أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنسي الحاج - حلْم بيغماليون















المزيد.....

حلْم بيغماليون


أنسي الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 2843 - 2009 / 11 / 29 - 05:34
المحور: الادب والفن
    


٢١ تشرين الثاني ٢٠٠٩

يروي الشاعر اللاتيني أوفيد (عام 43 قبل الميلاد و17 بعده) في الكتاب العاشر من قصيدته الطويلة «التحوّلات»، حكاية بيغماليون، النحّات القبرصي وحفيد ملك الجزيرة أجينور ثم ملكها بدوره.
صمّم بيغماليون على البقاء عازباً، بعدما كره النساء لِما رآه فيهنّ من نواقص وشرور.
ومع ذلك، حين لوى على فنّه، ألفى نفسه ينحت بالعاج الناصع جسداً أنثويّاً نفح فيه من الحُسن ما لم تعطه الطبيعة أيّ امرأة على الإطلاق. ولما اكتمل التمثال وقع النحّات في غرامه. بدت المنحوتة كأنها صبيّة من لحم ودم، تكاد تفيض حركةً لولا الخَفَر.
«ذلك ـ يشرح أوفيد ـ لفرط ما يختبئ الفنّ بفضل فنّ النحّات نفسه». غالباً ما كان بيغماليون يتحسّس المنحوتة ليتأكد أنها من عاج لا من لحم ودم، ورغم ذلك يكاد أحياناً يصدّق أنها بشر، فيغدق عليها القبلات ويتخيّل أنّها تبادله إيّاها. يخاطبها، يضمّها، ولعنف لهفته يخشى عليها من ضغط أنامله. ويحمل لها الهدايا والأزهار والعصافير و«دموع» العنبر، ويزيّنها بالعقود والخواتم، وهي، حتّى في وضح عريها، لا تقلّ جمالاً عنها مزيّنة. وحين يُضْجعها، يضع تحت رأسها وسائد مصبوغة بأرجوان صيدون، ويغطّيها بالشراشف الناعمة كما تفعل الفتيات بدُماهنّ.
ولكنّه سرعان ما ملّ هذه الألاعيب وتملّكته مشاعر الغضب واليأس، فهو عاشق بلا شفاء لمخلوق بلا حياة.
وحلّ عيد أفروديت، إلهة الجمال والحبّ. وأفروديت بنت قبرص، إذ هي تجلّتْ أوّل ما تجلَّت حين انبثقت على شاطئها من محارةٍ عملاقة وسط زَبَد الموج. واحتفالات عيدها في الجزيرة عرس باهر تُقدَّم فيه الأضاحي ويعبق الجو بالبخور. وفي معبدها يحتشد العشّاق ليرفعوا إليها الطلبات. وأوّلهم كان بيغماليون. قال لأفروديت: «إن كنتِ حقّاً تعطين ما يُطلَب، فإنّي أبتهل إليكِ أن تعطيني زوجةً شبيهة بعذراء العاج!».
وكان بودّه لو يقول: هبيني عذراء العاج! لكنّه لم يجرؤ. وفجأة شبّتْ نار في الهواء، علامة رضى الربّة.
عاد بيغماليون إلى بيته. هرع إلى سرير المنحوتة يعاود التقبيل. وبغتةً تراءى له أنّه يضمّ جسداً نابضاً، حارّاً. أمعن في التأكد، فازداد يقيناً. أصابه الذهول وخاف أن يكون مخدوع الوهم، فأوغل في الامتحان، وإذا بعذرائه تتفاعل مع قبلاته ويحمرّ خدّاها، وتبادله النظر، وتكتشف، في لحظة خالدة، هذا الذي أحبّها حدَّ نَقْلها من العاج الأجمل إلى الجسد الأجمل.
وحضرت أفروديت بنفسها حفل زواجهما.
■ ■ ■

هاجس إعادة الخَلْق لازَمَ الإنسان منذ وُجد. الخلق نفسه صنيعته بقدر ما أن الرواية هي الراوي. ولم يرضَ الإنسان يوماً عن خَلْقه. لا دينيّاً ولا فنيّاً ولا علميّاً. دائماً يريد ما هو بَعْد، فلا سقف لرأسه غير المطلق.
حلْم بيغماليون هو حلم مَن قَبْله بألوف السنين ومَن بعده بألوف السنين، وحتّى لو تَحقّق سيولد منه حلم آخر إذ يجد البيغماليّون أن ما تَحقَّق لا يزال ناقصاً.
هذا التوق هو غريزة وليس مجرّد رؤيا. بل هو ذكرى كأنّه، ذكرى أيّام سابقة كانت للإنسان، وكان فيها الرجل كما يشتهي أن يكون والمرأة كما يشتهي الرجل والمرأة أن تكون.

