أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - طريف سردست - اسباب نشوء الالهة في الحضارة السومرية















المزيد.....

اسباب نشوء الالهة في الحضارة السومرية


طريف سردست

الحوار المتمدن-العدد: 2900 - 2010 / 1 / 27 - 11:43
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من زواية ثقافتنا الاسلامية اليوم، يتصور البعض ان الانسان يتساءل بالفطرة عن خالق، فيصل الى وجود الله، غير ان الحضارة السومرية الاكدية المبكرة تقدم لنا صورة اخرى فريدة للغاية، ماهي الاسباب التي دفعتهم لذلك؟.

يتفق الباحثون على ان المدن السومرية الاولى نشأت حوالي نهاية الالف الرابع قبل الميلاد في حوض بلاد الرافدين، وفي ذلك الوقت كان عدد المدن محدود للغاية. في المدن الثلاث الاولى كان عدد السكان في حدود خمسة الاف شخص للمدينة الواحدة، في ذات الوقت الذي كانت تحيط بالمدن البراري حيث يسكن الانسان البري، الذي كان ينظر اليه سكان المدن بغرابة ويتساؤلون عن سبب تميزهم عنه. الانسان البري كان يحيط بالمدن من كل الجهات، ويشكل خطرا وتهديدا على سكانها، الذين اعطوا لانفسهم حق انتزاع الاراضي المشاعية وتملكها بواسطة زراعتها، وهو الحق الذي لازال حتى اليوم يعيش بيننا تحت اسم " وضع اليد".
وفق تقديرات العالم الامريكي برايدوود (1) فإن كثافة سكان البراري في فترة التجمعات الحضرية الاولى وصلت الى 2500 شخص لكل 160 كيلومتر، بعد ان كانت 13 شخص لكل 160 كيلومتر قبل عشرة الاف سنة، اي قبل نشوء المدن الاولى ولكن مع بدايات نشوء الزراعة الفردية. الاثار تشير الى ان الفلاحين قبل سبعة الاف عاما كانوا يضطرون الى استهلاك جهودهم في بناء اسوار حجرية (اريحا مثلا) حول حقولهم، مما يدل على جدية التهديدات التي تعرضوا لها من الانسان البري.

نشأت المدن الاولى من تجمع الفلاحين الاوائل حول الاراضي التي اقتطعوها من الاراضي المشاعية، فوضعوا اليد عليها واعتبروها ملكيتهم الخاصة تحت ضرورة الحاجة لزراعتها، في نفس الوقت الذي كانوا يحتاجون الى حماية جهودهم التي بذلوها في الزراعة من انسان البرية الذي يعتبر الاراضي مشاعة ولايفهم معنى للملكية الخاصة كما لايمكن اقناعه بشرعية الاستيلاء على الاراضي المشاعية التي تشكل مصدر غذائه. وتحت تأثير ازدياد عدد السكان، وبالتالي الحاجة الى طرق افضل للحصول على الطعام، وتأثير الانسان البري الذي يرفض التحول الى الزراعة او القبول بسلب الاراضي المشاعية، نشأت المدن الاولى.

لدينا الادلة على ان نشوء نواة المدن بدء قبل الحضارة السومرية بكثير، وتسمى الفترة العبيدية، وهي فترة لم يكن الانسان قد اكتشف فيها الكتابة، ولذلك لم تصلنا معلومات عن هذه الحضارة. غير ان ذلك يعني ايضا انه لم يتمكن من الحفاظ على " ذاكرته" التاريخية للمرحلة المتاخرة، لذلك فقد القدرة على ان يفسر اسباب تميزه عن الانسان البري، وضاعت من ذاكرته ان اجداده انحدروا عن الانسان البري، وانهم ايضا كانوا يعيشوا بين الحيوانات بدون ملابس، تماما كما كان ابناء المدن يصفون الانسان البري، حسب الالواح الطينية التي وصلتنا.

