أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - الديموقراطية منهج حياة















المزيد.....

الديموقراطية منهج حياة


كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)


الحوار المتمدن-العدد: 2975 - 2010 / 4 / 14 - 00:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إذا استثنينا من يعتبرون الديموقراطية كفراً، لأنها تدعو للالتزام برأي الأغلبية من البشر، وليس رأي الله الذي يحتكرونه هم، فإن الجميع يثمنون ويقدرون مفهوم "الديموقراطية"، بغض النظر عن مدى تطبيقهم العملي لمحتوى هذا المفهوم في حياتهم، سواء الشخصية أو العامة. . وليس أدل على هذا التقدير للديموقراطية، أن الدول والنظم الديكتاتورية حرصت في الماضي الشيوعي والاشتراكي وبقاياه الحاضرة إلى يومنا هذا، على إلحاق كلمة ديموقرطية باسمها، فوجدنا في الماضي ألمانيا الديموقراطية التي كانت هي الأبعد عما يمكن أن تشير إليه الكلمة، وإلى الآن نجد كوريا الشمالية تحمل تسمية ديموقراطية وهكذا. . شهادة وتمسح أعداء الديموقراطية الفعليين بها إذن، هو خير دليل على قيمة الديموقراطية وأهميتها للإنسانية.
نحن بالطبع في هذه السطور غير معنيين بمن يستخدمون الديموقراطية ليس عن اقتناع بها، وإنما كأداة للقفز على ظهر السلطة، لينقلبوا عليها بمجرد وصوله إلى سدة الحكم، أو ما يعرف بديموقراطية المرة الواحدة، تماماً كما فعلت حماس في غزة البائسة، وكما تحاول الجماعة المحظورة الآن في مصر، بدموع التماسيح التي تذرفها الآن على الديموقراطية، متوسلة شرعية تستمدها من سائر التيارات السياسية الساعية للديموقراطية، ويصدقها البعض – بحسن أو بسوء نية- غير مدركين أنهم في حالة وصول هؤلاء إلى السلطة، سيكون مصير من ساعدوهم في الوصول هو الذبح أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف. . أليس هذا هو ما حدث بالفعل في إيران الخوميني؟!!
المهم أنه على قدر التقدير لكلمة الديموقراطية وشيوعها، على قدر القصور ربما إلى حد الجهل في فهم معناها. . فلا يكاد الناس يعرفون عن الديموقراطية سوى أنها عملية حسابية، تحصي عدد المؤيدين لرأي ما، وتقارنه بعدد المعارضين له، لتعتمد في النهاية الرأي الذي تبناه العدد الأكبر ممن دخلوا في هذا الإحصاء. . على هذا النهج الديموقراطي الطريف يمارس رئيس مجلس الشعب المصري دوره بمنتهى الدقة والأمانة، عند عرض أي فكرة أو اقتراح بمجلس الشعب الموقر (رغماً عن أنف الجميع)، فلا يستمع أحد لأحد في المناقشات التي تدور حول الموضوع المطروح، وبعد الفترة من حوار الطرشان التي يتسع لها صدر صاحبنا الجالس على المنصة، يقوم بطرح غلق باب المناقشة أو الموافقة أو الرفض حسب القرار المعد سلفاً، ويقوم بإحصاء أعداد لنواب هم أصلاً مسوقون في كل يفعلون في حياتهم، سواء كانوا مسوقين بأوامر سياسية عليا، أو بما في رؤوسهم من أفكار متجمدة. . هذا هو ما نعرفه عن الديموقراطية، لا أكثر ولا أقل.
هذا النوع من الديموقراطية سبق أن تم استخدامه في إعدام سقراط أعظم الفلاسفة، بقيام محترفو التلاعب بمشاعر الغوغاء بتوجيههم، للموافقة على الحكم على الرجل بتجرع كأس من سم الشوكران، في عملية إحصائية دقيقة وأمينة، لتبدو هكذا ديموقراطية تماماً. . كانت هذه بالفعل هي البداية الأولى لديموقراطية أثينا، التي أخذها عنها العالم الغربي بعد ذلك، ليقوم بتأسيس الديموقراطية الحقيقية، التي تعيش بموجبها الآن الشعوب الحرة والمتقدمة حضارياً، في كافة جوانب الكرة الأرضية.
تقوم الديموقراطية في الأساس على مبدأ أنه لا توجد حقيقة مطلقة الصحة، وبالتالي لا أحد منا لديه الرأي الواحد والوحيد، الذي ينبغي على الحكيم اتباعه، ولا يرفضه إلا الجهلاء أو الحمقى. . وأنه علينا لكي نصل إلى أكثر الآراء اقتراباً من الصواب، أن يتناقش المعنيون بالموضوع، لبحث الأمر ملياً فيما بينهم، متتبعين النتائج المتوقعة عملياً نتيجة تطبيق كل خيار من الخيارات المطروحة، لينتقلوا بعدها لحساب المكاسب والخسائر المترتبة على كل خيار. . هنا لابد أن ينشأ الخلاف والاختلاف بين المعنيين بالأمر، فمثلاً ما يعتبره أحدهم خسارة، قد يعتبره آخرون مكسباً، أو على الأقل قد يهونون من وزن الخسارة، والعكس صحيح لما يعد مكسباً، لتكون النتيجة اختلاف التقييمات، رغم الوعي من قبل الجميع وبقدر المستطاع، بعناصر الموضوع ونتائجه التطبيقية، بالطبع في حالة ما إذا تم حوله نقاش جاد وعلمي، وليس مجرد ضوضاء على مذهب "مقارعة الحجة بالحجة"، ذلك الذي فيه يدخل كل أطراف النقاش ولديهم قراراً أو خياراً جاهزاً، وليسوا مستعدين بأي حال للتزحزح عنه ولو سنتيمترات قليلة، ليكون النقاش غير جدير بمفهوم "نقاش"، وإنما هو تطاحن أو مناطحة، بين ثيران مصرة على ضرب رؤوسها في قرون أو صخور مقابلها العقلية.
