أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود المصلح - تجربة ذاتية .. صيد الخاطر 7















المزيد.....

تجربة ذاتية .. صيد الخاطر 7


محمود المصلح

الحوار المتمدن-العدد: 2994 - 2010 / 5 / 3 - 10:49
المحور: الادب والفن
    


صيد الخاطر 7
كنا صغارا ، بيد أننا نحمل على كواهلنا ثقل الهجرة والتهجير القسري ، وفي عقلي مئات الصور المركبة المتناقضة على إختلافها وكثرتها ، ممزوجة بأصوات ومؤثرات ، من بكاء وعويل ، صراخ ونحيب ، وألوان من المعاناة الصعبة ، لآم ثكلى ، او زوجة ترملت للتو ، ومنظر الدم والنار والحريق ، والخوف سيد كل هذا والمسيطر على المكان والزمان ، ومنظر المئات من الجنود وهم يندسون بين العائلات المنهزمة المهزومة هدفهم وغايتهم السلامة ليس إلا .

كنا في هذه الفترة من الزمن في حالة من البؤس والعوز ،والجهل يخيم على كل ما حولنا ،مما كان له أثر كبير في المستقبل على تكوين فكرنا وتحينا لأنفسنا في أن نخرج من هذا العالم الذي تعربد فيه فكرة الهزيمة ، كنت وأخي خالد نرسم بالفحم من مخلفات النار على الجدران وعلى كل ما تصل له ايدينا ، وكنا بلا شك نعاقب على كل فعل من هذا القبيل ، وجل ما أحمله من ذكرى من هذه الفترة صورة الرجل الذي كانا نعمل عنده ، حيث كان يمتلك ارضا واسعة ، كيف حصل عليها ، كان سؤلا ينغص صفو أيامي ولم يزل . صورة هذه الرجل أقبح ما أعرف من صور ، وصوته أنكر ما سمعت ، صورة أخرى أرتبطت بذاكرتي محاطة بإطارمن الخشب الباهت ، لرجل يعتمر قبعة عسكرية ، لست أدري لمن ، لكنها صورة لا احب ان اذكرها ، لأنها ارتبطت بصور أولائك الجنود وهم يندسون في حشود العائلات المنهزمة .

بعد فترة لست أذكرها لكنها لا تتعدى اسابيع ، وكأن ألأمر كان معد سلفا كانت الخيام تنتصب لأيواء اللاجئين ، وفي الزاوية الشرقية الجنوبية أستقرت أدارة المخيم ، التياخذت على عاتقها مهمة النظافة وبناء الحمامات العامة من الصفيح وجمع القمامة ، على عربة يجرها بغل ، وعلى الزاوية الشرقية الجنوبية المقبلة بنيت خيام كبيرة ، كان نصيبي أن أكون في واحدة منها ، حيث كانت روضة . على باب الخيمة الذي يشبه
رقم ثمانية ، والذي كان عكس اشارة النصر التي اعتاد العرب أن يرفعوها ،كانت تقف سيدة بتنورة قصيرة وبيدها عصا صغيرة . حيث كانت العصا من أهم ادوات المربي كما يحبون أن يسموهم آنذاك .

كنت للتو خرجت من خيمتنا ( بيتنا الجديد )إلى الروضة ( الخيمة ) كبيرة كانت ، تسكى خيمة هندية لماذا لست اعرف ، ينتصب فوقها علم أزرق ،يشير إلى الأمم المتحدة ،دخلنا الخيمة على شكل طابور وقد تمت حلاقة رؤسنا ( بالشفرة ) أتذكر المنظر الآن بمزيد من الأسى والحزن .
** ** **

