أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد كامل عجلان - البيه















المزيد.....

البيه


محمد كامل عجلان

الحوار المتمدن-العدد: 2952 - 2010 / 3 / 22 - 00:06
المحور: الادب والفن
    


ساءت أحوال قريتنا .. بدا الهزال على وجوه أبنائها .. عم الجدب أرضها .. طرقها النظيفة التي كان يضرب بها المثل .. سدتها القاذورات ، انتشرت في أنحائها بقايا أكوام السباخ .. لم تعد السيارات تتحرك فيها بيسر كما كان حالها دوما .. انشغل العمدة بالصراع مع أهل عائلته والعائلات الأخرى .. كل همه أن يبقى على العمدانية ولا تخرج من داره .. كثرت اعتداءات أهل القرية على بعضهم البعض .. لم تعد لروح الألفة – التي كانت قديما – مكان .. انقلبت الأحوال رأسا على عقب .. كل شئ يدعو للقنوط ..
جلس بعض أبناء القرية الحانقين على سوء حالها .. وما آلت إليه ظروفها ، فقالوا :
- آه .. فين أيام زمان .. أيام العز .. لما كانت بلدنا بيتعملها ألف حساب في البلاد إلى حواليها
- يا راجل متفكرناش .. إحنا ناقصين وجع قلب .. كفاية خيبة العمدة والشلة اللى حواليه ..
- يا سلام على أيام عمد زمان .. كان عمدتنا ينضرب بيه المثل في المركز كله .. إذا اتكلم الكل يسكت .. وإذا حكم الكل يوافق ..
- يا عم عمدة إيه .. دا شيخ البلد عندنا كان أحسن من أحسن عمدة في الناحية كلها ..
هكذا تدور الأحاديث في قريتنا بين بعض الباكين على اللبن المسكوب .. الحانقين على ما آلت إليه أحوال القرية .. " آه فين أيام زمان " ...
العمدة : إيه الحل في الواد ده ؟
شيخ البلد : قصدك مين ؟! .. عبد الآخر ؟
- هوه فيه غيره ؟ .. طالع في المقدر جديد ..
- سيبك منه ، ولا تشغل بالك بيه .. دا واد جعجاع على الفاضى ...
- أهوه الخوف من الجعجاع ده .. الناس ما بتصدق تسمعه .. هم خسران عليهم إيه ؟! .. عمدة يروح .. عمدة ييجى .. تخرب ما تعمر ..
- يا حضرة العمدة عيلتك ما شاء الله ..
- عيلة إيه وزفت إيه .. هو مودينى ف داهية غيرهم ؟
- على رأيك .. كل واحد فيها عاوز يبقى كبير ..
- سيبك م العيلة والكلام ده دلوقت .. عاوزين الراجل الطفس ده ميطلعش من إيدينا .. أهو بيضحك ع الناس ، والناس موش عرفه حاجة وبتصدق ..
- قصدك مين ؟ الشيخ بخيت ؟
- أيوه الشيخ زفت .
- عندك حق .. الناس في بلدنا إلى يقولهم الدين يجروا وراه زى الرهوان ..
- وراه انته كمان يا فالح زى الرهوان .. أصل نروح ف داهية .. عبدالآخر بيغريه .. وهو راجل عينه فارغة زى مانته عارف ..
- آه .. فين أيام زمان يا عمدة ..
- متفكرنيش .. أنا موش ناقص..
هكذا يدور الحوار بين أولى الأمر في قريتنا .. لهث دائم خلف كرسى العمدانية .. الخوف أن ينتقل التليفون والسلاحليك من بيته .. يسلك كل السبل ويجوب الدروب كلها الشرعى منها وما هو دون ذلك .. المهم .. أن يبقى على العمدانية .. ألا تزول هذه البركة من بيته .. فلا القرية تهم ولا الأفراد يشغلون بال العمدة ولا شيخ البلد ..فالعمدانية هذه أس الفساد في قريتنا .. شغلت أولى الأمر عن مهامهم الحقيقية ، فلهثوا خلفها جادين ..
الكل يبكى أيام زمان .. الشعار المرفوع من الجميع في قريتنا " آه .. فين أيام زمان " .. الحانقون يرددونه العمدة وشيخ البلد .. الشيخ بخيت .. عبدالآخر .. الكل يلعب على هذا الوتر " فين أيام زمان " .. ولا أحد يسأل نفسه ما الذي جعل أيام زمان هذه بهذا الشكل وجعلنا نبكيها بهذه الحرقة .. سلكنا كل الطرق إلا طريق أيام زمان .. وما دفع القرية للسيادة قديما ..
