خيام محمد الزعبي
الحوار المتمدن-العدد: 2697 - 2009 / 7 / 4 - 06:53
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
لقد أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية القوة المهيمنة في الشرق الأوسط منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991 , و لكن في السنوات الأخيرة قد قل تأثيرها هناك بفضل فشلها في تحقيق تسوية شاملة للصراع العربي الاسرائيلي , الا أن انتخاب بارك أوباما كأول رئيس من جذور افريقية لأمريكية يدل على فشل المحافظين الجدد في عهد الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جورج بوش , ففي عهده وقعت أكبر أزمة مالية في أمريكا , بل و اجتاحت هذه الأزمة أنحاء العالم و ضربت أسواق المال , و لا زالت هذه الأزمة تؤثر و بشكل كبير على حجم الانتاج العالمي و زيادة معدلات البطالة و التضخم , و يسعى الكثير من زعماء العالم لاتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون انتشار هذه الأزمة و تحولها الى أزمة اقتصادية واسعة النطاق , و بذلك ضرب الركود الاقتصادي الشامل الأقتصاد الأمريكي و اقتصاديات بعض الدول الأخرى , و أدت توجهات الرئيس الأمريكي السابق بوش العسكرية علاوة على وقوع الجيش الأمريكي في مستنقع أفغانستان و العراق الى المزيد من فشل السياسة الأمريكية و في هذه الظروف أكد الرئيس الأمريكي المنتخب أوباما على سياسة التغيير حتى يستطيع استرجاع مكانة الولايات المتحدة الامريكية و خاصة اتجاه دول الشرق الأوسط و منطقة العالم الاسلامي .
و كثير من الايرانيين الذين كان يساورهم القلق من احتمالية أن يشن بوش هجوما على ايران يشعرون الان مع مجئ المرشح الديمقراطي أن الخطر قد زال , بل أصبحوا يتبنون رؤية التغيير المحتمل في السياسات الأمريكية و ذلك باتجاه التعامل بدبلوماسية مع كافة الدول العربية و الاسلامية و الافريقية و لإعتبارات عدة ربما يمكن القول ان ايران أصبحت رقما صعبا في معظم الملفات الاقليمية , إن لم يكن في مجملها سواء لجهة محاولتها تبوء مكانة إقليمية عبر مد نفوذها داخل دول الجوار او لجهة إستنفار قوى دولية و إقليمية عدة لمنع إيران من تحقيق هذا الهدف .
وبالرغم من أن النظام الدولي القائم على ثنائية الأقطاب قد انتهى منذ أكثر من عقد , إلا أن انقسام دول المجموعات الإقليمية و تأثر علاقاتها البيئية بعلاقة كل منهما بالقوى الكبرى في العالم لم ينته .
حيث تتوزع دول العالم في نطاقاتهاالاقليمية حسب طبيعة علاقاتها مع الولايات النتحدة الأمريكية و تتراوح مواقع اصطفاف الدول كلا حسب درجة "التعاون ,الصراع "مع الولايات المتحدة الأمريكية و على اختلاف تلك الدرجات , الا أنها جميعا تنتشر في حيزين رئيسين هما , ملائمة أو مقاومة السياسات الأمريكية ووفق هذا التقسيم تقع ايران في حيز مقاومة السياسات الأمريكية , و خصوصا مع تغلغل الدور الأمريكي في المنطقة العربية و خاصة في العراق و فلسطين و لبنان و السودان و غيرها من الدول التي بات فيها الدور الأمريكي هاما في استقراره أو عدم استقرار , و ذلك حسب الأهداف و المصالح الاسرائيلية فيه بما يجعل من المستحيل على أية دولة معالجة قضايا المنطقة أو ادارة سياساتها الاقليمية دون التعامل بشكل أو غير مباشر مع العامل الأمريكي .
و مما لا شك فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل اللاعب الأهم على الساحة السياسية العالمية , و بالنظر الى الصورة الخاطئة التي تبلورت عن الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب الباردة و الإفتقار الى استراتيجية و فلسفة سياسية و برنامج للنظام الدولي الجديد , هذه الصوره الصورة الخاطئة خلقت من تلقاء نفسهه سلسة من الآثار السلبية و حالة من الاضطراب على مستوى العالم , كان من نتيجتها الأوضاع الراهنه اليوم أمنيا و سياسيا و اقتصاديا ,و كلها تحتاج الى تحليل و السؤال الأساسي هنا هو هل بامكان أوباما أن يصبح بطلا مثل أجداده , مثل جيمس مريسون الذي وضع الدستور الأمريكي , و أن يضع أساسا لميثاق الحقوق العالمية , أو يستطيع أن يكون مثل جيفرسون الذي كان ظاهرة عظيمة في تاريخ العالم السياسي و احداث تطورا عظيما فيه . و وضع ميثاق التنمية و التعمير و الفكر الأمريكي , هل يستطيع أن يكون مثل ابرهام لينكولن و يحدد مصير الولايات المتحدة الأمريكية و يكتب تاريخها بشكل ما ؟
فالولايات المتحدة الأمريكية لا تحترم الا الأقوياء , و هي مقولة صحيحة الى حد بعيد بما يعني أنها تتفاوض مع الأقوياء تحقيقا لمصالحها , و بما يعني أيضا أنها لن تتردد في استخدام القوة ضد الضعفاء , و الشاهد هو حالة كوريا الشمالية التي أجرت تفجيرها النووي في اكتوبر 2006 لتبدأ واشنطن المفاوضات معها في فبراير 2007 في اطار دولي سداسي الأطراف و أسفر عن تحول أمريكي 180 درجة في سياستها تجاه كوريا الشمالية , و السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل يتكرر ذلك السيناريو مع إيران.
