أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - سامر سليمان - إنها العروبة السياسية التي دهستها أقدام الجزائريين والمصريين















المزيد.....

إنها العروبة السياسية التي دهستها أقدام الجزائريين والمصريين


سامر سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 2846 - 2009 / 12 / 2 - 21:22
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


في الجزائر دهس غلاة الجزائريين العلم المصري بالأقدام. وفي مصر أحرق غلاة المصريين العلم الجزائري. الحرق هنا والدهس هناك كانا الشكل المتطرف والعصبي لمشاعر ونوازع موجودة عند دوائر أوسع هنا وهناك، لا يمكن فقط تفسيرها بغريزة العدوان التي اعتبرها سيجموند فرويد أحد الغرائز "الطبيعية" للإنسان. الموضوع فيه كثير من السياسة. هذه المقالة هي محاولة لقراءة سياسية لما حدث في مصر والجزائر طوال الأسابيع الأخيرة، وهي قراءة لن تحيط بالطبع بكل جوانب الموضوع ولكن ستلط الضوء على مغزى سياسي مهم للأحداث الأخيرة.

أعتقد أن الاعتداء على العلمين المصري والجزائري في جزء كبير منه هو تصفية حساب مع رموز العروبة السياسية هنا وهناك. فمصر بالنسبة للجزائريين هي عاصمة العروبة الغاربة. فمصر الناصرية التي خذلت الجزائريين بعد أن باعت لهم حلماً من سراب، فهي صدرت لهم القومية العربية وساعدتهم على بعث اللغة التي أزاحها الاستعمار الفرنسي، وصدرت لهم في نفس الوقت الأصولية الدينية التي حملها مدرسو اللغة العربية من الإخوان والمحافظين الذين أراد ناصر التخلص منهم. ومصر التي باعت لهم حلم القوة و"الكرامة والعزة" ("أكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط" كما كانت الدعاية الناصرية تقول) لاقت هزيمة يندى لها الجبين على يد "العصابات الصهيونية". أصيبت الناصرية في مقتل لدرجة أن الخليفة الذي اختاره جمال عبد الناصر – السادات - أدار ظهره لإيديولوجية القومية العربية والخليفة الثالث – مبارك- وإن كان قد أوقف مسيرة السادات في تصفية العروبة إلا أنه أنه عندما تشتد الشدائد يضطر لرفع شعار "مصر أولاً". القومية العربية هُزمت في مصر وبات العلم المصري بالنسبة لبعض الجزائريين رمز العروبة المنكوبة.

والعلم الجزائري بالنسبة للمصريين هو بالمثل رمز من رموز العروبة. فالجزائر – بلد المليون شهيد – كما تعلمنا في المدارس، هو أيقونة التيار العروبي السياسي، لأن مصر الناصرية العروبية كان لها نصيب من نصر جبهة التحرير الوطني الجزائرية لدرجة أن النظام الجزائري الوليد بعد الاستقلال استورد ايديولوجيته السياسية من مصر، بل وقام بتلحين نشيده الوطني بواسطة ملحن مصري هو الفنان محمد فوزي.

إذا صح هذا التحليل يكون السؤال هو لماذا تدوس الجماهير في البلاد العربية رموز العروبة. المصري الذي يكره العروبة هو يكره جزء من نفسه. فكل الكلام عن فرعونية مصر يظل كلاماً نظرياً طالماً ظل مكتوباً باللغة العربية. بعبارة أخرى، من المثير للرثاء أن يهاجم المصري العروبة وهو لا يقرأ ولا يكتب إلا بالعربية وربما بعض الانجليزية "المكسرة" أو الجيدة على حسب التساهيل. ومن المثير للرثاء بالمثل أن يناصب الجزائري العداء للعروبة حتى لو كان أمازيغياً لأن الأمازيغي الذي يريد أن يقطع كل روابطه بالعروبة عليه أن يتخلى عن الإسلام. فالمسلم له ألا يعرف العربية لا أن يحتقرها، لأنها اللغة التي نزل بها القرآن.

