أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد الفضلي - من سرق المصحف..؟!














المزيد.....

من سرق المصحف..؟!


وليد الفضلي

الحوار المتمدن-العدد: 2176 - 2008 / 1 / 30 - 11:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كان أبو الحسن الأشعري (-260 333 هـ) يُلقي درساً، قيل إن موضوعه دار حول الأمانة، على مجموعة من طلاب العلوم الدينية ومريديه في مسجد البصرة. ولقد ألهبت بلاغة موعظة الأشعري، وحسن بيانه، عاطفة الحضور، ولامست القلوب، وبعد الانتهاء من موعظته، تلفت ذات اليمين وذات الشمال باحثاً عن مصحفه الثمين، فاكتشف أنه فقد! رفع رأسه ونظر إلى الحضور، فرأى علامات التقوى، والورع، والخشوع ترتسم على وجوههم، بل إن الدموع الغزيرة بللت لحاهم تأثراً بالموعظة التي ألقاها للتو، فتعجب لما رأى القوم على هذه الحال، وتساءل في دهشة: كلكم تبكون ... فمن سـرق المصحف؟!

كثيراً ما تقفز أطياف هذه القصة التاريخية أمام ناظري، وأنا أتابع ما تتناقله وسائل الإعلام حول مُجريات الأحداث، خصوصاً ما يتعلق منها بجراحات أوطاننا، وآهات شعوبنا العربية والإسلامية؛ فهذه القصة تختزل الكثير من محتويات نشرات الأخبار من المواقف وردود الأفعال، بل الكثير من الممارسات المزدوجة في المجتمع، ولكن بصيغ متنوعة، وأبطال مختلفين، ليكون بذلك واقعنا ذا صور كثيرة ومتنوعة، ولكن بنسق واحد متكرر ومُتجذر في كثير من زوايا حياتنا، ألا وهو التناقض بين المبادئ والقيم المعلنة، والممارسة والسلوك على أرض الواقع، وأذكر هنا صورتين لبيان طبيعة هذا النسق المزدوج:

الصورة الأولى: عن ذاك الذي قصر ثيابه وأطلق لحيته، أو الآخر الذي لبس العمامة متختماً باليمين، فكلاهما ينبذ الطائفية والطائفيين ويستشعر خطرها الحقيقي، ويرفع شعار الإسلام الواحد والإنساني، ويطمح إلى التعايش والتعارف في المجتمع ، إذا من هو الطائفي؟! وأين يختبئ؟! ومن الذي سـرق مصحف التعايش وقبول الآخر؟! ومن هذا الطائفي الذي يصرخ، ويحرر الفتاوى، والكتابات التي تثير الفتنة في المجتمع؟ .

الصورة الثانية: من عالم السياسية الداخلية، فقوى المعارضة في المجتمع تطالب بمواجهة الفساد والمفسدين، وأيضا قوى الموالاة الحكومية لديها المطالب عينها، فإذا ما كان الجميع يدعو إلى إصلاح المجتمع والدولة، والخروج من دوامة الفساد والإفساد، فمن هو المفسد إذن؟! ومن سـرق مصحف إصلاح المجتمع والدولة؟ ومن هذا المفسد الذي يشوش الآمال، وينهش مقدرات الوطن والمواطن المادية والمعنوية ؟

إن هذا الفصل والازدواج بين الفكر والممارسة، بين النظرية والواقع، بين العلم والعمل، هو اختلال ناتج عن عملية الاحتكاك الفاشلة وسط المحيط الاجتماعي، والفهم القشروي لحقيقة القيم والمبادئ، هذه التي على ما يبدو لم تستقر بعد في أنساق المجتمع الفكرية. كما أن هذا النسق تغلغل في سلوك النفوس التي تحاول أن تواري حقيقتها، والعقول التي عجزت عن بيان وتحديد خياراتها، والذات التي تَدعي مسايرة المجتمع ومكوناته، من دون أن تحافظ على هويتها وأفكارها التحديثية، ومن المؤسف أن هذا الواقع لا يقتصر على عوام المجتمع، بل يشمل النخب السياسية والثقافية والدينية. ليُغيب هذا النسق الازدواجي القيم الإنسانية الأصلية بأخرى مُخاتلة ومزيفة تزيد من تفتت وضياع المجتمع في فوضى شعارات وأفكار طوباوية بعيدة عن الواقع ومعطياته.

