أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود المصلح - الضيف .. ضيف الله















المزيد.....

الضيف .. ضيف الله


محمود المصلح

الحوار المتمدن-العدد: 2940 - 2010 / 3 / 10 - 12:46
المحور: الادب والفن
    



احتل الضيف في الثقافة العربية والتراث العربي مكانة سامية ، فكما يقولون ( صدر البيت له ، واذا لم تسعك الارض تسعك عيوننا ، والضيف ضيف الله ) فالأدوات الجميلة الثمينة المخبأة ، والوجبة الدسمة ، والفراش الوثير والمقد الاثير ، والكلام السهل اليسير ، والابتسامة والترحيب له ، فهو كما يقولون ( الضيف شاعر ) دلالة على ضرورة اكرامة مخافة ان يحدث عنهم بما لا يحبون .

ولعلهم استزادوا من الثقافة والفكر الاسلامي ما يحظ على اكرام الضيف ، فلقد قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه ) ونرى في القرآن الكريم كيف اكرم سيدنا ابراهيم ضيفه ، حينما جاء لهم بعجل سمين .

وحث الاسلام على تلبية الدعوة ، وأكل الطعام ، وعدم ذمه ، فأذا احبه أكل منه وأذا عافه تركه دون كلام او مذمة حفظا لكرامة الضيف وصاحب البيت .

يفرح القوم بزيارة الضيف ، فهو لهم حبيب ومقدر ، وعليهم واجب الإكرام ورد الاحترام ، فنراهم يتمنون زيارة الضيف ، وعندما يهل عليهم ، تصبح الدنيا عندهم اجواء عيد ، فتتزين النساء ، ويلبس الطفال خير لباسه ، ويطقم الرجال بطقم جديد ( فيقولون هذه ملابس السفر ) ويعلق عليه احدهم ( لابس الي على الحبل ) ويقابله احدهم مخاطبا ( وين على باب الله ..؟ ) ..ربما يحمله احدهم هدية لقريب او صديق او عزيز ، وطبعا السلامات والتحيات ..ويختمها امانة . ليتأكد من توصيلها الى من يحب .


فقديما إذا ما قدم الضيف على احد من القوم ، نرى القوم كلهم هرعوا لاستقباله امام البيت ، وربما كانوا في انتظاره في مكان قريب من البيت ، او ربما يذهبون لاستقبله في موقف معين او مكان خاص ، فيسارعون الى ربط دابته واطعامها ، او ركن سيارته في مكان آمن بعيد عن خطر السيارات الاخرى والاطفال ، نراهم وقد
احتفلوا به ، وتبادلوا العناق والقبل ، وتداوروا على اكرامه واستضافته ، فنرى الموائد التي تعد له تخصه بالتكريم والتبجيل أيا كان هذا الضيف ، فيجلس في مكان بارز ( صدر المجلس ) ويحاط باتلمساند ، ويسامره القوم مخافة أن يمل او يسأم ، ويسهرون عنده الى ساعة متأخرة اكراما له، وعند تقديم تالطعام يخصه صاحب البيت ( المعزب ) بالطيب من المأكل والمشرب ، كما يخصه كل القوم ، حيث يكون كل واحد منهم يعد نفسه امامه ( معزب) وصاحب بيت .

ويرى العرب ، ان الضيف اسير المعزب ( بمعنى ان اكرامه على المعزب واجب ولا يجوز للضيف ان يعترض على اكرامه او المبالغة بذلك ) ويرى العرب ان الضيف له حق الاكرام والاحترام والتقدير ، ايا كان هذا الضيف ، حتى لو كان من الاعداء.. فهم يرون ان الضيف له حق الاقامة ثلاثة ايام وثلث .. خلال هذه الفترة لا يسأل عن أسمه ولا حاجته ، ويترك له حرية الكلامن والصمت ، وبعدها يسمح للمعزب حسب التقاليد ان يسأل الضيف عن اسمه ..اذا كان لا يعرفه .. ويسأله عن حاجته ، فأذا قدر عليها لباها ، واذا لم يقدر استعان بمن يقدر من القوم ، وربما يكون الضيف دخيلا بمعنى انه ربما يكون هاربا من ثأر أو مطارد ومطلوب دمه ، الا انه يعتبر حينما دخل في حما القوم كضيف ( دخيل ) فأن دمه محمي وعرضه مصان وماله في مأمن ، وربما يتحمل المعزب واهله الصعاب الجسام جراء هذا الموقثف لكنهم لا يملكون الا ان يكونوا حماة له .

