أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أيوب - الكاتب أحمد عمر شاهين - قراءة في أعماله الروائية - محمد أيوب















المزيد.....



الكاتب أحمد عمر شاهين - قراءة في أعماله الروائية - محمد أيوب


محمد أيوب

الحوار المتمدن-العدد: 2942 - 2010 / 3 / 12 - 12:56
المحور: الادب والفن
    




اهتم الكاتب احمد عمر شاهين بالأدب منذ صباه، فقرأ روايات عديدة، وأشرف على الصفحة الأدبية في صحيفة أخبار فلسطين التي كان يديرها زهير الريس قبل حرب حزيران، وقد دعاني إلى الإشراف على الزاوية السياسية ولكن الحرب لم تمهلنا، وكنت قد دعوته إلى الانضمام إلى حركة القوميين العرب، فاستجاب لدعوتي بعد نقاش طويل اقتنع بعده بمبادئ وأهداف الحركة، ولكنه لم يحتمل القيود التنظيمية، مثله في ذلك مثل بقية الكتاب الذي لا يستطيعون العيش داخل قفص ولو كان من ذهب، كان له رأيه المستقل حتى أثناء فترة انتمائه التنظيمي، ولذلك تعرض لظلم فادح، فقد تجاهله النقاد المصريون لأنه لم يمالئ النظام، وتجاهلته منظمة التحرير لأنه لم يتذيل لأحد، ولم يتزلف، فقد كان معتدا بنفسه وفكره، يحترم عقله ويقدس استقلاليته الفكرية، اعتبره النقاد المصريون مترجما، وتجاهلوا مجموعتين قصصيتين وعشر روايات كتبها ونشرها في مصر، وأصروا فقط على الالتفات إلى كتبه التي ترجمها.
عالج أحمد عمر شاهين بطريقة رمزية علاقة المثقف بالسلطة، ودور هذا المثقف نحو الجماهير الواقعة تحت نير الإرهاب والتسلط،(51)(ودخل القرية غريب) وذهب إلى مسافة أبعد من مناقشة قضية علاقة المثقف بالسلطة ليشير إلى علاقة المثقف الفلسطيني على وجه الخصوص بالدول والشعوب العربية وفي مقدمتها دول النفط العربي، فقد أسهم أبناء الشعب الفلسطيني، من المثقفين والمعلمين، في تعليم أبناء هذه الدول، ومع ذلك لاقوا النكران من الحكام والسلبية من الشعوب، يقول الراوي من خلال تيار الوعي: "لمس رنة سخرية خفيفة في صوت القزم، لم يعره انتباهاً وواصل سيره دون أن يرد عليه:
قريته؟ وماذا يهمكم أنتم من قريته؟ رصاص ونار وجثث، جثث رجال ونساء وأطفال، تاه نسبه بين الجميع، وكل واحد بعد ذلك أخذ يدعي الوصاية عليه، ولكني لم أنس، أذكر صوت الانفجار والرصاص، أذكر شكل أبي وأمي، إلا أني لم أتكلم وقتها، كنت صغيراً وكنت مريضاً مذهولاً حائراً فيما حدث، لكني لم أنس نفسي، صحيح أني سافرت وتهت بين بلاد الله وتعبت، ورأيت مدناً وقرى كثيرة إلا أن اسم قريتي ظل معلقاً في ذهني بحروف من نار… "( 52)
إن الفقرة السابقة تحمل في ثناياها عدة دلالات رمزية ، فالراوي "الغريب" هو الشعب الفلسطيني، والقرية هي فلسطين التي يتذكر صوت الانفجارات فيها عام 1948م، عام الشتات حيث تاه الفلسطينيون في بلاد الله وذاقوا الأمرّين، والإشارة إلى صغر الراوي تشير إلى عزل الشعب الفلسطيني عن قضيته إلى حين، والقزم يشير إلى أجهزة الأمن التي تسهر لحماية الحكام من شعوبهم ومن المثقفين خصوصاً، أما القرية التي توجه إليها فهي إحدى الدول العربية التي تفرض على شعوبها ظلام الجهل، يقول الراوي: " أليس غريباً ألا تنار بيوت القرية في الليل؟ أو لا يضيئون في الليالي المقمرة ؟ ما مصيبة هذه القرية؟ لقد كان يظن أن مهمته ستكون أسهل من ذلك بكثير … "(53)
أما في رواية"الاختناق" فإن الإنسان يجد الرموز نفسها تقريباً، فالرجل الغريب يرمز إلى الشعب الفلسطيني الذي تعتبره بعض الدول العربية مصدراً للنكبات التي حلت بها، وأن الكل يود التخلص منه أو يشعرون بالراحة عند اختفائه، وقد حملت الشعوب الأوربية المشاعر نفسها تجاه اليهود مع فارق في الروابط التي تربط الفلسطينيين بالعرب وتلك التي تربط اليهود بالأوربيين، يقول الراوي:" رحب الرجل العجوز الموظف المحترم، مراقب اللعب، بل حامل جريدة الأخبار تحت إبطه .. المعلق على كل حادثة بنكتة أو حكاية .. بالحديث معي، ولما جابهته بالسؤال، انقض عليّ بإجابة مفاجئة: منذ نزل هذا الرجل هنا والنكبات تتوالى علينا .. لماذا نفتش ونسأل عنه .. لقد غادر وانتهى أمره"(54) (بيت للرجم) ولعل العبارة التالية تؤكد على موقف مصر والشعب المصري من القضية الفلسطينية " حينما أحببنا عم حسين وحميناه … لم نحبه ونحمه كفرد بل كقضية في الأساس."(55)( المندل) وقد وصل الأمر بالكاتب إلى حد الكشف عن الرمز بوضوح" يقول زكي:أتعرف..أحببته كأخي رغم أني لم أعرفه لمدة طويلة..وكنت على استعداد لتقديم كل عون له..لكنه كان حساساً وقلقاً وكثير الشك..وربما كان مخطئاً في الفكرة التي سيطرت على ذهنه أخيراً من أن هناك موجة من معاداة الفلسطينية تسود الوطن العربي..عنده إحساس مرير أنه غير مرغوب فيه..وأنه سيكون سعيداً يوم يستطيع العرب التخلص من كل الفلسطينيين بأي شكل وعلى أية صورة..إن المستقبل قاتم أمامه. فقد قال لي مرة: " أنتم تكرسون الفلسطيني التائه ضحية تذبحونها قرباناً لكل ما تقترفونه من أعمال."(56)(وإن طال السفر)
والمثقف عموما يتشدق بالأقوال لكنه يندحر أمام التجربة وممارسة الفعل، فقد قدم أحمد شاهين مثقفا متناقضاً، يكفر بكل ما كان يدعي أنه يؤمن به بعد أول صدمة تواجهه في الحياة العملية، يكفر بكل أحلامه وأمانيه ويندم على أنه طلب أن يذهب إلى القرية للعمل فيها من أجل النهوض بها (33)، والمثقف إضافة إلى عدم قدرته على التوفيق بين ما يؤمن به وبين الواقع الذي يعيشه، فإنه دعي ثقافة، فهو يشتري الكتب ولا يقرؤها، وإن قرأ فإنه لا يقرأ سوى كتابين أو ثلاثة أو أربعة على الأكثر من كل عشرة كتب يشتريها، في حين يرقد الباقي على الرفوف، وهو يقرأ فصلاً هنا وفصلاً هناك ، أو يقرأ تلخيصاً لبعض الكتب في الصحف والمجلات ليتشدق بها أمام الأصدقاء والغرباء (34)، وفي مقابل المثقف نجد المشعوذين الذين يعملون الأحجبة للتوفيق بين الأزواج أو إزالة الأمراض (35).
1 /1 الفضاء الروائي عند أحمد عمر شاهين
في رواية " بيت للرجم .. بيت للصلاة "
يتكون غلاف الرواية من ثلاثة ألوان، الأصفر والبني ، ولون حائر بين الأبيض والرمادي، واللون الأصفر يدل على الحقد والغيرة، أما البني الغامق، فإنه يوحي بنفسية مكتئبة محبطة، واللون الحائر يدلل على الحيرة، أما العنوان فيضعنا أمام بيتين، والبيت هو الوطن، إذن نحن أمام وطنين، وطن كان لنا، ووطن سلب منا فصار لهم، والبيت الأول يشمل المسجد والكنيسة، حيث ينطلق الأذان، وتدق النواقيس، فيخرج الناس متحدين مسلمين ومسيحيين لرجم البيت الثاني، في الرواية نقرأ العبارة التالية: "يرتدي ملابسه وهو يجري منـحنياً ليـجمع بعض الحجارة في جيوبه، وبدأ يقذف بها نوافذ البيوت المضاءة، يجري في الظلام ووجوه العبرانيين تطل من النوافذ متسائلة." وفي الصفحة التالية يقول: " ولأول مرة منذ سنوات يدق ناقوس الكنيسـة ويعلـو صوت مصطفى يؤذن للفجر من مسجد الحي واتجهوا جميعا للصلاة ." (51)
من قراءتنا للعبارتين السـابقتين يتضح لنـا مدى العلاقة بينهما وبـين العنوان باعتباره عتبة من عتبات النص .
نلاحظ أن أحمد عمر شاهين يكاد أن يكون موجوداً في معظم أعماله الأدبية، فهو الشخصية التي يمثلها المثقف في كل أعماله، حتى أن بعض عاداته الشخصية كانت تتسرب من قلمه إلى الورق دون قصد منه على الأرجح، فقد ذكر تجفيف اليدين من العرق في أكثر من موضع وفي أكثر من عمل، ففي رواية المندل يقول:"أخرج منديلا ليجفف عرق يديه، تناول الكوب باضطراب، بينما وضعت الصينية على منضدة أمامه وجلست قبالته"(73) ويقول في رواية زمن اللعنة:" أغمض عينيه بسرعة وتبللت يداه بالعرق" (74) أما في رواية توائم الخوف فيقول:" ناولته سيجارة، أخذها شاكراً، حاول أن يشعلها، لكن يديه كانتا ترتعشان، نهضت وأشعلتها له، أخرج منديله ومسح وجهه ويديه وأخذ نفساً عميقاً"(75). كما نجد الظاهرة نفسها في رواية "ونزل القرية غريب"، يقول:"وتوقف عن الكلام، العرق بدأ يتصبب منه، احمر وجهه خجلاً بالتأكيد .. ماذا يريد أن يقول؟ تبللت يداه .. مسحهما بمنديله"(76) كما نجد في معظم أعماله الأسماء الحقيقية لأخوته وأقاربه من أخوال وغيرهم ، يقول:" يذكر نسف بيت الحاج إسماعيل، دخلوه من البيارة الخلفية، كانوا يعرفون كل ركن في الفيلا الكبيرة، تجمع الثوار ليلتها أمام البيت الكبير ليمنعوا اليهود من التسلل ودخول الحي عن طريقه، رحل الأطفال والنساء ليلتها، وحينما عادوا رأوا البيت كومة من الأنقاض"(77)، الحادثة هنا حقيقية واسم الحاج إسماعيل اسم حقيقي، كما يتحدث في الرواية نفسها عن حادث الانفجار الذي وقع في سوق الخضار في يافا سنة 1936م، والذي قتل فيه جد المؤلف أثناء جلوسه على المقهى هناك،(78) ونجد وصفاً حقيقيا لمنزله في معسكر خان يونس"وصلنا ساحة كبيرة في طرفها صف من البيوت وراءها تل رملي عال تنمو عليه أشجار الكينا والأكاسيا"(79)
اللغة:
مزج أحمد شاهين في الحوار بين العامية المصرية والفصحى، يقول والد الراوي مخاطبا له: " اتلهي، و ماذا سيرى في المخيمات غير القذارة والذباب والبيوت الواهية..أتظن أن الصهاينة بحاجة لمن يخبرهم عما فعلوه بنا" (196)، كلمة ( اتلهي ) كلمة عامية مصرية، وربما استخدمها الكاتب بسبب مكوثه في مصر أكثر من أربعين عاماً هي معظم عمره، ولعله معذور في استخدام هذه الكلمة أو ما يقابلها بالعامية الفلسطينية (التهي) لأنه لا تكاد توجد كلمة فصيحة تؤدي ما تؤديه هذه الكلمة، كما مزج أحمد شاهين بين العامية المصرية والفصحى في الحوار التالي بين الأم والأب:
" ـ ماذا فعل يا ابن الحلال .. كل الشباب يفعلون مثله .
ـ لا .. لم أر مثله أبداً .. أنت لا تعرفين شيئاً .. لقد سمعت عنه الكثير
ـ الله يخرب بيوتهم أولاد أولاد الحرام .
