أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عطية مسوح - الكمال الواقعي














المزيد.....

الكمال الواقعي


عطية مسوح

الحوار المتمدن-العدد: 2993 - 2010 / 5 / 2 - 23:17
المحور: المجتمع المدني
    


من منّا لا يطمح إلى الكمال؟

ومَنْ مِنَ الناس لا يرسم صورة للكمال يتخيّلها ويصبو إليها؟

ولكن. من منّا لا يعرف أنّ الكمال مفقود، وأنّ بلوغه محال؟ وأنّ الإنسان مجبول على النقص، وأن إدراك هذا النقص هو الذي يدفع الإنسان إلى البحث عما هو أفضل وأجمل وأكمل؟.
لكنني، أيّها القارئ الكريم، أجد الكمال ممكناً. فإذا كان الكمال نسبياً، ككل المفاهيم والأفكار والحقائق، وإذا كان بلوغ درجات جديدة منه يحفز الإنسان إلى بلوغ درجات أخرى، بينما تظل الصورة المتخيلة للكمال بعيدة المنال، فإنّ الممكن تحقّقه في ظرف ما ومكان ومجال محدّدين هو الكمال عينه.

أي إنّ الممكن هو المطلوب، وإن ما فوقه هو الهدف وإن ما عدا ذلك هو الحلم الذي يحوم خيال الإنسان حوله، كفراشة لا تطيق هدوءاً وهي تستجيب لنداء ومضة خلابة. الكمال نسبي، والنقص كذلك. وبهذا المعنى فإن معظم الناس قادرون على الكمال، كل في مجاله وحسب دوره الذي يقرّره لنفسه أو تقرّره له الظروف فيرضى به.

وحين نوسّع دائرة القول باستحالة الكمال، ونصل إلى أن هذا الموظف أو ذاك ـ الكبير خاصة ـ لا يمكن أن يكون كاملاً في سلوكه وموقفه من الناس وفي نزاهته ونظافة يده، وحين نقول إنه يستفيد ولكنه يفيد ويقوم بواجباته في مجال عمله، وحين نصبح مستعدين لغض النظر عن أنانيته ومخالفته للقوانين وتحيّزه لما يخدم مصالحه، بحجة أن الكمال غير متوفر، وأنّ لكل امرئ نواقصه ونقاط ضعفه، وأنه (كفى المرء نبلاً أن تعدّ معايبه)، حين نصل إلى مثل هذا لا نكون واقعيين بل نكون متخاذلين، ولا ندفع باتجاه السمو والكمال بل نعوّق السعي إليهما.

النقص نسبيّ كالكمال. والكمال نسبي كالنقص. وهذه الفكرة خطيرة وذات حدين. فقد تدفع إلى موقف واقعي، يجعل رؤية النقص وكشف النواقص وسيلة لتلافيها، وصولاً إلى ما هو أفضل، وما هو ممكن في الوقت ذاته. وقد تدفع إلى التسليم بالأمر الواقع وقبول النقص والتعايش معه، فينمو وينمي معه اعتياد الناس عليه وتنحدر درجات الكمال المطلوب وينخفض مستوى المعايير الأخلاقية والقيمية، وينحطّ المجتمع.

كيف نفصل ـ واقعياً ـ بين هذين الحدّين؟ قد لا يكون الفصل سهلاً، وقد لا يكون القول بضرورة الامتثال للقوانين وتطبيقها كافياً. فالقوانين، في كل دول العالم ومراحله ـ وهذه مسألة نسبية أيضاً ـ لا توضع دون مراعاة لمصالح القوى الأكثر نفوذاً وقدرة، وقد تبيح أشياء لا يقبلها المنطق الإنساني ولا تعبر عن طموح الإنسان إلى الأفضل بصورتيه
الكامل المتخيّل والواقعي الممكن.

لكن الخضوع للقوانين ومنع التحايل عليها أمر مطلوب. وهذا هو الجانب الأوّل من جوانب الموقف المضادّ لقبول النقص واعتياد الناس عليه.

أما الجانب الثاني، فهو أن يكون الإنسان ـ المواطن ـ قادراً على الإشارة إلى مظاهر النقص والتعبير عن رفضها دون أن يؤخذ بجريرة موقفه أو يلامَ عليه. وهو ما تضمنه العلاقات والقوانين الديمقراطية.