كان من المفهوم المميزات التي تقدمها حياة المدن والزراعة لانتاج الطعام مع تزايد سكان البراري والصراع على الموارد المحدودة، ولذلك يسمي الاختصاصيين هذا الانتقال " بثورة العصر الحجري الحديث". في هذه الفترة كان الانسان قادر على انشاء القنوات وزراعة المحاصيل وصناعة الاقمشة والخمور، ولكنه لم يتمكن من تفسير اسباب تفوقه عن الانسان البري ومصدر معرفته. من الالواح الطينية نستطيع الاستنتاج ان الاسئلة الرئيسية التي كان يحتاج الى الاجابة عنها هي:
من الذي هداني الى الزراعة وعلمني بناء قنوات الري وصناعة الملابس والخمور والجعة؟
من الذي انعم علي ببناء المدن وعلمني السكن فيها وهداني الى لبس الملابس؟
من الذي انعم عليي بنعمة التميز عن الانسان البري، واختارني لاكون بين القلة القليلة من سكان المدن المحظوظين، وماهو هدفه من ذلك؟


كما هو الامر دائما، كانت القوى التي تقف على قمة الهرم الاجتماعي هي التي تكفلت بالرد على هذه التساؤلات، وفي صياغة الاجابات انعكست مصلحتها في ترسيخ سلطتها وتشريع سلب الاراضي المشاعية بإرادة إلهية.. كان من الواضح ضرورة خلق قوى تقف فوق الجميع، قوى فائقة القوة وذات نفوذ لايقبل الجدل، قوى مجهولة ولذلك فهي مخيفة، قوى مسؤولة عن مصيرنا، تلوح بالثواب والعقاب كجزرة لفرض الطاعة، قوى حيث حفنة قليلة وحدها القادرة على التواصل معها ومفوضة منها وماعلينا الا الطاعة.

عثر العلماء العراقيين على اثار المعابد الاولى من بدايات الفترة العبيدية، الامر الذي يشير الى ان المفاهيم الدينية نشأت مبكرا بالترابط مع الحاجة الايديولوجية للدفاع عن حاضنات الحضارة الاولى ضد هجمات الانسان البري، الذي قاوم محاولات حرمانه من الاراضي الخصبة التي جرى انتزاعها واعلانها " ملكية خاصة".

الاجابة على تساؤلات السومريين المبكرين كانت ، بالضرورة، من خلال ابداع قصص خلابة. تقول القصة السومرية ان المنطقة (مابين الرافدين) هي بلاد الالهة التي تشير اليهم بتعبير "هؤلاء الذين من السماء الى الارض جاؤوا". هذا التعبير نجده في صحيفة الملك وهي صحيفة سومرية تنقل الينا اخبار الارض وحكامها على امتدا 400 الف سنة، انها الصحف الاولى، الذاكرة الاولى، حيث كل شئ محفوظ.
وتخبرنا الصحيفة ان الالهة جاءت من كوكب نايبيرو في مركبات ، كانوا ثلاث (او ثلاثة وكبيرهم) ، ولهذا كانت الالهة ، في التصور السومري، على الدوام مجلس من ثلاثة.. والغريب ان هذه الصحيفة تشير الى ان السنة الواحدة على كوكب نايبيرو تعادل 3600 سنة مما تعدون. غير ان مايهمنا هنا هو الطريقة التي جرى فيها استخدام الدين للرد على تساؤلات الانسان السومري البسيط المبكرة.

قصة الخلق السومرية التي وصلتنا كانت بنسختين، في نسخة منهم كان اينكيدو (مايعادل آدم) عارياً في رفقة الحيوانات في الجنة، في النسخة الثانية كانت الى جانبه امرأة (حواء) عوضا عن صحبة الحيوانات. ولكن لماذا خلقه؟
يكتب السومريين ان الاله انليل، وهو اكبر الثلاثة، امر الاله اينكي بخلق الانسان من طين. وكان ذلك ردا على ثورة الالهة الصغيرة ايغيغي التي تعبت من خدمة جنة الالهة. يقوم الاله اينليل بذبخ الربة الثائرة ايغيغي ويخلط دمها بالطين فينفخ فيه الروح. ينقل الاله اينليل الانسان الجديد الى حديقته (كلمة الجنة السومرية تعني حديقة بالعربية) ليصبح خادما فيها، فيقوم برعاية المحصولات والشجر وحصاد المحاصيل وصناعة الخمور لتقديمها للالهة. ويكون العري هو رمز العبودية، في حين ان الاله السيد يلبس افضل الملابس ويضع تاج وعلى العرش يستوي كرمز للسيادة. ان الالهة خلقت ادم من اجل ان يكون عبدا في الجنة بالمعنى الحرفي للكلمة.