ـ حلال إيه وحرام إيه .. اسكتي أنت . " (197)
من الواضح أن الشخصيات هنا شخصيات فلسطينية، ولكن النصف الأول من الحوار جرى باللغة الفصحى، بينما جرى النصف الثاني باللهجة العامية المصرية التي تتسرب من الكاتب بطريقة عفوية، وقد وردت في روايات أحمد شاهين بعض الأخطاء الإملائية التي يمكن ردها إلى أسباب تتعلق بالطباعة، وهناك بعض الأخطاء النحوية التي كان من الواجب مراجعتها قبل وصول الكتاب إلى أيدي القراء، ومن هذه الأخطاء قوله: " أنت هنا ليست حراً "(198) ، وقوله: " فتحس أنك قوياً واثقاً"(199) ، وقوله: " ولم ينقذنا ولن ينقذنا إلاّ أرضاً ودولة" (200)
1/2 تعاطف الكتاب الفلسطينيين مع فقراء العالم وبؤسائه عموما، وفقراء الوطن العربي على وجه الخصوص، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى حياة المعاناة التي عاشوها، فقد اعتقد الأطفال الفلسطينيون، ومنهم أولئك الذين أصبحوا كتاباً،"أن الحياة كلها بهذا الشكل، بيوت قرميدية مهترئة، وحل ومياه قذرة، وكلام كثير يسمعونه عن الوطن في البيت والمدرسة .. ولا عمل، كلاب ضالة تجري أو تبحث في المراحيض العامة وصناديق القمامة عن بقايا طعام، قطط تموء، قدمي غاصت أكثر من مرة في قناة مياه راكدة " (26) ، حياة المخيم كريهة تعافها النفس البشرية، فالمخيم عبارة عن" دروب رملية ضيقة، تحيطها أكواخ إسمنتية متخاذلة تهب منها روائح لا تستطيع تمييزها، خليط من البول والبراز والبصل والسمك وماء الفاصوليا المسلوقة والمصارف المنظفة حديثاً، مجموعات من الأطفال تتسلق مجمعات القمامة نابشة فيها…"(27)
وفي المقابل يشعر الفلسطيني بالضياع في مدينة مثل القاهرة،" في القاهرة، يعيش الإنسان الضياع الكامل، أنت لا شيء، حشرة صغيرة تدب على الأرض مثل ملايين الحشرات المتشابهة مثلك، الفرق بينها وبينك أنك تعي وجودك، لذلك تتألم،وتقلق وتمل وتصرخ من الضياع والغربة وعبثية الحياة."(32)
الجنس:
على الرغم من ضخامة الهم الوطني الملقى على كاهل الفلسطينيين عموماً والكتاب خصوصاً، فإن هؤلاء الكتاب لم يتورعوا عن الحديث عن عيوب المجتمع الفلسطيني والإنسان الفلسطيني والعربي ، ولعل الجنس غير المشروع هو أحد عيوب المجتمع العربي عموماً، إن وجود الظواهر الجنسية غير المشروعة يشكل ظاهرة غريبة ومفزعة في مجتمع يناضل من أجل حقه في الحياة، ولديه الكثير من الهموم اليومية، وقد ارتبطت الظواهر الجنسية على الأغلب بظاهرة تعاطي المخدرات أو الاتجار بها، كما ارتبطت من ناحية أخرى بالعمالة والتعاون مع الاحتلال، ومن دراسة الروايات الفلسطينية يتضح أن الممارسات الجنسية تتركز في ثلاثة محاور هي: الزنا، والشذوذ الجنسي، وممارسة العادة السرية، هاهو المدرس العجوز الذي ترك بيته بسبب خيانة زوجته وعجزه الجنسي معها، يمارس العادة السرية، "يقول: الولدان كبرا وتركا البيت، وهي كل ليلة مع زبون جديد، يمسك عضوه ويقول: أنت السبب أيها التعيس، لم لا تتحرك؟ سنوات وأنا بعيد عن النساء، كلما اقتربت منهن، صرت أخافهن، أبتعد عنهن، يقشعر بدني كلما اقتربت منهن، يذكرنني بفشلي، أحب زوجتي، الآن تتحرك، ماذا تريد؟ مكوك النساج يذهب يمنة ويسرة، كم هي لذيذة تلك الأيام؟ التفت خيوط كثيرة حوله، يسمونها بالفرنسية: ترانت آ "يقصد31 "(36)، كما أن الشاب عدنان يتعرض للاغتصاب المزدوج ، فقد اغتصبته إحدى زبونات الفندق، تستدعيه إلى غرفتها، تخلع ملابسه قطعة قطعة، وحين يصبح عارياً تتحسسه وتحتضنه لتدرك أنه يمارس الجنس لأول مرة في حياته، وحين تسأله:" أول مرة يا عدنان؟ يهز رأسه بالإيجاب، تحنو عليه وتربت على ظهره، هل أحببت ذلك؟ يهز رأسه خجلاً، يقول: كنت أحسب أن الأمر يتم من الناحية الأخرى"(37)
وكما حامت تلك الزبونة حول عدنان حتى أوقعته في حبائلها، نجد زبونا آخر هو رأفت اللوطي يحوم حول عدنان بغرض اغتصابه ، ليقع بين شقي رحى الاغتصاب المزدوج، وكأن حاله أشبه بحال فلسطين والشعب الفلسطيني الذي تعرض للاغتصاب المزدوج من إسرائيل ومن بعض الأنظمة العربية، يقوم رأفت اللوطي بإغراء عدنان بالنقود:" لم أعط أحداً أكثر من نصف هذا المبلغ، يتحرك بسرعة، ينقض على الولد ليقبله، الولد يستسلم، يبعد شفتيه ويعطيه باقي الوجه، النقود تقع على الأرض، أنت صنف لا أفهمه، عنيد لا تأتي إلاّ بالقوة، عدنان يهمس: لم يكن هناك آخرون، إن كنت جاداً فذلك أفضل، تستحق أكثر، مكنسة كهربية تمتص الغبار من السماء، عدنان يصرخ مرة ويتوقف عن الصراخ، لم تمت كما كنت تظن، تغلبت على أول مرة، ابحث عن لوطيي العصر"(38)، وفي رواية" توائم الخوف "يترك خلف المسجد، على الرغم من شغفه بالأوراق والألواح، بسبب البرقوقي اللعين، الذي كان يتغزل بالفتيان الذين يتلقون العلم على يديه وكأنهم صبايا ممشوقات القدود.(39)
أما في رواية زمن اللعنة فإن الشذوذ الجنسي يأخذ بعداً آخر، فهو شذوذ يمارسه عدنان الشواهدي مع حاييم اليهودي أثناء طفولتهما، وكان عدنان بعد كل عملية شذوذ يمارسها، يقرر أنه لن يفعلها مرة أخرى، ولكنه عندما يرى حاييم؛ يقول لنفسه ستكون هذه هي المرة الأخيرة.(40) وكأني به يحذو حذو بطل الطيب صالح في رواية "موسم الهجرة إلى الشمال"، الذي كان يحاول أن يغزو نساء الغرب الشقراوات جنسياً، فينتصر على الغرب بهذه الطريقة معوضاً الهزائم التي ألحقها الغرب بنا، بينما يغزو عدنان فتيان اليهود، وقد ظهر الشذوذ الجنسي في قصة توائم الخوف التي تشتمل على قصتين متوازيتين تتمرى إحداهما في الأخرى، فالحاضر يتمرى في الماضي، والماضي يتمرى في الحاضر، نجد الماكيافيلية في أبشع صورها، فالوراق، وفي سبيل الحصول على الكتب النادرة، يطلب من عامله خلف أن يغري أحد الشيوخ الذي يحب الغلمان المرد ويعشقهم، وحين يستنكر خلف ذلك يقول له:" عشمه.. دعه يأمل أن ينال"(41)، وفي رواية الآخرون تحاول سيلفيا سكرتيرة ماك جاردنر في السفارة الكندية والتي تعمل لصالح إسرائيل، تحاول استغلال الجنس للتأثير على محمد الشخصية الرئيسية في الرواية "شقتها منسقة وجميلة، بعثت في نفسي إحساس(كذا) بالراحة، خاصة وأنا نزيل الفنادق منذ خمس سنوات وأفتقد جو المنزل المغلق الهادئ، أعدت مشروباً وجاءت لتجلس بجانبي، قلت: وأنت منذ متى في باريس؟"(42) وقد يلجأ الراوي إلى ممارسة الجنس مع الفتيات اللاتي يمارسن البغاء، قالت:" كم ستدفع؟ أكره المساومة، كدت ألغي الفكرة كلها ، لكن الرغبة كانت أقوى من التوقف عند مثل هذه الاعتبارات، ثم إن الفتاة تبدو صغيرة وجميلة وتعجبني، قلت كما تشائين، قالت: ساعة واحدة ومائة فرنك."(43)
عقدة أوديب :
الصراع بين القديم والجديد صراع أبدي، يدخل ضمن هذا الصراع العلاقة بين الآباء والأبناء، وهي علاقة ينقصها التفاهم على الأرجح، لأن معظم الآباء يتعاملون مع أبنائهم من منطلق الحرص عليهم، ولا يستطيع الأبناء فهم مشاعر الآباء نحوهم ويعتقدون أن مواقف الآباء إنما تأتي من منطلق فرض السيطرة فقط، ولا يدركون حقيقة مشاعر آبائهم إلا في وقت متأخر بعد أن يصبحوا آباءً، ولذا فإن الصراع بين الآباء والأبناء سيظل صراعاً أزلياً أبدياً، وليس هنا مجال الحديث عن نظرة فرويد لهذا الموضوع، ولذا سيقتصر الحديث عن بعض الحالات في الرواية الفلسطينية والتي عبر الأبناء من خلالها عن مشاعرهم السلبية تجاه آبائهم ، وقد يوجه الأبناء هذه المشاعر إلى الأب وحده، وقد يوجهونها للأب والأم معا، كما أن بعض البنات يبدين المشاعر السلبية نفسها تجاه الآباء، مع أن المعروف أن المشاعر السلبية للفتاة توجه على الأغلب نحو الأم حسب وجهة نظر فرويد فيما يسمى بعقدة إلكترا. في رواية "توائم الخوف" يتحدث شريف ضابط الشرطة عن أبيه فيقول: " نظر إلى بحدة..تلك النظرة التي كانت تخيفني منه وأنا صغير، توقعت أن يشتمني كما اعتاد أن يفعل، لكنه تمالك نفسه وقال: أنت لم تعرف مشاعر الأبوة بعد "(52)، لكن شريف يوضح لنا أنه لم يكن يرغب في هذه الجفوة بينه وبين أبيه على الرغم من اعتقاده أنه على صواب وأن أباه مخطئ، وهو يحس باعتزاز أبيه به وحبه له ولأخته(53)، وقد يوجه الابن كراهيته نحو الأم والأب معاً، يقول راوي أحمد شاهين في رواية " بيت للرجم ، بيت للصلاة " لا أذكر أن أمي احتضنتني يوماً، تعاملني ببرود شديد، أرهبها وأرهب أبي، لكن أم عبده نوعية أخرى من النساء"(54) وفي رواية "المندل" يشعر وليد بالارتياح حين يختفي الحاج فجأة، وهو يعتقد أن اختفاء والده الحاج سيحل مشاكله، ولكنه يلوم نفسه على تفكيره فهو يحب أباه، ولم يخطر بباله أن يفقده بهذه الطريقة(55)، أما في رواية "وإن طال السفر" فإن سعاد تعبر عن مشاعرها تجاه والدها بقولها:"أما أبي، فإني لم أشعر نحوه إلا بالخوف .. الخوف الشديد، حتى إذا أردت منه شيئاً أطلبه عن طريق عصام أو أمي، كانت أمي خاضعة لأبي خضوعاً تاماً، ولا تتستر علينا كما تفعل الأمهات"(56)
العمل العسكري
ارتبط العمل العسكري لفصائل منظمة التحرير بالعمل السياسي، فلا يمكن لأي عمل عسكري أن يبدأ دون قرار من المستوى السياسي، وكان الاتجاه السياسي الوحيد الذي عارض العمل العسكري هم الشيوعيون، فهم يرون أن أضرار العمل المسلح أكثر من فوائده في مرحلة لم تتهيأ الجماهير فيها لاحتضان ذلك العمل وحمايته، يقول أحد كوادر الحزب الشيوعي: "هل تذكرين اللغم الذي وضعه أحد الأفراد على خط السكة الحديد بعد الاحتلال مباشرة .. ماذا كانت النتيجة؟ اعتقل المئات وقتل عشرة أشخاص منا .. هل سمعت ما قاله الناس آنذاك؟ لو عرفوا الفاعل لسلموه إلى قوات الاحتلال .. لم يكن العمل العسكري ممكناً وقتها .. أما الآن فالوضع مختلف تماماً" (62)، ولعل عبارة" أما الآن فالوضع مختلف تماماً" تحاول تبرير مشاركة الشيوعيين في العمل المسلح، من خلال الجبهة الوطنية، بعد فترة غير بعيدة عن بداية الاحتلال، بحجة عدم التخلف عن الجماهير، والحقيقة أن الثورة الفلسطينية بدأت بالعمل المسلح دون أن يتمرس عناصرها بأشكال النضال المختلفة، والتي يأتي النضال المسلح تتويجاً لها، فقد أهملت التنظيمات الفلسطينية النضال الفكري والنضال السياسي، والنضال النقابي والنضال الطلابي، ولم تلتفت إلى مثل هذه الأشكال من النضال إلا في مرحلة متأخرة، ومع ذلك فقد استنزفتهم الصراعات، وتأسست في النصف الثاني من عقد السبعينات، نقابات متصارعة فيما بينها، إلى درجة طغت فيها الخلافات بين الاتجاهات المختلفة على التناقض الرئيسي بين هذه الاتجاهات وبين الاحتلال مما أضعفهم جميعاً وأوصلهم إلى ما هم عليه الآن، وقد تعرض الفلسطينيون للكثير من العمليات العسكرية التي كانت تستهدف الحد من نشاطهم، ومن الواضح أن هناك تفاهما ضمنيا حول ضرورة تقليم أظافر الفلسطينيين العسكرية حتى لا يخرجوا عما رسم لهم في الخفاء، وقد لجأت إسرائيل إلى تنفيذ عمليات اغتيال ضد بعض العناصر الفلسطينية التي تشكل جزءاً من النواة الصلبة لمنظمة التحرير الفلسطينية، أو تلك الشخصيات التي كانت تدعو إلى السلام مغردة بذلك خارج السرب، طارحة موضوع السلام قبل الوقت المحدد لانطلاق هذه العملية، لقد كانت الدعوة المبكرة إلى السلام تحرج إسرائيل وبعض المتنفذين في منظمة التحرير، ومن هنا كان اغتيال دعاة السلام هؤلاء مصلحة مشتركة، لقد تم اغتيال العديد من الشخصيات المهمة في منظمة التحرير، فقامت إسرائيل باغتيال الزائر المهم الذي استقبله محمد، فقد تم تفخيخ السيارة التي قادها محمد، وقد انفجرت في الصباح بعد أن ركبها المسئول،(63) وهنا يبدأ محمد بربط الأمور وتتجه شكوكه نحو سيلفيا السكرتيرة في السفارة الكندية، كما تتجه شكوكه نحو فيشرمان، خصوصا بعد أن عرف من صديق له أن سيلفيا كانت قد قدمت نفسها لبعض الطلاب في الجامعة على أنها باتريشيا وأنها تعد رسالة في الفلسفة (64) ، وعندما يكتشف (جاردنر) أن (سيلفيا) تعمل لصاح إسرائيل، وأن فيشرمان الحقيقي يوجد في استراليا، يبدأ في العمل على مساعدة محمد على التخلص من فيشرمان المزيف،(ضابط المخابرات الإسرائيلي) ولكن فيشرمان كاد يسبقهم إلى اغتيال محمد، حيث أرسل له طرداً على العنوان الذي يقيم فيه، ومن حسن حظ محمد وسوء حظ (ناتالي) أنها استلمت الطرد أثناء تواجدها عند محمد، يقول محمد:
" قلت من يا ناتالي ؟
قالت: الخادم أحضر كتاباً لك .