كثيرا ما أعلنت الادارة الامريكية أن الملف النووي الايراني هو احدى قضايا الخلاف مع ايران , و هناك قضايا أخرى مهمة حيث تتهم الولايات المتحدة ايران بأنها تهدد أمن جيرانها , و ترعى الارهاب كما أنها تقف حجرة عثرة أمام عملية السلام في الشرق الأوسط , و هي لا تعترف باسرائيل بل و تتمنى زوالها في أقرب فرصة ممكنة , كما تتهمها بأنها تتدخل في القضايا الاقليمية في كل من العراق و لبنان و الأراضي الفلسطينية بما يتعارض و يتنافر مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية و اسرائيل , كما أن الولايات المتحدة ترى ايران دولة غير ديمقراطية و لا تحترم حقوق الانسان .
و بصفة عامة يمكن القول ان سياسات الولايات المتحدة ضد ايران تتلخص في عدة محاور أساسية و هي :
1_الحيلولة دون حصول ايران على القدرات و الاستعدادات التي تمكنها من السلاح النووي و بالتالي لا يجب أن تصبح ايران أكثر تفوقا من اسرائيل على الساحة العسكرية الشرق أوسطية , و في هذا الصدد تعمل الولايات المتحدة على التصدي لنجاحات ايران في مجال القدرة الصاروخية و الحد من نفوذها و قدرتها في المنطقة .
2_يجب على ايران أن تتعامل مع النظام الدولي في القضايا الاقليمية و العالمية و أهمها مكافحة الارهاب على أساس تعريف الامريكيين للارهاب .
3_يجب على ايران أن تتوافق مع القيم الأمريكية أي الحرية و الديموقراطية .
و لتحليل وضع الولايات المتحدة الامريكية بعد مجئ أوباما و تأثير ذلك على سلوكها تجاه ايرا يجب أن التركيز على سياسات أوباما الخاصة بايران , و من الطبيعي أن اداء الخارجية للروؤساء الأمريكيين لا يجب أن تخرج عن اطار المصالح القومية و القيم الأساسية و السياسات الأمريكية الثابتة .و لو نظرنا بتفاؤل سنصل الى نتيجة مفادها أن سياسات أوباما ستتمكن من احداث انفراجة في القضايا العالقة بين أمريكا و ايران , لان أمريكا اذا أرادت ان يكون لها مكان في المنطقة فانها بحاجة ماسة الى ايران , كما أن ايران تحتاج الى منطقة هادئة و مستقرة و و أمريكا لا تستطيع أن تملي سياساتها على دول المنطقة دون تواجد ايران , فايران لديها تواجد كبير في منطفة الشرق الأوسط و يجب على أمريكا أن تقبل هذا الدور المحوري .
ووفق الأكاديمي الايراني أرشين أدين مؤلف كتاب ايران في السياسة العالمية "قضية الجمهورية الاسلامية " فان اوباما حقق نوعا من الانفصال اللغوي عن اللغة المتغطرسة لإدارة الرئيس بوش المنتهية , و قد يدفع هذا التطور الى بناء ما يسميه بالسلام البارد بين واشنطن وطهران , على الرغم من استمرار نوع من التوجس لدى بعض الدوائر الايرانية التي ما زالت ترى أن إقامة علاقات مع الولايات المتحدة أمر غير مرغوب به , بالرغم من ذلك إلا أن هناك دوائر أخرى أخذت تفهم امكانية أن تقبل طهران العامل الأمريكي في الشوؤن الدولية دبلوماسيا دون تعرض مصالح ايران الاستراتيجية بعيدة المدى للخطر .
و حتى تحقق ايران أقصى استفادة ممكنة من هذه الظروف يجب أن تتبنى سياسة نشطة و تضع على جدول أعمالها برنامجا مفصلا بناءه على هذا يجب ضبط ادارة سلوكيات السياسة الخارجية الأمريكية ازاء ايران . و في هذا الاتجاه تستطيع ايران أن تعلن استعدادها لمحادثات مع الرئيس الأمريكي في حال لوحظ تغييرا في السياسات الأمريكية بشكل علمي ملموس , و يجب الأخذ بعين الأعتبار في هذه الظروف الحالية أن الولايات المتحدة الامريكية تعيش حالة من الضعف بسبب الأزمة الاقتصادية و الوقوع في مستنقع العراق و أفغانستان .
و لكن ما الذي يمكن ان يفغله النظام الاقليمي العربي مقابل هذه التحولات في العلاقات الأمريكية الايلرانية , بوسع الجانب العربي أن يحقق قدرا كبيرا من الاستفادة من المجابهة الراهنة بين الغرب و اسرائيل و بين ايران لتحسين مواقعهم في الصراع العام في المنطقة بدلا من أن يكون جزاءا من أدواته و الياته خصوصا فيما يبدو أن هناك مقاربة أمريكية جديدة تسعى الى الربط بين الملف الإيراني و الملف النووي الاسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط بقبول التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي و الأغراض العسكرية .
و أختم مقالتي هذه إن إبداء أي رغبة في اعادة العلاقات الدبلوماسية قد يتطلب من الأمريكيين مرونة أكثر تجاة ايران , أو بعبارة أخرى سيكون على الأمريكيين الالتزام بأدبيات السياسة القائمة على الاحترام المتبادل و الإبتعاد عن ممارسة الضغوط على ايران و أو حتى رفع اسم ايران عن قائمة الالرهاب و هذا يتطلب قرارا استراتيجيا.
* باحث سياسي سوري
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