|
الفاصلة الزمنية
وليد الفضلي
الحوار المتمدن-العدد: 2887 - 2010 / 1 / 13 - 14:35
المحور:
الصحافة والاعلام
حين اقتربت عقارب الساعة من الدقائق الأخيرة للعام 2009، مؤذنة ببدء عام جديد، اعتراني، ربما مثل كثيرين غيري، خليط من مشاعر الحزن، والخوف، والأمل.. فحقيقة الوعي بنهاية مرحلة، وبداية أخرى: هي حقيقة صادمة، ومزلزلة للعقل، على رغم الثبات الظاهري لحركة التعاقب الزمني. فالزمن هو سجل وزعت في أيامه عناوين وتفاصيل أحلامنا ومشاريعنا وخططنا، وعندما يتلاشى ويتحول إلى ماض، فهو يعني زوال استقرار، أو ديمومة نمط العيش الحالي، خصوصا أن هذا القادم بحكم المجهول، ليس بذي علاقة حميمية مع الماضي، بقدر ما يشي فينا بخوف العاجز عن استيعاب حركة الزمن واستحقاقاتها، وإعادة إنتاج التطلعات وفق صيرورة التغيير.
من هنا تأتي أهمية «الفاصلة الزمنية» الواعية التي تسائل أضلاع المعادلة: الزمن المُدبر، الزمن المقبل، الذات المتطلعة، والظرف الخارجي، في استثمار وتجاوز لخليط المشاعر إلى مستوى بناء فعل جديد في الزمن المقبل متكئا على خبرة الماضي.
فإضافة رقم جديد إلى عدد السنوات هو: «إعلان لمرحلة جديدة» غير مشابهة للمسيرة السابقة، التي انتهت في اللحظات الأخيرة من العام الآفل، والتهنئة والدعاء في بداية السنة هي: «رغبة في التغيير» تأخذ شكل الأمنية والطموح على المستوى الفردي والجماعي، والاحتفال «مظهر لتجاوز» خيبات الماضي وكل سلبياته والإقبال بروح ايجابية ملؤها البهجة والتفاؤل كطبيعة إنسانية. والعطلة التي ينعم بها الكثيرون منا هي: «فترة استعداد للمقبل» مبنية على تخطيط وإرادة في صنع الجديد، لذا أصبح انقضاء عام، وبدء آخر «رمزا قيميا» له بعده الجمالي الخاص، لحدث متكرر ومنتظم، ومتعدد المعاني والقراءات.
كل ممارسة نقدية لأضلاع الفاصلة الزمنية تحيل بشكل من الأشكال إلى وجهة معينة، وتصبها في أطر وقوالب جاهزة، وبالتالي هي ليست قراءة موضوعية؛ بل ممارسة سلطوية منحازة، تتلاعب بأضلاع الفاصلة الزمنية؛ فتشوه جماليات الرمز القيمي ودلالاته. ونحن هنا لا نسلب أية قراءة حقها في الحضور، وإنما ندعو إلى عدم الاقتصار على القراءة الإعلامية الموجهة والعاجزة عن كشف المشهد، أو حتى جزء منه، بل إنها غير قادرة على فهم المستقبل وتحدياته الزمنية الجديدة.
كما أن هذه الفاصلة الزمنية، من حيث إنها بناء علاقة فاعلة بين الذاكرة، والفكرة، والذات في سياق موضوعي، ليس الفرد وحده المعني بها، بل هي أكثر أهمية وتعقيد إذا ما كانت على مستوى مراجعة مسارات الدولة والمجتمع.