ـ ممن ؟
ـ لا يوجد سوى عنوانك مكتوب عليه .
قلت : من الذي يهديني كتاباً ؟
قالت : أفتحه لك .
قلت : لو سمحت ..
ثم خطر ببالي خاطر كالبرق، صرخت: لا تفعلي يا ناتالي، لكن الانفجار أضاع صرختي في الهواء"(65)
بعد ذلك رتب جاردنر موعداً بين فيشرمان وبين شخص وهمي، على أن يذهب محمد بدل الشخص الوهمي وتتم عملية الاغتيال دون أن يشعر أحد(66)، يخبر محمد أصدقاءه في مكتب المنظمة في باريس بنيته في اغتيال فيشرمان، وقد قام هؤلاء، على الرغم من القرار الذي اتخذوه بنقل محمد إلى القاهرة، بمد يد المساعدة له لينفذ العملية في أسبانيا قبل موعد مغادرة الطائرة التي حجز عليها محمد بوقت قصير، وحين وصل محمد إلى المكان المحدد في الموعد المحدد، يقول محمد،" امتقع وجهه تماماً، أصبح لونه كتمثال من شمع، جلست في مواجهته، مددت يدي في جيب معطفي، المسدس جاهز، أخرجته بسرعة وأطلقت، بان الذعر على وجهه، أطلقت مرة ثانية، رفع يده .. كفه في مواجهتي، أطلقت عليه الطلقة الثالثة، سقطت يده على المنضدة، تركت المسدس أمامه، غطيته بطرف المفرش بعد أن مسحته به، نهضت ببطء، لم يلحظ أحد ما حدث، أو بالأحرى، لم يكن هناك أحد بعد." (67)
ولعل كل ما عاناه الفلسطينيون يرجع إلى رفضهم الانخراط في عملية السلام في الشرق الأوسط، فقد قابل الفلسطينيون زيارة الرئيس السادات للقدس بشعور من الذهول والصدمة، فحتى آخر لحظة كان أبناء الشعب الفلسطيني يتوقعون ألا يطل السادات من الطائرة وأن يكون الأمر مجرد مزحة، أو مجرد خبر كاذب، بكى بعضهم عندما أطل السادات من الطائرة التي تقله(70)، لقد كان ما حدث شيء يندرج في خانة اللامنطق واللامعقول بالنسبة للعقلية العربية عموما والعقلية الفلسطينية خصوصاً، فلم تكن العقلية العربية قد تهيأت لما حدث على الرغم من انتصارات أكتوبر المجيدة، التي أعادت للمقاتل العربي على جميع الجبهات ثقته بنفسه وثقة العرب به، وعليه فإن العرب قابلوا مبادرة السادات بالرفض، ولو ظاهرياً على الأقل، وتم نقل مقر الجامعة العربية من مصر، وقد أثبتت الأيام صحة المقولة التي تؤكد أنه لا حرب دون مصر، وفي الوقت نفسه أثبتت الأيام فشل المقولة التي تقول أن لا سلام دون سوريا، فقد وقعت الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل، ووقع الفلسطينيون اتفاقية الحكم الذاتي الذي كانوا يرفضونه، وتم الاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير، والعجيب في الأمر أن لبنان صمد في وجه إسرائيل أكثر من الفلسطينيين أصحاب القضية الرئيسية، لقد ساءت العلاقات بين منظمة التحرير والرئيس السادات؛ مما أدى إلى ترحيل الفلسطينيين عن مصر، وتم تجميع الفلسطينيين من كتاب وشعراء ومترجمين وسياسيين تمهيدا لترحيلهم عن مصر، ولم يكن هناك مكان في العالم العربي يقبل دخول الفلسطينيين دون تأشيرة سوى بغداد، ذلك أن جميع السفارات العربية كانت في عطلة العيد(71)، ونظراً لما عاناه الفلسطينيون في الشتات؛ فقد أصبحت العودة إلى الوطن حلماً بل هاجساً لكلٍ منهم، فكر عبد الله في العودة، وحين سئل: وكيف ستعود؟ أجاب إن كثيراً من الفدائيين يتسللون إلى الأرض المحتلة عن طريق البحر، ويقول: "قررت العودة عن طريق بور سعيد معهم إلى غزة "(72) وقد أسهم الاحتلال في تغيير أفكار الشباب ، يقول راوي أحمد عمر شاهين: " كم يتغير المرء.. هل كنت أظن أو أفكر أن كل هؤلاء الشباب الضائعين قبل الحرب، من الممكن أن يكونوا بهذه القوة والعنف، إنه التحدي على رأي سلطان، الشعب تحت الاحتلال يكون أشرس وأكثر تمرساً بأساليب الحرب.. الحرب الشعبية" (73)، والواقع لا يؤيد ذلك، لأن الكفاح المسلح في المناطق المحتلة لم يصل في أي وقت من الأوقات إلى مستوى الحرب الشعبية، إلا إذا كان الرواي يقصد بالحرب الشعبية، كون أبناء الشعب قد أخذوا زمام المبادرة بأيديهم، لشن حرب العصابات المحدودة ضد جنود الاحتلال، أما في الخارج، وفي الأردن بالتحديد، فإن الكفاح المسلح كاد يصل إلى مستوى الحرب الشعبية خلال سلسلة المواجهات العسكرية بدءاً بمعركة الكرامة، وصولاً إلى معارك الحزام الأخضر في منطقة بيسان والأغوار، لكن الظروف التي أحاطت بالمقاومة في الأردن من ممارسات سلبية لبعض العناصر المدسوسة على المقاومة، إلى عمليات خطف الطائرات، إلى الاشتباكات بين الفلسطينيين والأردنيين، كل هذه الظروف أدت إلى إبعاد المقاومة عن أطول خط للمواجهة مع إسرائيل.
وقد لجأت إسرائيل ضمن حربها السياسية ضد العرب والفلسطينيين إلى ترويج المخدرات بين الشباب العربي، فقد اكتشف راوي أحمد عمر شاهين أن خاله بالاشتراك مع شلومو اليهودي يتاجران بالمخدرات (74)، كما أن المخابرات الإسرائيلية تقوم بواسطة عملائها بتهريب المخدرات إلى مصر لتدمير الشباب في أكبر دولة عربية يحسبون لها ألف حساب، "حكى (الراوي) لمصطفى عن الرجل العربي الذي اشترى المخدرات وعن عملية التهريب التي ستتم غداً، والمكان الذي سيتم فيه تسليم البضاعة، قال لمصطفى وهو يختم حديثه: قل لهم إن الرجال في داخل الوطن المحتل 48، يطلبون منكم التخلص من تاجر المخدرات، وأن تبلغوا السلطات المصرية عن عملية التهريب"(75)، والمخدرات هي الضلع الثاني من أضلاع مثلث الانحراف في أي بلد يقع تحت الاحتلال أو يكون في حالة حرب تسهم في خلق حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أما الضلع الثالث، وهو الضلع الأخطر، بعد الجنس والمخدرات، فهو التعاون مع العدو، وقد حاولت المنظمة أثناء الانتفاضة وضع حد لقتل المتعاونين دون تثبت، ولم تحاول الذهاب إلى أبعد من ذلك، فقد كان من واجبها دراسة هذه الظاهرة وفهمها من أجل وضع خطة لعلاجها(77)، وقد لجأ ضباط مخابرات الاحتلال إلى إثارة الشبهات حول بعض الشباب لتوريطهم، فقد أطلق ضابط المخابرات سراح سامي الذي يتساءل "لماذا تركوه يمضي دون أن يحتجز؟ قد يقول الناس إنه برئ، لم يثبت عليه شيء، لكن زملائه(كذا)، ماذا سيقولون؟ إنهم يعرفون أنه ألقى القنبلة، هل يعقل أن يصدقوا أنهم تركوه يذهب دون تحقيق وحجز على الأقل بضعة أيام، إنه في ورطة، يجب أن يتصرف بسرعة، يريد نصيحة صديق مخلص."(78) ولكن الراوي يكشف لنا هدف (حاييم) ضابط المخابرات من إطلاق سراح سامي، إنه يريد أن يأخذه إلى الدكتور اسحق ليقوم بإجراء تجربة عليه، دون علمه، وبعد تخديره، يفكر الدكتور اسحق في إجراء عملية زرع رأس يهودي قتل حديثا على جسد سامي القوي، وذلك يضمن أن يعمل الجسد العربي القوي بعقل يهودي، يقول اسحق لحاييم لإقناعه بالفكرة: "المهم العقل المركب على الجسم.. المهم المخ الذي يفكر ويتصرف .. المهم هذا يا حاييم .. الرأس .. ما دام الرأس يهودياً .. فليس مهما الجسم الذي يركب عليه ما دام جسماً سليماً فتياً.. إنها ثورة في العلم يا حاييم .. ولن نفقد الكثير من أبنائنا إلا إذا كانت إصاباتهم في الرأس تماماً .. سيعيشون يهوداً بعقلياتهم وعرباً بأجسادهم"(79) وعليه فقد طلب حاييم من سامي أن يقابله في تل أبيب، وتحت ضغط الخوف؛ وافق والده على أن يذهبا معا، يزوران يافا، ويقابلان حاييم، يذهب والد سامي مع ابنه بعد أن أخبر أخاه الذي يعمل مع المقاومة بنيته، وبعد وصولهما يقرر(حاييم) أن يأخذ سامي وحده بحجة أنه سيناقشه في بعض الأمور، وفي بيت الدكتور اسحق يقدم له شراباً مخدراً ويتركه هناك، فهو مشغول بأشياء أخرى، يريد تدمير المقاومة من الداخل عن طريق زرع الخلافات وتنفيذ عمليات الاغتيال ضد بعض العناصر النشيطة في المقاومة، فقد " عاد (حاييم) إلى منزله بعد أن ترك سامي في بيت الدكتور اسحق مخدراً، سيقوم اسحق بالباقي، فكر في أن يمر عليه في بيته في رامات جان، لكن العملية التي يشرف على تنفيذها تشغل أفكاره، سليمان وإبراهيم يسيران حسب الخطة، التقطت السمكة الطعم، وبسهولة، لن يطول الانتظار حتى يصل النصل إلى القلب، وضع الخطة بعد أن وقع في يده عدد من الخطابات المرسلة من الخارج إلى أناس في الداخل"(80) ولكن سامي ينجو مما دبر له بفضل يقظة رجال المقاومة الذين تابعوه عن بعد واقتحموا بيت الدكتور إسحق وأنقذوه، بعد ذلك بدأ سامي في التفكير في قتل ضابط المخابرات بإلقاء قنبلة على عربته، وحينما يحاول إقناع زملائه بذلك، يبلغوه بقرار تجميد عضويته في التنظيم.(81)
يقرر عبد الله اغتيال عبد الكريم بعد نشر الإشاعات ضده واتهامه واتهام أخيه بالعمالة، وفعلا يقوم بتكليف العميلين إبراهيم وسليمان بقتل عبد الكريم، وحين تصل صورة عبد الكريم قبل قتله إلى حاييم يضحك قائلاً:"الصورة ليست لأحد أعواننا..لقد بدءوا يأكلون بعضهم..أرسل لهما(إبراهيم وسليمان) أن يتما العمل بنجاح .. بذلك يكسبون ثقة أكبر عند عبد الله، وسنعرف الكثير عن طريقهما."(82)
كما وجه بعض الكتاب النقد للمنظمة وبعض العناصر السيئة والمتنفذة فيها، فقد كان بعض هؤلاء لا يتورعون عن السرقة المكشوفة، كانت دار التحرير المسئولة عن توزيع كتب مركز الأبحاث الفلسطيني تقدم فواتير قيمتها أكبر من أثمان الكتب المباعة، وكان على المركز أن يدفع الفرق(87)، لقد أبدى بعض المخلصين قلقهم على الثورة، فقد فقدت بوصلتهم اتجاهها السليم، يقول حمزة مجيباً عن سؤال أحمد شرقاوي:"لا أدري أين أذهب. لا أدري إلى أين تفضي هذه الطرق. الدروب موحشة والزاد قليل، والرؤية غير واضحة .. الضباب ينتشر، والأرواح تتعذب، ويعلو صوت خسيس القوم على أصواتنا، الجبان يزأر، والرعديد يرفع رأسه عالياً، يتعاظم القلق، ويزداد العبث، ويكثر التخريب. الأشياء تتآكل أو تتلف أو تتداعى. تحت الخيمة مقاتل ولص، تحت سقف النار مقاتل وانتهازي. فمتى تزلزل الأرض زلزالها، وتنفجر براكين القهر، وتنتهي إلى الأبد سياسة إذلال الرجال" ( 88) ، وعلى الرغم من أن مسئول الأمن في الثورة هو الذي سرق منزل الخواجا ألبير، فإن أحدا لم يعد يتحدث عن الموضوع، بعد أن استدعي الشاهد الوحيد ضد المسئول إلى اللجنة الأمنية وضرب ضرباً مبرحاً، مما دفع بالخواجا ألبير إلى الذهاب إلى اللجنة الأمنية في بيروت وإسقاط شكواه خوفاً وهلعاً.(89)
أما المستقلون من أبناء الشعب الفلسطيني فليست لهم أية حقوق بسبب عدم انتمائهم إلى أحد التنظيمات الفلسطينية العاملة على الساحة، كل تنظيم يهتم بإبراز عناصره وكوادره حتى ولو كانوا أقل كفاءة من غيرهم من المستقلين، فقد أخفى أعضاء التنظيمات هؤلاء عن راوي أحمد عمر شاهين كتاباً جاء من بيروت يطلب المجموعات الشعرية والقصصية من إبداع أعضاء الاتحاد لنشرها عن وزارة الثقافة في العراق، ورغم عضويته في اتحاد الكتاب، فقد"فوجئ بكتب تصدر، ولم يعرف بأمر الخطاب إلا حين أخبره الصاحب بعد سنة من نشر الكتب، لم يحزن لأن مجموعته لم تنشر، بل حزن للتصرف ذاته، لم يعرف المخلص من الزائف منهم، فليس هناك معركة حقيقية تفرز كل هذه المعادن، حديثهم كله حول القضية، ظاهرهم كله يعمل للقضية، أما الحقيقة فغائبة، لمسها بقلبه، فمعظمهم يعمل لنفسه"(90)، وحين رشح راوي أحمد عمر شاهين نفسه باعتباره مستقلاً لانتخابات اتحاد الكتاب، وتساوت الأصوات التي حصل عليها مع الأصوات التي حصل عليها المرشح الآخر، ضغط الجميع عليه ليتنازل للمرشح الآخر، ولم يقف أحد بجانبه.(91)
كما تطرق سارد أحمد شاهين إلى صمود مدينة خان يونس أثناء العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 م ، وأنها ما زالت تقاوم على الرغم من وصول قوات العدو إلى مشارف قناة السويس (94) ،
2/1 الزمن:
وفي رواية أحمد عمر شاهين"وإن طال السفر" يحدثنا السارد عن بداية الحرب، فقد تركه والده مع أخيه في دكانه الكبير، وقد أغلق الدكان عليهما، فالتصق السارد بأخيه بعدما سمعا أصوات رصاص تأتي من بعيد، يقول السارد:" لم نكن نعرف لماذا أقفل والدنا الدكان علينا، لماذا لم يأخذنا إلى البيت كعادته؟ ولماذا تأخر حتى هذه الساعة؟ وأسكت الخوف ألسنتنا، وبدأ عصام يبكي، لم أكن أقل رغبة منه في البكاء، وكم تهللت وجوهنا حينما فتح الدكان فجأة، وتسلل ضوء الشمس باهراً قوياً يبدد كل مخاوفنا، دخل أبي ووجهه يقطر حزناً."(77) وقد تكرر ذكر عملية النزوح في أكثر من رواية من روايات أحمد عمر شاهين.
