أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سما حسن - يوم أن كرهت الأرجوحة(من سيرتي الذاتية)














المزيد.....

يوم أن كرهت الأرجوحة(من سيرتي الذاتية)


سما حسن

الحوار المتمدن-العدد: 2903 - 2010 / 1 / 31 - 16:10
المحور: الادب والفن
    


كان جارنا الفقير كثير العيال يقيم أرجوحة خشبية أمام بيته الصغير، كانت الأرجوحة من الخشب، ولها حبال قوية وغليظة ومتينة من اللوف الخشن الذي يؤذي اليدين، ولكنني كنت مولعة بركوب الأرجوحة، وكنت أنفق كل ما أحصل عليه من مال من أمي وابي من أجل ركوب الأرجوحة، حتى أصبحت " الزبونة" المستديمة لدى صاحب الأرجوحة الذي عهد بمسئولية " حساباتها وادارتها " لابنه الصغير والذي كان يكبرني بأعوام قليلة.

لم ألتفت في خضم لهفتي على ركوب الأرجوحة إلى تبدل القائمين على الخدمة، ولكنني كنت أتوق فقط إلى وضع قدمي على القاعدة الخشبية لها، وأن أحرك قدمي الصغيرين روحة وجيئة في ثبات وسرعة من أجل أن تتحرك، وأبحث بعيني عن صاحب الأرجوحة لأستحثه كي يدفعني دفعة قوية أطير بها نحو ………. أحلامي

نعم كانت الأرجوحة بالنسبة لي هي سفينة الزمن التي تأخذني عن كل ماحولي، حين تحلق بي عاليا وأعانق بصفحة وجهي البيضاء لون السماء الأزرق، كنت أشعر بالسماء تربت على وجنتي، وكنت أسمع أصواتا تناديني وتستحثني وتكلمني، وكنت أرى ما لا يراه البشر، خاصة حين تتوسط الشمس كبد السماء فتلك كانت هي اللحظة التي أحلم بها حين أرى الشمس كبيرة متوهجة، وحولها السماء وتحتها مباشرة يطير رأسي الصغير في رحلة لا تستغرق سوى ثانية من الوقت، ولكنني كنت أتمنى لو تطول الرحلة، وكت أتمنى لو مددت يدي وتعلقت بالشمس التي ستأخذني لعالم جديد، وكنت أحلم وأحلم حتى تحولت علاقتي بالشمس والسماء لموعد غرامي كل يوم، في عز الظهيرة حين يخلو شارعنا في صيف غزة القائظ، وحين تعد أمي وجبة الغداء ويتحلق حولها اخوتي، انسل من بينهم كقطة تبحث عن مكان لقضاء حاجتها، واتسلل إلى الأرجوحة، فأدس في كف صاحبها القطعة المعدنية الصغيرة، وأطير نحو عالمي…..

أصبحت أفقد وجبة غدائي كل يوم من أجل موعدي مع الشمس والسماء، وأعود إلى البيت، وقد تناولت عائلتي الوجبة الرئيسية، وتركوني دون طعام عقابا لي، ولكنني كنت انزوي في غرفتي الهث من فرط الانفعال، واستعيد في وحدتي كل ما رأيته في السماء في رحلتي القصيرة………

ولم أنتبه إلى تبدل المسؤول عن الأرجوحة، وأناأعود كل يوم في نفس الوقت، ووجنتاي تتضرجان بالحمرة القانية، وشعري يتناثر حول وجهي المستدير، وتتلوث ساقاي بالرمال الجافة، ولكنني كنت أفكر فقط باحلامي وخيالاتي وموعدي الغرامي…

كانت أمي تلبسني فساتين قصيرة ترتفع عن ركبتي بمسافة كبيرة، لدرجة أنني حين انحني يظهر فخذاي البضان المكتنزان بوضوح، ولكن هذه كانت الموضة الدارجة في أواخر السبعينات، ولم أنتبه إلى أن المسئول عن الأرجوحة كان يدعو أصدقاءه كل يوم ممن هم في سنه وأكبر وأصغر ليتحلقون حول الأرجوحة، وينظرون لأعلى وتحديدا وتركيزا للفستان حين أطير، وتتوجه كل العيون المحملقة الجائعة إلى ماتحت فستاني الصغير,,,,,,

كنت ارى اللهفة والاستعداد حين اقبل من بعيد، وأن الفتى المسؤول عن الأرجوحة أصبح يطيل لي المدة المقررة، والتي كانت تنتهي سريعا مقابل قروشي القليلة، ولكنني لم أفكر بالسبب، وربما فكرت للحظة، وعزوت ذلك لقلة المرتادين في ذلك الوقت، خاصة أن كل جيراننا من الطبقة الفقيرة، وكنا نحن العائلة الثرية في المنطقة……..

