|
التسونامي الإلكتروني .. بين المطاوعة والتطويع.
الطيب آيت حمودة
الحوار المتمدن-العدد: 2993 - 2010 / 5 / 2 - 00:39
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
استيقظت هذا الصباح على سيل من الأخبار والوقائع والحقائق ، التي تظهر تظلمات أنظمة ، وأخطاء حكومات ، وتراشق كلامي على اليوتوب بالصوت والصورة ، بحيث أصبح من العسير حجب الحقيقة على الناس ، فالحكومات بأنظمتها الردعية وسيطرتها على وسائل الإعلام التي هي في متناولها لم تعد قادرة على الإقناع ، وكثيرا ما وصفت باليتم لأنها بقيت وحيدة في الساحة بلا متابعين ومستمعين ، فالكل هاجرها ، وانتقل حيث زمجرة الكلمة ، وخصوبة الفكر ، وتعدد الإختيار، وستُجبر دولنا حتما على إلغاء وزارت الإعلام التي خلقت أساسا لمراقبة الكلمة الحرة ، وتعتيم الصورة الصادقة ، وبتر المواضيع الناشزة ، المهم عندها هو تلميع صورة فرعون في عيون المواطنين الأغبياء والسذج ، بمختلف الأساليب والحيل .
***العالم تحت الرقابة: أحدثت العولمة بتطوراتها التقنية في وسائل التبليغ السمعي البصري ما لم تكن الأنظمة السياسية تتوقعه ، فهي أشبه بتسونامي مدمر لكل الأساليب الماضية ، فالحادثة الواحدة يمكن أن ينتقل خبرها في بضع دقائق ، بين مختلف أرجاء المعمورة ، دون الحاجة للدولة ودون الخضوع لسلطتها ولا لمراقبتها ، فيكفي تدوين الحادثة وإرفاقها بالصوت والصورة لتجوب العالم عبر المواقع الإلكترونية ، وتظهر على نوافذ قوقل، ويطلع عليها العالم ،حتي قبل تفطن الأنظمة إليها ؟؟... ضف حقيقة أننا تحت مراقبة مستدامة من الأعلى بواسطة أقمار جوسسة تراقب بعداساتها حركة البشرية الفردية والجماعية ـ وتعلم سرها وعلنياتها ، حتى البيوت وما حوته . ووسائل النقل وما حملته . حتى الأنظمة المستبدة نفسها أصبحت تسترشد بما يكتب ، وما يُنشر على الويب وبكل اللغات ، إنه زمن الإنفلات من قيود فكر الأنظمة الطاغية التي عطلت الفكر الحر أو وجهته تبعا لسياستها ، هذه الأنظمة ذاتها أصبحت تبحث لنفسها عن مكانة بين التجمعات الفيسبوكية facebook التي غدت تفرض فكرها ومنهجها بالسبل العقلية أكثر من النقلية ، وبالبراهين المنطقية ، فأصبح من العسير إسكات الكلمة مهما كان انحرافها ، فالخطوط الحمراء انفسخ لونها وغدت بألوان مختلفة ، مع ظهور ألوان جديدة لم تكن في الحسبان . فالقضايا التي كنا نجهلها طفت للسطح بفعل طفرة المد الإعلامي المثير ، فأصبحت قضايا كشمير ، والطالبان ، والدليلاما في التبت ، وبوكو حرام في نجيريا ، والسيارات المفخخة في النجف وبغداد ، وتزويرات الإنتخاب في السودان، والتقتيل الجماعي في دارفور ، وأساليب المراوغة والنفاق كلها تحت المجهر ، وغدت التظلمات تُبلغ عن طريق الرسائل الرقمية ، وبكل اللغات حتى العبرية منها ، حتى أن الإنسان عاجز عن المتابعة والاستيعاب لأن التدفق الإعلامي أكبر من القدرة الذهنية عند البشر ، ولعل واقعَه ووقعُه المعيش ، ينذر باختفاء وكالات الأخبار العالمية الكبرى من رويترز ، والبرافدا وغيرهما ، فيصبح المنقول والمعروض عرضيا بوسائل الويب كاف بزيادة . ***وزارات الإعلام بين المواكبة والإضمحلال: . وزارات الإعلام في عالمنا الثالث مجبرة على تغيير لباسها ، وسياسة وسائل إعلامها المقروءة والمسموعة والمرئية ، قبل أن يهجرها الباقي المتبقي من متتبعيها ، فلا أحد يثق فيها بعدما تبين للخلائق حجم ترديها ، ومقدار تعتيمها للخبر اليقين ، فأصبحنا نعرف ما ستقوله مسبقا ، لأن ما تسوقه عبارة عن تلميع لصورة الحاكم وحاشيته ،ولو بما لا يتطابق مع الواقع ، حتى نشرات أخبارها هي أخبار عن فرعون ، لا أخبار شعبه ، وهو ما يبرز الهوة العميقة بين