أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عزيز الحاج - ميناس ميناسيان.. الصديق الذي لم ألتقِ به... راحلون وذكريات















المزيد.....

ميناس ميناسيان.. الصديق الذي لم ألتقِ به... راحلون وذكريات


عزيز الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 2984 - 2010 / 4 / 23 - 16:55
المحور: سيرة ذاتية
    


في الفترة ما بين منتصف التسعينات وعام 2000، رحل عنا العديد من الشخصيات العراقية، التي لي معها ذكريات: منها شخصيات معروفة ولها أدوار في الحياة السياسية أو الثقافية والفنية، ومنها غير المعروفة على نطاق عراقي واسع. والذكريات تتنوع، ما بين الحلوة والرقيقة، وما بين المؤلمة والموجعة. وممن أذكر رحيلهم في تلك الحقبة: الجواهري، وعبد الوهاب البياتي، وثابت حبيب العاني، ورحيم عجينة، وزكي خيري، ومحمد فاضل الجمالي، ومحمد حديد، وجعفر وياسين محمد كريم، وعامر عبد الله، والشخصية الكردية إبراهيم أحمد، والتحق بهم، بعد قليل، عبد الفتاح إبراهيم. ولو عدت لتصفح ورقتي [النافذة]، التي كنت أصدرها شهريا من 1995 وإلى 2000، لوجدت أخبار رحيل هؤلاء، وكلمات توديع، ومنهم من كتبت عنهم مقالات في الصحف – علما بأن علاقاتي مع كل واحد كانت تختلف عن العلاقات مع الآخرين، ومنهم من التقيت به مرة واحدة في اجتماع رسمي، وأقصد لقائي بمحمد حديد في الربع الأول من عام 1967 كمندوب عن الحزب الشيوعي للتفاهم حول التعاون السياسي. وكان نقاشنا يدور حول هدف الديمقراطية السياسية، التي كانت قد غابت فترة قصيرة عن البرامج الشيوعية.

أعيد التأكيد هنا على أنني لا أكتب سِيَراً للراحلين، فكتابة السيرة تتطلب جمع المعلومات وقراءة المصادر وتصنيفها ومقارنة الروايات، الخ. أما كتابي، فهو ما تركته كل شخصية عندي من انطباعات ومشاعر، واعتمادا على الذاكرة، والذاكرة غير مصانة من النسيان. كما لابد وقد رأى القارئ المنصف أنني حاولت جهدي تغليب الإيجابي من الذكريات، رغم أن في بعض الذكريات ما يلسع، ولا يزال يلسع. وقد كتب سلامة موسى في كتابه الجميل "تربية سلامة موسى": " وهناك أشخاص هم في وجداني الآن، حين أذكرهم أحس أن أنفاسي تنهدات لفرط ما أساءوا إليَّ"، ولكنني أسعى دوما لتغليب ذكريات أيام كانت تجمعنا فيها أواصر صفاء. ومن تابع كتاباتي في السيرة السياسية الذاتية لابد وقد لاحظ تغير النبرة والروح، ما بين تشنج وحدة وما بين هدوء وتغليب الإيجابي. وأسأل: كم كانت حياتنا تكون أفضل ورائقة لو طغت العلاقات الإنسانية بين المتخالفين من الساسة الوطنيين على نقاط الخلاف، ولو ظلت علاقات الصفاء بين المتخالفين من أصدقاء أمس وزملاء الدرب المشترك. وقد كتبت مرة في الصحف أن مذكرات بعض ساسة العهد الملكي كانت أكثر إنصافا للخصوم من مذكرات بعض الساسة اليساريين.
أخذتني هذه التداعيات وأنا أهم بالكتابة عن المناضل والشاعر العراقي الأرمني، الراحل ميناس ميناسيان.
عرفته بواسطة [النافذة] في منتصف التسعينات، ويظهر حصل على عدد منها إما من الشاعر الشعبي اليساري شاكر السماوي، وهو من الأصدقاء القدامى، أو من الشاعر الستيني المبدع، الأب يوسف سعيد، وجميعهم في السويد..
كتب لي ميناس رسالة رقيقة كانت بداية تعارفنا وصلاتنا، واستمرت الاتصالات ما بين رسائل أو مكالمات هاتفية حتى رحيله عام 1999 بعد مرض عضال في مدينة غوتنبورغ السويدية، يوم 26 سبتمبر من ذلك العام.