ما أن دخلنا الخيمة ( الروضة) حتى شعرت بفرح غامر رغم خوفي الشديد
ورهبتي من العصا،مجموعة من الطاولات الخشبية يجللها قماش ملون
جذاب ، خلفها ألواح من الخشب تقف كحائط من ثلاثة جوانب ، وبشكل مرتفع أكثر من متر ونصف ، عليها مجموعة من الصور الملونة الجميلة ، بعض هذه الصور تمكنت من التعرف عليها بسرعة ، كانت لنساء فلسطينيات بلباس تراثي ، تذكرت ثوب والدتي الملون . على الطاولات مجموعة من الأوراق والألوان والأقلام ، وعلب المعجون ، وبعض الادوات، وقفنا طابور أمام الطاولات ، طلبت أن نجلس كل واحد على كرسي خلف الطاولة وركزت بأدب وصمت ، كم كانت فرحتي عظيمة ، وانا اجلس خلف الطاولة ، بلا ارادة مني تناولت الألوان وشرعت بالرسم ، قفزت صور الفحم على الجدران أمامي ، لا أدري كيف تراءت لعيني صورة ذلك البغيض ، وذلك الجندي المنهزم ، لأم اسمع كلمة مما قالت السيدة ذات التنورة القصيرة ،
لم انتبه إلى حينما أقتربت مني وضعت العصا أمامي ، ارتجفت ، كنت أتمنى أن اتمكن من الهرب ، لما وضعت العصا ، لكنها بسرعة وكانها أدركت شعوري ، أمسكت الورقة وهي تقول :
- برافو .. شو اسمك ؟
- تلعثمت وانا اقول محمود . فلم أدرك كلمة برافو ماذا تعني ، لكن لنبرة الصوت أدركت أنها مديح لا ريب.
- برافو محمود .. رفعت الورقة أمام الطلاب ، كان من بينهم أخي خالد، وصفقت بيدها ، وكانت هذه اول ظاهرة تشجيع اتلقاها من حيث لم أتوقع .
أنصرفنا ذلك اليوم وأنا أتمنى أن يطول ، أو نعود بأسرع وقت ممكن ، ففي هذا متنفس، من حالة الخيمة ، وسكانها الذين ما أنفكو يبكون أو يتحسرون على ما فات .
عندما رفعت السيدة ذات التنورة الورقة ، رفعتني معها عاليا ،وانتابني شعور عظيم بالفخر والسعادة ،شعورا لم أحظى به من زمن بعيد في ظل غضب وحزن وبكاء، على من مات أوقتل أو فقد أو..
بدأت أجد في الروضة نفسي ، ففيها ما ليس في البيت ، فعلى الرغم من أنها خيمة إلا ان السيدة ذات التنورة القصيرة ، وضعت فيها جهدا جبارا لتكون أكثر من خيمة ، فقد وضعت علما أزرقا في صدر الخيمة امام الجدار الخشبي ،ووضعت على الجدران بعض الرسومات كان الكثير من من رسوماتي ،اتذكر الآن رسمة واحدة منها ، شاطيء البحر والسهل الأخضر يمتد خلفة بعيدا ، وتحت شجرات من البلوط كانت ترعى بقرات ثلاث بلونها الأبيض والأسود . وسما زرقاء صافية .اتذكر أنني نقلت هذه الرسمة من على علبة حليب سائل كانت تأتي مع المساعدات الغذائية .
كان الدرس الوحيد الذي تركز عليه السيدة هو درس الرسم ، بل لم يكن هناك درسا غيره ،لكن من خلال الرسم كنا نتعلم الحروف والأرقام ، بالعربي والأنجليزي ، كانت توزع علينا اوراقا معدة سلفا مكتوب عليها الحروف والأرقام، تحتها رسمت تفاحة بورقة أذا كان الرقم واحد وورقتان اذا
كان الرقم اثنان وهكذا .ثم تطلب منا أن نلون الصفحة ، وهي تصفق لكل نجاح ، أو تقدم .لكنها لم تجرح مثلما لم تثني أيضا على الأعمال غير الناجحة .
تحمل الورقة التي تحوز على اعجابها، ترفعها أمام الاطفال ، وتقول:
- هذه تفاحة . ثم تسأل ما هذه ؟
- نردد كالبباغوات : تفاحة .
- تفرح السيدة ، تصفق لنا جميعا .
ذات مرة حصلت على مجلة الموعد ، فرحت بها كثيرا ، أخذت أطبع كل ما تصل له يدي ، ثم أدفع به على السيدة التي تأخذ كل ما ياتيها وتعلقه على الستاند ،بدبابيس ملونه ، وفي يوم طلبت السيدة أن يحضر كل طفل
صورة شمسية ، بصعوبة حصلنا على الصور ، ووضعت الصور على الجدار الخشبي ، وبشكل متباعد ، كنا نعمل بالرسم والمعجون ، بينما كانت على مدار أيام كثير ة تأخذ الرسومات وتضعها تحت صورة الطفل الذي نفذها ، وتكتب اسمه بخط كبير على ورقة تعلقها فوق الصورة . أخذ منها العمل وقتا طويلا وجهدا كبيرا ، وفي يوم طلبت ان نلبس ملابس نظيف أو جديدة ، وجاء الكثير من الناس ، رأيت بينهم والدي ،لكن الجميع كان يمشي خلف السيدة ذات التنورة القصيرة التي كانت تتكلم بصوت منخفض مع رجل احمر الوجهيضع نظارة شفافة يحيطه الجميع بعناية وأحترام ، بعد زمن عرفت أن هذا كان معرضا فنيا وهذا ما يسمى الأفتتاح . وكان هذا المعرض الأول في حياتي .



#محمود_المصلح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- احترام الاطفال فنيا
- برقية ..
- مسألة صعبة ..
- قصص قصيرة جدا 3
- قصة قصيرة ( المحاكمة )
- قصص قصيرة جدا 1
- قصص قصيرة جدا 2
- صيد الخاطر 6
- التجربة الأردنية
- لمن يحسن المحسنون ..بناء المساجد
- هل الخطاب الديني يساير العصر ...
- التصيق للجلاد
- الولايات العربية المتحدة ..
- القوة النووية العربية
- هلوسة محمود المصلح ........
- صيد الخاطر 5 ..,وأنا شو دخلي؟
- القاع مفتوح ..اهلا وسهلا
- يوميات .. الصين
- لهم ثلاثة عيون .. ونحن بلا عين
- الاتحاد السوفيتي ...ذكريات قديمة


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود المصلح - تجربة ذاتية .. صيد الخاطر 7