علي الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 2923 - 2010 / 2 / 20 - 23:46
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
" التسامح هو أكبر مراتب القوة ، وحب الانتقام احد مظاهر الضعف "
" طاغور "
العبارة التي اتخذتها عنوانا لمقالي هذا لم استوحيها من ذكرى استشهاد الأمام الحسين(ع / رض ) التي مرت قبل أيام ، إنها عزيزي القارئ عنوانا لواحد فقط من آلاف الشعارات الدعائية التي يستخدمها المتنافسون العراقيون في الحملة الانتخابية الجارية على قدم وساق هذه الأيام. ولو لم يكن المرشح الذي يقف خلف هذا النوع من الشعارات من الشخصيات القيادية في إحدى القوائم الانتخابية المهمة لما أثارت انتباهي لأفرد لها مقالا خاصا بها. إن المعني بهذه العبارة هو رئيس الوزراء السابق السيد ابراهيم الجعفري الذي جعل من هذه العبارة أحد وسائله الدعائية لكسب الناخبين لشخصه ، وهو يعرف أن مفوضية الانتخابات قد منعت استخدام الرموز الدينية كواجهة لحملة التنافس الانتخابي.
مالذي يدفع بسياسي كان ويطمح ليكون رئيسا للوزراء لاستخدام هذا النوع من الخطابات التي لا لا تخدم المجتمع بشيء في ظل الوضع السياسي والاقتصادي المعقد الذي تدق أجراس أخطاره في كل ناحية من مناحيه. إن محتوى وتوقيت هذا الصنف الدعائي هو تشبث يائس بالوهم ، و تعبيرعن انفصام عن الحياة اليومية لجماهيرالشعب التي ليس لهمومها غيرعنوان واحد هو "المعاناة ". عنوان لا يحتاج إلى ضليع في اللغات كي يقرأه أو يفهمه ، فهو صورة مجسمة تراها على كل وجه ، وفي أي مكان في العراق ، ويتحسسها حتى فاقدوا البصر. في تلك الصورة اختزلت كل الأحزان ، معبرة عن أقسى درجات الجوع والحرمان ، والكرامات المجروحة التي أذلتها الحاجة واهمال الحكام. صورة معبرة عن حقوق النساء المهضومة في البيت والعمل والشارع ، وعن اليتم والترمل والإعاقة ، وعن فقدان المأوى والمدرسة والعائلة والأصدقاء والماء الصالح للشرب والنور والبيئة النظيفة والأمان. فأين السيد الجعفري من كل هذا ، وهل للشعار الذي يرفعه أي صلة بالواقع المعاش؟
السيد الجعفري إما أن لا يرى ، أو يتعامى عن كل ذلك ، أو لا يعي مشاكل شعبه ، وإلا ما معنى أن يفتعل معركة و يبتكر نداء لنجدة لا ضرورة لها ولم يطلبها الامام الحسين ، فيما يعتقد المؤمنون وأزعم أن الجعفري أحدهم ، بأن الإمام يرفل بنعمة ربه وهو من الخالدين في جناته ، ولم يعد بحاجة لا للجعفري ولا لغيره.
إذا تساءل أطفالنا وهم يتطلعون لتلك العبارة ، من هم الذين نذهب لنجدة الحسين منهم ، وأين هم ، بماذا نجيبهم ؟
إن العلم أوصلنا بالفعل إلى القمر ويقربنا من المريخ وزحل والمشتري ، وبفعل الاتصالات الحديثة أصبح أطفالنا أكثر منا تماسا ومعرفة بالتطورات العلمية والمعرفية الحديثة ، وشعارات كهذه لا تخاطب أولئك الأطفال والناس الواعين ، إنما يراد بها التلاعب بعقول ومشاعر السذج وناقصي المعرفة في أوساط أبناء الفقراء الذين لم تتح الدولة لهم فرص التعليم والثقافة. خطاب كهذا يفاقم من شقاء أولئك المستهدفين ويحملهم أوهاما هم في غنى عنها ، فما يحتاجونه اليوم هو فرص عمل تعيد لهم كرامتهم التي حطت منها الحاجة وقصراليد ، لتحصنهم ضد الفكر الظلامي الذي ترفع رايته عصابات التكفير وأنصار النظام السابق الذين يستغلون جوعهم وفقرهم لتجنيدهم في عمليات الموت المجاني. كما أن عبارات كهذه لا تدعو للتلاحم وتوحيد الكلمة والجهد لبناء بلادنا التي خربتها أيدي أعداء العراق.