وخير مثال على ذلك ما تشرع به العديد من وسائل الإعلام المحلية والعالمية من تصميم «بانوراما الوداع» لأهم الأحداث والمحطات الساخنة في السنة الآفلة. فهذا التقليد الإعلامي يتجاوز التكثيف للأحداث والأخبار الصحافية في العام كأرض خصبة للتحليل والقراءة، ليكون ممارسة انتقائية للدمار، وإفراغ متعمد من الإيجابية والأمل، وهنا مكمن المرارة.. فقد تحولت وسائل الإعلام عن دورها ومهمتها الموضوعية إلى أداة تابعة من أدوات إثارة وإدارة الصراع والتوتر، يتركز دورها في تحشيد وإعادة إنتاج الأحداث برؤية سلبية منحازة لمنطقة يراد توجيه الذاكرة والوعي إليها.. ومن جهة أخرى نسيان وتجاهل مناطق أخرى، ما يزعزع وعي المتلقي فيها، وتصور بعدسات مكبرة «أن المجتمع والدولة على حافة الانهيار الأكيد». فالأحداث هنا ليست أرشيفا للوقائع، أو مجرد رصد صراع بين قوى المجتمع السياسي، بل هي عملية استبدال ذاكرة ووعي بغيرهما، لذا نجد عبارات التبرم والعجز عند الكثيرين من مثل «لا محالة.. القادم هو الأسوأ»، «هنالك مؤامرة كبيرة»، أو «ماكو فايدة».
لقد بُددت الكثير من اللحظات الزمنية لتخليق التوتر السياسي والاجتماعي؛ فإن كان هنالك من كلمة سحرية تختصر أحداث العام 2009 فهي «عام الإعلام السياسي» الذي أسهم في نقل قضايا التوتر، ما بين القوى السياسية إلى الجماهير، من دون أية مراعاة للأثر الاجتماعي الذي يخلفه هذا النقل على الذاكرة الجمعية، وفي الوقت ذاته من دون أن يُمارَس الدور الأصيل والأهم للمؤسسات الإعلامية، ألا وهو نقل هموم الجماهير إلى المجتمع السياسي.
من المؤسف أننا اليوم نعيش في عصر فيضان المعلومات والأحداث، من دون أي ناظم جمالي منبعث من سؤال ووعي وجودي لذواتنا التي تتطلع إلى تجسيد أحلامها في العام الجديد. فالاستحقاق الزمني الجديد يستدعي الضلوع في مهمة «الفاصلة الزمنية» النقدية التي يمارسها الإعلامي والمثقف والسياسي، كرافد أصيل في صنع الذاكرة والوعي الجماعيين. فالزمن المقبل هو فرصة أرحب للحضور والتغيير متى ما امتلكنا قراءة واعية وقادرة على الاقتراب من الحقيقة، من دون أن تنفي، طبعا، باقي القراءات، وإنما تبني علائق جديدة معها.
#وليد_الفضلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المأزق الإنساني
-
بين «أوباما» و«ماكين»
-
الصحف الجديدة .. بين التجديد والاستنساخ الإعلامي
-
الإعلام العربي... والتحديات الراهنة
-
أية ذهنية يحملها النواب..؟!
-
مجتمعات قلقة..!
-
اغتيالات الأمل
-
يوم من أيام الوطن
-
المغامرة النقدية
-
أوطان بلا مواطنين ...!
-
من سرق المصحف..؟!
-
الفجوة بين صُناع القرار وصُناع الأفكار
-
عاشوراء.. برسم كل المسلمين
-
مَأسسة الفعل الثقافي في الكويت
-
الدين.. وممانعة التحديث في المجتمع
-
المشهد الثقافي في الكويت... شيخوخة المؤسسة
-
خرائط الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
-
نحو شراكة مجتمعية
المزيد.....
-
توالي الإدانات للاعتداء على صحفي DW في حفل -الشامي-
-
الجيش المصري يحتفل بانتصارات أكتوبر في روسيا (فيديو)
-
السيسي يستقبل محمد بن سلمان
-
السويد تنوي زيادة عدد مجنديها 10 آلاف فرد سنويا
-
عودة أشباح تموز 2006.. هل يمضي نتنياهو في نظرية -الحرب الدائ
...
-
إسماعيل قآني يعاود الظهور في تشييع نيلفروشان بطهران
-
غالانت يتوعد إيران برد مميت والبنتاغون ينشر منظومة -ثاد- بإس
...
-
الحملات الانتخابية تضع كردستان العراق على صفيح ساخن
-
غداة مناورة الصين.. تدريبات أميركية-فلبينية للرد على أي أزمة
...
-
شمال سوريا.. أبعاد -رسائل إنذار روسية-
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|