وبعد هذا النزوح الكبير تنتشر الخيام فوق رمال خان يونس وغيرها من مناطق قطاع غزة، ويستمر هذا الوضع حتى عام 1952م حيث قامت الوكالة ببناء مساكن طينية للاجئين تتكون من غرف متلاصقة، وسلمت لكل أسرة غرفة واحدة دون فناء، ثم ينتقل السارد إلى حرب حزيران سنة 1967م، حيث تطورت الأحداث بسرعة، وانسحبت قوات الطوارئ من سيناء، واستبشر الناس بقرب العودة إلى الوطن.(79) وتسيطر أجواء الحرب على المدينة التي تبدو كأنها بلدة أشباح، وقد طليت مصابيح السيارات باللون الأزرق، كان الجو يبعث على الرهبة ولكنه كان جواً مفرحاً.(80)وبعد النكسة أو الهزيمة، قام جنود الاحتلال بتجميع الرجال في شارع البحر أمام مستشفى ناصر في خان يونس، وأخذوا الشباب منهم إلى الإستاد الرياضي وأمروهم بالانبطاح على وجوههم، ثم أحضروا سيارات كبيرة نقلتهم إلى سجن بئر السبع، كما تم جمع السكان مرة ثانية في الشارع أمام سينما الحرية في مدينة خان يونس واختاروا الشباب وخصوصاً المعلمين والمتعلمين منهم، ونقلوهم إلى السبع، ومن هناك تم ترحيلهم إلى مصر عبر سيناء، وعند شاطئ القناة هدد الجنود الإسرائيليون بإطلاق النار عليهم؛ فتم نقلهم تحت رايـة الصليب الأحمر إلى الضفة الغربيـة للقناة، ومن هناك نقلوا إلى مديرية التحرير، حيث هرب السارد منها إلى القاهرة التي غادرها قبل أقل من عشرين يوماً فقط.(81)
وفي رواية الآخرون تطرق السارد إلى قضية ترحيل الشباب الفلسطينيين إلى مصر من خلال الاسترجاع، يقول:" نمنا تلك الليلة في مدرسة إعدادية في الإسماعيلية، ونقلنا في اليوم التالي إلى مديرية التحرير، الموظفون التابعون لإدارة الحاكم العام لقطاع غزة نقلوا إلى القاهرة لتوزيعهم على ما يناسبهم من أعمال، وظل الآخرون في مديرية التحرير."(82)
وفي روايته " بيت للرجم .. بيت للصلاة " يتحدث الشيخ يوسف مصباح إلى أحمد بعد عشرين عاما من حرب 1948 م عما تركته الحرب من آثار مدمرة على مدينة يافا أجمل مدن فلسطين ، فقد دمر جزء كبير من المدينة التي أهملت لتنمو مدينة تل أبيب على حسابها، وتحولت مبانيها الجميلة إلى نواد ليلية وبيوت للدعارة وفنادق تسمع فيها كل لغات العالم إلا اللغة العربية.(83) و"بعد أن كانت صيحات الأطفال في الشوارع محمد وعلي، وكم الساعة الآن، والسلام عليكم، وصباح الخير، ولو سمحت وعفواً، وآسف، لا يسمع الآن سوى أسماء عزرا وأبراهام وديفيد، وما هشاعه أخشاف، وشالوم، وبوقر طوف، وعيريف طوف، وبيفكشا، سليحا، أني مستعير."(84)، لقد أصبح الفلسطيني غريبا في بلده، وعاش على هامش الحياة في إسرائيل. وقد حدثنا السارد في هذه الرواية عن لحظة الرحيل ومغادرة الوطن، وكيف تسلل عائداً إلى البيت لإحضار كتبه ولعبه، ولما أحضرها وعاد إلى السيارة وجد أنها قد غادرت المكان دون أن ينتبه أهله إلى عدم وجوده؛ مما اضطره إلى العودة إلى البيت والبقاء وحيداً فيه بانتظار أن يتذكروه وأن يعودوا لأخذه، ولكنهم لم يعودوا لأنهم لم يتذكروه إلا بعد أن أصبحت العودة إليه مستحيلة، والمؤلف هنا ينشئ تناصاً معكوسا مع رواية غسان كنفاني"عائد إلى حيفا" ، فالطفل خلدون لم يكن واعياً لما يدور حوله، وقد عاد أبواه بعد عشرين عاماً آملين أن يسترجعوه، والسارد هنا كان متعلقاً بأشيائه التي يحبها، مما جعله يعود لإحضارها، وبعد عشرين عاما قرر هو البحث عن أهله في مخيم خان يونس، لقد بقيت جذوره حية ولم ينس أصله الذي انحدر منه، وهي معارضة ذكية لما ورد في رواية غسان من أن خلدون تنكر لواديه وتمسك بمربيته اليهودية لأنه لم يع الظروف القهرية التي جعلت أمه تتركه مكرهة، فهي لم تتمكن من العودة إليه. يقول السارد:" لا بد من الاتصال بالأهل بغزة إذا أردت لهذا الأمر أن يتم، وأنا أريده أن يتم، كيف يمكنني الاتصال بهم ؟ لقد مضى على حرب الأيام الستة أكثر من سنة، لم يفكر أحدهم بالمجئ والسؤال عني."(85)
وقد وصف لنا السارد "أحمد" كيف خرج من غرفة النوم بعد انقطاع صوت القذائف والرصاص، وكيف وجد قنبلة صغيرة أمام البيت، وكيف كان اليهود يعربدون في الشوارع، وكيف انطلقت المجندات اليهوديات يهتفن في الشوارع:
إحنا بنات الهاجاناه فين العرب تلقانا (86)
وبعد أن أصبح السارد رجلا عمل في صيدلية خاله، وأقام صداقات مع بعض المجندين اليهود، وبدأ يشتري منهم السلاح للمنظمات في مقابل المخدرات التي يقدمها من الصيدلية للمجندين والمجندات، كما أن مصطفى أبو العينين الملقب ب "النص" شارك في المقاومة وروع المدمنين العرب وقتل ثلاثة من اليهود.(87)
وقد قدم السارد وصفا لاستيلاء اليهود على المنازل العربية، ولم تنج من ذلك تلك المنازل التي بقي فيها أصحابها، يقول السارد:"فوجئنا ذات يوم بمن يحاول فتح الباب علينا، جرت أم عبده(مربية السارد وقد جاءت من إجازتها لتطمئن على أهله فوجدته وحيدا وقررت البقاء معه)، ولما سمعت طرقا على الباب خرجت:" لتفتح وشهقت، عائلة يهودية ومعها مندوب دائرة الاستيعاب والهجرة كما قدم نفسه ويريدون الاستيلاء على الشقة" ويستطرد السارد قائلاً :"ضاعت الشقة وضاع البيت، وكأني هاجرت تماما، كأن أبي كان يشتري الأرض ويبني البيت كي نهديه إلى أسرة يهودية أتت من آخر الدنيا لتطردنا وتسكن فيه."(88) والفلسطيني الذي لم يستطع تحقيق العودة في حياته يحققها بعد موته، فقد أوصى الأب أبناءه بأن يدفنوه في قريته التي طرد منها، وقد تحقق له ذلك بالتفاهم بين السارد وبين صديق له من قوات الطوارئ الدولية المرابطة على حدود قطاع غزة، والتي كانت تعرف مواعيد مرور الدوريات الإسرائيلية، وبالتالي تستطيع تحديد أنسب الأوقات للتسلل بالجثمان إلى قرية دير سنيد ودفنه هناك أثناء الليل.(89)
وفي رواية "المندل" يتحدث سارد أحمد عمر شاهين عن الغارة التي شنتها القوات الإسرائيلية على مركز شرطة خان يونس في يوم 31 / 8 / 1955م، والتي قتل فيها 38 شرطياً فلسطينيا، يقول السارد: "قوات الصهاينة أغارت على خان يونس، ودكت مركز البوليس فوق رءوس من فيه، وأثناء عودتها سالمة مرت بقرى بني سهيلا وعبسان الكبيرة وعبسان الصغيرة وخزاعة."(90)
والثورة تواجه العدو في كل مكان، فقد كان عملاء المخابرات الإسرائيلية يلاحقون عناصر منظمة التحرير في أوروبا ويغتالون النشيطين منهم، في رواية أحمد عمر شاهين"الآخرون" نقرأ عن الاغتيالات والاغتيالات المضادة، يلجأ العاملون في المخابرات الإسرائيلية إلى التخفي وراء واجهات غير مشبوهة مثل دور النشر أو المحال التجارية يديرون نشاطهم من خلالها، يتعرض الراوي في رواية الآخرون إلى محاولة اغتيال، ولكنه ينجو منها بأعجوبة، فيقرر اغتيال فيشرمان المزيف الذي استغل اسم فيشرمان الحقيقي والموجود في أستراليا. يصف الراوي وضع فيشرمان لحظة اغتياله بقوله:"امتقع وجهه تماماً وأصبح وجهه كتمثال من شمع، جلست في مواجهته، مددت يدي في جيب معطفي، المسددس جاهز، أخرجته بسرعة وأطلقت، بان الذعر على وجهه، أطلقت مرة ثانية، رفع يده .. كفه في مواجهتي، أطلقت عليه الطلقة الثالثة، سقطت يده على المنضدة، تركت المسدس أمامه، غطيته بطرف المفرش، بعد أن مسحته به، نهضت ببطء، لم يلحظ أحد ما حدث، أو بالأحرى لم يكن هناك أحد بعد." (108)
وقد ناقش أحمد شاهين في روايته "زمن اللعنة" قضية من أخطر القضايا التي عاشها الشعب الفلسطيني، هي قضية سرقة أعضاء الشباب الفلسطيني الأصحاء، بعد قتلهم، وزرعها لأشخاص من اليهود، تكرر ذلك الفعل مع أكثر من شهيد، يسرقون أعضاءهم الداخلية كالقلب والكلى والكبد، وعيونهم وغير ذلك من الأعضاء، وقد صور لنا أحمد شاهين بواسطة السارد كيف وصل الأمر بأحد ضباط المخابرات الإسرائيليين إلى حد الاتفاق مع أحد الأطباء على اعتقال أحد الشباب الفلسطينيين دون تسجيله في السجلات الرسمية للمعتقلين، ونقله إلى غرفة العمليات الخاصة بالدكتور اسحق، ليقوم باستبدال رأسه برأس يهودي من الذي يقتلون أثناء الاشتباكات، يحاول اسحق إقناع حاييم يقول:"المهم العقل المركب على الجسم.. المهم العقل الذي يفكر ويتصرف.. المهم هذا يا حاييم.. الرأس.. ما دام الرأس يهودياً .. فليس مهما الجسم الذي يركب عليه، ما دام جسما سليماً فتياً.. إنها ثورة في العلم يا حاييم ولن نفقد الكثيرين من أبنائنا إلا إذا كانت إصاباتهم في الرأس تماماً.. سيعيشون يهوداً بعقلياتهم وعرباً بأجسادهم."(136) يقول حاييم للدكتور اسحق بعد أن طلب أن يعطيه أحد المعتقلين لإجراء تجربة علمية عليه:"لا أستطيع أن أعطيك أحد المعتقلين.. فهؤلاء لهم قضايا.. ومسجلين (كذا) بعد التجربة الأولى قد نفكر في عمليات اختطاف..لكن ليس الآن..ليس الآن."(137)
بعد اعتقال سامي يقوم ضابط المخابرات حاييم بالإفراج عنه، وبالضغط عليه من أجل التعاون معه، ولما لم ينجح، يقوم بإقناع والده بأنه يريد مقابلة ابنه في يافا، يصر الأب على الذهاب مع ابنه، والهدف المعلن من زيارة يافا هو زيارة منزل العائلة هناك، وهناك يطلب الضابط من عدنان والد سامي أن يتركه مع سامي على انفراد، يقوم حاييم بتخدير سامي ونقله إلى بيت الدكتور اسحق، ولولا يقظة رجال المقاومة ومتابعتهم لعدنان وسامي وحاييم لكان سامي في عداد الموتى، فقد اقتحم رجال المقاومة المختبر بعد خروج اسحق منه أخذوا سامي في سيارتهم وأعادوه إلى بيته.