كان عليه وهو الطامح برئاسة الوزراء أن يتقدم بمشروع وطني سياسيي واقتصادي واجتماعي يجسد آمال كل العراقيين من مختلف الطوائف والأديان والأجناس والأصول القومية ، وقد يكون له بالفعل مثل هذا المشروع الوطني فليس صعبا صياغته ، لكن الشعارات التي أوردنا مثالا حيا عنها تطعن في مصداقية هكذا مشروع.
لم يكن شعار رئيس الوزراء السابق الوحيد بين الشعارات التي لا فائدة ترتجى منها ، فهناك شخصيات سياسية أخرى اختارت هي الأخرى أن تركن إلى دغدغة المشاعر السفلى. السادة ظافرالعاني وصالح المطلك الذين منعا من الترشح للانتخابات من قبل هيئة المساءلة والعدالة ، حاولا باستماتة أن يضفوا بعدا طائفيا على عملية استثنائهم ، ولولا أن العديد ممن شملهم الاستثناء من غير طائفتهم لكانوا نجحوا في إحداث ضرر فادح في الوفاق الطائفي الذي ما يزال متماسكا رغم الهزات الكثيرة التي تعرض لها. ويضاف إليهم شخصية ثالثة مثيرة للجدل تركت أثناء عملها بصماتها في أول مجلس نواب جرى انتخابه ديمقراطيا في العراق الجديد. إنه السيد رئيس مجلس النواب السابق الدكتور محمود المشهداني الذي أبى إلا أن تكون له حصته في تجارة الشعارات بين أوساط الجهلة ومحرومي التعليم والحس الوطني ، مدفوعا بشهوة المنصب الذي افتقده بسبب زلات لساه الكثيرة وقلة حنكته. أحد شعارات حملته الدعائية المتداولة في الشارع العراقي ورد هكذا " لن أغفر لمن ظلمكم ".
واضح من العبارة أن هناك " ظالم " و " مظلوم " و " منقذ " ، ولمن ليست له أية خلفية عن النظام الطائفي الذي وضع أسسه الحاكم المدني السيد بريمر، والسفير الأمريكي الأسبق زلماي خليل زاد ، لا يدرك فحوى العبارة ، وقد يفهمها كونها تخاطب المظلومين والمصادرة حقوقهم من النساء والرجال وهم كثر في مجتمعنا. لكن لمن يعرف السيد المشهداني جيدا سواء أثناء عمله في مجلس النواب أو خارجه بعد مغادرته له ، والملم بالاستقطاب الطارئ بين ممثلي الطوائف ، يدرك دون صعوبة أن للعبارة علاقة مباشرة بذلك الاستقطاب وليس بمظلومية الطبقات المسحوقة والأقليات والمرأة ، فهذه وغيرها من القضايا السياسية الوطنية ليست في جدول مهامه.
المؤسف أن نرى بعض سياسيينا قد اختاروا الطريق الخطأ في تحقيق طموحاتهم السياسية ، فبدلا من الانحياز للشعب والتفاني من أجل تحسين مستويات معيشته ، ومكافحة أسباب الخلافات الطائفية والقومية والمنطقية التي تفت في عنفوانه وطموحه ، أصبحوا جزء مستفيدا ولاعبا مهما في تلك الخلافات ، وما رفعه السيد الجعفري والسيد المشهداني من شعارات عبر حملتهم الانتخابية خير دليل على ذلك. إن مثل تلك الشعارات لا تحقق وحدتنا الوطنية المنشودة التي يتحدث عنها جميعنا ، ولكن دون فعل أو تضحية ، ولذا على مروجي تلك الشعارات أن يعوا جيدا أنها لن تجلب للعراقيين أي خير، ولن ترفع من شأن أي سياسي يتخذها سلما للصعود. وأن الطريق إلى انتصارنا على الجهل والتخلف الاقتصادي وكبح الأطماع الخارجية ، هو في رص صفوفنا نحن أبناء الطوائف التي لم نختارها بإرادتنا ، بل ولدنا عليها ، ولذا فلا بديل لنا غير تركها وراءنا مرة وإلى الأبد ، واعتماد التعاون البناء بيننا والتسامح تجاه بعضنا البعض ، وبفضل ذلك وحده نبني بلدنا و ننتصر ونتقدم.
علي ألأسدي
20 / 2 / 2010
#علي_الأسدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