وربما تتشكل جاهة ( وفدا من القوم المعازيب ) ليسارعوا الى تلبية طلب الضيف ( الدخيل كما يحدث في حالات الجرائم المختلفة .. من قتل او دهس او هتك عرض ...الخ
وتتحمل الجاهة غرم ذلك امام خصوم من حل ضيفا او دخيلا ..ويتعهدون بالوفاء والسداد واعطاء الحق واحقاقه على الوجه الذي يتفق عليه من الخصوم .


وتعد القهوة العربية ر مزا مهما من رموز الضيافة العربية ، فيقدم الضيف على الحضور كلهم حين صب القهوة من الدلة ، بعد ان يشرب المعزب فنجانا امام الضيف ليطمن خاطره ويشعره بالامن ، وليذهب المعزب برودة الفنجان في الصبة الاولى ، ويبقى المعزب يصب القهوة وهو واقف امام المعزب الى ان يشير الضيف بهز الفنجان ،علامة على الاكتفاء ، لينتقل المعزب الى الشخص المجاور على اليمين .
يدرك المعزب من خلال صب القهوة حاجة الضيف ، فأذا ما شرب القهوة فهو ضيف عادي ربما لا يكون له حاجة ذات اهمية كبرى ، ولكن اذا ما وضع الضيف الفنجان امامه ولم يشربه ، نرى المعزب وقد فهم المغزى نراه يباتدر الة القول ابشر بالخير يا الضيف .. او يا ابو فلان ..

ولعل من اهم الوجبات التي تقدم للضيف عندنا في الاردن ، المنسف ، وهو ارز مطبوخ ، يفرد على صينية ( تسمى سدر ) مغطى بالخبز الشراك ، ويوضع فوقها لحم مطبوخ باللبن ( او الجميد ) وهن لبن مجفف ، ويوضع رأس الخروف على المنسف الرئيس ويزين بالصنوبر والبقدونس ، ويوضع السدر الذي عليه الرأس امام الضيف ، واذا كان الضيوف وفدا يوضع امام اميرهم وقائدهم اكراما له ولهم .

ويبقى المعازيب اثناء الالكل وقوفا وهم يرحبون بالضيوف .. فيبادر الضيوف الى دعوة المعازيب الى الجلوس الى المائدة ، وكل منهم يحرص على ان يجلس واحدا منهم بجانبه احتراما وتقديرا ، فيصر المعازيب على الوقوف ، وهم يرددون ( المعزب رباح ) وهم يكنون في انفسهم ربح الضيوف .. وربح الصيت والسمعة .. والاحترام .

ربما يجلس احد المعازيب ولعله كبيرهم بالقرب من كبير الضيوف ، ليحرص على تفتيت اللحم امام الضيوف وتجاذب اطراف الحديث الشيق .

تبقى النساء في الغرف الداخلية ، وهن لا يزلن ينفظن عن ايديهن عناء الطبخ والغسل والمسح والكنس ، ليقدم
لهن وللمعزيب من الرجال ما بقي من منسف الضيوف ، وربما يصلح بشي من الارز واللحم .


ونرى الضيف قبل عزمه السفر والضيافة التي اتخذت اشكالا عدة اتلكم عنها لاحقا ، نراه يتخذ تدابير واجراءات قبيل السفر ، اليوم ربما يتصل هاتفيا ليتأكد ان المعزب عنده القوت الكاف لاستضافته ، خوف ان يباغته على حين غرة ، ونرى صاحب البيت والناس عموما يحيطون مكان جلوس الضيف برعاية خاصة ، بل هناك غرفة تسمى ( غرفة الضيوف ) او ( غرفة المسافرين )ويحرص صاحب البيت على ان تكون الغرفة نظيفة مرتبة جميلة مريحة ، تطل على اجمل مكان في البيت والحديقة ، قرب الحمام .