في الحقيقة الرموز العروبية التي تسقطت هي رموز العروبة السياسية أو السياسة التي تدثرت برايات العروبة. العروبة السياسية تدهسها الأقدام لأن النظم السياسية التي رفعت راية العروبة قد ماتت كما في العراق أو تحللت كما في سوريا والجزائر ومصر أو تأسلمت كما في السودان. العروبة السياسية تمضي غير مأسوف عليها من الشعوب، لأنها استولت على السلطة بانقلابات عسكرية واحتفظت يها بالإرهاب والعنف، ولأن التنكيل بالمعارضين السياسيين من اليمين واليسار وتهميش واضطهاد الأقليات قد تم باسم العروبة أو بتسامح العروبيين السياسيين معها، كما حدث لأكراد العراق، وأمازيغ الجزائر، وجنوبي ودارفور السودان، ويهود وأقباط ونوبيي مصر. العروبة السياسية تمضي غير مأسوف عليها لأنها تحالفت مع بعض العسكر في كل بلاد العرب، وأقامت نظماً سياسية فاشلة خربت مجتمعاتها.

العروبة السياسية تقول أن الوحدة العربية هي مفتاح التقدم والحرية في البلاد الذي يسكنها أغلبية من العرب. شعار حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا هو "وحدة، حرية، اشتراكية". فالوحدة تسبق الحرية والاشتراكية (أي تسبق التقدم الاقتصادي والتحديث) كما هي تمهد لهما. صحيح أن العروبة الناصرية اختلفت في ترتيب الأوليات، وطرحت شعار "حرية، اشتراكية، وحدة"، بحيث تسبق الحرية والاشتراكية الوحدة، إلا أن ناصر استسلم لمزايدات "الأشقاء" عندما قبل بالوحدة مع سوريا عام 1958، ولأنه وضع مقتضيات الوحدة قبل مقتضيات الحرية والاشتراكية فتورط في حرب اليمن كما في حرب 1967. هذه العقيدة السياسية التي تضع مقتضيات الوحدة قبل أي شيء أخر ماتت من زمن، وكانت لحظات حرق العلم الجزائري في مصر ودهس العلم المصري بالأقدام في الجزائر هي مجرد تعبيراً رمزياً عن واقع تشكل بالفعل.

العروبة السياسية ماتت لأن العسكر العرب اليوم لا يريدونها، لأنها تدفعهم إلى خوض معارك خاسرة هم في غنى عنها، ولأن رجال الأعمال الذين لديهم مصالح في بلاد عربية أخرى، يفضلون اليوم لغة البزنيس والأرقام والمصالح عن الشعارات الإيديولوجية. العقائد السياسية تموت عندما لا تجد قوى اجتماعية تتبناها. إذا كان لهذه الإيديولوجية أن تنبعث من جديد عليها أولاً أن تقوم بنقد ذاتي لتحالفاتها مع العسكر ولميولها السلطوية ولممارساتها التكفيرية ضد خصوما السياسيين. وعليها ثانياً أن تبحث عن جماعات اجتماعية تتحالف معها.

