لبنى حسن
الحوار المتمدن-العدد: 2890 - 2010 / 1 / 16 - 14:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أمضيت وقت ليس بقليل في القراءة و البحث و التنقيب لأن مصادر المعلومات الأصلية أغلبها محجوب, و لكن النتيجة التي توصلت لها عن قناعة شديدة أن الغالبية في مصر ينتمون الآن –لا إراديا- للوهابية التي بدأت كحركة و لكن انتشرت و تطورت و أصبحت ديانة مستقلة بذاتها لها أركان مختلفة و طقوس و تعاليم جديدة تم تقديمها تدريجيا للناس على أنها الإسلام فيما وصفوه بالصحوة الإسلامية, و قد صدق هذا الشعب نظرا لأميته الثقافية و َدعم حكومته بكافة مؤسساتها لهذا التوجه خاصة بعد أن وجدت في المد الوهابي توافق مع مصالحها, فالديكتاتورية السياسية و التسلط الديني وجهان لعملة واحدة مكملين لبعضهم و لا يمكن ترسيخ أحداهما على المدى الطويل دون الأخرى.... و هنا نسأل
من سمح لجماعة الإخوان بالتوغل و الانتشار بهذا الحجم؟
من حجب الظهور الإعلامي للشخصيات المستنيرة ؟
من تجاهل التعددية الدينية في مصر و قصر البرامج الدينية في التلفزيون الرسمي على الوهابية التي أطلقوا عليها إسلام؟
من ترك "مدعى الدين" يروجوا لأفكارهم في الميكروباصات و على الأرصفة؟
من دعم تحول الأزهر إلى الوهابية؟ من جلب و دعم كل هذا و سعى إلى ترسيخه؟!
تم إقصاء جميع رجال الدين الذين اعترضوا على هذا فيمكننا إلقاء نظرة سريعة على التطور الذي حدث في مصر و مراجعة التاريخ لنرى مثلا الاضطهاد الذي وقع على الشيخ محمد عبده و أتباعه و تلامذته في الأزهر, ثم الإقصاء الذي حدث لأزهريين و غير أزهريين من أمثال سيد القمني و صبحي منصور و عبد الفتاح عساكر و نصر أبو زيد و جمال البنا و غيرهم (مع حفظ الألقاب للجميع)... و بالرغم أنني شخصيا لا اعتقد فيما ظهر بعد موت نبي الإسلام من إسلام سياسي نتج عنه انقسام ما يسمى سنة و شيعة... لكن أستطيع الجزم أن في مصر لا يوجد سوى قلة عددية مسلمة و الباقي ينتموا للوهابية و يسموها إسلام بالرغم أنها لم تهبط عليهم سوى منذ ما يقرب أربع عقود فقط فلم نرى مظاهرها بهذا الوضوح سوى في الثلاثين عام الأخيرة و المشكلة الرئيسية أن معظم الشعب مغيب و مصدق أن هذا هو إسلامهم...مجرد دين مختزل في المظاهر و الطقوس الاستعراضية.
المضطهدون هم غالبية الشعب المصري المغيب الذي تحرضه على بعضه قوى ظلامية و أخرى نفعية ديكتاتورية, و لا تهدف سوى لنهبه و تدميره و هذا هو ما يحدث الان... الشعب في مصر ضحية, و المواطن المتعصب مسكين علينا أن نرحم جهله و نأخذ بيده قبل أن يخذها من يوظفه لخدمة أهدافه كما يحدث دوما.. معظم المنتشرين على الفضائيات ليسوا "دعاه دين" بل هم "مدعى دين" و أصحاب بزنس و مصالح متشعبة, ازعم أن ما في وطننا الان لا يمت لروح الإسلام الصحيح البسيط بصلة.
المشكلة المزمنة لدى اغلب المثقفين أو المجتهدين هي الخلط بين الإسلام السياسي و هذا يشمل - على سبيل المثال لا الحصر - الشيعة (كحزب الله في لبنان) و السنة (كحركة حماس في فلسطين), و بين الوهابية في صورتها الحالية كديانة مستقلة ترتدي رداء السنة و تقوم على تدمير كل مختلف و إقصاء كل مجتهد أو داعي للتفكير حتى لو كان من بين صفوفهم و قد انتشرت بسرعة فائقة نظرا لأسباب بعضها اقتصادي و معظمها سياسي, و أخيرا يتم خلط هذا بالقرآن و الذي يتبعه فعليا قلة تسعى لتكوين حائط صد ضد الهجمات التتارية الوهابية التي تعاملت مع التفاسير المتطرفة كجزء من الدين.