إذا جلست إلى فلاحى قريتنا سمعت العجب .. الكسل يحلق فوق الرؤوس .. التواكل سكن القلوب .. أهملت الأرض – التي يحسدنا على خصبها أهل القرى المجاورة – حتى استبدلت ثوب الخضرة الجميل بثياب الجدب المهلهل .. عقد التصحر اتفاقية طويلة الأمد مع أرض قريتنا .. بعدما كان عدوا لها ..
يقولون ذلك و غيره كثير :
- هيه الميه حتوصل امته ؟
- والله موش عارف .. يمكن بكره .. يمكن بعده .. يمكن ...
- حاسب .. حاسب .. الزرع حيموت من العطش .. دا لو ما كنش نصه مات ..
- أديك شايف الترعة مليانة عفش وغيره .. إلىّ يرمى فيها جاموسة ميتة .. شوية حطب .. شوية برسيم .. لما الترعة قربت تنسد ..
- يعنى إيه .. الزرع حيموت ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍
- ربنا يسهل و" البيه " يعمل حاجة ..
- والله موش عارف البيه حيعمل إيه ولا إيه .. حيسلك الترعة .. ولا حيحل المشاكل .. ولا حيوكل الجعانين .. إحنا تقلنا عليه قوى ..
- ياخى متقلش كده ... إحنا لينا غيره ..
- حتى العمدة يعمل العملة من دول ويقول " البيه " عايز كده ... شيخ البلد شرحه ... عبدالآخر شرحه هوه كمان .. حتى الشيخ بخيت لما يتزنق يقول دا كلام " البيه " ...
- وما أدراك ما كلام البيه بقى ؟ محدش يقدر يقول فيه حاجة ..
- زى الشيخ بخيت مبيقول دائما .. " مقدس "
" البيه .. هو الجدار الذي يستند إليه الجميع .. يتخذونه ذريعة لأقوالهم .. العمدة يقول أنه مفوض من البيه .. عبدالآخر يكذبه .. الشيخ بخيت يميل مع من يدفع أكثر .. وأهل قريتنا على استعداد لتصديق الشيخ بخيت ، فلديه من الحجة الواهية ما يقنع بها عقولا خاوية .. غارقة في سبات الجهل والفقر والمرض .. ذلك الثالوث الذي صار ضيفا ثقيلا على قريتنا ..
البيه .. هو الملاذ .. الملجأ .. المهرب .. لا أحد يحاول أن يصنع شيئا لإنهاء هذه الفوضى التي عمت القرية .. الكل يقدم حلولا أيسر ما يقال فيها أنها مشكلات جديدة .. كلها حلول خرقاء .. واحد يقول نقتل العمدة .. آخر يرى أن شيخ البلد أولى بذلك .. الكل يرى البلية كامنة في الآخرين .. لا يتجه أحدهم إلى ذاته .. أو يبحث في دخيلتها .. الحلول كلها كامنة – في رأى أهل قريتنا – في قصر " البيه " .. إشارة منه تنهى كل الأزمات .. لا أزمات تنهى .. والبيه لا يدخر جهدا في سبيل إنهائها .. لكن أنى لها أن تنهى و الجميع نائمون .. استمرأوا الهوان و رضوا به .. القضية كلها في " البيه يقدر ، البيه عارف ، البيه شايف ، البيه لديه الكثير . أجلس كثيرا مفكرا في هذا البيه الذي لم أره في حياتى .. يؤيد من ؟ من حقا المتحدث باسمه ؟ .. هل العمدة ؟ .. لكن ، هل يرضيه لأهل القرية ؟ هل عبدالآخر ؟ .. كيف ذلك وهو مشعل نار الفتنة في القرية .. الشيخ بخيت ؟ كيف يصلح الشيخ بخيت لذلك وبه ما به .. والذي لا يجرؤ أهل قريتنا على التحدث به حتى إلى أنفسهم .. حتى ظنوه مقدسا ككلام البيه الذي يحمله إلينا .. من؟ .. اختلطت الأمور أصبح الجميع يتحدث باسم البيه ، لدرجة أن شككنا في الجميع .. حتى البيه نفسه .
أحدثك بهذا الحديث وحال أهل قريتنا ينتقل من سيئ إلى أسؤأ .. فعبدالآخر قُتل بالأمس .. ولا يعرف من القاتل .. العمدة كل الأنظار تتجه إليه ولا يجرؤ أحد على الجهر بذلك .. يخدعون أنفسهم ويقولون:
منذ أن عرف الخبر وهو حزين .. لم يبرح مكان الحادث .. يعلن إصراره لضابط الشرطة أنه لابد أن يقبض على الجانى ليكون عبرة .. تفيض من عينيه عبرة كبيرة تحمل عبرا كثيرة قائلا:
- آه يا عبدالآخر ياخويه .. يا زينة الرجال .. منهم لله ولاد الحرام ..
فيرد الضابط :
- هدى نفسك يا عمدة .. العدالة حتاخد مجراها ..
- انته متعرفش يا حضرة الظابط هو كان بالنسبة لى إيه ..
فيرد في حنق واتهام :
- عارف يا عمدة .. والله العظيم عارف .. انته حتقولى .. ربنا يديم المعروف .
جلست إلى صديقى فطين نتحدث في هذه الأحوال المتأزمة .. نحاول جاهدين أن نجد مخرجا .. قال فطين :
- والله ياخى الواحد بيبقى مكسوف من زمايله في الشغل .. كلهم بيقولوا هوه مفيش غير بلدكم .. هدوا اللعب شوية .. النقطة والمركز اشتكوا منكم .. وكلامهم مليان سخرية من أهل بلدنا .. حاجة تكسف .. وإيه الحل ؟
- السؤال سهل .. لكن الجواب ! .. آه من الجواب ..
- المفروض " البيه " يدخل في حسم المهزلة دى ..
- البيه تانى ؟! .. حرام عليك يا فطين .. دا أنا سمعت إنه قال لعبدالله الأمين ، لما كان عنده آخر مرة .. إنه زهق من البلد ومشاكلها وإنه موش حيعمل أى حاجة إلا لما يحس أنهم عاوزين يتغيروا فعلا ..
- والله عنده حق .. دى حاجة زادت عن الحد ..
- أنا موش عارف الناس حتعقل امته بقه ويعتمدوا على نفسهم .. موش كل حاجة " البيه .. البيه " خلوا البيه للصعب ..
- المصيبة لقدر الله لو البيه مات في يوم ولا جراله حاجة ..
- على فرض إنه موش حيموت دلوقت ولا حيجرى له حاجة .. لازم يحس إننا فعلا نستحق إلى هوه بيعملوا علشانّه ..
- على رأيك .. يبقى البيه عمال يحل في مشاكل جوه وبره .. وإحنا معنداش دم .. شغالين مشاكل عمال على بطال ..
- فعلا .. المفروض البيه يسبهم شوية علشان يحسوا إنهم المفروض يعتمدوا على نفسهم شوية؛ لأن كده مينفعش أبدا ..
- ياخى دى وصلت لدرجة إننا بنشترى غلة ودرة من البلاد إلى حوالينا ..
- دى حتى الفوس والمناجل والمحاريت بنشتريها منهم بعد ما كنا أحسن بلد في الناحية بتعمل فوس ومناجل وغيره ..
- دى حاجة زادت عن الحد خالص ..
- فعلا والله ...
لا أعرف ما الحل في هذه القرية البائسة .. المائجة بألوان الصراع بين العائلات .. الجميع يرى أن البيه هو حلال المشاكل .. البيه يملك عصا سحرية .. نزج به في الكبيرة والصغيرة .. حقا ماذا لو حدث كما قال فطين أن البيه مات ؟ .. ماذا لو رحل ؟ .. ماذا لو لم يحدث هذا ولا ذاك .. ولكن رفع يده كما يقال حتى يشعر الناس بحجم المسئولية .. مشكلة قريتنا عويصة .. شُغل الناس فيها عن الأرض والزراعة وصناعة الفئوس والمحاريث بالمعارك والصدامات والمشاجرات المستمرة .. آملين في حلول البيه الجاهزة . حقا .. لقد حيَّرنا البيه وحيرناه معنا .. حصرنا المشكلة في نطاق البيه .. تجاهلنا مشاكلنا الأساسية التي تكمن في داخلنا .. حبنا للبيه لا يعنى أن نردد اسمه عند كل مشكلة .. حب البيه فعلا أن نعمل ما يرضيه عنا عرفانا بالجميل ..
- آه .. لك الله أيها البيه .. لك الله ...



#محمد_كامل_عجلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو تعريف الحرية
- جدلية العلاقة بين التجريبية والليبرالية
- أطروحة العقد الاجتماعى والحرية الفردية


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد كامل عجلان - البيه