خيام محمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 2865 - 2009 / 12 / 22 - 00:01
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
فالمدقق في حال الأمة العربية يستطيع اليوم أن يرى بوضوح تعرض هذه الأمة لمحاولات عديدة لإعادة تشكيلها، وتهيئة مناخها لميلاد شرق أوسط جديد على حد قول وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس، ولم تعد هذه الأمة التي ألقي في قلبها الوهن والهوان تقوى على الفعل أو حتى رد الفعل، وهو الأمر الذي يدركه جيداً المتربصون بها، فاستبيحت أراضيها واستبيح قتل الأبرياء ,ولم يعد سرا على الإطلاق أن هناك محاولات مستمرة طوال السنوات الماضية و حتى الآن , من بعض القوى الدولية و الكيان الصهيوني لزعزعة الاستقرار في المنطقة العربية, و خلق مناخ يسوده التوتر و الاحتقان و يشجع على إثارة القلاقل و الاضطرابات , و لم يعد خافيا على احد إن ما تعاني منه البلاد العربية من مشاكل حادة و نزاعات و حروب دموية كلها ناتجة من التدخلات الخارجية و مساعيها التي أصبحت واضحة في بث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد و دعم و تشجيع محاولات الانشقاق و خلق و مساعدة كيانات و فصائل تدعو للانفصال و تعمل له . لذلك نرى إن فكرة الهيمنة على المنطقة العربية فكرة قديمة لمنع ظهور أي قوة إقليمية على أساس عربي أو إسلامي , و قد سلكت الدول الغربية عددا من السبل في محارتها للمشاريع القومية و التوجهات, أو المحاولات الوحدوية , التي يمكن بواسطتها بناء القوة الذاتية العربية , و تحقيق التنمية المستقلة , و كان خلق إسرائيل و خلق الفتن و عدم الاستقرار و تشجيع الحروب و الاضطرابات و فرض المشاريع المعادية من أهم وسائل إعاقة المشاريع القومية.
و إذا نظرنا إلى العالم العربي و الإسلامي سنجد انه يمر هذه الآونة بمرحلة حرجة تعتبر من اخطر المراحل التي تمر بها الأمة العربية وذلك ما يحاك في الخفاء ضد العروبة و الإسلام يتم الآن علنا ,حيث تجاوزت الخلافات العربية العربية حدود الأمة , و برزت بصورة اكبر على المستوى العالمي تحط من قيمة قدرها , بل إن بعض جيراننا في المشرق الاوسط بدأ يقول صراحة إن الخلافات العربية العربية أصبحت عبئا عل غير العرب و سمة بارزة لعرقلة مسيرة السلام و الاستقرار في المنطقة اجمع , و هناك من يقول " إذا كان العرب يريدون السلام مع جيرانهم فيجب أن يبدأ بالسلام و الوفاق مع أنفسهم و أن يخرجوا من كامل الخلافات و التوترات المتأزمة بينهم الى الساحة الرحبة للعالم المعاصر " .
حيث نجد إن أسباب الحالة العربية المتأزمة جلية ماثلة أمامنا في كل قطر عربي , فهذا يعاني من تردي في المناهج التعليمية و تأخرها عن متطلبات العصر و ذلك يعاني من تردي أو غياب الرعاية الاجتماعية و الصحية , و آخر يعاني من غياب الرأي الآخر و المحاسبة الاجتماعية , غير إن هناك نماذج كثيرة في عالمنا العربي , لو تجمعت و تكاملت في صيغة تبادل الخبرة فلربما أسسنا نهضة عربية حديثة قوامها الإنسان العربي العزيز المحفوظة كرامته و حقوقه و مصانة مكانته , و نستطيع من خلالها التعامل مع فشل تردي العلاقات العربية العربية .
و في اطار ذلك تبرز أهمية عقد القمم العربية لتجاوز الخلافات و تنقية الأجواء و تحقيق المصالحة و تسوية الخلافات العربية بالحوار الهادف و البناء , و هذا ما لمسناه خلال القمة الواحد و العشرين التي عقدت في الدوحة , حيث عاد الدفء الى العلاقات الليبية السعودية بعد قطيعة دامت ستة سنوات و يرجع ذلك الى حنكة و سياسة الزعيم معمر القذافي , و كما شهدت العلاقات السورية السعودية تحسنا ملحوظا منذ مبادرة الملك عبدالله عبد العزيز في قمة الكويت الاقتصادية لتحقيق المصالحة العربية , مرورا بقمة المصالحة العربية الرباعية التي ضمت سورية و مصر و السعودية و الكويت .