الزمن العربي :
الزمن العربي زمن متشابه، فالماضي والحاضر عبارة عن مرايا متقابلة، فنحن نرى الحاضر في الماضي، كما نرى الماضي في الحاضر، بل إن دعاة الأفكار السلفية يعملون على نسخ تجربة الماضي دون مراعاة للمتغيرات التي طرأت على العالم، ولعل أهم سمة من سمات الزمن العربي هي رفض الحوار الفكري مع الرأي الآخر، فالرأي الآخر مخطئ دائما، ورأي الحاكم هو الصواب، ولذلك لجأت معظم الأنظمة العربية إلى القمع الفكري بواسطة أجهزة الأمن.
في رواية "زمن اللعنة" يقول السارد:" حين حكمنا العرب كانت السجون والمعتقلات وتكبيل الألسن، وتحت حكم الاحتلال لم يختلف الأمر، ويبدو أننا لو أخذنا استقلالنا فلن يتغير، أستغفر الله العظيم، الأفضل أن نعيش جبناء، نعمل ونأكل ونشرب ونتناسل كالبهائم ولا نفكر في شيء آخر، آنذاك قد يتركونا في حالنا."(138) إن شعباً مقهوراً لا يمكن له أن ينتصر، الشعوب الحرة، فقط، هي التي تستطيع إنجاز الانتصار في معاركها لأنها هي التي تصنع الحاكم؛ ليقوم بتلبية احتياجاتها، أما الشعوب التي يصنعها الحكام فلن تجني إلا الفشل في معركتها الحضارية.
في روايته "توائم الخوف" يقدم لنا أحمد عمر شاهين صورتين متقابلتين للحاضر والماضي، وكأنه يريد أن يقول: ما أشبه الليلة بالبارحة! فالقهر يولد العنف، ومحاصرة الفكر تنتج فكراً مهربا مشوها يفسد أكثر مما يوجه ويرشد.
في مرآة الماضي نرى المعلم اسحق ينصح(خلف) قائلا: " لو أردت أن أسمع ما يقول هؤلاء وآخذ بما يقول أولئك.. وأتدبر كلام فلان أو فلان، واتبع هواي وما يغويني به عقلي، لانتهيت منذ زمن .. ألم تسمع وتقرأ ما حدث لهم .. أتريدني أن أذكرك؟ اسمع يا خلف، خذها نصيحة من رجل يريد مصلحتك، انسخ ولا تفكر فيما تنسخه."(139) وكما عمل خلف ناسخاً عند أحد الوراقين، وكان يحاول التفكير فيما ينسخ، نجد الحاج متولي في مرآة الحاضر يعمل وراقاً في السيدة زينب، يختلط السرد وتختلط الرؤى كما تختلط وتتعدد الصور في المرايا المتقابلة" رقية هناء، شارع جعفر، بغداد، السيدة، القاهرة..ماذا ألم بي؟ إن المنشورات طبعت في مطبعة أبيها، بعلمه أو دون علمه، لا يهم، يمكن أن يدخل السجن.. يا ربي.. كل من يحبني يتخلى عني، تركت محلة باب الشام ماراً إلى شارع المحرم ماراً بنهر دجلة، بغداد مزدانة…" (140)
في السرد السابق يتوحد خلف مع شريف، وتتوحد القاهرة مع بغداد، ويتحد الحاضر بالماضي، فيصبحان شيئاً واحداً هو الزمن العربي الذي يقمع الفكر ولا يحاوره، يحاصره ولا يجادله، وفي النهاية يدفع الطرفان الثمن، المحاصر بكسر الصاد والمحاصر بفتحها، ويكون الخاسر الأول والأخير هو الوطن، نلاحظ ذلك حين يختلط السرد مرة أخرى، ويتوحد القاتل والمقتول، فيقتلان معا وإن اختلف الزمن، يعدم خلف بسبب جرأته على التفكير فيما يكتب وينسخ، ويتم اغتيال شريف، في الفقرة التالية يتحدث خلف عن لحظة إعدامه، كما يتحدث شريف عن لحظة اغتياله، في الجزء الأول من الفقرة يتحدث خلف وفي الجزء الثاني منها يتحدث شريف"غامت عيناي، ذهل عقلي وسلب لبي وأنا أسمعهم يقولون: الموت له.. القتل للمنشق.. أيد تجرني.. إلى أين؟ الصمت الكئيب يخيم..رصاص.. رصاص.. رصاص.. ما الذي جرى.. ماذا يحدث؟.. رصاص.. ما هذه الضجة.. نهضت، لكني جلست ثانية. وانكفأت رأس شريف على مكتبه."(141)
في رواية "المندل" تتجسد الأزمنة الثلاثة وتتوحد في زمن واحد عند حمدان، يقول حمدان: "أمس واليوم وغداً، الأزمنة الثلاثة تتجسد في زمن جديد، أحسه ولا أعيه، لا أقدر على وصفه، حياة تجمع الأزمنة الثلاثة في زمن ليس فيه أي منها، زمن فلسطيني، يتجاهله الآخرون، أراهم ولا يرونني، أحس بهم ولا يحسون بي، أحبهم بلا حدود، وحبهم لي محدود بقدر مصالحهم."(149) والزمن النفسي عند الفلسطيني بعد النكبة غيره قبل النكبة، لقد توقف إحساس السارد بالزمن، فهو لا يعترف بالسنوات العشرين الماضية التي قضاها بعد النكبة ولا يعتبرها جزءاً من عمره، لأن هذا الزمن ليس زمنه، إنه ينتمي إلى زمن مضى، زمن ما قبل النكبة.(150)
ارتبطت الرواية الفلسطينية بنكبة فلسطين وما تمخضت عنه من أحداث، فقد اعتاد الروائيون أن يؤرخوا للأحداث التي تعرضوا أو يتعرضون لها بربطها بالنكبة، فهذا الحدث وقع قبل النكبة، بينما وقع ذلك الحدث بعد النكبة، وقد يذكر الروائي الحدث دون أن يذكر تاريخه ويترك للقارئ أو الباحث مهمة تحديد ذلك الزمن، يقول سارد أحمد عمر شاهين:" قوات الصهاينة أغارت على خان يونس ودكت مركز البوليس فوق رءوس من فيه."(162) والمعروف أن هذه الغارة وقعت يوم31/8/ 1955م. كما تعيش شخصيات يحيى يخلف زمن ما بعد النكبة،"كنا، أنا وبدر العنكبوت، ننتمي إلى ذلك الحوش الذي يغص بالمستأجرين بعد أعوام من الخروج، أو كما يقول والدي: بعد أعوام من الهجرة."(163) وفي رواية "الاختناق" نقرأ عن المقاومة الشديدة في خان يونس، فقد استمر المقاتلون المصريون والفلسطينيون في التصدي للقوات الإسرائيلية سنة 1956م على الرغم من وصول هذه القوات إلى ضفاف قناة السويس ، ففي يوم"الجمعة الثاني من نوفمبر من ذلك العام، التاسعة صباحاً، كنا نتوقع يوما عصيباً، قوات العدو على مشارف القناة، وبلدتنا ما زالت تقاوم، وهلت طلائع طائرات المستير تلقي بمقذوفاتها كيفما اتفق."(164)
في رواية "وإن طال السفر"يستعرض السارد عدة أزمنة، منها زمن النكبة والنزوح الكبير سنة 1948م، وزمن اعتقال الشيوعيين، فقد اعتقل الشيوعيون مرتين، الأولى سنة 1955م، بعد تحالفهم مع الإخوان المسلمين وخروجهم من المساجد في مظاهرات صاخبة ضد مشروع توطين اللاجئين في سيناء، وقد تم إحراق بعض المؤسسات التابعة لوكالة الغوث مثل مركز التغذية ومركز التموين، وحدثت اشتباكات عنيفة مع قوات الجيش قتل خلالها شخص في خان يونس وجرح آخرون، وقد طالب المتظاهرون بالسلاح والتجنيد ، وقد وقعت الحكومة المصرية بعد هذه المظاهرات على أول صفقة أسلحة مع تشيكوسلوفاكيا ، كما تم إنشاء الجيش الفلسطيني." أخذ سلطان إلى السجن، لقد سبق أن سجن قبل ثماني سنوات، حينما اعتقل كل الشيوعيين في القطاع ، ورحلوا إلى مصر. هل يطول سجنه هذه المرة؟"(165)، في العبارة السابقة لم يحدد الراوي زمن الاعتقال الأول أو زمن الاعتقال الثاني، والمعروف أن الاعتقال الأول حدث سنة 1955م، وأن الاعتقال الثاني، كان سنة 1959 وليس بعد عشر سنوات، إلا إذا كان الراوي يقصد اعتقال الشيوعيين سنة 1949م بعد توزيعهم منشورات تدعوا إلى القبول بقرار التقسيم، وقد اتهموا بسبب ذلك بالعمالة، ولا أعتقد أن الراوي كان يقصد تلك الفترة، والأرجح أنه يقصد تلك الاعتقالات التي جرت سنة 1959م بعد المظاهرات التي خرجت مطالبة بحق العودة بعد الخلاف الذي وقع بين مصر والاتحاد السوفييتي والإساءة التي وجهها خروتشوف إلى الرئيس جمال عبد الناصر، وبعد استيلاء عبد الكريم قاسم على الحكم في العراق وعزل عبد السلام عارف، وقد استمر اعتقال الشيوعيين حوالي خمسة أعوام إلى سنة 1964م .