يجب الاشارة الى ان الجنة في الميثيالوجيا السومرية كانت تقع على الارض، وتحديدا في جنوب العراق والبحرين وعُمان اليوم. في هذه الجنة علمت الالهة آدم مالم يعلم، حيث اصبح يتقن الزراعة وصناعة الخمور والملابس وفتح قنوات الري وجمع المحاصيل لتقديمها الى الرب السيد.. بعد ان وضعت الالهة هذا المخلوق المتوحش (حسب تعبير الالواح الطينية) في جنة عدن لتعليمه وبعد ان برهن عن براعة، قررت ان تتركه حرا، ليصبح سيدا في مدن الالهة (على الارض) فتكون وظيفته مراقبة " الانسان الغير مُعلم وتعليمه خدمة الالهة والعبودية لها ". من هنا اصبح اينكيدو ،ابن الالهة واستحق ان يكون وكيلها على الارض فيكون هو ونسله (شعب الله المختار) الذي استحق ان يقود بقية البشر لشرف نسبه وعلمه الذي علمه اياه الالهة. خدمة الالهة تصبح هي التفويض التي تبيح له البقاء على قمة الهرم الاجتماعي وادارة البلاد واقرار تشريع سلب الاراضي المشاعية تحت حجة تأمين الهبات والاضاحي للالهة لترضى.

التماثيل والمنحوتات كانت لتذكير البشر ان ملوكهم على الارض هم في الحقيقة ابناء الالهة، يمتد نسبهم الى السماء ولذلك فقراراتهم منزلة من الالهة وبرضاها. ولتذكر البشر ان الملوك هم منحة الالهة اليهم، لتعليمهم الزراعة وإدارة المدن فيقوموا برد الجميل من خلال بناء المعابد لخدمة الالهة وتقديم الاضاحي. بهذا الشكل، تكون الالهة هي تركت مدنها على الارض ليسكنها ابناءها مقابل قيادة بقية البشر (الفرع البري) وتعليمهم الزراعة والاشراف على انهم فعلا سيقدموا الاضاحي والهبات الى معابد الالهة. من خلال هذا التصوير اصبح من السهل زرع الحق بالوصاية وضرورة الخضوع للملوك الممنوحين التفويض الالهي "الابوي" ليظهر اول إستغلال للدين في السياسة، ومنذ ذلك ترسيخ مفاهيم النسب الشريف والسادة والوكالة الالهية التي لازالت تنخر فينا حتى اليوم.

وبهذا الشكل جرى الاجابة على التساؤلات، ليصبح تفسير تفوق ابن المدينة المعرفي هو ان الالهة علمته مالم يعلم، وهو فضل عليه ان يدفع ثمنه بالتخلي عن حريته ليصبح عبدا الى الابد، في المقابل يحصل على حياة اكثر رخاء واقل جوعا وملابس تسمح له التشبه بالالهة، ويحصل على حق سلب الاراضي المشاعية بدون تانيب ضمير..



1- " المدن الاولى"، تأليف ب . غولاييف، ترجمة طارق معصراني، دار التقدم، موسكو ، 1989، ص 30.
2- اسباب الخلق وعلاقته بعري ادم. رابط
3- تاريخ بلاد الرافدين. رابط




#طريف_سردست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماهو المقدس في القرآن؟
- التحالف بين السحرة والشيطان
- العقل البشري يسعى للايمان
- لماذا نسعى للايمان بالخرافات والاديان، من وجهة نظر بيلوجيا ا ...
- العلاقة بين فقدان الابداع وفقدان الحرية
- نظرية المصمم الذكي
- رجال الدين، علماء ام كهنة؟
- هل الديكتاتورية الاسلامية بديل عن انظمة الاستبداد الراهن؟
- وهم الدولة الدينية
- ازمة اليسار، ازمتنا نحن
- العولمة: هل ستقتنص الفرص المتاحة؟


المزيد.....




- شاهد: دروس خاصة للتلاميذ الأمريكيين تحضيراً لاستقبال كسوف ال ...
- خان يونس تحت نيران القوات الإسرائيلية مجددا
- انطلاق شفق قطبي مبهر بسبب أقوى عاصفة شمسية تضرب الأرض منذ 20 ...
- صحيفة تكشف سبب قطع العلاقة بين توم كروز وعارضة أزياء روسية
- الصين.. تطوير بطارية قابلة للزرع يعاد شحنها بواسطة الجسم
- بيع هاتف آيفون من الجيل الأول بأكثر من 130 ألف دولار!
- وزير خارجية الهند: سنواصل التشجيع على إيجاد حل سلمي للصراع ف ...
- الهند.. قرار قضائي جديد بحق أحد كبار زعماء المعارضة على خلفي ...
- ملك شعب الماوري يطلب من نيوزيلندا منح الحيتان نفس حقوق البشر ...
- بالأسماء والصور.. ولي العهد السعودي يستقبل 13 أميرا على مناط ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - طريف سردست - اسباب نشوء الالهة في الحضارة السومرية