مرت الأيام كثيرة في العطلة الصيفية، وأنا أزور أرجوحتي، وأطير مع أحلامي،اتنازل عن وجبة الغداء، ويقرصني الجوع، وفي كل مرة أطير اجد عالما جديدا يرسمه خيالي، حتى كان اليوم الذي سمعت كلمة نابية وأنا أطير…….

سمعت من يصف فخذيّ المكتنزين في وصف قبيح بذيء، وفي تلذذ لا يخلو من نهم……

صحت وأنا أحلق عاليا بالمسئول عن الأرجوحة أن يوقفها...الدموع اندفعت من كل مكان في وجهي……..

احتقن وجهي أكثر وأكثر بحمرة الغضب والخجل وكل المسميات التي يمكن أن تطلق على موقفي، عدا السعادة التي كنت أشعرها وأناأحلق…….

وجدت الجمع الغفير من أبناء الحي المتحلق والمفتوح العيون أسفل قدمي حين نزلت عن الأرجوحة….

شعرت كم أنا غبية

وكم كنت عرضا مثيرا ومغريا وأنا منطلقة ببراءة نحو احلامي

وسعادتي الوهمية……..

اطلقت سبابا خافتا مخنوقا بالدموع،وهرعت للبيت وبكيت كما لم ابكي

ومن يومها لم أعد للأرجوحة ولم أرد على سؤال أمي: لماذا أصبحت أول من يجلس علىمائدة الغداء؟

تعلمت الكثير من هذا الدرس...

اول ماتعلمته انه من السهل أن تحلم ولكن من الصعب ان يدعك من حولك تواصل الحلم……..



#سما_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لاتصمت(خاطرة لامرأة مهزومة)
- أيام القحط في غزة( من يوميات امرأة محاصرة)
- ارحمونا(من يوميات امرأة محاصرة)
- عين واحدة -قصة قصيرة-
- على شاطيء بحر غزة(من يوميات امرأة محاصرة)
- لو مات أفضل- قصة قصيرة
- قطتي والديك وأشياء أخرى(من يوميات امرأة محاصرة)
- كن ولا تغادر(خاطرة لامرأة مهزومة)
- ثقة(خاطرة لامرأة مهزومة)
- تبادل أسرى في بيتي(من يوميات امرأة محاصرة)
- تعال إلى جنتي(خاطرة لامرأة مهزومة)
- لا تحاول(خاطرة لامرأة مهزومة)
- ويبقى الأب(من يوميات امرأة محاصرة)
- لها ولي(خاطرة لامرأة مهزومة)
- امرأة غيري” خاطرة لامرأة مهزومة”
- من طرائف الحصار على غزة(من يوميات امراة محاصرة في غزة)
- لن تتعثر بي(خاطرة لامرأة مهزومة)
- يوم بلا كهرباء في غزة(من يوميات امرأة محاصرة)
- حبك الذي جاء(يوميات امرأة مهزومة)
- هاتفي اللعين(يوميات امرأة مهزومة)


المزيد.....




- دراسة تحدد طبيعة استجابة أدمغة كبار السن للموسيقى
- “أنا سبونج بوب سفنجة وده لوني“ تردد قناة سبونج بوب للاستمتاع ...
- علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي ...
- استقبل الآن بجودة عالية HD.. تردد روتانا سينما 2024 على الأق ...
- -انطفى ضي الحروف-.. رحل بدر بن عبدالمحسن
- فنانون ينعون الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- قبل فيلم -كشف القناع عن سبيسي-.. النجم الأميركي ينفي أي اعتد ...
- بعد ضجة واسعة على خلفية واقعة -الطلاق 11 مرة-.. عالم أزهري ي ...
- الفيلم الكويتي -شهر زي العسل- يتصدر مشاهدات 41 دولة
- الفنانة شيرين عبد الوهاب تنهار باكية خلال حفل بالكويت (فيديو ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سما حسن - يوم أن كرهت الأرجوحة(من سيرتي الذاتية)