أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد الفضلي - مجتمعات قلقة..!














المزيد.....

مجتمعات قلقة..!


وليد الفضلي

الحوار المتمدن-العدد: 2232 - 2008 / 3 / 26 - 10:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كم من مرة شكا لك صديق مشاعر يأسه، وسحب السواد تغطي كل شيء في حياته.. هكذا دونما سبب واضح، وكم من مرة عبرّ صديق ثان عن عدمية الوجود والكون، مسطرا لك آيات اللاجدوى والعبث من العمل والسعي في المجتمع، وآخرون كثر يؤكدون أن هنالك خطرا مجهولا يهددهم، أو أن هنالك من يحيك المؤامرات للنيل منهم. هذه بعض الأعراض الرئيسة للقلق، والتي تصيب الإنسان، بغض النظر عن عمره، فهي تصيب الشيخ الهرم، والشاب اليافع على حد سواء، كما أن حدة القلق تتفاوت بين إنسان إلى آخر.

نتطرق في هذه المقالة إلى نوع آخر من القلق، يستبد بشكل أساس بالمجتمعات الإنسانية، فيؤدي إلى اختلال توازن العلاقة التبادلية بين أقطاب ثلاثة، تشكل عناصر تكوين الدولة الحديثة وهي: الفرد، المجتمع وتكويناته، الدولة ومؤسساتها. عندما تصاب المجتمعات بالقلق، يصبح العنصر الأساسي في المجتمع -الفرد المواطن- مخلوقاً بشرياً تتملكه مشاعر الخوف والعجز من مجهول، فيما يتمزق النسيج الاجتماعي الواحد إلى خيوط، وتشكيلات اجتماعية ضعيفة ومتشابكة الأطراف والعقد، فيما تكون حصيلة عمليات الحراك الاجتماعي والسياسي في المجتمع، متواليات من الأفعال القلقة، وردود الأفعال الآنية المدمرة في كثير من الأحيان لمشروع الشراكة المجتمعية، ومن دون شك يؤدي قلق المجتمعات إلى إضعاف، بل تهشيم مشروع بناء الحياة وتحديثها.

يؤدي قلق المجتمعات إلى اهتزاز ثقة المواطن بالنظم الأساسية الحاكمة في المجتمع، وموقعيتها وتأثيرها في سلوكه وممارساته اليومية؛ فيتجه إلى التمرد السلبي على النظام الاجتماعي السائد، نتيجة عجزه عن ممارسة التغيير، وفي بعض الأحيان يأخذ هذا التمرد صفة العنف، قد يتمادى فيخالف النظم القانونية والدستورية المنظمة للحياة في المجتمع والدولة.

بالإضافة إلى أن المواطن القلق في المجتمع، يتنازل عن دوره في العطاء والبناء والتحديث، ويتخلى عن كثير من حقوقه المشروعة في المشاركة السياسية والاجتماعية الفاعلة؛ وذلك نتيجة لإيمانه بعدم جدواها، ما يضعف حالة الانتماء والمواطنة للدولة والمجتمع، ليتجه المواطن بعد ذلك إلى العزلة النفسية والاجتماعية والسياسية، قانعاً بحالة العجز، ومختارا للانزواء وعدم خوض غمار المواجهة التحديثية والتغيرية المطلوبة.

في حين تكون القوى المكونة للمجتمع عبارة عن بناءات اجتماعية معطِلة لمشروع البناء والتحديث؛ فاشتغالها السياسي والاجتماعي مبني على تحقيق المكاسب والمنجزات الآنية، أو الشخصية والتي لا تخلو بطبيعة الحال من الانحياز إلى الانتماءات الفرعية (القبلية أو المذهبية أو عنصرية، ...غيرها)، ويكون ذلك على حساب مشروع إقامة الدولة الحديثة، وبناء مجتمع المواطنة، كما يوفر القلق المناخ المثالي لاشتعال الأزمات، وتوليد الاحتقانات بين الفرقاء ومكونات المجتمع، لأبسط القضايا الخلافية، وفي كثير من الأحيان من غير مبرر ومقدمات حقيقية. ليكون المجتمع بيئة مضطربة عاجزة عن بناء خياراته المصيرية، وتصحيح مساراته التنموية، ومواكبة التغيرات العالمية المتسارعه في شتى ميادين الحياة، بالإضافة إلى أنها بيئة غيبت فيها فنون الاختلاف وقبول الآخر.

