أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أدونيس - الخَطْف















المزيد.....

الخَطْف


أدونيس

الحوار المتمدن-العدد: 2927 - 2010 / 2 / 25 - 14:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الاربعاء, 24 فبراير 2010

- 1 -

الفكرة تُخطف هي كذلك. نظرياً، يشير إليها سابقٌ. ثم يأتي لاحقٌ يجسّدها، عملياً، في سياق. يؤطّرها. كما لو أنه يضع يده عليها. كما لو أنه يحوّلها الى ملكٍ خاص. كما لو أنّه يستثمرها.

يعظم الخطف بقدر ما تعظم الفكرة. يزداد حِدّة وتعقيداً، عندما تكون الفكرة مشتركة. الأفكار الدينية مشتركةٌ، أصلاً، وهي لذلك الأكثر تعقيداً، لأنها الأكثر تشابكاً مع نوازع الإنسان، السفلى والعُليا، والأكثر تداخلاً مع مصالحه الدنيوية، والأكثر تأثيراً وفاعلية في مجتمع تتمحور أسسه الثقافية على السلطة، سياسةً واقتصاداً واجتماعاً. تكون الفكرةُ في أصلها فضاءً مفتوحاً. يُحوّلها الخطف الى سجن، حيناً وإلى سَجّانٍ حيناً، أو إلى كليهما معاً، بعد أن يحوّلها الى مجرّد وسيلة.

- 2 -

الخطف الأكبر، اليوم، في البلدان العربية - الإسلامية، يتمّ في حَقْل الأفكار الدينية - السياسية. لكل خطفٍ، في كل بلدٍ، وضعٌ يُدرس على حدةٍ وفي ترابُطٍ مع واقعه وأحواله وعلاقاته.

آخذ لبنان مثالاً.

الإسلام في لبنان مخطوفٌ. يأخذه خاطفوه في اتجاهين:

1 - مؤسسي - سياسي، تنحصرُ مهماته في ابتكار السبل المتنوعة لخدمة «القيصر».

2 - تأويليّ - إيديولوجي، تنحصر مهماته في قَتل «الشيطان».

الأول يحتاج الى «الغرب»، لغايةٍ أو أخرى. الثاني لا يحتاج الى أي شيء خارج الإسلام وشرعه.

وحين يسأل أحدنا: أين، إذاً، الإسلام - الرؤية والرؤيا، إسلام التجربة الإنسانية الروحية - الفكرية التي نشأت في كنفِها، وباسمها، حضارةٌ عظيمةٌ، شعراً وفناً وعمارة، علماً وفكراً وفلسفة، فإنه لن يرى أثراً عملياً لهذا الإسلام. إلا إذا عددنا المؤتمرات والقرارات والبيانات، أثراً.

هكذا يعمل أهل هذين الاتجاهين على تحويل الإسلام الى حياة يومية لا حياة فيها - إلا في هباء السياسة، ولغو السلطة. اتجاهان يستضيئان بمنارتين للشرع: «الأزهر»، من جهة. و «ولاية الفقيه»، من جهة.

وقلّما نرى عند أهل هذين الاتجاهين قراءاتٍ عالية للإسلام - التجربة الروحية الفكرية. خصوصاً تلك التي يتوجّب عليها أن توضح «معناه» في «صورة» العالم الحديث.

الخطفُ يحول دون القراءة التي تبحث وتتأمّل، تتعمّق وتستقصي. وقارئ الإسلام، اليوم، يجب أن يكون خلاّقاً في مستوى القارئ الذي يقرأ الوجود وراهنية الكون والعالم. يستوعب النص الذي يقرؤه، ويتمثله، على نحوٍ فريد. وما يكتبه يدخلُ في الفلكِ الثقافي، فلك النسيج الفكري الكوني، ويُشارك في فتح طرقٍ جديدة للتفكير وللحياة.