و بالتالي فالمتتبع لخطب و أحاديث قائد الثورة الليبية يستشف إن للعلاقات الشخصية الأخوية بين الزعيم الليبي و الزعماء العرب اثر ذو أهمية كبرى في العلاقات العربية العربية حيث مكنته من تخطي عدة خلافات كان يمكن أن تترك جروحا غائرة في الجسد العربي الهزيل , إضافة الى تأثير تلك العلاقات الايجابية الى مد جسور التعاون بين ليبيا و الدول العربية , و قد شغلت الزعيم الليبي معمر القذافي قضايا عربية و إسلامية و افريقية عديدة و عمل عبر زيارات متبادلة و اتصالات هاتفية مكثفة و مبعوثيه الرسميين على التواصل بشكل قوي جعل اسم ليبيا في مقدمة صفحات الشئون العربية خاصة حين يأتي الحديث عن الازمة السودانية و الصراع العربي الإسرائيلي و دعم النضال الفلسطيني و تأييد الكفاح البطولي الذي يخوضه الشعب العربي في الأراضي المحتلة من اجل استعادة حقوقه المشروعة و تحرير الأرض العربية , و من هذا المنطلق فقد كلف الزعيم معمر القذافي الى التدخل لراب الصدع الذي تمر به العلاقات العربية في هذه الفترة , انطلاقا من رئاسته للاتحاد الإفريقي للمكانة الرفيعة و المتميزة التي يحظى بها لدى أطراف كل شان عربي و ذلك بسبب مواقفه القومية و البطولية ووقوفه الى جانب قضايانا العادلة الذي لم يتمكن احد في يوم من الأيام التفاوض معه على حساب الإسلام أو على ساب الوحدة العربية و النضال من اجل الحقوق التامة للشعب الفلسطيني و العراقي بالإضافة الى تواجده المتميز على مسرح السياسة الدولية .
و من خلال ذلك أرى بان الزعيم الليبي معمر القذافي يمثل خطوة جادة و مهمة على طريق تفعيل التضامن العربي و الوفاق القومي لأنه يدرك جيدا إن الأصابع الأجنبية تلعب دورا فاعلا في تزكية الخلافات العربية العربية من اجل خلق هوة بين الدول و الشعوب تتسرب منها طماع السيطرة الأجنبية و أهدافها الخبيثة , كما انه يدرك جيدا إن الكيان الصهيوني ليس ببعيد عن مشاهد التوتر العربي العربي و أيضا الفلسطيني الفلسطيني , لان الرابح ي النهاية هم أعداء الأمة و الحاقدين عليها , كما إن إسرائيل تكثف جهودها الدبلوماسية و الإعلامية و السرية من اجل ضرب العمل العربي المشترك و تقويض أركانه و رصد تحركاته الايجابية ,و من خلال هذا الإدراك الكامل للزعيم الليبي معمر القذافي في خطورة الدول الاستعمارية في مساعيها نحو زج الخلافات بين الدول العربية سوف يعمل جاهدا على حل الخلافات العربية و مناقشة أسبابها بالحوار الهادف و البناء و تعزيز العلاقات العربية و تمتين عراها ووشائجها و الحفاظ على المصالح القومية العليا للأمة العربية و البحث عن لغة مشتركة تجاه القضايا الإقليمية و الدولية التي تهم العرب خلال القمة التي سوف تقام في العاصمة الليبية طرابلس في أواخر مارس المقبل .
و هنا لا بد من القول انه بالإضافة الى دور القذافي يجب تفعيل دور جامعة الدول العربية كأداة فاعلة في حل المشكلات العربية و نحن نثق بان دورها لا يمكن الاستغناء عنه و لكنها تحتاج الى صلاحيات أوسع و سلطات إقليمية أقوى تسمح لها إن تكون منظمة فاعلة و مؤثرة على المسرح العربي فضلا عن تركيزها على الروابط الثقافية الواحدة و المشاريع الاقتصادية المشتركة .
و أود إن أنوة هنا الى إن الخلافات ليست امرأ استثنائيا في العلاقات الدولية المعاصرة , فالدول الأوروبية بينها اختلافات تحت راية الاتحاد الأوروبي الواحد , و الدول اللاتينية بينها خلافات على الرغم من الوحدة الثقافية التي تجمع معظم شعوبها و أخيرا اختم مقالتي بالقول إن الخلاف في الرأي بين الأشقاء العرب أمر مشروع , إلا أن الخطيئة القومية هي أن يتحول الخلاف إلي شقاق ثم إلي قطيعة مثلما حدث في السنوات التي تلت نصر أكتوبر العظيم ,و هذا نأمل أن نتجنبه في المستقبل, إن الإدراك لعناصر الاختلاف في أي علاقة بين دولتين هو بقدر أهمية عناصر الاتفاق , أي أن تكون العلاقة في النهاية لصالح التضامن العربي عموما و الأمن القومي العربي خصوصا.
#خيام_محمد_الزعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