المسألة إذن في الديموقراطية ليست مجرد "الأخذ برأي الأغلبية" بصورة مطلقة، حتى لو كان رأي الأغلبية كارثياً، أو مخالفاً لكل تعقل وعقلانية. . فقبل عملية إحصاء الموافقين والمعترضين، لابد أولاً أن يكون قد حدث جدل تفاعلي بناء بين الحضور، وجرت عملية البحث المخلص عن القرار الصواب، بعيداً عن المطلقات والشعارات . . بعدها يكون من حق كل مشارك في الاقتراع، أن يكون له تقييمه الخاص والحر لتلك النتائج، ليكون من المشروع بعد ذلك أن ننتقل إلى إحصاء الأصوات الممنوحة لكل اقتراح.
نأتي إلى بداية فكرة الديموقراطية، والتي قلنا أنها تقوم على عدم وجود رأي مطلق الصحة، لنبحث عنه لدى شخص ما، نسير خلفه مطمنئين آمنين. . فما هو موقف المؤمنين بالأديان من هذه الفرضية، حيث يقوم الدين على تقديم الحقيقة المطلقة للمؤمنين به، فهل يعني هذا التعارض الظاهري بين كل من أساس الديموقراطية وأساس التدين، أن الديموقراطية لابد وأن تُعد كفراً لدى كل متدين؟
تختلف الإجابة على هذا التساؤل باختلاف طبيعة تدين الشخص، الذي هو فهمه الخاص للدين الذي يعتنقه. . فمن يرى في الدين علاقة خاصة بين الفرد وربه، ولا تُلزم فروضه ووصاياه (كما يفهمها هذا الإنسان) شخصاً آخر سواه، ليؤسس مثل هذا الإنسان المتدين علاقاته الدنيوية مع سائر البشر، على أسس مصلحية وعلمية، مستندة إلى المعايير الأخلاقية العامة والمتفق عليها من الجميع. . مثل هذا المتدين تكون الديموقراطية بالنسبة له منهجاً مثالياً لتحقيق ذاته، بجانب تحقيق كل أفراد المجتمع لذواتهم، سعياً لتحقيق إنجازات عملية لصالح المجموع.
أما المتدين الذي يرى في الدين مصدراً لأوامر إلهية تشمل كل مناحي الحياة، ويتحتم (طبقاً لإيمانه) أن تُفرض على جميع الناس، سواء المؤمنين بذلك الدين أم غير المؤمنين به، تحقيقاً للطاعة والعبودية لله أو ما يعرف "بالحاكمية"، مثل هذا الإنسان ومثل ذلك التدين أو الفهم للدين، يتعارض بلاشك مع الديموقراطية، لأنه يراها مؤدية للكفر، الذي يتمثل في عدم الامتثال للقوانين والشرائع الإلهية، والسير وراء آراء ومفاهيم البشر.
نفس ما قلناه عن هذا النوع الأخير من المتدينين، يقال عن معتنقي أيديولوجيا يرون فيها الحقيقة المطلقة والنهائية، والتي تحدد كل ما يتعلق بالإنسان، بداية من الفنون والآداب، مروراً بالنظم الاقتصادية والاجتماعية والأسرية، نهاية بالنظام السياسي. . هنا أيضاً يكون من الضلال البعد عما تنص عليه الأيديولوجية المقدسة، وهذا ما رأيناه في نظم الكتلة الشرقية، التي لم تدم أكثر من ثلاثة أرباع قرن، لتنهار بعدها.
في جميع الحالات السابقة تختفي الديموقراطية، ولا يكون ثمة استخدام لآلياتها في بحث "الموضوع"، حتى وإن استخدمت جزئياً في اختيار الشخوص، مثلما يحدث من اقتراع في لجنة مركزية لحزب شمولي، أو عصابة غير شرعية ومحظورة قانوناً، للمفاضلة بين الأشخاص الذين يصعدون إلى قمة الهيئة المسيطرة، دون أن يكون هناك فوارق حقيقية بين رؤاهم الموضوعية.
الديموقراطية الحقيقية إذن ليست مجرد آلية اختيار أو انتخاب صماء، تستخدم الصناديق أو رفع الأيدي، لترجيح شخص على شخص أو رأي على رأي، لكنها منهج فكر وحياة، يعتمد على الجدل والحوار بحثاً عن الموقف والرأي الأقرب للصواب، والأكثر جلباً للمكاسب، والأقل مدعاة للضرر أو الخسائر، بمنأى عن الدوجما والأيديولوجية، أو الانتصار للعصبية والطائفية باختلاف صنوفها. . فالإنسان الديموقراطي ليس هو من يلجأ لآليات الديموقراطية فقط في مجلس الشعب أو الانتخابات، بل هو يعيش كل مناحي الحياة بذلك المنهج، بدءاً من حياته الأسرية، صعوداً إلى المستويات الأعلى من الحياة العامة. . عندما يكون لدينا أناس ديموقراطيين بهذا المعنى، سيكون لدينا حياة ديموقراطية، تماماً كما نحتاج إلى أحرار ليكون لدينا حرية.
مصر- الإسكندرية