القرآن هو الأساس و هو روح الإسلام, و سنة الرسول هي سلوكه و تعاليمه الأخلاقية, و ليست كتب البخاري الأوزباكستاني أو ابن تيمية أو اجتهادات ابن حنبل و أبو حنيفة التي كتبت بعدها بقرون بيد بشر غير مقدسين يؤخذ منهم و يرد, خاصة بعد أن أوصى نبي الإسلام نفسه بأن لا يكتبوا عنه الأحاديث. لقد جاء الإسلام لتبسيط الحياة و ليس لتعقيدها, و لم يكرس الكهنوت و ليس به أسرار بل هو دعوة لعلاقة روحانية مباشرة بين العبد و ربه دون وسيط و دون تسلط أو نبذ للاخر المختلف في الفكر أو العقيدة أو التناول.
و لعل أكثر من أساء للإسلام هم من نطلق عليهم السلف "الصالح" فقد خلطوا بين كلام الله و تصرفات المؤمنين و هم بشر قد يصيبوا و قد يخطئوا, و لا يجب بأي حال من الأحوال أن تحسب تصرفاتهم على الإسلام أو أن نتخذ منهم أسوه دون إعمال عقولنا فيما أنتجوه لنا من تاريخ و تفاسير و تأويل للنص لم يخدم البشرية في معظم الأحيان, فالقرآن حمال أوجهة و في الاختلاف رحمة للعباد.
صميم الدين لا يتجاوز أركان الإسلام الخمس و أركان الإيمان و هناك خيط رفيع بين القرآن و بين اجتهادات الإنسان في التفسير و التأويل فالناس تخلط المقدس و ما هو دنيوي قابل للأخذ و الرد و الصواب و الخطأ, خاصة و أننا نرى أن تفسيرات القرآن تختلف من مجموعة إلى أخرى فنجد مثلا اختلاف في فهم الإسلام بين الحنابلة و الشافعية و جماعة الإخوان و القرآنيين و الوهابيين والشيعة و الأزهر و بن لادن و الصوفيين و غيرهم.
الإسلام كما أفهمه, دين بسيط و سمح, انه دين يسر لا عسر, دين يدعو لمباديء عالمية كالأمانة و الصدق و الرحمة و العمل و الوفاء بالعهود, دين يحترم الأخر بل و يقبله دون عنف أو إرهاب و تسلط أو حتى أساءه لفظية, فهو دين الجدل بالتي هي أحسن و ليس فقط بالحسنى. هو دين يدعونا للتعقل و التفكر و التدبر و الحوار, لا للطاعة العمياء أو قبول ما لا يتماشى مع عقولنا و عصرنا فنحن أدرى بأمور دنيانا و بزماننا, و نحفظ أركان ديننا الخمس و قيمه و مبادئه العامة التي لا تختلف أو تتعارض في مضمونها مع كافة الأديان السماوية أو مع المنطق البشري و حقوق الإنسان, و فيما عدا ذلك فهو اجتهادات بشرية و ليست مقدسات و قد يقبلها عقل المسلم أو يرفضها دون أن يقلل هذا من إيمانه لان الله وحده هو المطلع و صاحب الكلمة و ليس بنى البشر الذين تناسوا روح دينهم السمحة و سلوكه المعتدل, و راحوا يكفروا بعضهم البعض, و ينشرون الكراهية و القمع والتسلط في الأرض باسم الله أو الدين و هم أكبر أساءه له. القرآن الكريم يرشدنا لإسلام روحاني و سلوكي هادى لا يتصادم مع الحضارة و لا العقل و لا العلم و لا يفرض قيود ضد غريزة المرأة, و بالتأكيد هو ليس كتاب موضة و أزياء, و لا يعتدي أبدا على حق المرأة كإنسان أولا و أخيرا أو يحتقر الرجل و يعامله كحيوان يسير على قدمين, كما هو الحال مع الكتب و التفاسير البدوية الوهابية للإسلام التي غزت العقول في زمن اغبر.
#لبنى_حسن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