وإذا كان النقص والكمال مصطلحين فلسفيين، فإن الترجمة الواقعية للنقص بصورته المؤذية الجارحة، هي الفساد، وهو ضار ومرفوض سواء مارسه موظف صغير أم كبير، لكنه يغدو مدمّراً حين يتجاوز حدود الأفراد ليأخذ شكل شبكات ذات رؤوس ودعائم وقواعد، وحين تغدو هذه الشبكات ذات شأن في وضع القوانين وإصدار التعليمات والتوجيهات، وحين يسوّغها الناس، أو المتنفذون أنفسهم بالقول إن الكمال مستحيل، وإنّ الإنسان مجبول على النقص، وإنّ المهم هو تيسير أمور الناس وغير ذلك.

ليس النقص قدَر الإنسان، بل السعي إلى تجاوز النقص والتطلّع إلى الكمال هو قدره.

ونعود إلى القول إن الكمال مستحيل، ولكن صورة الكمال المتخيّل يجب ألاّ تفارق الإنسان، لأنها دافعه إلى الرقي.

إن نسبية الكمال لا تعني الرضا بحدود متدنية له، ونسبية النقص لا تعني القبول بحدود مرتفعة له، بل إنّ الرضا والقبول ليسا مصطلحين مناسبين للتعبير عن الموقف تجاه الكمال والنقص، بل الطموح والتطلّع، والرفضُ والتجاوز هي المصطلحات الضرورية في هذا المجال.

الكمال والنقص نسبيان بالمقارنة مع الصورة الذهنية المتخيلة للكمال، لكن للكمال والنقص الواقعيين معايير أخرى، فأنت أمام كامل نسبي، أي أمام موظف مسؤول، كبير خاصة، لا يتطاول على المال العام، ولا يخطّط ويبرمج ليستفيد شخصياً، ولا يتحيز لمن ينفعه على حساب غيره، أو على حساب مصالح الآخرين، بل يتقيد بالقوانين، ويكتفي براتبه وتعويضاته المشروعة، ويعيش كما يعيش الناس، ويبحث عن النواقص في مجال عمله ليعالجها، ويسعى إلى خدمة الوطن والمواطنين وهي جوهر وظيفته.

هذا الكامل نسبياً، يمكن أن يكون الأنموذج الواقعي الذي تقيس عليه، وتحدّد النقص على أساسه، وهو أنموذج ممكن، بل موجود، وأكثر الناس قادرون على أن يكونوا على صورته، أي أن يحققوا الكمال، في مجالهم وعلى قدر المهمة الموكلة إليهم.

ولعلّ المتنبي كان محقاً حين لم يجد عذراً لمن لا يسعون إلى الكمال وهم يستطيعون

ولم أرَ في عيـوبِ النـّاسِ شـــيئاً كنقـصِ القـادريـنَ على التمـــامِ



#عطية_مسوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين النرد والشطرنج
- أخطاء كبيرة في مقالة صغيرة
- دفاعاً عن العلمانية
- شافيز وراشيل
- اللدودان - قصة قصيرة


المزيد.....




- الجزائر تقدم مساهمة مالية استثنائية لوكالة -الأونروا- بقيمة ...
- حماس: لن نسلم الأسرى الإسرائيليين إلا بصفقة حقيقية
- بن غفير يدعو لإعدام المعتقلين الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ ال ...
- حماس: لن نسلم الأسرى الإسرائيليين إلا بصفقة حقيقية
- المواجهات تعود لمدينة الفاشر رغم اكتظاظها بالنازحين
- شهادات مروّعة عن عمليات التنكيل بالأسرى داخل سجون الاحتلال
- دهسه متعمدا.. حكم بالإعدام على قاتل الشاب بدر في المغرب
- التعاون الإسلامي تؤكد ضرورة تكثيف الجهود لوقف جرائم الحرب بح ...
- -العفو الدولية- تتهم السلطات الكردية بارتكاب جرائم حرب في سو ...
- فرنسا تطرد مئات المهاجرين من باريس قبل انطلاق الألعاب الأولم ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عطية مسوح - الكمال الواقعي