#كمال_غبريال (هاشتاغ)       Kamal_Ghobrial#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كن ليبرالياً ودعني أقتلك
- العنف المقدس وإرهابي طائرة الرئيس
- بيان للتوقيع من علمانيين مصريين
- خربشات طفولية- 1
- بيان علمانيين أقباط- مازال مفتوحاً للتوقيع
- أجنحة الغياب- قصة قصيرة
- تغيير أم صراع على السلطة؟
- عندما يتناقض الدستور
- ثقافة الصدام المنقرضة
- البلطجة باسم الإله
- نحن والوطن
- الإخوان واستراتيجيتهم الحربائية
- -عنزة ولو طارت-
- هل نعشق الحرية؟
- المرأة والرجل والسيرك
- محاولة اختطاف البرادعي
- تشريح جثة التخلف
- كتاب كمال غبريال: العولمة وصدمة الحداثة
- حركة كفاية والمهزلة الحنجورية
- إشكالية الفتاوى الدينية


المزيد.....




- البحرية الأمريكية تعلن قيمة تكاليف إحباط هجمات الحوثيين على ...
- الفلبين تُغلق الباب أمام المزيد من القواعد العسكرية الأمريك ...
- لأنهم لم يساعدوه كما ساعدوا إسرائيل.. زيلينسكي غاضب من حلفائ ...
- بالصور: كيف أدت الفيضانات في عُمان إلى مقتل 18 شخصا والتسبب ...
- بلينكن: التصعيد مع إيران ليس في مصلحة الولايات المتحدة أو إس ...
- استطلاع للرأي: 74% من الإسرائيليين يعارضون الهجوم على إيران ...
- -بعهد الأخ محمد بن سلمان المحترم-..الصدر يشيد بسياسات السعود ...
- هل يفجر التهديد الإسرائيلي بالرد على الهجوم الإيراني حربا شا ...
- انطلاق القمة العالمية لطاقة المستقبل
- الشرق الأوسط بعد الهجوم الإيراني: قواعد اشتباك جديدة


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال غبريال - الديموقراطية منهج حياة