حرب حزيران:
أشار سارد أحمد شاهين إلى الأسلحة التي ضبطت في غزة والاعتقالات التي تلت ذلك لعناصر من الجناح العسكري التابع لحركة فتح "العاصفة".(167) وعن مقدمات الحرب يقول سارد أحمد شاهين: "الحوادث تتطور بسرعة، قوات الطوارئ الدولية تنسحب من القطاع وسيناء، فرحة الناس تبدو على وجوههم، حزن البعض ممن كان يعمل معهم، لكن معظم الناس مستبشرون بقرب العودة إلى الوطن."(168)
أما زمن ما بعد الحرب، وما حدث من ترحيل الشباب المتعلم إلى مصر، فقد وجدنا هذا الموضوع في روايتين من روايات أحمد شاهين، في رواية وإن طال السفر يعود محمود إلى القاهرة، ولم يكن قد مضى على تركه إياها أكثر من عشرين يوما،(170) يرد ذكر الموضوع مرة ثانية في رواية" الآخرون" حيث يصل المبعدون إلى الإسماعيلية ومنها إلى مديرية التحرير.(ص 35)
وقد يشير السارد إلى أحد فصول السنة عن طريق الإشارة إلى حالة الطقس، كأن يقول:" الوقت منتصف النهار تقريبا والشمس حامية"، (178) وقد أشار أحمد شاهين إلى فصل الصيف دون أن يذكره، يقول:"الجو حار الليلة" ويربط ذلك بحالة الناس فمنهم من يتفرج على رواد المقهى، ومنهم من يقف في الطابور انتظاراً لدوره حتى يشتري الفلافل.(184)
2/2 السرد:
أ – السارد العليم :
يلجأ السارد العليم إلى استخدام الأفعال الماضية، كما يستخدم في سرده الضمير الثالث(هو أو هي)، وهو أكبر من أي شخصية في الرواية، ويعرف أكثر مما تعرفه الشخصيات، يعرف ما سيحدث لكل شخصية مسبقا ويحدد مصيرها، وهو ينظر من فوق كتف الشخصية، يتابعها ويرشدها، وهو أقرب إلى الخالق بالنسبة لشخصيات العمل الأدبي، وقد فاضت الروايات الفلسطينية بهذا الأسلوب السردي بواسطة السارد العليم، هذا السارد يتابع الشخصية في حركتها وسكونها، ويعرف ما يدور حولها، كما يعرف طبيعة البيئة والمكان الذي تتواجد فيه الشخصية، هذا هو سارد أحمد عمر شاهين يحدثنا عن الشخصية الرئيسة في رواية" ونزل القرية غريب"، يقول السارد العليم:" فتح عينيه، تمطى، نظر حوله، جلس مكانه ينظر بعينين مبحلقتين، الدهشة ممزوجة بالخوف، كانت ترتسم على قسمات وجهه، على يمينه طريق مسفلت في جانبه الآخر جبال سوداء تمتد بمحاذاته بعيداً، وعلى جانبها رمال تنبت فيها أشجار نخيل قصيرة وبعض نباتات لا يتمكن من تمييزها."(115) وفي رواية " وإن طال السفر " تولى السارد العليم عملية السرد، يحكي سارد أحمد شاهين عن تجربته التنظيمية في حركة القوميين العرب، وتكاد الشخصية التي يحكي عنها السارد تتطابق مع شخصية المؤلف، وبالتالي فإن المقطع التالي يكاد يكون جزءاً من السيرة الذاتية للمؤلف، يقول السارد:"هاجمته الكوابيس أكثر من مرة، ولم يتخلص منها إلا عندما التحق في بداية الستينات بحركة القوميين العرب، شعر أن بإمكانه الآن أن يفعل شيئاً، وكان يحلم بأن يفعل الكثير."(116) وقد تحول السرد بعد بضع صفحات من السارد العليم والسرد بضمير الغائب، إلى السرد بضمير المتكلم بواسطة السارد المشارك، هذا الأمر يحدث كثيراً، وخصوصا عندما يقترب السارد من التماس مع سيرته الذاتية، أو عندما يندمج جزء من حياته وتجربته الخاصة في عمله الأدبي، تقول الشخصية التي تحدث عنها المقطع السردي السابق: "أكثرت من الجلوس على المقهى، زادت صلتي بسلطان، لا أعرف إذا كان منظما في الحزب الشيوعي أم لا، على المستوى الشخصي هو صديق للجميع." (117) أما في رواية "بيت للرجم.. بيت للصلاة "، فقد تراوح السرد بين السارد العليم والسارد المشارك ، ففي ص 81 نقرأ المقطع التالي:"قررت أن أتجاهل نصيحة شلومو، وسرت على الطريق الرئيسي، لكن بعد فترة شعرت بوحشة وبالخوف، وعجبت لهذا الإحساس، وأنا هنا في بلدي وبين أهلي، فلماذا الخوف؟ القلة من السائرين في الشارع تطفح نظراتهم بالكراهية لكل ما هو يهودي، وقد ظنوني يهودياً، الأماكن كأنها قصفت بالأمس، متجهمة، غضبى وخربة، ذكرتني بعملية غزو يافا قبل عشرين عاماً." وفي ص 94، نجد المقطع التالي على لسان الراوي العليم: "أما الدورق الثاني، فكان يحتوي على مادة كيميائية مصنعة معملياً، وخاصة بحرب الميكروبات، وهي مادة تفقد الجسم مناعته ضد الأمراض، وقد جن جنون علماء المعهد والحكومة لاختفاء هذه المادة، ولم تؤد التحقيقات بالطبع إلى معرفة السارق أو العثور على الدورق."(118) فالسارد هنا يستعمل الفعل الماضي كان، وهو يعرف كل شيء عن محتويات الدورق والغرض من تصنيع المادة الموجودة فيه، كما نجد السارد العليم في رواية"زمن اللعنة" والعبارة التالية تؤكد لنا ذلك: " كانت جنازة غريبة .. نعش يحمله أربعة من عمال البلدية ، يتجهون به إلى المقبرة ، بعد أن صلوا عليه في مسجد قريب." فالسارد يعرف كل صغيرة وكبيرة عن هذه الجنازة الصغيرة، وفي رواية المندل يتراوح السرد بين السارد الرئيسي، وهو السارد العليم، وبين الشخصيات التي تتولى السرد حين تتاح لها الفرصة للقيام بذلك، ففي ص 45 نجد هذا الخطاب المباشر على لسان السارد العليم: "قال حمدان: معك حق.. والله لا أعرف من أنا.. أنا أكثر من واحد..اثنان.. ثلاثة.. عشرة.. وكل واحد منفصل عن الآخر"، وبعد ذلك يتولى حمدان السرد بنفسه عن طريق الخطاب الحر المباشر دون وساطة السارد:"خيالي في المرآة الملصقة بالدولاب، جرائد قديمة، كتب متراكمة لم تقرأ، موقد كحولي، شاي الصباح أو المساء، لا فرق، أي مساء هو صباح والعكس صحيح، لحاف أزرق، كنبة عتيقة، كرسي خيزران، عيناي متعبتان."(119)
وقد تعددت الأصوات السردية عند أحمد شاهين، فالسرد يتنقل بين السارد المتكلم والسارد العليم، في روايته" الاختناق" يتحدث السارد المتكلم والمشارك عن أحدث 1956م، يقول: "الجمعة، الثاني من نوفمبر من ذلك العام، التاسعة صباحاً، كنا نتوقع يوما عصيباً، قوات العدو على مشارف القناة، وبلدتنا" يقصد مدينة خان يونس" ما زالت تقاوم، وهلت طلائع طائرات المستير تلقي بمقذوفاتها كيفما اتفق." (135)وبعد ذلك بحوالي أربع صفحات يتغير الصوت السردي، ويطل علينا السارد العليم، وينقل
إلينا أخبار الشخصية بقوله:" نهض من مكانه، اتجه إلى غرفة النوم، عيناه نصف مغلقتين، الانتظار والقلق ينهشان فؤاده، ينام على السرير وضوء القمر يتسرب عبر النافذة ويلقي بنفسه على صدره، لم ينظر إلى القمر منذ سنتين، لو يستطيع أن ينام."(136) وينتقل بعد ذلك إلى السرد بضمير المتكلم من جديد(ص 135) كما نرى في العبارة التالية :" لم يكن هناك مبرراً(كذا) لخوفي، نحن نخاف الخوف وليس شيئاً آخر، ولو تخطينا حاجزه المنيع العريض" ونجد تعدد الأصوات السردية في رواية "بيت للرجم.. بيت للصلاة " يقول السارد:" كنت أعرف أنه سيتم استدعاؤهم للجيش بين حين وآخر، وقلت ربما يتمكنون من سرقة بعض السلاح" لينتقل السرد إلى السارد العليم:" كانت زوجته نائمة، دخل السرير بعد أن غير ملابسه، انقباض يسيطر عليه؛ سيحرمه من زيارة النوم السريعة"وبعد ثلاثة أسطر يعود السرد إلى السارد المتكلم:"لم أفقد الأمل في عودة الأهل، قلت قد يتسللون سراً، قد يعودون من البحر كما عادت بعض الأسر، لا بد أن يجدوا وسيلة ما، بدأت المدينة تمتلئ بالأجانب، عائلات يهودية من رومانيا ويوغوسلافيا والمجر والمغرب توافدت على المدينة بالعشرات."(137)
وكثيراً ما يتحول السارد إلى مسرود له، حيث تتم عملية تبادل المواقع السردية، نجد ذلك في رواية"الاختناق" حين يتحول محسن صبي المعلم من مستمع للسارد إلى سارد يروي على السارد الأصلي أفكاره ووجهة نظره، يقول محسن: "معظم الناس يكذبون.. وأنا أيضاً أكذب في أحيان كثيرة، لقد صدق المعلم حينما قال يوما : لا بد من بعض الكذب في الحياة، حماية لأنفسنا أحياناً، ولإراحة الآخرين أحياناً أخرى.. ثم إن الحياة تكون أجمل ببعض الكذب.. وصية من رجل عاقل.. إني أفهمك يا أستاذ.. لكن، ما الذي يحشرك في هذا الموضوع .. لا تعرفه ولا تعرف أهله، وتدس نفسك في حياته، دعه يعيش.. ابتعد عن طريقه.. يكفي ما سببته له."(161)
طرق السرد: 1 - الاسترجاع
وقد استرجع سارد أحمد شاهين ذكريات طفولته بعد أن وصلته رسالة من صديقه سمير، الذي يعمل في إحدى الشركات في السعودية، والذي لم تنقطع رسائله منذ مغادرته قطاع غزة قبل حرب حزيران، نبشت الرسالة ذكريات الماضي البعيد الذي يقع خارج الحدود الزمنية لأحداث الرواية، يقول السارد: "صورته العالقة في ذهني، ونحن بالبنطلون الشورت، نستذكر دروسنا قرب شاطئ البحر، أو في الأحراش، نسمع لبعضنا القصائد، أو كلمات اللغة الإنجليزية، أو نلهو باصطياد القنافذ، أو سلطعون البحر، أو نسرق اللوز الأخضر."( 165) وفي ( ص 11) يسترجع السارد أحداث عام 1948م، حين حاول الإرهابيون اليهود نسف بيت جده، يقول:" ويفتح الباب، ويخرج جدي وجدتي حفاة عراة، لا يستر الأجسام سوى قمصان النوم، ويبقى الرجال يتبادلون النار مع العدو، ويسير مع النساء والأطفال وسط البيارات عبر الأسلاك والأشواك والظلام، والرصاص يئز فوق الرءوس، وينهمر الرصاص في كل مكان. غرزت قدمي في الطين، صرخت، كتمت عمتي فمي، وسحبتني بعنف، وضاعت فردة قبقابي في العتمة وربكة الهروب."(166) وقد كثر الاسترجاع في رواية "الآخرون"، وتنوع بين الاسترجاع الداخلي والاسترجاع الخارجي، فقد استرجع السارد ذكرياته قبل حرب حزيران، وهو يجلس على مقهى" الكرهلي" يتابع من يلعبون الورق،(ص 22) ويتذكر علاقته بأحد ضباط قوات الطوارئ الدولية في قطاع غزة وكيف كان يلعب الشطرنج معه، ويذهب معه إلى مكتبتهم الضخمة ليستعير الكتب منها، (ص113) كما يستذكر رحلاته في القطار بين غزة ومصر عبر سيناء، ورجال الجمارك، وانتظار فتح كوبري الفردان، ليعود من الاسترجاع الخارجي إلى الواقع حيث يسافر في القطار بالدرجة الأولى ويرى مناظر لم ير أجمل منها، ومع ذلك فهو مكتئب، تلح صورة ناتالي عليه.(ص 132)، في هذا الاسترجاع تتقابل صورتان، صورة الماضي حاضرة في الذهن، تتوازى مع قطار الحاضر الذي ينقل جسد السارد. ويسترجع السارد عمليات الترحيل التي نفذها الجيش الإسرائيلي في بداية الاحتلال، حيث جمعوا الشباب، ووضعوهم داخل حافلات، وقذفوا بهم على شاطئ قناة السويس، وكيف نقلوا إلى مديرية التحرير، وكيف تم نقل الموظفين التابعين لإدارة الحاكم العام لقطاع غزة وتوزيعهم على أماكن عمل مختلفة.(167)
وفي رواية "بيت للرجم، بيت للصلاة" لجأ سارد أحمد عمر شاهين إلى الاسترجاع أكثر من مرة، فهو يسترجع صورة جده وهو يجلس على حشية مرتفعة، وأمامه شيشته وهو يسحب منها الأنفاس، بينما يظل السارد في طفولته يتابع الفقاقيع، في حين تجلس خالته عند قدمي جده، وهي تقرأ له من كتاب، في حين ينصت الجد ويهز رأسه بين الحين والآخر، وبتأثير صوت قراءة الخالة يستسلم السارد للنوم، كما يتذكر السارد أم عبده التي لم تغادر يافا، والتي جاءت تزور بيتهم، لتجده وحيدا في المنزل، بعد أن نسيه أهله وهاجروا إلى غزة.(168) كما نجد الاسترجاع بنوعيه في رواية" زمن اللعنة" يتذكر عدنان الكرمي والد سامي حاييم بن الخواجة موسى، كما يتذكر والده الذي قتل بعد انفجار عبوة ناسفة في سوق الخضار في يافا، حيث كان أحد باعة النمورة يبيع على عربة يد أمام المقهى، وعندئذ يأتي إليه إرهابي يهودي، ويشتري منه بعض النمورة، ويبقي لديه سلة، يطلب منه الاحتفاظ بها حتى يعود إليه، يذهب اليهودي وتنفجر السلة، ويتمزق بائع النمورة والمتواجدون في السوق والجالسون على المقهى إربا.(169) كما يعرض لنا سارد رواية "وإن طال السفر" من خلال الاسترجاع كيف تم جمع الشباب، ونقلهم إلى بئر السبع:" بئر السبع، الأسلاك الشائكة، الرصاص فوق الرءوس، البرد والجوع .
ـ أنت فدائي.. ؟ أليس كذلك ؟
ـ أبدا يا خواجة ، أبداً.