إننا جميعاً نشكو من هذه الازدواجية القيمية والأخلاقية، والتي لا يجدي معها نفعاً دفن الرؤوس في الرمال، وإنكار أن هنالك خللا في مشاريعنا وخطابنا التحديثي.

طريق التحديث الاجتماعي لا تقوم إلا بانسجام حقيقي مع ذواتنا ومشاريعنا، وردم المسافة بين ما نؤمن به من قيم وأفكار، وبين ما نمارسه فعلياً على الأرض، لنُقدم ونُجسد نموذجاً بديلاً للنسق السائد، والذي هو مجمع على فساده حضارياً، في حين إن الحضور والممارسة الفعالة وتمثيل القيم والأفكار على أرض الواقع هي الكفيلة بإقناع الآخرين في المجتمع بجدوى وفاعليته التغيير والتحديث.

هذه الأزدواجية

لابد من الخروج من هذه الازدواجية عبر بناء علاقة واعية ومحكمة بالواقع، وإيجاد الأرضية والمناخ السياسي والثقافي والاجتماعي المناسب لحضور وتجلي الأفكار والقيم، فعملية التحديث والبناء ليست أفكارا مجردة، أو تهويمات نظرية متجردة ومعزولة عن الواقع، بل إنها علاقة تأثر وتأثير بين حركة الأفكار وواقع المجتمع، وإعادة التوازن إلى العلاقة بين الفكرة والممارسة التي هي أساس التطوير.

كما تضطلع النظرة إلى الذات بدور مهم في صناعة التغيير، وذلك من خلال الوثوق بها وبأفكارها وإمكاناتها وقدرتها على إحداث التغيير المطلوب متسقة مع حضورها الاجتماعي الفاعل والمتفاعل.

ينبغي اذن أن ننظر نظرة فاحصة إلى أفكارنا، وواقعنا، وذواتنا لنجلو عنها كل غبش، كمايجب أن تتطابق أقوالنا مع أفعالنا، ولا نكون مصداقا لقول الشاعر العربي الكميت :

(كـلام النبييـن الهـداة كلامنـا

وأفعـــال أهــل الجاهليــة نفعـــل).




#وليد_الفضلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفجوة بين صُناع القرار وصُناع الأفكار
- عاشوراء.. برسم كل المسلمين
- مَأسسة الفعل الثقافي في الكويت
- الدين.. وممانعة التحديث في المجتمع
- المشهد الثقافي في الكويت... شيخوخة المؤسسة
- خرائط الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
- نحو شراكة مجتمعية


المزيد.....




- مشاركة لافتة لعارضة الأزياء السعودية أميرة الزهير في عرض بإي ...
- الجيش الإسرائيلي يستهدف مدخل مجمع الأركان العامة في دمشق.. م ...
- تداول فيديو منسوب لترامب بزعم أنه دعا لـ-ضم لبنان إلى سوريا- ...
- ضربة دمشق بعد ساعات قليلة فقط على تهديد وزير دفاع إسرائيل.. ...
- بعد سرقتها في زمن النازية.. فسيفساء بومبي تعود لتسترجع كتابة ...
- أقليات العراق - البحث عن ملاذ دائم في ألمانيا
- لقاء مرتقب بين ترامب ورئيس وزراء قطر.. أمل جديد للتوصل لهدنة ...
- تصريح صحفي حول القرار الحكومي بحل المجالس البلدية ومجالس الم ...
- الديون: سياق ومفاهيم
- وثائق قضائية: لندن وضعت خطة سرية لنقل آلاف الأفغان إلى بريطا ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد الفضلي - من سرق المصحف..؟!