الأنطمة وشعوبها ، فوسائل الإعلام فُتحت على مصراعيها للنظام وأبواقه ، وفرضت سكوتا على أناة ومعاناة المواطنين ، وفي جوهرها الحقيقي أنشئت كمنبر يستعملها المواطنون لمراقبة الحكومات والأنظمة الإستبدادية ، التي استحوذت على البلاد ثم بعدها على العباد. ***تأثيرات افرزها الإنفتاح الإعلامي: إن الإنفتاح الإعلامي المفروض بقوة الهجمة التكنولوجية التي أتت على الأساليب التقليدية في التبليغ ، والتي تتمثل في تنوع قنوات التواصل عبر لإقمار الإصطناعية ، واتساع التعامل مع الشبكة العنكبوتية أفرز قناعات جديدة في الوسط الثقافي ، واتضح أنها بسلاح مزدوج ايجابي من جهة ، وسلبي من نواح أخرى . كما أن وسائل إعلامنا حاليا بثقافتها ومضامينها هي ضرب من الحديث مع النفس ، لأنها تفتقر إلى أدوات التواصل مع العالم الخارجي ، باستثناء محاولات منفردة أبدتها بعض الفضائيات على غرار قناة الجزيرة الدولية التي تخاطب العالم الخارجي بلغة يفهمها ( الأنجليزية ) .
***الإعلام الرقمي والإلكتروني بين الإيجاب والسلب : ففي الجانب الإيجابي حدث تنوع في الفكر ، واتضح للفرد بأنه جزء من كل ، يختلف عنه كثيرا ويتقاطع معه قليلا ، ثقافته نقطة في بحر متعاظم الأمواج ، لغته لسان من الإلسنة التي أصيبت بالهون ، ولا تقوى الإرتقاء بنفسها إلا وهي متكئة على لغات أقوى منها كالأنجليزية ، التي تستحوذ حاليا على الساحة بدون منافسة تذكر . واتضح أن اقتصار الفرد على لغة واحدة يفقهها يعنى الجهل المطبق ، لأنه في حاجة إلى لغات أخرى تساعده في التواصل مع العالم الذي أصبح قرية . وكلما انفتحنا على الغير بلغته ، كلما سهل علينا نقل الفكر والمعرفة والتقنية ، وعدنا أكثر أنسنة ، بفعل الشعور المشترك بمعاناة الأقوام الأخرى ، التي نختلف معها إثنيا وعقديا ، و من اليسير التأكد من صحة المعلومات ، والإطلاع على مختلف الآراء بتشعباتها وتنوعها ، وهو ما زاد من تخوف الأنظمة القمعية التي انتهجت أساليب حجب المواقع المتحررة ، كما حدث لموقع الحوار المتمدن في تونس والسعودية على سبيل المثال . أما في الجانب السلبي فحدث ولا حرج ، فقد أحدث هذا التسونامي المعرفي رجات عديدة في عقل الإنسان، بسبب انكشاف المستور أو المسكوت عنه ، وهو مازاد في تعرية الأنظمة وكشف عوراتها وأساليب خداعها لمواطنيها ، وفتح مجالا واسعا للمناقشة وتبادل الرأي ، والتصارع الفكري ، وخلق نوعا من التضاد بين فكر قديم محافظ ، وآخر تجديدي متنور يتخذ من المنطق أساسا له ، وهو ما يتضح في الهجران بين المسلمين بسبب اختلافهم الإثني ، واللغوي أو المذهبي، الذي يترآى بوضوح في مستوى المواقع الإلكترونية السنية والشيعية والصوفية ما يتبعها من محطات تلفزية رقمية ، وبذلك تحولت إلى دعاية حزبية ومذهبية إقليمية وعالمية هدفها اختراق الآخر، والتأثير فيه زيادة عن ظهور بؤر الفساد في المواقع الجنسية التي يصعب حجبها على الجيل الحالي ، والأجيال القادمة ، وهو ما ينذر بتبلد الغيرة ، ويفسح المجال لشيوع الجنس مادامت النوازع الشريرة أكثر قبولا عند المراهقين الشباب، وغيرهم من ناشدي المتعة الحرام . ***التنافس على أشده : بدأت الأساليب التقليدية في السيطرة تختفي تدريجيا ، فاسحة المجال لوسائل أحدث ، فأصبحت الحاجة لقناة تلفزية رقمية مدعمة بأطر مؤهلة تقنيا ومعرفيا لتحقيق ما تعجز عنه الدول بترساناتها النووية وعتادها الحربي ، كما أن المواقع الإلكترونية بدأت في استقطاب الرواد و المتتبعين ، فغدت بعض القنوات التلفزية الرقمية ذائعة الصيت مثل CNN و FOXوأخواتهما ، والجزيرة القطرية وأتباعها ، وبدا التخصص الإعلامي بارزا للعيان، يترجم تنوع الحاجات البشرية ، مواقع للفلاحة ، وأخرى للثقافة ، و ثالثة للرياضة ، ورابعة للدين ...