ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2965 - 2010 / 4 / 4 - 20:21
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لا يزيد عمر الطائفية في سوريا عن قرن ونيف، ونقصد بذلك الطائفية السياسية ، أما الطائفية المذهبية ، فعمرها يوازي عمر الأديان التي تنتمي إليها ، وهي حقيقة واقعة ، لا سبيل لإنكارها أو تجاهلها في إطار الاجتماع السياسي والأهلي .
فالاجتماع الأهلي والسياسي ، إذا لم يكن متجانساً في حده الأدنى ، فهو مهدد في أي لحظة بالتمزق من الداخل ، ما لم يتم تنظيمه في أطر سياسية ومؤسساتية تقودها الدولة ويراقبها القانون والدستور .
وهذا الاجتماع ، في حده الأدنى ، ليس متوفراً في سوريا ، التي انتقلت بدورها كمجتمع ومؤسسات من الطور الوطني إلى الطور الطائفي ، والتمزق في الحالة السورية مؤجل حتى إشعار آخر ، إذا ما قورنت بالحالة العراقية ، وذلك بفعل ضبط النظام السوري لإيقاع الطائفية التي يرتكز عليها ويلعب على حبالها الرفيعة، فالتمزق الاجتماعي إن حصل ، سيرتد تمزقاً سياسياً قد لا يسلم منه النظام .
من هنا ، لا يمكن البتة ، أن تهيمن طائفة على طائفة أخرى ، تصغرها أو تكبرها في الحجم والتاريخ ، ولا أن يتم تجاهل الطوائف الأخرى ، بغرض الحفاظ على مكتسبات السلطة التي لا يمكن لها أن تكون شرعية ، ما دام منطق الغلبة والهيمنة الطائفية هو السائد ، فذلك المنطق لا يؤسس لثقافة التعايش والتسامح ، وبذات الوقت يعدم كل ما له صلة بالديمقراطية وحقوق الإنسان ، ويؤسس للحظة الاستبداد والديكتاتورية وحكم الفرد المطلق .
فالتمزق الاجتماعي الحاصل في العراق ، على سبيل المثال لا الحصر ، لا تعود أسبابه الرئيسية إلى الحرب الأميركية ، ولا إلى استبداد نظام صدام حسين وحكم " البعث" الذي استمر قرابة نصف قرن ، بل كنتيجة مباشرة لتفرد طائفة ( السنة ) على غيرها من الطوائف باسم البعث والقومية والعروبة ، وما إلى ذلك من شعارات مرحلية ، وتهميشها لباقي الطوائف ( الشيعة ، اليزيدية ، الصابئة ) ما أدى في نهاية المطاف ، إلى التفكك والتمزق المزدوج لهياكل الدولة والمجتمع .
فلو كانت السلطة في العراق ، تجري بالمداورة بين الطوائف ، وفي ظل سلطة القانون وضمن الآليات الديمقراطية ، لما شهدنا هذا التباعد والتمزق المريع ، الذي أدى إلى تشظي العراق وتجزئته إلى كيانات وطوائف من داخل الطائفة نفسها .
إن الواقع في سوريا اليوم ، لا يختلف كثيراً عن الواقع الذي كان سائداً في عراق صدام حسين ، من حيث التسلط الطائفي المقنع بقناع العلمانية الزائفة ، والفارق الوحيد بينهما ، أن ردات الفعل على الواقع الطائفي ، قد تختلف من مجتمع لآخر ، وفقاً لمزاجه الشعبي وثقافته العامة ، وهو ما يحيلنا إلى رصد طبائع المجتمع السوري ، بمعزل عن التأثيرات الخارجية الموجودة لدى نظيره العراقي .
فالمجتمع السوري ، بتركيبته الطائفية الحالية ، والتي تفتقر إلى مقومات الوحدة الوطنية ، كسبب من أسباب تطييف السلطة ، لم يكن يعرف الطائفية السياسية ، إلا في ظل حكم حافظ الأسد ، والذي ظهر بداية كحكم علماني ، بغض النظر عن طريقة وصوله إلى السلطة في 16 تشرين الثاني / نوفمبر 1970 وقبل ذلك في انقلابه الشهير على رفاقه البعثيين في 23 شباط / فبراير 1966 ، والذي تثار حوله الكثير من الألغاز وعلامات الاستفهام .
وما لبث حكمه ( الأسد الأب) الموسوم بالعلماني ، والذي استمر حتى تاريخ وفاته في 10 حزيران / يونيو 2000 ، بداعي ضرورة مواجهة إسرائيل ، ما لبث أن تكشّف عن طائفية مقنعة باسم العلمانية ، سرعان ما سقط قناعها الزائف ، حينما جرى توريث السلطة لنجله بشار ، بما يشبه القفز فوق الشعب والطوائف التي يتكون منها ، وتجاوز مؤسساته التي طيفت في عهد الأب واستكملت دورها المطلوب ( الجيش ، الإعلام ) في فسح الطريق أمام الوريث ليكمل السير على درب المواجهة المزعومة مع إسرائيل ، لاستعادة الجولان المحتل كاملاً ، وتحرير آخر شبر من فلسطين ، تماماً كدرب المواجهة التي خطاها صدام بدءاً من احتلال الكويت ، الذي تكشفت طائفيته في لحظة تاريخية فارقة ، حينما انسحبت قواته القهقرى ، تحت تأثير ضربات قوات التحالف الدولية ، معلناً بعد تلك المواجهة ، عن " حملته الإيمانية " عام 1991 رداً على انتفاضة الطائفة الشيعية في جنوب العراق ، وتحصيناً لحكمه الطائفي .
