أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام محمد - محامو الأموات















المزيد.....

محامو الأموات


هشام محمد

الحوار المتمدن-العدد: 2871 - 2009 / 12 / 28 - 15:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يلومني أحد الأصدقاء لكوني أُكثِرُ من الحديث عن التاريخ والدين والموتى اكثر مما اتحدث عن قضايا العصر وهموم الإنسان اليومية. يقول لي: ما الفائدة من النبش في قبور الغابرين، وما العائد من فتح الجروح القديمة؟ أليست قضايا الفساد والتخلف والبطالة والجهل هي الأجدر بالنقاش بدلاً من الكلام عن الماضي؟ وردي على مقولته هو أن التفتيش في دفاتر الأمس، والتنبيش في قبور الموتى ليس بمضيعة للوقت، ولا هو بترف فكري. إن من لا يعرف حقيقة ما استدبر من امره لن يعرف ما هو مقبل عليه.



ملامة صاحبي لي لا تختلف عن ردة فعل الكثيرين ممن ينزعجون عندما يقرأون في مقالة، أو يستمعون إلى حديث، يجتريء على التابوهات، ويضع المقدس في ميزان النقد. صديقي يشبه الكثير ممن لا تجتذبه قضايا العصر ولا تعنيه هموم الإنسان الحياتية، ولكنه يضطر إلى استدعائها في كل مرة يسكب فيها الملح على جراح التاريخ. التذرع بقضايا الفساد والبطالة والطائفية والقبلية وما شابهها يعد بمثابة كلمة حق يراد بها باطل. كلما وضع المقدس على طاولة النقاش، تذكر هؤلاء أرقام البطالة المتنامية ومعدلات الفساد المتزايدة. ما سلوكهم هذا إلا نزعة دفاعية لحماية المقدس الطاهر، والحفاظ على التاريخ الباهر، وصيانة شخوصه الملائكية مما قد يخدش كل تلك العظمة ويشوه هذا الجمال. إن ردة فعلهم هذه لا تختلف في شيء عندما يقولون لك للحؤول دون تعرية ماضيهم: أين الوثائق والمراجع التي تدعم مزاعمك. فإذا وضعنا تلك الوثائق والمراجع بين ايديهم قالوا: هذا كذب وافتراء...تلك اسرائيليات! إنهم فقط لا يريدون المساس بعبادة الأسلاف. إنهم يخافون لو خسروا الماضي فلن يبقى لهم شيء يحيون به. فلا الحاضر ولا المستقبل يحمل بشائر تهفو لها النفس وترنو.



أراهن أن صديقي هذا، ومثله كثير منا، لا يملكون أمام تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وأمام تزايد مؤشرات الفساد سوى الهمس بكلمات من وراء الأبواب المغلقة. اخشى أن اقول أنهم يتصرفون بلا مبالاة أمام هذا الفساد المستشري الذي ينخر في عظام مؤسسات الدولة. لا أرجو من هؤلاء البشر أن ينتفضوا على غلاء المعيشة وانسداد الفرص الوظيفية واختلاس المال العام ونهبه وفساد القضاء وتدهور الخدمات الطبية وما إلى ذلك. وكيف نرجو من طائفة من البشر اعتادوا ثقافة التواكل، وتلبسوا روح الاستسلام والخنوع، أن يثوروا على أوضاعهم البائسة وأحوالهم الهزيلة. لقد تحولت مجتمعاتنا إلى قطعان من الحيوانات الأخروية الشغوفة بالموت وما بعد الموت أكثر من اهتمامها بالحاضر وحياتها على وجه البسيطة.



قبل مدة كتب أهل أحد الأحياء في الرياض خطاباً نشرته جريدة يومية يطالبون فيها الحكومة ببناء مسجد جديد بالرغم من وجود سبعة مساجد كبرى في الحي! أهل الحي قلقون من عدم اكتظاظ الحي بمساجد، أكثرها كالزائدة الدودية، ولم تشغلهم أبداً سوء طرقات الحي ومستنقعاته الآسنة وكثرة شوارعه المحفورة لشهور طويلة. ومنذ اسابيع قليلة غرقت مدينة جده في مياه الأمطار. سقطت الأمطار حوالي ساعتين فمات ما يربو على المائة، وجرفت السيول مئات السيارات، وغرقت البيوت، وضاعت الأرواح والممتلكات. لو سقطت تلك الأمطار في أي مدينة في العالم لما حدث ما حدث. كانت أمطار جده كارثة بشرية فوق الوصف، وفضيحة إدارية ربما ستمر بلا عقاب. جاءت تلك الأمطار لتعري فساد ذمم المسؤولين، وتفضح سرقاتهم للمال العام بلا حياء ولا رادع. هل تعتقد أن أهل المدينة قد هبوا هبة رجل واحد، وطالبوا بمعاقبة المسؤولين؟ لا طبعاً. من يجرؤ على الكلام؟ ربما عدت هذه الكارثة من باب العقاب الآلهي. هذا بالطبع ما انتهى إليه المتدينون الذين يجدون في كل مآساة فرصة لتفريغ ما في نفوسهم من هلاوس دينية مرضية.