لم أسأله خلال اتصالاتنا عن تفاصيل حياته، ولكنه كان يكتب وكأنه ماركسي. وكان يرسل لي قطعا من قصائده النثرية، نشرت بعضها في النافذة، وهي تفيض بمشاعر الألم والحنين للعراق.
لقد توثقت علاقاتنا رغم عدم اللقاء، وصرت وكأني جزء من عائلته، وظللت أتلفن لزوجته وابنته الكبرى [سيتا] بعد وفاته أسأل عن أحوالهم وأواسيهما.
نعم، لم يكن ميناس شخصية مشهورة، ولكنه كان مواطنا عراقيا أحب وطنه وكان يتألم لمصيره، كما كان شاعرا بالفطرة. فهو، إن شئت الوصف، يمثل المغترِب العراقي الذي يظل يحن للعودة لوطن كان مستباحا. والقطعة التي انشرها ملحفا بالفصل تعبر عن تلك المشاعر والأماني.
عند ميناس، كانت أرمينيا، وعدا العراق، هي الأخرى في صلب حنينه واهتماماته. ويظهر أنه لم يستسغ انفصال أرمينيا عن الاتحاد السوفيتي، وصدم بذلك، ولم أشأ مناقشته، فهناك من اليسار الماركسي من كانوا يشاركونه الرأي ويعتبرون تفكك الاتحاد السوفيتي كارثة، و"مؤامرة أميركية". وطبعا، لست أنا من هذا الرأي، فالاتحاد السوفيتي تفكك داخليا بسبب تناقضاته المتراكمة كنظام شمولي، همه الأول التضخم العسكري!.
أود التذكير بالمناسبة بأن كثرة من أرمن العراق كانوا قد اضطروا في العهد الملكي وبعده للهجرة إلى أرمينيا السوفيتية. وقد تعرفت في السجون إلى العديد من المناضلين الأرمن، ومنهم كريكور بدروسيان، الذي كان عضو لجنة مركزية منذ 1945، وكان موسيقارا. وحين نذكر من بقوا من أرمن العراق، لابد وأن نذكر أحوال الأقلية المسيحية بكل تفرعاتها، وما لحق بها من حيف وظلم ومطاردة خلال السنوات الماضية، ولحد اليوم.

بهذه الكلمات ودعت ميناس في [النافذة]:
" إلى مبناس.....
كما يرحل المئات من خيرة العراقيين في المهاجر الموحشة، فها أنك ترحل بعيدا عن الوطن الذي أحببت. .... بكينا معا لمحنة الوطن، وسأبكيه بعدك ومعك، دون أن أفقد بارقة الأمل، كما لم تفقدها أنت حتى لحظاتك الأخيرة.
تعرفنا عبر الرسائل والصور، ولكن عواطفنا وأفكارنا تلاقت وتعانقت. وها أنذا أعيد قراءة رسائلك المليئة بالحنين إلى العراق، بشمسه، ونخيله وجباله، وأهواره، ونواقيسه... وها أمامي تداعياتك الشعرية الواعدة، ذات البراءة والعفوية الصادقتين، والحس النبيل بالفجيعة وبالغضب.
أرثي بك جميع أحبابي الراحلين، وأعلامنا الغائبين في الغربة، واحدا بعد الآخر.
والبركة في سيتا وشقيقتها سيران والعائلة وأصدقائك المعجبين."