وأخريات للحلاقة والنجارة ، والماركوتينغ ....... الخ . وبازدياد المنافسة إزدادت تجارة الإلكترونيك رواجا وتنوعا ونشاطا ، وحققت شركة مايكروسفت وملحقاتها أرباحا خيالية لم تبلغها دول بأمكاناتها المتنوعة ، وتعددت البرامج الرقمية ، التي تدخلت في التصنيع ، فلا يخلوا مصنع من عتاد مزود بالإعلام الآلي جزئيا أو كليا ، وعبرهُ أصبحت الجوسسة ميسورة ، واختراق المواقع المُعارضة ممكنا ، في ظل تواجد القراصنة بأسلحة الفيروسات ، وبجيش يعرف في قاموسهم بالهاكرز ، فغدا التداول على البشرية بناء وهدما ، أمرا مقبولا ومستساغا ، وتتعرض أكثر المواقع أمانا للتدمير وبلا ضمان ، ما دام فيه حركية اقتصادية ومردود عملي يعود بالأنفاع على بيل غيتس وأصحابه ، من المتربعين على أمبراطورية الإعلام الرقمي. وقد تحاول الدول ضبط وغربلة المرسل إلى مواطنيها بفضل مراكز الحجب غير أن التكلفة وسرعة وتيرة التطوير ستجعل المحاولة عديمة الجدوى لا حقا. . خلاصة القول أن التعامل مع تقنيات التواصل بين البشر أحدث تبدلات عميقة في أمزجة شعوبها ، وانقسموا بين فريق ناقم وآخر شاكر ، وفتح مجالات التراشق الفكري الذي بدأ محتشما وسيبلغ مداه مستقبلا ، وسيلعب دور المؤثر الأساس في التصادم بين اللغات والديانات والعادات ، وأكثرها قوة وإقناعا سيكون هو المنتصر لا محالة ، ويمكن التكهن مسبقا بأن العقليات الباطنية والنقلية ستندثر تدريجيا ، تحت وطأ الهجمات الشرسة من لدن العقل والعلم ،وسيُفتح المجال واسعا للتحرر من القيود الدينية والنقلية ، لبلوغ وثبات مهمة في سلم الحضارة الإنسانية . وستجد الأنظمة صعوبة في قيادة مواطنيها ، لأن مطمحها أكبر بكثير من إمكاناتها ، عندها يتيقن الحكامُ بان السلطة تكليف أكثر منها تشريف .
#الطيب_آيت_حمودة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأمازيغ الذين تربعوا على عرش الفراعنة ؟، وقهروا اليهود ؟.
-
الإديولوجية القاتلة في شمال افريقيا.
-
جدل حول تسمية / المغرب العر بي؟ أم بلاد تمازغا ؟
-
يوسف بن تاشفين والمعتمد بن عباد، صراع عقيدة أم صراع منفعة ؟
-
الإسلام... دين وحدة أم فرقة ؟
-
يزيد زرهوني العلماني ،في صراع مع السلفيين
-
زكية الضيفاوي ... أو نضال المرأة التونسية.
-
التيهان بين العروبة والإسلام .
-
هل العرب أحسنوا تمثيل الإسلام ؟
-
فتنة قرطبة الأندلسية. 403 هج/1013م ، هل هي فتنة أمازيغية أم
...
-
جريمة فرنسا النووية في الجزائر.
-
خراب القيروان!!!
-
عقبة بن نافع الفهري (بين القيل والقال والحقيقة والخيال).
-
انتشار الإسلام في شمال إفريقيا ( بين الفتح والغزو).
-
عقيدة الولاء والبراء بين الشريعة والحياة .
-
الأمويون صناع المذهب الجبري .
-
عروبة شمال إفريقيا في الميزان .
-
الأمير عبد القادر الجزائري بين العلم والدين .
-
تكفيرات ابن تيمية .
-
الأفناك والبافانا بافانا والتحدي .
المزيد.....
-
هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟..
...
-
شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
-
الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
-
-مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في
...
-
البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال
...
-
جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
-
القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ
...
-
الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
-
فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
-
إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|