ولئن وجدت مثل هذه القراءة، في لبنان وبعض البلدان العربية، فإن الخطف يحاصرها بالرقابات والاتهامات والإقصاءات. يُسلّط على أصحابها، وهم قلّةٌ، فقهاءَ السلطة ووسائلَ إعلامها. ونرى أن الأساس العميق لثقافة هؤلاء الفقهاء، ينهض على الإيمان بأن الإنسان هو نفسه مخطوفٌ سلفاً. مُجرَّدٌ من كينونته الإنسانية. بأنه مجرّد طيف. لا وجود له في ذاته: في الحياة، يكون وجوده للمؤسسة وسلطاتها. في الموت، يكون وجوده للخالق، جحيماً أو جنة.

نعم، لا وجود له في ذاته:

فهو، بوصفه ابناً، ينزل من رحم أمّه، أباً. والأبُ تكرارٌ أرضي للأب الأوحد في السماء. وانظروا عملياً الى الأبناء - الآباء في المحيط العربي. إنهم يملأون الكراسي، والشرفات والساحات، الكتبَ والجرائد، التلفزيونات والإذاعات.

لا يملأون الواقع وحده، وإنما يملأون كذلك الكلام على هذا الواقع.

وانظروا، تبعاً لذلك، كيف تنعدم الثقافة الإنسانية الخلاّقة، في هذا المحيط العربي. وكيف تحلّ محلّها ثقافة السلطة ووسائل إعلامها التبشيرية، مدحاً أو هجاء. وانظروا أخيراً كيف يتحوّل الدين في هذا كله الى مجرد حارسٍ لنظامٍ يطرد البشر الذين يحكمهم من التاريخ، ويحوّلهم الى مجرّد أشياء.

- 3 -

يتفوّق الغُلاة في هذا الخطف. غلاة الأصولية، وغلاة العنف. يعتزُّ الأولون باستنساخ الماضي وعصره الذهبي، ويعتزّ الآخرون بحربهم على العدو، سواءٌ في الداخل أو في الخارج.

ولن يُصغي إليك أحدٌ من أولئك إن قلت لهم: ليس هناك عصرٌ ذهبيّ، ولئن صح وجوده فهو أمام الإنسان لا وراءه. ولن يُصغي إليك أحدٌ من هؤلاء إن قلت لهم: حارب عدوّكَ بالعلم، والمعرفة، أولاً. علمك أنتَ، مبتكراً لا مُستعاراً، ومعرفتك أنت، خلقاً، لا اجتراراً.

العنف في الحالين مزدوج: شرعيّ ثابت، يتمثل، بخاصة، في النظر الى حقوق الإنسان: لا مساواة. وإيديولوجي سياسي لا غاية له إلا السلطة، سلباً وإيجاباً. مع الطغيان ضد الحرية. ومع الجماعة ضد الإنسان. ومهما اتّسعَ الإصلاح هنا، على افتراض إمكانه، فهو لا يتجاوز عتبةَ التسامح.

التسامح أضيقُ وأدنى مما يطمح إليه الإنسان. الإنسانُ يريد المساواة، لا التسامح.

إن كنا نريد المساواة، فلا بد من أن نخلق التربة التي تتأصل فيها الحرية، تأصلاً حُراً. إذ، في المساواة، لا يكفي مجرد الحرية. لا بُدّ من «الحرية الحرة»، كما يقول رامبو، لكي يكون هذا التأصل شاملاً: في الحياة والعمل، في الفكر والفن، في الجسد والروح، في البحث والتأمل، في المخيلة والعقل.

ولا إرجاء في خلق هذه التربة. أن نُرجئ يعني أن نهمل وأن ننسى. يعني أن نتخلى.

ما يجب أن يُعملَ، يجب أن يعمل الآن، لا غداً أوبعده. خصوصاً في لبنان.

إنسان الحرية والمساواة، لا تشغله بداية العالم أو نهايته. يشغله أمرٌ واحد: أن يُنهي ليله ويبدأ نهاره بحرية ومساواة.