كان ميناس شديد الإعجاب بابنته الكبرى سيتا، التي كانت في بداية الشباب. كانت شديدة الذكاء وفي مقدمة الطلبة، وكانت تدرس في وقت واحد أربع لغات: هي العربية والأرمنية والسويدية والإنجليزية. وقد ألفت بالإنجليزية رواية قصيرة عن شقيقها البعيد ولقائها به، وأرسلت لي نسخة من الرواية. وبعد وفاة ميناس، ظلت تراسلني بالإنجليزية، فكتبت مثلا في رسالة مؤرخة في 6 أكتوبر 1999:
" عمي العزيز، نيابة عن عائلتي وعني شخصيا أشكركم جدا على اتصالاتكم الهاتفية واهتمامكم. وتيقن يا عمي أن والدي كان يحبك ويحترمك جدا وكان دوما يود اللقاء بك. وكان يقدر أفكاركم." ثم تتحدث عن وضعهم الصعب بعد رحيل ميناس:
" الآن، يا عمي، إنني وعائلتي في أصعب وقت. كنت أحب والدي كل الحب، وكل ما أستطيع فعله هو تحقيق حلمه بمواصلة الدراسة والحصول على أعلي المعدلات، ولكي أستطيع يوما جمع ونشر مؤلفاته..." وفي ختام رسالة سيتا أقرأ الملاحظة التالية:
" أكتب بالعربية لأنني لست قوية فيها، ولكنني سأتقنها في المستقبل."
وفي رسالة مؤرخة في يناير 2000 ، تخبرني بحصولها على الدرجة الأولى في الإنجليزية، وأنها في حالة أفضل رغم أنها والعائلة لا يزالون يفتقدون ميناس. أما آخر رسالة منها، فتخبرني بأنها على وشك الزواج في أثينا. وإلى هنا انتهت الصلة، ولا أتذكر من المقصر وكانت قد زارت ابنتي ندى في روما قبل الزواج باستضافتها ندى واهتمت بها وكأنها جزء من العائلة..
هذه كلمة عن ميناس، ولاشك أن لأصدقائه في السويد وخارجها معلومات تساعدني على إغناء هذا الفصل عن ذلك الإنسان النبيل، والشعر الرقيق، وأذكر بوجه خاص الشاعر الستيني المعروف الأب يوسف سعيد.
سلاما على ذكرى ميناس، ومجدا لأرمن العراق والمسيحيين العراقيين، وأينما كانوا.
***************
الملحق:
هجرة الحمام .... ميناس ميناسيان

غدا .. وفي صباح العيد،
عندما تقرع النواقيس..... في حارتنا القديمة...
سيطير الحمام .....
لن يعود يستأذن نوافذ دورنا..
ووجه أمي الحزين حين تزور قبر أبي...
وباقات الزهور الذابلة وبقايا بعض من ضياء الشموع...
*****
غدا عندما تقرع النواقيس في حارتنا القديمة....ستكون السنة الأولى على رحيل أبي... والرابعة بعد مرضه... والخامسة قادمة بدون عيد..... والحمائم لم تعد تحط على نوافذنا....
*****
غدا عندما تقرع النواقيس بحارتنا القديمة.... ستطير الحمامات من جديد...
ستترك لنا ذكريات الأمس التعيسة: موت أبي، وحزن أمي، وجوعنا المستمر...
******
غدا... كم تمنيت أن تقرع نواقيس حارتنا القديمة لتعلن موت الشر.. ولتعود الحمائم إلى نوافذنا معلنة: جئتكم بالعيد...."...

[يوتيبوري – غوتنبرغ- السويد 1997]



#عزيز_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتور جعفر محمد كريم... راحلون وشخصيات..
- الدكتور علي بابا خان.... راحلون وذكريات
- راحلون وذكريات ...الجواهري، أبو فرات، لو كان بيننا !!
- راحلون وذكريات: -رحلتي- مع عبد الكريم قاسم
- راحلون وذكريات: عبد الفتاح إبراهيم، والحاجة لدراسة وتقييم ال ...
- راحلون وذكريات.. عبد الرحمن قاسملو..
- راحلون وذكريات ... زاهد محمد زهدي
- كتاب راحلون وذكريات [الفصل الثالث] - هكذا عرفت جعفر الخليلي
- من كتاب عزيز الحاج [ راحلون وذكريات]2
- من كتاب -راحلون وذكريات- لعزيز الحاج (1)
- عامر عبد الله في ذكراه العاشرة..
- 11 سبتمبر وحرب الإرهاب الدولية..
- أوقفوا الحرب القذرة على الأقليات العراقية!
- مرة أخرى عن- غزوة- المالكي لمعسكر أشرف..
- وضع عراقي قاتم ومقلق..
- أوقفوا مجزرة الكنائس والحملة الغاشمة ضد مسيحيي العراق.
- عندما تتداعى الذكريات..أحباب كانوا أبطالا [ 1 ]
- الحجاب والتسامح الديني في خطاب أوباما..
- مهنة النفاق وفقهاء تخريب العراق!
- أوباما و -أعراض- كارتر!


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عزيز الحاج - ميناس ميناسيان.. الصديق الذي لم ألتقِ به... راحلون وذكريات