ـ أنت ضابط ، اعترف ..." (170)
2 - الاستباق
لجأ سارد أحمد عمر شاهين في رواية "زمن اللعنة" إلى الاستباق الخارجي، والتوقع، كما ورد في الفقرة التالية:"حين حكمنا العرب، كانت السجون والمعتقلات وتكبيل الألسن، وتحت حكم الاحتلال لم يختلف الأمر، ويبدو أننا لو أخذنا استقلالنا فلن يتغير الأمر، أستغفر الله العظيم، الأفضل أن نعيش جبناء، نعمل ونأكل ونشرب ونتناسل كالبهائم، ولا نفكر في شيء آخر، آنذاك قد يتركونا في حالنا"(183) وقد استبق أحمد شاهين الزمن العلمي، فتنبأ سارده بإمكانية زراعة الرءوس كما تزرع بعض أعضاء الجسم حاليا، فقد طلب الدكتور اسحق من حاييم، ضابط المخابرات، أن يقدم له أحد السجناء ليقوم بجز رأسه وتركيب رأس يهودي مكانها، فيصبح الجسد مركباً من عنصرين، رأس يهودي وجسد عربي يعملان معا، ولعل الفكرة تدخل في مجال الرمز، أكثر من دخولها في مجال العلم، حيث يحلم الإسرائيليون أن يستغل العقل اليهودي الطاقات العربية ويسيرها بما يخدم الوجود الاستيطاني الصهيوني في المنطقة العربية.(184) وفي رواية"الآخرون"، يفكر محمد بآلاف الاحتمالات، قبل إقدامه على اغتيال فيشرمان، وهو لا يريد أن يخطئ الهدف.(185)
وقد بدأت رواية"زمن اللعنة" بالاستباق مباشرة، حيث أخبرنا السارد أنه يعمل ضابط شرطة، بعد وضع كلمة مدخل في رأس الصفحة.(189) كما هيأنا السارد لانتظار مقتل عدنان عن طريق استخدام ما يشير إلى ذلك، حين قدم لنا ما يفكر به حمدان في هذا الاتجاه، فقد اكتشف عدنان سر قتل حمدان لخاله، وطالبه بنصف المبلغ الذي سرقه من خاله، وقد وجه عدنان نظرة غاضبة إلى حمدان قبل أن يهز رأسه ويمضي، "ليلتها ، وقبل أن ينزل حمدان إلى غرفته، غافل عمال البوفيه، واقتطع جزءاً من حبل الغسيل المصنوع من البلاستيك، وأخفاه في جيبه."(190)
ومن التوقع الذي يمتزج بالاستباق، ما نجده في الفقرة التالية: "سترى يا شيخي ما تمنيت أن تراه، لكن بعيون أحفادك، أتمنى أن يمد الله في عمري حتى أرى دولتهم خراباً ينبثق من رمادها طائرنا الجديد."(192)
3 -الحذف
لجأ سارد أحمد عمر شاهين إلى الحذف الصريح تارة، وإلى الحذف الضمني تارة أخرى، حيث ترك للقارئ الحرية في استنتاج ذلك، ومن الحذف الصريح قوله:"مرت ثلاثة أيام بطيئة عانى فيها الكثير من الفشل، لم يستطع معرفة من هو العربي الذي اشترى المخدر، ولم يلتق بأحد ممن يثق بهم يعرف يوسف آنو وعوزي آرامي."(198) أما الحذف الضمني فنجده في الرواية نفسها(ص 76) في العبارة التالية:" أوقف السيارة بقوة، نزل إنجيل، وانطلق بسرعة إلى بيته… كانت زوجته نائمة، اندس في السرير والقلق ينهشه، ماذا في ذهن إنجيل، ولماذا قال له ما قاله، هل يعرفون شيئا عنه؟"
لقد ترك لنا السارد حرية ملء الفراغات التي تركها في السرد، ماذا فعل بعد أن تركه إنجيل؟ وكيف فتح باب البيت، هل كان معه مفتاح خاص، أو أن هناك خادمة فتحت له الباب؟، ومن الحذف الضمني أيضاً ما نجده في الفقرة التالية:" التقت عيوننا، درنا في الغرفة قليلا، احتضنتها، وقبلتها، ووقعنا على السرير…. قلت لها : سنخرج معا.. نسأل عن مواعيد السفر.. وأحجز تذكرة، ونتجول قليلاً.. سأتركك الآن دقائق لآخذ دشاً."(199)من الواضح للقارئ أن هناك حذفاً يمكن للقارئ الساذج أن يدرك ما حدث في تلك الفترة المحذوفة، وفي(ص69) من الرواية نفسها، نقرأ الفقرة التالية، ويمكننا أن ندرك ما فيها من حذف:"رحل الأطفال والنساء ليلتها...، وحينما عادوا رأوا البيت كومة من الأنقاض." من الواضح أن هناك حذفا مكان النقط ترك السارد للقارئ حرية تخمين ما حدث أثناء الليل من اشتباك ونسف للمنزل.
4 - الخلاصة
والخلاصة عند أحمد عمر شاهين هي خلاصة تقدم ملخصا لما تفكر به سعاد:"ولم يكن زوجي بأحسن حال "كذا" من أبي. وكان سلطان هو الواحة التي استرحت إليها." (216) كما يلخص عملية الانتقال من الضفة الشرقية للقناة إلى الضفة الغربية، ثم إلى مديرية التحرير، في الأسطر التالية: "وتحت راية الصليب الأحمر انتقلنا إلى الضفة الغربية للقناة، نقلونا إلى مديرية التحرير، هربت من هناك وجئت إلى القاهرة."(217) لقد أوجز السارد أحداثا طويلة، في سطرين فقط، ولم يتحدث عن كيفية الانتقال إلى غرب القناة، ثم إلى مديرية التحرير، أو عن كيفية الهروب منها وأسبابه، والصعوبات التي تواجه من يحاول الهرب من هناك.
وفي رواية "زمن اللعنة" نجد الخلاصة والإيجاز فيا يلي:" عربات الجيش الإسرائيلي تجوب الشوارع، تعتقل كل من أتعسه الحظ فتواجد في تلك اللحظة في أماكن حدوث الانفجارات."(218) السارد هنا يعلمنا باختصار عن انفجارات، واعتقالات بسبب هذه الانفجارات، وفي مكان آخر يحدثنا باختصار عما يفكر فيه عدنان وفتحي، يقول عدنان لصديقه فتحي:"إذا حضر حاييم سآخذه إلى البيارة وتتبعنا من بعيد.. سنقتله وندفنه هناك.
قال فتحي: ونقتل والده أيضاً .
لكن، لم يحضر أي منهما. وحدثت الهجرة."(219) وبعد قراءتنا للفقرة السابقة يمكننا أن ندرك أن السارد قد اختصر أشياء كثير، لعله لم يشأ أن يذكرها لأنها تسبب له مرارة شديدة، أو لأنه يشعر أن الجميع يعرفون كيف حدثت الهجرة، لذا لم يتحدث أيضاً عن سبب عدم مجيء حاييم ووالده، والسبب بالتأكيد هو اندلاع الاشتباكات بين عرب يافا وبين سكان تل أبيب، والتي كانت الهجرة إحدى نتائجها المباشرة والمدمرة. وفي رواية الاختناق يخبرنا السارد بعد قراءته لمذكرات العم حسين، أن هذه المذكرات كانت مختصرة، وبالتالي فقد قدم لنا ملخصا لما قرأه:" ملخص ما فهمته أنه ترك العمل، أو أجبر على ترك عمله أكثر من مرة، اعتقل وعذب مرتين، أطلق عليه الرصاص، وكاد يقتل مرة، كل هذا يمر مرورا عابراً سريعاً في مذكراته، لا يتفق مع الأثر الذي تركه في حياته."(220) لقد أوجز السارد ما تعرض له عم حسين في حياته في ثلاثة أسطر فقط، محاولا ترك مساحة كافية لنا كي نملأ الفراغات الناتجة عن الاختصار والحذف.
6 - الحوار
قد يقتصر الحوار على بضعة أسطر، وقد يمتد ليشمل عدة صفحات، في رواية "وإن طال السفر" يمتد الحوار من( ص36 إلى ص40)، وقد دار الحوار بالطريقة التالية:
" سعاد تجلس وحدها .
ـ مساء الخير يا سعاد .
ـ مساء الخير يا عصام . . سأل سلطان عنك .. أين كنت؟
ـ في البحر ..
ـ ماذا تفعل في البحر في مثل هذا الوقت من السنة؟
ـ زهقت .. فذهبت إلى هناك .
ـ ألا تريد أن تأخذني معك ذات يوم ؟
ـ سنذهب سويا هذا الصيف . ـ حقا ..
وابتسمت ، إن السرور يبدو عليها أكثر من أي وقت مضى، قبل أن يسألها قالت:
ـ عصام .. أريد أن أحدثك في أمر ..
شعر بانقباض مفاجئ
ـ خير يا سعاد .. ؟
ـ خير طبعاً .. تعال إلى غرفتك .
دخل غرفته وجلس على حافة السرير .
ـ خير يا سعاد .
ـ أردتك أن تكون أول من يعلم بالأمر ..
ـ الأمر ؟ هل تخفين عني شيئاّ؟
ـ سلطان سيتقدم لي .
ـ سلطان ؟
ساد الصمت لفترة قصيرة .
ـ هل فاتحك هو بالأمر ؟
ـ اليوم فقط .
ـ منذ متى وأنت تعرفينه ؟
ـ لا .. لا تشطح بأفكارك بعيدا .. إننا متفاهمان، وأنت تعرف أخلاق سلطان .
ـ أيوه .. لكن . (229)
ويستمر الحوار بهذه الطريقة حتى(ص40)، ونلاحظ أن الحوار من النوع المباشر، الشخصيتان تتحاوران، والسارد لا يتدخل إلا ببعض العبارات القصيرة التي تمهد للحوار، حيث استخدم السارد الأفعال اللازمة، مثل : تجلس، ابتسمت، شعر، جلس. كما ندرك من خلال الحوار الذي يدور بين عصام وشقيقته سعاد أن علاقة ما تربط بين عصام وسلطان، وقد جعلت هذه العلاقة سلطاناً يتردد على بيت عصام، وقد ترك لنا السارد أن نستنتج من الحوار أن سعاد تتصرف بحرية، وتبلغ عصام بنبأ خطبة سلطان لها للعلم فقط، حيث يتضح أنها موافقة على الزواج من سلطان، ويعد ذلك من إيجابيات الحوار ، وفي رواية " ونزل القرية غريب " يمتد الحوار على مدى ثلاث صفحات من(ص 77 –79)، ويدور الحوار كالتالي:
" مد السجين رجله ونخزه ( كذا ) بها قائلاً:
ـ لكن لم تقل ماذا تعمل ؟
زفر وهو يقول له : عينت مدرساً للقرية معك .. ولكن لي اهتمامات أدبية، فأنا كاتب.
ـ في المحكمة ؟
ـ ولماذا المحكمة بالذات.. كاتب كتب.. مؤلف .
ـ آه .. حدثني عن الأدب قليلاً ..
ـ هل تظن أن الوقت مناسب أيها الصديق ؟
ـ نجعله مناسباً .. الأيام طويلة والحمد لله أن جمعنا سوياً .. تكلم ، قل أي شيء.. قص على إحدى قصصك الجميلة .
ـ ما اسمها ؟
ضحك رغما عنه .. تمتم : القليعة .
جلس السجين وهو يردد: القليعة.. أين سمعت بهذا الاسم؟ يهيأ لي أني سمعته من قبل، بالمناسبة، ما اسمك أيها الصديق؟
ـ يطلقون على غريب.
ـ وأنا اسمي سليم .. لكن ، انظر، لست سليماً أبداً.
أخذ السجين يضحك :
ـ ماذا قلت اسم قصتك هذه ؟
ضحك ولم يرد عليه .
ـ ليس مهما الاسم .. هه .. كيف أحب البطل البطلة ؟
ـ لا يوجد هناك بطلة … " (230)
الحوار السابق حوار مباشر يدور بين شخصيتين داخل سجن ما، ويكتفي السارد بأن يطل عليهما، كما يكتفي بالتعليق المختصر تمهيدا لكلام الشخصية، والأفعال التي يستخدمها السارد في تعليقه، أفعال لازمة غير متعدية، والرجلان الموجودان داخل السجن معلمان، ولكن، يبدو أن السجين السابق فقد القدرة على التركيز، بسبب طول معاناته ووحدته داخل السجن، كل ذلك يمكن أن ندركه من خلال الحوار، دون أن يقول لنا السارد شيئاً من ذلك.
وفي رواية " توائم الخوف" يحتل الحوار مساحة واسعة على مدى الرواية، فقد امتد الحوار من( ص 33 – 35، ص 36، 37) كما امتد الحوار على مدى الصفحات من صفحة 58 حتى صفحة 65، وكذلك على مدى الصفحات من 80 – 89 ، و 92 –93، وكذلك على مدى الصفحات من 103 – 115. وهكذا نلاحظ أن المؤلف والسارد كليهما قد أفردا مساحة واسعة من الرواية للحوار، فقد بلغ عدد صفحات الرواية 126صفحة احتل الحوار ما يزيد على ثلثها تقريبا، وبذلك يكون المؤلف قد نجح في الحد من رتابة السرد ، وإبعاد الملل عن القارئ، خصوصا، وأنه جعل أحداث الرواية تدور على محورين زمنيين مختلفين، الزمن الماضي وتوأمه الزمن الحاضر، وكلاهما يفيضان بالخوف والرعب، والإنسان في الزمنين يعيش حالة من القلق المستمر، سواء أكان هذا الإنسان مسئولا أو مواطناً عاديا، يدور الحوار التالي بين شريف، ضابط الشرطة، ووالده :
- " .. على فكرة ، كيف تسير الأمور في عملك ؟
ـ الحمد لله .
شعرت لحظتها أني أقرب ما أكون إلى أبي، أضفت ولا أدري لماذا؟ فأنا لم أكن أرغب أن أقول له:
ـ نقلت إلى إدارة المباحث العامة.
نظر نحوي بقلق: منذ متى تم هذا الموضوع ؟ يعني لم تقل لي ؟
ـ لم تأت فرصة يا أبي .. منذ حوالي شهر . (231)
واضح من الحوار السابق أن الابن يعمل في سلك الشرطة، وأن الأب يشعر بالقلق على ابنه من العمل في هذا المجال، وفي ص 42 ، نقرأ الحوار التالي:
قال المعلم اسحق وجلا: خيرا يا شيخ منصور.. أرى في تعابير وجهك ما ينم عن أمر خطير؟
ـ حالما سمعت النبأ هرولت إليك لأحذرك.
ـ أثرت اضطرابي .. أهي وثبة جديدة على دور الخلافة ؟
ـ لا .. لا .. أتعرف موسى بن عقبة الوراق في الرصافة؟
ـ هه .. ماذا جرى له؟
ـ داهمت بيته وحانوته الشرطة.. وصادروا ما عنده من مخطوطات واقتادوه مكبلا بالأغلال إلى السجن.(232)
من الحوار السابق ندرك أن العمل الفكري محفوف بالمخاطر في المنطقة العربية، وأن أنظمة الحكم تكبت الآراء التي تختلف معها، وأن العمل في الشرطة، محفوف بالمخاطر أيضا، وخصوصا في حالة شق عصا الطاعة على سلطة الدولة.