فنحن أمام لحظتين تاريخيتين فارقتين، كشفتا عن الوجه الحقيقي لحكم الأقليات ، بعيداً عن حكم القانون والمؤسسات، سواء كانت أقلية مذهبية ، كما في الحالة السورية ( الطائفة العلوية ) أو متقاربة نسبياً كالحالة العراقية .
اللحظة الأولى، تمثلت بإعلان صدام عن إطلاق " حملته الإيمانية" التي كشفت عن طائفيته المقنعة، تمهيداً لتوريث السلطة لأحد نجليه ( عدي و قصي) لكنه لم يتم بفعل الظرف الدولي.
اللحظة الثانية، تجلت بمحاولة الأسد الأب توريث السلطة لنجله الأول باسل، التي لم تتم بفعل ظرف الاغتيال، إلا أنها تمت مع نجله الثاني بشار، الذي ورث الطائفة والثروة والدولة بكل مؤسساتها والمجتمع بكل شرائحه وطوائفه.
ما تقدم شرحه ، يوضح حقيقة أن حكم الأقليات المذهبية ، غالباً ما يؤدي إلى سطوة الطائفة على المجتمع والدولة ، فالالتصاق بالسلطة يكاد أن يكون أبدياً ، كما في الحالتين السورية والعراقية ، فجميع الدول ، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية ، التي يتكون نسيجها الاجتماعي من طوائف وأقليات - مذهبية أو عرقية ، ولكي تضمن سلامة ذلك النسيج من التمزق والتفسخ ، وسلامة أمنها الأهلي ، عادة ما تتجه بوصلة السلطة نحو الأكثرية السياسية أو الأغلبية المذهبية ، في أجواء يسودها الانتقال والتداول السلمي للسلطة ، وأمامنا الآن النموذج العراقي الذي سبق أن تحدثنا عنه قبل قليل ، فقد يتفق معنا البعض أو يختلف ، أن التجربة العراقية لم تنضج بعد ، لكن الصحيح والأكيد أن معالمها السياسية تحددت بشكل سليم ، فإبرة البوصلة اتجهت في كل مرة من عمر العراق الجديد ، نحو مركز الثقل السياسي والمذهبي ، الذي لا تخطئه العين ، باتجاه الطائفة الشيعية ، من دون التهميش لباقي الطوائف والمكونات السياسية والمذهبية ، وهو ما لم يكن موجوداً في عهد صدام الذي أشرك الطوائف الأخرى في الحكم ، تبعاً لمبدأ الولاء والطاعة ، مثلما يجري في سوريا الآن ، وفقاً لولاء الطوائف المطلق لشخص النظام أولاً .
ما تمت الإشارة إليه ، لا يعني أن حكم الأغلبية ، أقل طائفية من حكم الأقليات ، لكنه أدنى تطييفاً للدولة والمجتمع ، فالتشاركية لازمة من لوازم حكم الأغلبية ، أي أغلبية كانت ، في حين أن الفردية والذاتية لا تفارق مخيلة الأقليات ، والأخيرتان ( الفردية والذاتية ) تؤسسان لحكم طائفي استبدادي مطلق يتربص بمحيطه الداخلي ( الطوائف) ، أكثر من تربصه بمحيطه الخارجي ( نموذج الأسد - صدام ) والسبب في ذلك يرجع إلى التسلط على السلطة نفسها ، إما سطواً أو انقلاباً ، ودائماً باسم العلمانية وأحزابها السياسية ( البعث) باعتبارها الأكثر تضاداً مع الطائفية ، وهو ما حصل في ستينات وسبعينات القرن الماضي ، ولازال مستمراً حتى اليوم .
إن الحصن الأخير للأقليات المذهبية ، هو الطائفة وليس الوطن ، كونها الكيان الذي يحميها في إطار الكيانات الأخرى التي تشكل الدولة والمجتمع ، ومن خلالهما تتشكل هويتها الوطنية ، إن كانت أقلية مذهبية ، وهويتها الثقافية ، إن كانت أقلية عرقية ، فالطائفة في هذا المقام ، خندقها الأخير الذي تدافع عنه ( وليد جنبلاط كمثال ) فإذا ما كانت الأقليات على رأس هرم السلطة - لن تكون بغير الانقلاب والسطو- فإن مصالحها تتجه نحو تحصين واقع الطائفة لديمومة بقاءها في السلطة ، كتحصين النظام السوري لطائفته العلوية ، ومن قبله النظام العراقي ، والتحصين يكون بإفراغ المجتمع من طوائفه وقواه السياسية والاقتصادية ، فضلاً عن تكبيله برزمة من الأحكام العرفية التي تشل حراكه السياسي والاجتماعي ، ورميه بتهمة وهن الطائفية ، التي يحكم بها ويدافع عنها دفاعه عن نفسه .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