- 4 -

هل يجد القارئ في الإشارات التي تقدّمت ما يدفعنا الى التأمل في هذه الظاهرة العربية الساطعة:

ليس هناك نضالٌ في العالم كله ينقلب ضد نفسه، أو يتطور عكسياً الى الوراء، لا في لبنان وحده، بل في البلدان العربية كلها، كمثل نضالنا العربي، وعلى رأسه النضال من أجل فلسطين: من قفزٍ عالٍ الى قفزٍ في اتجاه الأسافل. من ضعفٍ بسيط ظاهر، الى ضعفٍ معقّد باطن. من نشوةٍ وزَهْوٍ، الى دوارٍ وتخبّط. من وحدة واتحاد الى تجزّؤ وانقسام. من صراع الذات مع الآخر، الى صراع الذات مع الذات، وهو الأشدّ ضراوة وفتكاً. إنه خروجٌ من الزمن. نشازٌ في إيقاع الكون. فَقرُ دمٍ في الحياة، وفي الفكر، وفي العمل.

وانظروا الى الحشود في لبنان وبلدان العرب - الحشود المتراكمة المتناقضة، المرصوصة المتفككة. ماذا تفعل غير الخضوع لأهواء حُكامها؟ ماذا تمارس غير إلغاء نفسها، فيما تظن أنها تثبتها؟ تمسك بها من أقدامها شياطين الانتماءات الاختزالية الضيقة، وتمسك بها من رؤوسها ملائكة الانتماءات السماوية، قاذفة بها في هاوية العبوديات من كل نوع. تعيش هانئة بالكارثة مع الكارثة في الكارثة. تعمل لفظياً على تدمير الطغاة، وترفض عملياً تدمير الطغيان.

- 5 -

لبنان، أفغانستان، باكستان، العراق، الصومال، وربما لاحقاً، اليمن والسودان: لو كانت هذه البلدان تعيش وضعاً إنسانياً سوياً - ديناً وفكراً، سياسة وثقافة، اقتصاداً واجتماعاً، هل كان يمكن أن نتصوّر مجيء جيش أجنبي الى أرضها، بحجة الدفاع عن أمن أرضه هو، أو بحجة الدفاع عن هذه البلدان، شعوباً وأنظمة؟

... وفي هذا السياق، تشتعل الحروب العربية - العربية، وبخاصة القبلية، والمذهبية. وفي هذه الحروب، تزداد الانقسامات وتتعمّق، وتذهب ثروات العرب وطاقاتهم في التسلح لإنهاك بعضهم بعضاً، أو تدمير بعضهم بعضاً. وينصرف العرب عن البناء الداخلي لمجتمعاتهم، خصوصاً البناء المعرفي العلمي، والبناء الاقتصادي، كأنهم «مُجنَّدون» لكي «يحافظوا» على تخلفهم، وعلى بقائهم في الذيل من قاطرة العالم.



#أدونيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلد واحد «أنظمة» كثيرة
- ثلاث قصائد لأدونيس( الحوار،و مرآة لأورفيوس، و إلى الغريبة)
- رَهبة، رُهَاب، إرهاب
- أول الشعر
- 2010، عام الجدار
- سجال المئذنة
- الشعر: استهلاك أم انتهاك
- التاريخ، هذا التاريخ
- كورتي نوفا / البندقية
- مظلّة لوردةٍ أرهقها العطش
- صحراء I
- ماذا يَعني أن تكون مختلفاً؟
- معجمٌ مصغّر لهن
- «الأصول» التي تُعطّل الحياةَ... وتأسر العقول
- ثلاث قصائد
- مرآة الزلاجة السوداء
- مرآة لفارس الرفض
- في رثاء درويش : أحب أن أبكي
- في اللّيل والسماء كمثل جسمٍ فاتن
- لم يعد غير الجنون


المزيد.....




- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أدونيس - الخَطْف