أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عطية مسوح - اللدودان - قصة قصيرة















المزيد.....

اللدودان - قصة قصيرة


عطية مسوح

الحوار المتمدن-العدد: 930 - 2004 / 8 / 19 - 10:18
المحور: الادب والفن
    


مع شروق الشمس كان يخطو خطواته الواسعة، التي تشبه القفزة، عابراً الساقية الفاصلة بين أرضه وأرض سلطان. كل صباح يمر من هذه النقطة، موفـِّراً أكثر من عشرين خطوة من الطريق إلى أرضه ومتجنباً في الوقت ذاته الوطء في أرض جاره:
"أرضٌ خبيثة لرجلٍ خبيث، لعنة الله على هذه الجيرة"
يقولها في نفسه كلما وصل إلى هذا المكان، مفتتحاً بها نهار عمله المضني.
بعد الساقية بخطوات قليلة تقف شجرة الزيتون الأولى شامخة راسخة، شبه منفردة، كأنها حارسٌ أو بوابٌ لهذا البستان، تفصلها عن صفوف أشجار الزيتون مسافةٌ تزيد عن الثلاثين متراً.
يصل إلى هذه الشجرة، الحارس، وتحت أغصانها يلقي حمله: الفأس والمجرفة وصرَّة الطعام.
على حجرٍ بمساحة مؤخرته، ركَّزه بيديه إلى جانب جذع الزيتونة منذ سنين، يجلس سانداً ظهره إلى ذلك الجذع مرتاحاً إلى حنانه.
أصبح وصوله إلى الأرض قبل سلطان، عادةً يحرص عليها، وحين يحدث أن يراه أمامه على الدرب - وهذه مصادفات نادرة – يتباطأ، ويتوقف أكثر من مرة، كي تطول المسافة بينهما:
"بعِّدْ عن الشَّر وغنيلو"
فمنذ أن قطع حبل الكلام مع هذا "السلـْطُون"، أي قبل خمس سنوات، بعد مشاجرة في ساحة القرية، يكره أن تقع عيناه على عيني جاره، وأتقن مع الزمن حيلَ التجنَّب والتجاهل.
ولم يكن سلطان أقلَّ منه حرصاً، فتجنبُ الشر بين صاحبي أرضين متجاورتين أشبهُ بالاتفاق الضُّمني ولا بدَّ منه لاستمرار حياة كلٍّ منهما على النحو المألوف.
تُنْعشه هذه النَّسمات الصيفية الصباحية الباردة، وينعشه أيضاً - كما في بداية كلِّ نهار - وصولُه قبل جاره:
"كسلان إبن كسلان .. تطلع الشمس وهو يشخر تحت اللحاف"
عندما تأهب للوقوف أحسَّ بوصول سلطان، وأحسَّ أيضاً بالنار تتأجج في داخله وبالسكـِّين تحزُّ في صدره:
"هل كـُتبتْ عليَّ هذه الجيرة إلى الأبد؟!"
ما أسعده لو كانت هذه الأرض كلها له .. لا يفكِّر هكذا عن طمع وإنما كرهاً بهذا الجوار المقيت.
"الله يرحم ترابك يا أبي، ما عرفت تبيع الأرض إلا لهذا البـُشتْ!"
كانت أرض سلطان ملكاً لهم، امتداداً لأرضهم، لكن أباه باعها ليُزوِّجه:
"عرس مْطنْطنْ، وغرفةْ حجر وشمينتو"
وهزَّ رأسه بأسف:
" ههْ .. ياريت سكَّنْتني بقنّْ الجاج ولا جاورت سلطون"
" الله يرحم ترابك يا أبي، هذه غلطتك الوحيدة"
وابتسم، وكاد يقهْقه، فهناك غلطةٌ أخرى لأبيه ظلَّتْ على لسان أهل القرية عدَّة سنوات، ولا زالت تُذكر بين الحين والآخر.
فلقد رآه بعضهم - بأم العين - يركض وراء "عجبة" ويمسك بها ويشدُّها، ويقبِّلها. كانت بنت عشرين، تأخر نصيبها لأنها ليست جميلة، غامقة ومعضَّمة، وكاد والده - بفعلته تلك - أن يقضي على كل أمل لها بالزواج، لولا أن أرسل الله أعمى قلب من قرية أخرى.
وضحك ..
"الله يرحم ترابك يا أبي، خلّيت أولاد الحرام يشوفوك ويفضحوك ويشعلو النار بينك وبين أهل المستورة"
"لو نزَّلْتها لتحت الحفّة، بين العريشات والعلّيق، وبُوس لتشبع"
وعادت النار تتأجج، والسكين تحزّ، متذكراً ما قاله سلطان - في غيابه - منذ أشهر:
- - "الكلب ما يخلِّف غير كلب .. ورث الرذالة عن أبيه"
سلطان يتجنَّب مواجهته، ولكنه ذو لسان طويل، يتناوله في غيابه، ويتناول أهل بيته، وبخاصة زوجته، بأبشع الكلام:
"قالْ شرمو .. قالْ"
واشتدَّت النيران في داخله، وانغرست السكـِّين أعمق فأعمق:
"فيها شرف يكفي كل عيلتك يا إبن الكلب"
وقفَ، والتفتَ إلى خلف، كان سلطان قد رمى ما يحمله تحت شجرة قريبة، واسترخى ناظراً إليه ..
"اتركه يا ولد .. لا توسِّخ إيدك فيه"
وسار نحو صفوف الزيتون.
قبل أن ينتصف النهار اتـَّجه نحو الزيتونة المنفردة، فكَّ صرَّة طعامه ونظر إلى سلطان، الذي كان مثله قد تعب من حفر الأرض حول جذوع الزيتون فاستلقى تحت شجرة باسطاً يديه إلى وراء.
"يخربْ بيتك مثل الدودة، الله يلعنك"
وجلس على الحجر، ولم يكد ظهره يلامس جذع الزيتونة حتى نهض. النار تكوي أضلاعه والسكـِّين تغوص في رئتيه !:
"يمكن نام سلطون أفندي"
مشى بسرعة إلى حافـَّة أرضه الشمالية المتاخمة للطريق، ومن بين أعواد العلـَّيقة الكثيفة سحب عصاً كانت في العام الماضي غصن زيتون أخضر..
"خبَّأتك لمثل هذا اليوم"
وسار بحذر إلى حيث يستلقي سلطان.
لم يكن لدى سلطان متَّسع من الوقت كي يتوجَّس أو يندهش، حاول النهوض لكن العصا لقيتْه قبل أن يتمكن، فظل قاعداً يتلقى ..
"خذ يا إبن الكلب .."
لم يحاول أيُّ منهما أن يعدَّ كم مرَّةً هوت العصا على كتفَي سلطان وذراعيه وجنبيه ..
واستلقى سلطان مستسلماً، بينما انكفأ هو عائداً إلى زيتونته الغالية، الراسخة، المريحة.
رمى عصاه جانباً، وألقى مؤخرته على الحجر المُفصَّل على قدِّها، وأسند ظهره:
"صار مثل القملة المفروكة. يمكن تأدَّب"
وأغمض عينيه:
"هيك جار بدُّو هيك معاملة"
لم يعرف كم مضى من الوقت، قبل أن يفتح عينيه على هيكل بشري حجب عنه القسم الأكبر من مساحة الرؤيا، إنه سلطان، بتكشيرته الوحشية وعينيه الناريتين ومنجله المرفوع في يمينه ..
- جاء دورك يا إبن العرص
وانغرس لسان المنجل المعقوف في الذراعين شاقَّاً الثياب، مُفجِّراً الدم ومتجنباً الأماكن القاتلة.
عاد سلطان إلى مكانه، تاركاً الرجل مذعوراً من دمائه المنسابة.
- تعال يا إبن الكلب، صفَّى دمِّي ورايح موت
سمع سلطان الشتيمة، فانتفض واندفع ثانية إلى الجار المدمَّى، حاملاً شماخه المنقَّط بالأحمر. ركع إلى جانبه، وبأسنانه ويديه شقَّ الشماخ، وأخذ يلفُّ قطعه حول الجروح النازفة، ويربطها بقوة، وهو يقول:
- ما كانت لازمتْلك هالعلقة يا إبن العرص.
وبصوت منهك ردَّ عليه جاره:
- ذبحتني يا إبن الكلب .. المنجل غير العصا
كانا منشغلين بآلامهما، فلم ينتبها إلى فلاح في أرض متاخمة للطريق أدهشه رأسان متقاربان، وذراع مستلقية على كتف، وجسدان متلاصقان، وحجارة الطريق تتدحرج تحت أربعة أقدام، تتجه إلى القرية، بتثاقل .. بتثاقل.



#عطية_مسوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- “عيد الرّعاة” بجبل سمامة: الثقافة آليّة فعّالة في مواجهة الإ ...
- مراكش.. المدينة الحمراء تجمع شعراء العالم وتعبر بهم إلى عالم ...
- حرمان مغني الراب الإيراني المحكوم عليه بالإعدام من الهاتف
- فيلم -العار- يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان موسكو السينمائي ...
- محكمة استئناف تؤيد أمرا للكشف عن نفقات مشاهدة الأفلام وتناول ...
- مصر.. الفنانة دينا الشربيني تحسم الجدل حول ارتباطها بالإعلام ...
- -مرّوكِية حارة-لهشام العسري في القاعات السينمائية المغربية ب ...
- أحزان أكبر مدينة عربية.. سردية تحولات -القاهرة المتنازع عليه ...
- سلطنة عمان تستضيف الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي
- “لولو بتعيط الحرامي سرقها” .. تردد قناة وناسة الجديد لمشاهدة ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عطية مسوح - اللدودان - قصة قصيرة