أباطرة رأس العام

عبد الدائم السلامي

الحوار المتمدن-العدد: 2873 - 2009 / 12 / 30 - 16:36
المحور: كتابات ساخرة
    

أباطرةُ رأسِ العامِ
لسنا مُجْبَرينَ على النُّهوضِ من أسِرَّتِنا المُخْمَليّةِ قبلَ العاشرةِ صباحًا، نحن قومٌ ننامُ حتى نشبعَ حُلْمًا ولَحْمًا، ونسهرُ حتّى يجوعَ النّاسُ. نحنُ فوق الناسِ مكانةً ونفوذًا وأموالاً وعلائقَ، بل نحن فوقَهم لأنّ أعْنَاقَهم لا تمَلُّ أثْقَالَنا، فإذا استشعرنا رِغْبةَ عُنُقِ أحدٍ مَّا في المَيْلِ أمَلْناه ليستريحَ. كلُّ الخيرِ في الأيادي التي في أيدينا. ماضينا لا يعني الناسَ، ولا يعنينا في النَّاسِ ما يقولون فينا. نقرأ أصفى ما يكتبونَ، ونأكل ما يزرعون، ونعيشُ فيهم لأنّهم دون وُجودِنا لا يُوجَدون. نُغْني جيوبَ بعضِهم فيُغنّونَ لنا أعذب أغانيهم، ونُفْرِغُ جيوبَ آخرين لأنّهم لا يُصفِّقون إذا طَرِبْنا ولا يُزمِّرون، ولا يحمدونَ الله لانتشاءاتِنا. لنا البحر ولنا الأرضُ ولنا ما بينهما ممّا يحلُمون.
***
نحنُ أُناسٌ لا نُحبُّ الغُرورَ ولكنَّ الزمنَ سَمَح لنا بالتَّباهي، لأنَّنا ملوكٌ. هكذا يقول بعضُهم ويتكسَّلُ بجسمِه على امتدادِ ما تسعُ رؤيتُه من أشياءَ. نحنُ أُناسٌ جاءتنا كراسي المُلْكِ تحبُو وانتظرتنا سنينَ عدَدًا حتى وُلِدْنا واشتدّتْ سواعِدُنا لتشدَّ السّيوفَ (ليس في المعارِك طبعًا فنحنُ لا نسمحُ لأيادينا بالاتساخِ بِرُعافِ أعناقِ العامّةِ) وإنّما في خيالاتِ النّاسِ وفي أحلامِهم وفي مخاوِفِهم وفي حركةِ أجسادِهم وهيَ تُجَرْجِرُ أرواحَهم إلى حتْفِها.
***
بهكذا كلامٍ، سيحلُمُ كلُّ مواطِنٍ عربيٍّ هذه الليلةَ ويكون بطلَ حُلْمِه. أو سيكتُبُ مُذَكِّراتِه لبعضِ الإناثِ اللواتي سيقرأنَها قراءةً مؤجَّلةً بعدَ رحيلِه بقُرونٍ من النسيانِ. كلُّ فردٍ منّا، نحنُ الفقراءَ إلى كلِّ شيءٍ، يصيرُ امبراطورًا في رأسِ السنة الإداريّة: يحكمُ في ظِلالِ أوهامِه بأحكامِه وهو جالسٌ في رُكْنٍ من أركانِ فضاءٍ مليءٍ بأمثالِه من الذين يبدؤون عامَهم الجديدَ بتعميدِ أرواحِهم بلألأةِ أضواءِ المراقِصِ ومياهِها وابتساماتِ بناتِها النظيفةِ من الحُبِّ وقوّاديها أصحابِ الأيادي البيضاءِ من كثرةِ تبييضِ أموالِ الشعوبِ وقِيَمِهم الأخلاقيّةِ. ترى الواحدَ منّا يستلِفُ راتبَ شَهْرِه الآتي ويفتَكُّ من وقتِ عيالِه ليلةً ليتفرّغ للاحتفاءِ بهزائمِه جميعها التي انصبّتْ عليه خلال سنةٍ مضتْ بطيئةً كالوجعِ سوداءَ كحقلٍ من الزرعِ المحروقِ، فارغةً من الحقيقةِ كأساطيرِ القبائلِ الصحراويّةِ القديمةِ. الليلةَ لا ملوك على هذه الأرضِ سوانا، الليلةَ سنمتلكُ شهامةَ وضعِ بعضِ المالِ في يدِ نادِلٍ من بابِ "أعطِهِ ألفَ دينارٍ" حتى يؤجِّلَ حسابَه معنا ساعةً أخرى نسبُّ فيها صامتين مَنْ نُحبُّ من الناسِ ونمتدِحُ أُناسًا آخرينَ. هنيئًا لنا بالعامِ الجديد، هنيئًا لهم بنا ونحن نُغادِرُ الواقعَ صوبَ حُريّةِ القولِ المهموسِ، تاركين لهم ما فوقَ الأرضِ وما تحتَها.

#عبد_الدائم_السلامي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات