أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - احميدة عياشي - الرجال والنظام















المزيد.....

الرجال والنظام


احميدة عياشي

الحوار المتمدن-العدد: 2876 - 2010 / 1 / 2 - 01:46
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


في نوفمبر ,1954 كانت الوطنية الجزائرية قد قاربت سن الثامنة والعشرين عاما، وكانت الإستراتيجية قد تمحورت حول إرادة تحقيق نقطة واحدة ورئيسة، وهي الاستقلال•• كل المعركة تم خوضها حول هذا المطلب الذي أصبح الخط الفيصل في بلورة الخطاب وتحديد المسار وإنتاج وإعادة إنتاج الرجال كفاعلين في رسم ملامح الحركة التي تحولت عبر الممارسة وجدلية الصراع والتنافس إلى النواة الجنينية المشكلة للنظام قيد البناء وفق تجربوية الخطأ والصواب•••
ارتبطت الوطنية منذ لحظة النشوء بدور الرجال الطاغي داخل المؤسسة الحزبية، ومن هنا كان للزعامة مكانتها وقداستها التي غالبا ما شكلت بدورها استقلالية القائد والزعيم عن بنية المؤسسة، وذلك على صعيد التعالي المنتج لحالة من الميتافيزيقا السياسية، التي أدت إلى ترسيخ الشخصية الكارزماتية وإلى تجذير الشكل الأتوريتاري في إدارة العمل السياسي والدولة الناشئة في فترة ما بعد الاستقلال••• عندما نتناول اليوم شخصية مصالي الحاج، الذي كان بمثابة الأب المؤسس للوطنية الجزائرية، علينا التعاطي مع هذه الشخصية ذات المفارقات الكبرى والعميقة، ضمن سياقاتها التاريخية وضمن الحركية الصامتة والمعلنة المكونة للأساطير التأسيسية للخطاب والتصور والإيديولوجيا الوطنية•• لقد انتقل مصالي الحاج إلى مسرح النضال الوطني السياسي من الزاوية، فهو ابن الطريقة الدرقاوية•• والطريقة كبنية وسلوك وثقافة تقوم أساسا على تلك العلاقة المقدسة بين الشيخ والمريد••• يمثل الشيخ هذه الرمزية المتعالية التي يتماثل وفقها الخطاب مع الخطاب النبوي، الخطاب المتماهي مع الحقيقة المطلقة غير المعرضة للنقد أو الشك أو الظن•• والخطاب ليس فقط تلك الأقوال والكلمات التي تخرج من فم الزعيم الشيخ، وإنما هو كل ذلك الزي، وتلك الحركات والعلاقات التي تربط الزعيم بمعاونيه من جهة، ومن جهة ثانية، العلاقة التي تربط الزعيم بالجماهير التي تسعى من خلاله إلى نشدان التحرر والخلاص•• إن مصالي الحاج المتقمص لشخصية شيخ الطريقة، لم يكتف بإرثه التقليدي وهو يدخل ركح السياسة، بل استعار ما تعرف عليه من مفاهيم وتصورات سياسية وإيديولوجية عندما جرب النضال داخل أطر الحزب الشيوعي الفرنسي وجرب الإنخراط في الحركة المعادية للإمبريالية والاستعمار والمطالبة بإقامة عالم جديد على أنقاض العالم القديم•• إن لقاءات مصالي الحاج بهوشي منه وزعماء اشتراكيين وشيوعيين أخرين، وبعد ذلك بشخصية إسلامية مثل شكيب أرسلان صاحب كتاب لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ ، جعلته يرى في منطق التوفيقية بين ما هو شمولي ونسبي، الحل السحري لبناء حركة أضحت المرادف البليغ للوطن الأمة والزعيم، بحيث تختفي بينهما الحدود وتتحول إلى تجل وحقيقة متعالية، من خلال خطاب الزعيم•• في ظل هذه السياقات المتداخلة والملتبسة تحول الشعب أو الخطاب عن الشعب إلى قوة غيبية ومحركة للتاريخ الوطني الذي كان يبدو وكأنه توقف خلال السنوات التي أعقبت الفشل والهزائم التي منيت بها المقاومات الشعبية•• لقد ولدت في مثل هذه الظروف الشعبوية كخطاب وإيديولولجيا، لكن أيضا كاستراتيجية متبناة من قبل الحركة الوطنية الجزائرية وتحولت الشعبوية بدورها إلى قوة تجديدية للمخيال الجماعي الذي استيقظ من سباته الطويل وراح هذا المخيال يعمل مجددا على إعادة بناء الوطن وإعادة إنتاج الأمة وذلك من خلال الاختلاقات المكثفة والحية للرموز والمرجعيات والدلالات••• وداخل هذا الفيض الوجداني راح الجزائريون يعيدون اكتشاف أبطالهم وآبائهم التاريخيين من مثل الأمير