وإذا كانت العروبة السياسية قد فقدت العديد من مرتكزاتها في مصر كما في الجزائر، فإن العروبة الثقافية لها أرضية صلبة، هي اللغة العربية ذاتها التي تظل هي لغة مصر الأساسية ولغة الجزائر الأهم. العروبة الثقافية ستدوم ما دامت اللغة العربية وما دام سوق للمنتجات الثقافية يتخطى الحدود الوطنية لبلاد المنطقة. يخطئ من يظن أن العروبة السياسية هي ضمان للعروبة الثقافية، لأن الحقيقة أن سجل العروبة السياسية في توطيد العلاقات الثقافية بين العرب محدود النجاح. ألم تؤدي الأزمة السياسية بين مصر والجزائر إلى قرارات بالمقاطعة الثقافية أعلنها بعض الفنانين المصريين؟ العروبة السياسية لم تنقل إلينا أي تراث فني مهم لشعب الجزائر، فانجازاتها لا تتعدى استيراد صوت وردة الجميل بعد تركيب عليه أغاني باللهجة المصرية. الموسيقى الجزائرية الجميلة التي اجتاحت مصر في السنوات الأخيرة لم تأت من باب العروبة. كاتب هذه السطور لم يتعرف على دحمان الحراشي، أو ليلي بونيش أو إدير أو معطوب الوناس أو شاب خالد وشاب مامي وغيرهم إلا من خلال الوسيط الفرنسي أو الفرانكوفوني. الأغنية الجزائرية لم تصل مصر إلا عندما كسرت الدنيا في فرنسا وفي البلاد الفرانكوفوية. الحقيقة أن العروبة الثقافية تم اخضاعها واستنزافها من قبل العروبة السياسية. فليكف السياسيون العرب عن تخريب العلاقات الثقافية بين الشعوب، ولتتوقف الدعاوى التافهة في مصر إلى مقاطعة الجزائر ثقافياً. أنا عن نفسي لن أضحى بالفن الجزائري الجميل لمجرد أن النظم السياسية التي كانت بالأمس تقول لنا أننا أشقاء أصبحت اليوم تقول أننا لم نعد كذلك. النظم والسياسات السلطوية زائلة، أما الثقافة والفن الحقيقي فيدوم.



#سامر_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين مصر وإيران، بين صراعات القصر ومواجهات الشارع
- إلا الاعتراف ب-يهودية- دولة إسرائيل
- بين مصر وإسرائيل، بين دولة الأرض ودولة الطائفة
- نعم يجب نقد حماس الآن وبدون تأخير
- رسائل إلى أولي أمر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
- المعارضة الديكتاتورية والمجتمع المتسلط
- الاستبداد في فكر الدكتور هلال والبابا شنودة
- اسألوا ماركس عن الأزمة المالية العالمية
- سَجل.. أنا عربي، والانبا توماس أيضاً عربي
- النبش في قبور الأقباط
- أجزخانة السلام لصاحبها مرقص أبو سيف
- الوداع يا جمال
- المقاومة انتهت.. فمتى يبدأ الهجوم؟
- هل من بديل للصراع مع إسرائيل؟
- إلى زملائي في التي كانت قلعة الحريات
- مؤتمرنا القادم ضد الطائفية والتمييز الديني
- محنة مصر بين سلطة وطنية -منبطحة- ومعارضة غير وطنية -شريفة-
- الحكمة الغائبة في حركة التحرر الفلسطينية
- الدولة ليست شركة ولا محلاً للبقالة
- الدولة الدينية دولة متطفلة


المزيد.....




- قُتل في طريقه للمنزل.. الشرطة الأمريكية تبحث عن مشتبه به في ...
- جدل بعد حديث أكاديمي إماراتي عن -انهيار بالخدمات- بسبب -منخف ...
- غالانت: نصف قادة حزب الله الميدانيين تمت تصفيتهم والفترة الق ...
- الدفاع الروسية في حصاد اليوم: تدمير قاذفة HIMARS وتحييد أكثر ...
- الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار ...
- روغوف: كييف قد تستخدم قوات العمليات الخاصة للاستيلاء على محط ...
- لوكاشينكو ينتقد كل رؤساء أوكرانيا التي باتت ساحة يتم فيها تح ...
- ممثل حماس يلتقى السفير الروسي في لبنان: الاحتلال لم يحقق أيا ...
- هجوم حاد من وزير دفاع إسرائيلي سابق ضد مصر
- لماذا غاب المغرب وموريتانيا عن القمة المغاربية الثلاثية في ت ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - سامر سليمان - إنها العروبة السياسية التي دهستها أقدام الجزائريين والمصريين