المناجاة
وقد استخدم الكاتب المناجاة"المونولوج" أو الحوار الذاتي الداخلي، في رواية" ونزل القرية غريب " يحاور المعلم المثقف ذاته معبرا عن مشاعره في الفقرة التالية:" أنت يا من آمنت بأن الكون مادة، وخاصمت وعاركت من أجل إيمانك هذا، تتخلى عن كل شيء في لحظة خوف! أين ثقافتك وفكرك وقراءاتك؟! يبدو أن كل ذلك لفترات الأمان فقط، ثم تهدره أمام لحظة كهذه، وتعود تؤمن بالجن والعفاريت. هل تسكن الجن قرى من طين، وتبني الدواوين، تضع فيها البسط والسجاجيد والمساند والكوانين وبكارج القهوة؟!"(240) في الحوار الذاتي السابق نكتشف اهتزاز القيم والمبادئ عند بعض المثقفين بحيث يتخلى المثقف عن هذه القيم عند تعرضه لأول صدمة، فقد شعر المثقف بالوحشة عندما وجد القرية التي أرسل للتدريس فيها خالية، وذلك على الرغم من كون المنازل مفروشة، تبدو وكأنها مأهولة، ومن هنا يعتقد المثقف أنها مأهولة بالجن، ولكنه يكتشف أن سكان القرية يأتون إلى منازلهم ليلا. وتبدأ الشخصية في رواية"زمن اللعنة" حوارا ذاتيا بعد استدعاء من ضابط المخابرات: " إلى متى يستمر هذا الصمت؟ لماذا لا يبدأ أسئلته؟"وهنا يقطع السارد المونولوج ليخبرنا أن الشخص قد رتب في ذهنه الإجابات التي سيرد بها، ليتواصل الحوار الذاتي بعد ذلك:"هل يعلقونه من ساقيه ويعذبونه؟ أيحكمون عليه بالسجن أو يطلقون سراحه؟ لا يهم، يجب أن يطرد خوفه ويتصرف بشجاعة، ماذا سيقول والده الآن، سيصدم، لكنه سيقدر موقفه"(241)، وقد حاور فتحي ذاته حين كان يعيش حالة من الصراع النفسي، يتردد بين البقاء في مصر أو العودة إلى غزة بحراً عن طريق بور سعيد، يقول لنفسه: "تقودك قدماك إلى إدارة الحاكم لتتعزى بغيرك من الجبناء القادرين أمثالك، تلتف مع غيرك حول القادمين الجدد، تستمعون أكاذيبهم، يبررون خروجهم، إنك جبان.. لست جباناً.. أنا غير ملام، الظروف أقوى مني، تعاود الكذب على نفسك، اذهب إلى بور سعيد وافعل كما فعل عبد الله، النقود معك، يمكنك الاتفاق مع الأشخاص الذين اتفق معهم عبد الله، العنوان لا يزال معك" (242) وقد اختلط المونولوج بالاسترجاع بتيار الوعي في رواية " المندل " وامتد ذلك على مدى عشر صفحات تقريباً ، من 162 – ص 172 .
وقد أفاد أحمد عمر شاهين من تيار الوعي في روايته "ونزل القرية غريب" في شرح معاناة السارد السابقة واللاحقة، يقول المعلم بعد أن سأله عن قريته"التي ترمز إلى فلسطين" وبعد أن قدم السارد لكلامه:
" لمس رنة سخرية خفيفة في صوت القزم .
لم يعره انتباهاً وواصل سيره دون أن يرد عليه :
قريته؟ وماذا يهمكم أنتم من قريته؟ رصاص ونار وجثث، جثث رجال ونساء وأطفال، تاه نسبه بين الجميع، وكل واحد بعد ذلك يدعي الوصاية عليه، لكني لم أنس، أذكر صوت الانفجار والرصاص، أذكر شكل أبي وأمي، إلا أني لم أتكلم وقتها، كنت صغيراً أو كنت مريضا مذهولا حائرا فيما حدث لكني لم أنس نفسي، صحيح أني سافرت وتهت بين بلاد الله وتعبت، ورأيت مدناً وقرى كثيرة، إلا أن اسم قريتي ظل معلقاً في ذهني بحروف من نار"
نلاحظ في الفقرة السابقة أن المونولوج قد اختلط بتيار الوعي بطريقة عرض الحوار الذي يمهد له السارد، فقد تذكر المعلم ما حدث أثناء حرب فلسطين من قتل وتشريد لأبناء الشعب الفلسطيني الذي لم ينس ولن ينسى ما حدث له.
وفي رواية "المندل" يتذكر حمدان كيف قتل عدنان داخل المصعد، ويذكر لنا سبب ذلك، فقد اكتشف عدنان أن حمدان قتل خاله وأخفى جثته في الفرن، بعدها اكتشف عدنان عظام الحاج عبد الوهاب الشواهدي، وأخذ يهدد حمدان بأن يكشف سره إن لم يقاسمه المبلغ الذي سرقه من خاله بعد قتله له: "عدنان يهبط المصعد معي، يريد نصف المبلغ، خمسة آلاف جنيه أو، يبلغ عني/لا أقل ولا أكث/ وعلى أن أختار/ واخترت/ الحبل في جيبي يؤرقني، أوقفت المصعد بأن فتحت الباب بين دورين، تساءل: لماذا أوقفت المصعد؟"(245) في هذه العبارة يختلط الحاضر بالماضي كما يتضح من الأفعال المستعملة في تيار الوعي.
التناص
وفي الرواية الفلسطينية يبدو التناص لافتا للنظر، هذا التناص يختلف من كاتب إلى آخر ، ففي رواية "بيت للرجم، بيت للصلاة"، حدث تناص مع رواية غسان كنفاني"عائد إلى حيفا" ففي كلتا الروايتين نسيت الأسرة طفلها، ولكن بعد ذلك تتناقض الأمور وتتعاكس، فقد تشبث الطفل الذي كان واعيا بهويته وبمنزله، ووجده أحد أخواله الذي بقي في يافا ووقف إلى جانبه يشد أزره، بينما ترك غسان كنفاني الطفل عند عائلة عربية، لتأخذه منها عائلة يهودية وتربيه تربية يهودية، وبينما قام والد خلدون ووالدته بالبحث عنه في حيفا بعد حرب حزيران، وتنكر خلدون، الذي أصبح اسمه"دوف"، لوالديه وفضل البقاء مع الأسرة اليهودية التي ربته، نجد أن طفل أحمد شاهين أصبح رجلا، وهو الذي بادر إلى البحث عن أسرته في مخيم خان يونس بعد الحرب،(258) وكأن أحمد شاهين يعارض غسان كنفاني ويناقضه، فقد تمسك عرب الداخل بعروبتهم، وبادروا إلى الاتصال بذويهم في المناطق المحتلة بعد حرب حزيران، في حين قطع غسان تلك العلاقة في روايته، وقد أحسنت السينما في سوريا حين حورت في رواية غسان، وجعلت جدة الطفل تنجح في اختطافه ومنع تحوله إلى يهودي بعد اشتراكها مع المقاومة في الداخل، وهذا النوع من التناص هو تناص داخلي.
أما في رواية " الاختناق " فيحدث تناص آخر مع غسان كنفاني، وكأنه في هذا التناص يحاوره ويعارض مقولته المشهورة:"لماذا لم يدقوا على جدران الخزان؟" يقول سارد أحمد عمر شاهين:"الساعة الثانية صباحاً، الآن يقفل المقهى أبوابه، لا أحد سوى من ينامون في الغرفة الداخلية، قد لا يفصل بيني وبينهم سوى هذا الجدار أو ذاك، لو خبطت على الجدران قد يسمعوني، لكن أي جدار، ثم افرض أنهم سمعوا فهل يردون؟ إنهم سجناء أيضا، وإن اختلفت الدرجة، سجناء خوفهم فلا أرجو منهم شيئاً."(259)
أما في رواية"وإن طال السفر" فإننا نجد تناصا خارجيا، بين ما ورد في ص 59 من حوار، وبين الديانات التي تؤمن بتناسخ الأرواح في جنوب شرق آسيا، نجد ذلك في الحوار التالي:
ـ " الحياة تكرر نفسها منذ آلاف السنين .
ـ وربما نحن نكرر أنفسنا منذ آلاف السنين .. ألا تحس أنك عشت قبل ذلك
مرات ومرات ؟
ـ يجوز .. وأعتقد أننا نكفر الآن عن خطايانا التي ارتكبناها في عصور عشناها من قبل."(260) وفي توائم الخوف نجد تناصاً مع مبدأ الغاية تبرر الواسطة الذي نادى به ماكيافيلي، "يقول خلف للمعلم اسحق:
ـ هل أسطو على بيته؟
ـ لا .. فحتى لو سطوت لن تجد شيئاً .. أنا أريده أن يثق بك .. هذا الرجل يا خلف يحب الغلمان المرد .. يعشقهم .. ولو ..
قلت مقاطعاً : هل تريدني أن ..
ـ اسمعني.. اسمعني.. لا تقاطعني حتى أتم كلامي.. عشمه فقط .. دعه يأمل أن ينال."(261)
ومن التناص الخارجي ما نجده في رواية"ونزل القرية غريب، حيث يحدث التناص بين الوضع الذي واجهه المعلم في القرية، وبين الوضع الذي واجهه هوشي منه في قرية فيتنامية نائية، بعد أن أرسله المسئول الحزبي لتأسيس نواة للحزب في تلك القرية، ولما فشل في تحقيق ذلك بعد مضي عدة أشهر على وجوده في القرية، تذكر تلك التميمة التي أعطاها له المسئول طالبا منه أن يستعين بها عند الحاجة، ولما فتحها وجد فيها كتابا فيه أشعار وطنية، فأصابه الإحباط واليأس من جديد، إلى أن هداه تفكيره إلى قراءة الأشعار على أصحاب المنزل، الذين دعوا في اليوم التالي أسرة الجيران، وأخذت حلقة المستمعين من الأميين تزداد يوما بعد يوم، وقد أشفقت عليه ربة البيت وطلبت منه أن يعلمها هي وزوجها القراءة والكتابة ليتمكنا من مساعدته، وقد نجح بعد ذلك في تكوين أول خلية حزبية فيتنامية، عندها فقط ترك القرية، على عكس ما فعله مثقف أحمد شاهين الذي هرب من القرية تاركا إياها فريسة للجهل والتخلف.

الكاتب أحمد عمر شاهين في سطور
1 - ولد الكاتب أحمد عمر شاهين في مدينة يافا سكنة أبو كبير محلة كرم التوت، من عائلة مناضلة، فقد انخرط جده لأمه في مقاومة الاحتلال البريطاني والحركة الصهيونية، وقد نسف اليهود بيته قبل عام 1948 بفترة ليست بالقصيرة، قتل جده لوالده في انفجار لغم إرهابي في سوق الخضار في يافا.
2 - غادر يافا مع أسرته سنة 1948 إلى قطاع غزة ليستقر بهم المقام في مخيم خان يونس.
3 - حصل على الثانوية العامة سنة 1958م ، التحق بكلية الهندسة في جامعة أسيوط، ولكنه عاد إلى قطاع غزة ليعمل مدرسا في المدارس الحكومية في خان يونس.
4 - انتسب إلى جامعة القاهرة لدراسة التاريخ، وقد اندلعت حرب حزيران أثناء تأديته الامتحان النهائي في جامعة القاهرة، ولم يتمكن من العودة إلى قطاع غزة فأقام في حي السيدة زينب إلى أن انتقل إلى جوار ربه هناك.
5 – زار قطاع غزة بعد قيام السلطة الفلسطينية، ولما شاهد جنود الاحتلال في المعبر قرر عدم العودة إلى غزة مرة ثانية.
6 - أصدر عشر روايات، تسعة منها بطعم فلسطيني وواحدة بنكهة مصرية، كما أصدر مجموعتين قصصيتين.
7 – ترجم حوالي أربعين كتابا من أمهات الكتب العالمية من اللغة الإنجليزية إلى العربية.
6 - كان عضوا في اتحاد الكتاب الفلسطينيين في القاهرة.
7 – قضى حياته عازبا، فقد رفض فكرة الزواج بعد أن أبعدته الحكومة المصرية في زمن السادات هو والشاعر مريد البرغوثي إلى العراق، وقد ترك مريد طفله من زوجته رضوى عاشور، فحاولت الحكومة المصرية إبعاد الطفل بحجة أنه فلسطيني، ولكن رضوى استأسدت في الدفاع عن طفلها ومنعت إبعاده.
8 – تعرض في العراق لضغط شديد حتى ينضم إلى حزب البعث ولكنه رفض وغادر العراق ليعتصم مدة 17 يوما في مطار القاهرة حتى سمحت له السلطات المصرية بالدخول إلى مصر .
9 – توفي سنة 2001م بعد إصابته بنوبة انخفاض حاد في السكر بسبب اختفاء العلاج الذي اعتاد عليه واستخدامه لعلاج بديل.



#محمد_أيوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخامس والعشرين من يناير - استحقاقات وتساؤلات
- الحرباء - قصة قصيرة جدا
- أيها اليساريون .. الفرصة بين أيديكم فلا تضيعوها
- قراءة نقدية في مجموعة يسرا الخطيب القصصية
- خطاب مفتوح إلى من يهمه الأمر في حكومة غزة وحركة حماس
- جذور القضية الفلسطينية - د . أميل توما، عرض وتقديم: د . محمد ...
- جذور القضية الفلسطينية - د . أميل حبيبي -
- غزة إلى أين؟ د . محمد أيوب
- قراءة في التلخيص السياسي الصادر عن اللجنة المركزية لحزب الشع ...
- بين عصا بوش وجزرة أوباما - د . محمد أيوب
- المقاومة الفلسطينية إلى أين ؟
- قمة - بمن حضر- بين النجاح والفشل
- الدم الفلسطيني في المزاد العلني للانتخابات الإسرائيلية والمه ...
- جين يصبح الحذاء سلاحا من أسلحة المقاومة
- الحوار الفلسطيني وجدل بيزنطة
- الأزمة المالية العالمية - رؤية شخصية
- أربعات تشكيل
- قصص قصيرة جدا - تابع
- قراءة في كتاب الإمبريالية الجديدة 4 / 5
- قراءة في كتاب الإمبريالية الجديدة


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد أيوب - الكاتب أحمد عمر شاهين - قراءة في أعماله الروائية - محمد أيوب