كما لم تسلم العلاقة بين المجتمع والدولة من القلق، والذي خيم على العقل السياسي العربي؛ فمشاعر القلق والخوف من الاهتزاز والسقوط السياسيين، بالإضافة إلى الارتياب من أية قوة ناشئة في المجتمع، خشية انقلابها على ما هو سائد، ومزاحمتها على السلطة، والذي نجم عن قيام بعض الدول بحشد كل القوى والمقدرات من أجل السيطرة، وتحريك المجتمع بما لا يتناقض مع أماني ومصالح العقل السياسي الحاكم، وبعبارة أخرى نتيجة لفوبيا السقوط السياسي، تسوغ المبررات من أجل تقوية مؤسسات الدولة، في مقابل إضعاف المجتمع ومؤسساته عبر وسائل وآليات السيطرة والإقصاء.

يتجاهل العقل السياسي أن إضعاف المجتمع يعني إضعافا للدولة ومشروعها؛ فلا يمكن أن تقوم دولة قوية من خلال مجتمع ضعيف، وبعيد عن دائرة المساهمة في صنع القرار السياسي، وصوغ مشروع التنمية. فإن العلاقة بين الدولة والمجتمع علاقة مبنية على الشراكة والتعاون في البناء والتحديث، وليست كما يحلو أن يؤطرها كشأن خاص بمجوعة أو طبقة أو فئة أو حزب أو... . إن المساهمة في بناء الدولة هو شأن كل مواطن مؤمن بالأسس الدستورية والقانونية.

ختاما هنالك أربعة أسباب رئيسية لقلق المجتمعات نرصدها بشكل سريع وهي: ضعف البنية الثقافية، ضعف البنية السياسية، ضعف البنية القيمية والأخلاقية، بالإضافة إلى القلق المستورد، أو عدوى القلق من الخارج. ولا يمكن الفكاك من قلق المجتمعات إلا عبر بناء الثقة، وفتح جسور الحوار والتواصل المتبادل بين العناصر الثلاث المكونة للدولة الحديثة (الفرد، المجتمع، الدولة) وبناء مشاريع من شأنها إشراك أكبر قدر ممكن من هذه المكونات في صنع القرار وتحمل تبعاته.



#وليد_الفضلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغتيالات الأمل
- يوم من أيام الوطن
- المغامرة النقدية
- أوطان بلا مواطنين ...!
- من سرق المصحف..؟!
- الفجوة بين صُناع القرار وصُناع الأفكار
- عاشوراء.. برسم كل المسلمين
- مَأسسة الفعل الثقافي في الكويت
- الدين.. وممانعة التحديث في المجتمع
- المشهد الثقافي في الكويت... شيخوخة المؤسسة
- خرائط الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
- نحو شراكة مجتمعية


المزيد.....




- هل يفقد الرئيس الصيني شي جين بينغ السيطرة على الجيش؟- مقال ر ...
- مقطع منسوب لحركة -حسم- في مصر يثير الجدل حول هدفه وتوقيت تصو ...
- ترامب يصعد الحرب التجارية.. و14 دولة أمام اختبار التفاوض قبل ...
- إسرائيل تخطط لحصر سكان غزة في -مدينة إنسانية- على أنقاض رفح ...
- استدعاء السفير الصيني ـ بكين تُغضِبُ برلين بعد استهداف طائرة ...
- ما الذي غير موقف ترامب بشأن إرسال أسلحة لأوكرانيا؟
- سوريا تناشد الاتحاد الأوروبي المساعدة في إخماد حرائق الساحل ...
- ماكرون في زيارة دولة لبريطانيا: باريس ولندن تفتحان صفحة جديد ...
- تقرير حقوقي: غزة تتعرض لعملية -محو شاملة- وإسرائيل تهدف لاقت ...
- التنميط العرقي بفرنسا ثقوب في رداء الديمقراطية


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد الفضلي - مجتمعات قلقة..!