهم كانوا حلفاء الخزرج.
ثم جاءت سورة الممتحنة، ورقمها 91 في ترتيب "النزول"، فقال فيها: (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور) (الممتحنة 13). فلم يكتف محمد بطرد اليهود إلى خيبر وذبح بني قريظة، فأراد أن يعزل نساء وأطفال اليهود الذين سباهم المسلمون في يثرب، وكذلك يهود خيبر ويمنع الاختلاط بهم حتى يكونوا فريسةً سهلة له عندما ينقض عليهم. وقد بنى فقهاء الإسلام فقهاً كاملاً في عدم تولي المؤمنين للذين كفروا من النصارى واليهود والبوذيين والسيخ والهندوس والكونفوشيوسيين والشنتو واللادينيين في أدغال إفريقيا وفي ديار الغرب، وسموه فقه الولاء والبراء. إنه فقه امتلاك الحقيقة المطلقة ومن لا يتبع تلك الحقيقة فلا يستحق أن يعاشره المؤمنون الطيبون، بل لا يستحق أن يعيش أصلاً.
وسوف نكمل في الحلقة الأخيرة.



#كامل_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرآن وبنو إسرائيل 2-4
- يهود الأندلس
- في استراحة القراء 1
- القرآن وبنو إسرائيل 1-4
- في معية القراء
- القرآن ونساء النبي
- في رحاب القراء 4
- تأملات في القرآن المكي 4-4
- في رحاب القراء 3
- تأملات في القرآن المكي 3-4
- في رحاب القراء 2
- تأملات في القرآن المكي 2-4
- في رحاب القراء 1
- تأملات في القرآن المكي 1-4
- تعقيباً على تعليقات القراء على تاريخ القرآن
- تاريخ وماهية القرآن 3 – 3
- تاريخ وماهية القرآن 2 – 3
- تاريخ وماهية القرآن 1- 3
- يقولون ما لا يفعلون
- الإسلام يزرع الجهل والخزعبلات في أتباعه


المزيد.....




- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...
- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كامل النجار - القرآن وبنو إسرائيل 3-4