ونرى الضيف قبل ان يزمع المسير ، وقبل ان يودع اهله يحرص على ان يصحب معه هدية ، تليق بمن يذهب اليه ، ويحمل قبل الوداع السلامات والتحيات وامانة توصيل القبل احيانا ،


يقول والدي ، كنا نذهب تجارا من بيسان ( في فلسطين ) ومعنا قطعانا من الماشية ، من غنم ومعز وبقر وابل ، ونحمل الصوف والوبر والشعر ، والبسط وغيرها ، الى الشام فنسير الى درعا والشام وحلب ، عبر غور الاردن وسهول حوران في الرمثا، ونعدو بمثل ما حملنا ونبيع ونشتري بالاسواق ، نسير في النهار ونستريح في الليل ، وفي الطريق ( نكد ) أي ننزل في ضيافة أي بيت مضاء .. فنتعشى ونتسامر .. ونقضي ليلتنا وفي الصباح نغادر وقد حملنا زوادة من المعزب ( صاحب البيت ) .

وربما نتعارف ، فيقوم ذلك المعزب بزيارتنا لاحقا ، او اذا ما اضطرته الظروف يوما الى ذلك ، فيكرم ويصان وربما تتطور العلاقة لتصبح نسبا في كثير من الاحيان ، وهذا يفسر سر التقارب بين العائلات في سوريا والاردن وفلسطين .

ويذكر ان هناك من كان يصر على السكن عند مفترق الطرق ليحظى بالضيوف ، ولقد كان جدي رحمه الله ( حسين المصلح ) يسمى عند ربعه ساكن الدربين ( أي ساكن الطريقين ) دليلا على كرمه ، ومحبته للضيف ، ويقول الناس ( أن الضيف أذا حضر حضر واجبه ) ومن أهل البيوت من الاطفال والنساء من يفرح لقدوم الضيف حيث سيكون لزاما على وليهم اكرام الضيف فينعمون بفسحة الكرم له . بل ربما يمتد ذلك الى الجيران ، وعلى الاغلب كنا اذا حضر الضيف وحان وقت اكرامه ندعوا الجيران للمشاركة ، الذين سيقومون بدعوة الضيف قبل أن يغسلوا ايديهم كما هي العادة .. فمن يأكل أكل الرجال عليه أن يطعمهم .
واذا نزل بجانبنا جار جديد ، يسارع الجيران الى زيارته ، تقوم النسوة بزيارة النسوة ويقوم الرجال بزيارة الرجال ، وبدعونه بالتناوب لتناول الطعام ، قد يكون غدا وعشاء وعلى مدار ايام ، ليقوم الجار الجديد بدعوة كل الجيران على الغداء او العشاء مرة واحدة ، وتسمى هذه عند العرب ( انزالة ) لانه نزل بالقرب منهم وفي حماهم ، وليس خافيا ما تخلفه هذه العادة من محبة والفة وتقارب ومحبة ، ولقد رأيت في بعض الافلام الامريكية ما يشبه هذه العادة ، فقد تنزل عائلة جديدة فيسارع البعض الى دعوتهم او تقديم المساعدةو لهم .
ونرى اليوم هذه العادة وقد انحسرت كثيرا في الكثير من الاحيان ، لما خلفته الحالة الاقتصادية وتغول الفردية في حياة المجتمع الذي انغمس في حياة بات فيها مقلدا بدل ان يكون اصيلا . وفرضت حالة من التغير الاجتماعي تحت وطأة الكثير من الضغوطات ، ولكنه تغير سالب غير موجب ، وكأنه يفرض حالة من العزلة والانطوائية ، فنجد العمارة المكونة من عشرشقق مثلا ، وقد توفي احدهم في العمارة ذاتها فلا يعلم بعضهم بذلك الا بعد حين ، ولو علم ربما لا يبادر الى المشاركة ، لانه كما يزعمون ليس هناك علاقة . ولا يدري انه قد شارك بقطع العلاقة من البداية .



#محمود_المصلح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طقوس الكتابة2
- طقوس الكتابة 1
- طقوس الكتابة
- الفرجة....
- الانحيازالى السينما
- القدس
- عندما تنحاز السينما لنا .. ننحاز لها ..
- همسات في شارع السينما
- ماوراء الصورة
- منح الجنسية .. سحب الجنسية
- الاتحاد الاوروبي ... تركيا
- سلمدوغ مليونير
- في مقامات المديح للجلاد..
- الى عذاباتي...
- السائق الغريب
- جرائم الشرف
- عرب يا رسول الله ...
- فيصل القاسم والاتجاه المعاكس
- أيام في بيروت ... 2/5
- ايام في بيروت ..3/5


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود المصلح - الضيف .. ضيف الله