أهل المدينة لم يشعروا بألم جراء فقدان اعزاء لهم وضياع ممتلكاتهم. لقد شعروا فقط بالألم عندما خرج شاب سعودي في قناة (ال بي سي) اللبنانية ليتحدث عن ممارسته للزنا مع بنت الجيران. جن جنون بيوت كثيرة، وتدافعوا لرفع مئات الدعاوى أمام المحكمة لتوقيع اقصى العقوبة بهذا الشاب الأخرق. على ما يبدو فإن مفاهيم من نوع: الزنا..العرض..غشاء البنت..العار..خصوصية السعودية، بما تحمله تلك العبارات من ثقل ديني واجتماعي هي ما جعلت الدماء تفور في عروقهم وتغلي. أما أن تفقد أهلك ومالك وعقارك فهذا لا يستدعي في أحسن الأحوال سوى ترديد: حسبنا الله ونعم الوكيل!



وباعتقادي أن جزءاً كبيراً من الضجة التي صاحبت مقتل مروة الشربيني في المانيا يعود إلى مسألة الحجاب. لا أحد يتحدث عن مقتلها دون أن يفك ارتباطها بقطعة القماش تلك. اجزم لو أن من قتلت كانت لا ترتدي الحجاب لما ثارت ثائرة المصريين وبقية المسلمين. إن جزءاً كبيراً من التعاطف مع تلك المغدورة يعود إلى الحجاب بما له من ثقل تاريخي ومركزية دينية لا غنى للمسلمة عنه في زمننا هذا.



ما الذي أرمي إليه من استحضار تلك الوقائع؟ أريد القول أن الناس لا يحركها إلا الدين بطقوسه ورموزه وحكاياته وخرافاته ووعده ووعيده. عندما يطالبني صديقي بعدم الخوض في الماضي لانتفاء الفائدة منه فإن القصد منه هو حماية هذا الماضي من أي تهديد. ذاك الماضي ليس برفات وخيط رماد. إنه حي وحاضر ومتجلي فينا. اجزم أن اكثرنا على استعدادا للخروج في مظاهرة لو قيل لهم إنَّ رجلاً ما من بلاد منزوية على الخريطة قد تناول بالفحش الحميراء عائشة بنت أبي بكر. إنهم على اتم الاستعداد للخروج وللصراخ ولإشعال الحرائق وإلقاء الحجارة والمطالبة بالمقاطعة الاقتصادية دفاعاً عن الأموات. هل سمعتم مرة أن السعوديين خاصة والعرب عامة قد خرجوا في مظاهرة يطالبون فيها بمحاكمة وزير فاسد أو بتحسين أداء خدمات الصحة أو التعليم؟ لا تسعفني ذاكرتي بشيء سوى آيات شيطانية..رسوم النبي الكاريكتورية..الحجاب في فرنسا...تدنيس القرآن في غوانتينامو..مقتل مروة المحجبة..وحظر المآذن في سويسرا..والقائمة تطول. أترى؟ ما من من مرة يزبد فيها ويرعد العربي / المسلم إلا وكانت الرموز الدينية هي من توقظه من رقاده. وحتى يأتي قرار أو منتج أمريكي أو أوروبي يستفز مشاعر المسلمين ويشعلها...نتمنى لهم أحلاماً سعيدة!






#هشام_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفولوجي
- أنا حلال....الانترنت على الطريقة الإسلامية
- في السعودية: نعم للتجانس...لا للتمايز
- فضفضات رمضانية
- الله والمسلم والعقل
- حوار مع واحد مجنون
- الكتاب المستعمل
- حرية فرنسا الجميلة
- وداعاً مايكل جاكسون
- الحكمة المصلوبة
- وثني الأمس ومسلم اليوم
- هل أسلموا حقاً؟ أم تراهم يحلمون؟
- خير القرون...حقيقة أم خرافة؟
- استراليا تعلمنا كيف نتوظأ!
- خصوصيتنا ولو كره الكافرون
- كفانا مساجد!
- شروط صناعة المأساة: غزة والعراق ودارفور نموذجاً
- مواصفات البطل العروبي...وأشياء أخرى!
- يبكون على دماء غزة...ويرقصون على دماء العراق ودارفور!
- ملاحظات على الهامش


المزيد.....




- ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني ...
- ماما جابت بيبي..أقوى أشارة تردد قناة طيور الجنة بيبي على ناي ...
- عراقجي: ندعم سوريا بحزم وهناك تنسيق كامل بين تل أبيب وواشنطن ...
- ” علموا اولادكم العادات الدينية ” تردد قناة طيور الجنة الجدي ...
- -مبعوث يسوع-.. هل سيُدخل ترامب أميركا عصر الهيمنة المسيحية؟ ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تنفذ ردا تحذيريا اوليا للاحتلال ...
- العثور على موريتاني متهم بإطلاق النار على يهودي بشيكاغو ميتا ...
- عودة الإسلام السياسي.. بين مخاوف التمدد وفرص الاحتواء
- علماء الشام يوجهون نداء للمؤسسات الدينية العربية والإسلامية ...
- عراقجي: عودة نشاط المجموعات التكفيرية في شمال سورية لهي امر ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام محمد - محامو الأموات