عبد القادر ولقد أصبحت البنى الثقافية المشكلة لروح الشخصية الجزائرية، مثل اللغة العربية والإسلام، هي المحرك العميق للنضالية الجديدة في سبيل تحقيق الاستقلال ليس فقط عن الإدارة والنظام الكولونياليين وحسب بل عن النظام الثقافي والإيديولوجي لفرنسا الاستعمارية•• إن حياة المطاردة والسجن والمنفى التي عاشها مصالي الحاج لم تعمل إلا على تعميق القداسة حول شخصية الزعيم وتحويل النظام الوطني إلى مرادف للقداسة والسرية ومتعاليا عن كل تشكيك ونقد ومن هنا راح يتشكل القاموس الجديد للوطنية والشخص الوطني الذي أصبح الجدار الفاصل بين عالمين متناقضين، عالم الوفاء والتضحية من أجل الوطن المنشود وعالم التنكر والخيانة للوطن•••
على أرضية هذه الإستراتيجية شرع النظام في التشكل كجهاز ومنظومات متشابكة، لكن أيضا كثقافة وعقيدة جديدتين•• وإلى جانب بروز شخصية طاغية مثل مصالي الحاج، المدعو الحاج، بزغ لاعبون آخرون على المسرح النضالي والسياسي والثقافي، مثل فرحات عباس وعبد الحميد
بن باديس وأحمد بن عليوة مؤسس الطريقة العلوية وعمار أوزقان زعيم الحزب الشيوعي الجزائري، حاولت مثل هذه الشخصيات أن تمنح للوطنية الجزائرية بعدها التوافقي وجانبها الاعتدالي، وبالتالي، العمل على تطويق نزعاتها الراديكالية وتوجهاتها الشعبوية، إلا أنها عجزت عن تحقيق ذلك وهذا بالرغم من الأزمة العميقة الداخلية التي تعرضت لها الوطنية الثورية من خلال الانقسام داخل الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية، بحيث تعرضت لأول مرة شخصية مصالي الحاج للنقد وكان ذلك مقدمة لبروز جيل جديد، هم الحركيون، أي الذين أخذوا على مصالي الحاج طغيانه ونزعته الأوتوريتارية وأخذوا على معارضيه من داخل التنظيم تذبذبهم وعدم نجاعتهم النضالية من أجل تحويل الإستراتيجية الوطنية إلى فعل ثوري بدل الإيمان بالطريق الشرعي لتحقيق الاستقلال•••
سعى هؤلاء الحركيون إلى إعادة النظام الوطني وذلك من خلال تطهيره عبر العنف المسلح وبتعبير آخر عبر اختلاق الثورة المسلحة••• وهؤلاء الحركيون هم الذين أصبحوا معروفين بالنوفمبريين•• لقد صمم هؤلاء على قتل الأب، لكنهم في نهاية المطاف لم ينجزوا قتله على الصعيد الرمزي وحسب•• بل أعادوا اختلاقه من جديد لكن كنظام يقوم على أساس الجماعة وليس الفرد واتخذت الجماعة لنفسها رداء السرية والمطلقية وقامت بتصريف القداسة في الشعب•• وهكذا ترسكلت الشعبوية من جديد لكن ليس ضمن إيقونة الزعيم الفرد بل ضمن إيقونة جديدة، هي إيقونة الشعب وبالتالي تحول الشعب في ظل سلطة الشعبوية المسلحة إلى ميتافيزيقا سياسية جديدة وهذه الميتافيزيقا هي التي ستشكل عقيدة النظام الوطني في مرحلته الجديدة•••
أحميدة عياشي





#احميدة_عياشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غواية الثورة
- بومدين وكاتب ياسين- الثورة واليوتوبيا -
- بومدين -محاولة اقتراب من الصورة -
- يااهل مصر -نحن لا نكرهكم- وانتم ؟


المزيد.....




- استطلاع يظهر معارضة إسرائيليين لتوجيه ضربة انتقامية ضد إيران ...
- اكتشاف سبب غير متوقع وراء رمشنا كثيرا
- -القيثاريات- ترسل وابلا من الكرات النارية إلى سمائنا مع بداي ...
- اكتشاف -مفتاح محتمل- لإيجاد حياة خارج الأرض
- هل يوجد ارتباط بين الدورة الشهرية والقمر؟
- الرئيس الأمريكي يدعو إلى دراسة زيادة الرسوم الجمركية على الص ...
- بتهمة التشهير.. السجن 6 أشهر لصحفي في تونس
- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - احميدة عياشي - الرجال والنظام