■ ■ ■

تعكس الفنون هذا التوق إلى امرأة لا عيب فيها، بتصويرها المرأة معصومة الحسن، وكأنّها كائن سحريّ، فيه أجمل ما في البشر من جاذب وفتنة وليس فيه ما في البشر من حاجات وعلل. كائن نصف بشري نصف إلهيّ، لا يُذْكَر إلّا يَحْضر الصِّبا والغوى والنضارة، وما سوى ذلك ليس بامرأة.
صورة تعرف النساء أنّها، على تشريفها، ظالمة، خاصة أنهنّ، عموماً، لا يبادلن الرجال بمثلها، أو هنّ على الأقل لا يَبُحْنَ بذلك، وفارس الأحلام الذي تواضعت عليه الحكايات تقليد عاطفي محدود بالحبّ، والفتاة في هذه الحكايات لا يتجاوز شوقها صورة الحبيب أو الزوج الذي يهيم بها الهيام المُسْكر، دون أن يبدو عليها ما يقول أنّها تطلب رجلاً كاملاً لا عيب فيه جسديّاً ولا خلقيّاً. لا تطلب رجلاً من ضباب أو من عاج بل تعرف بالسليقة أنه لحم ودم وما يرافقهما من نواتئ وضرائب. فالفتاة، مهما صغرت سنّها، أُمٌّ لهذا الفارس، مهما تضخّمت عضلاته، وهو في أحشائها ولو كان أباها، بينما هي في خياله، تتجدّد وتظلّ حلماً ولو تزوَّج كلّ النساء.
يحلم ببنات رأسه وتحلم بمَن يحبّها كثيراً. أو هكذا يُريحنا أن نظنّ. هو يرفض التسليم بانعدام الكمال، وهي تعرف حدودها وحدوده وتسلّم بها مهما تبرّمتْ ومهما تمرّدتْ. وتضيف امرأة حين تسألها: «ربّما نعرف، نحن، بيننا وبين أنفسنا، أنّنا لا نستحقّ الرجل الكامل، المثالي، لأننا ندرك نواقصنا. نحن لا ندين الحلم الذكريّ بالأنثى التي لا تُخيّب أملاً، بل نتفهّمه، وقد تشعر الواحدة منّا بأنّها تستطيع، إذا أرادت، أن تلعب على الرجل دور المرأة المحلومة، العاصية على الاستهلاك، الغامضة أبداً».

■ ■ ■

تنهال أمطار «التجسيدات» الجنسيّة والخلاعيّة على المواقع الإلكترونيّة لا توفّر شهوة إلاّ تلبّيها، وقبلها الأفلام الخلاعيّة، وقبلها الكتب، وقبلها وبعدها الممارسات، وحريّة فوق حريّة، وانفلات وراء انفلات، ولا يشفى الخيال.
تلك الفجوة في الرأس كانت ذات يوم حقيقة في الواقع.
وهي ليست فقط أنثى كاملة أو ذَكَراً كاملاً، بل حياة كاملة.
ولم يحلم الرأس حلماً إلّا وَلَدَه.

■ الممثّل
يقف مخترعُ الأدوار على الشفير وهو يراقب أشخاصه: يخشى دوماً أن «ينسى» أحدُهم، فينفصل عن الصورة ويقع في الواقع.
معاناة ملؤها التهديد النفسيّ لا يعرفها غير صنّاع الأدوار. المسرحيّة والغنائيّة خصوصاً، وطبعاً السينمائيّة، وأكثر ما يكون تلك الأدوار الموغلة في الأسطوريّة، وحيث يذوب الممثّل كليّاً في الشخصيّة المصنوعة له ويفقد كينونته «القديمة».
لا أعرف مَن القائل إن الطبع الحَسَن هو بمثابة سماء للكائن البشري. لعلّه قول مصري فرعوني. اللابس دوراً مخترَعاً له، كائن يوحي كأنّه بلا طبع. كائن تقمُّصيّ يخلع أرواحه كما تُخْلَع الأقنعة. موهبة التمثيل هذه هي النقطة الكبرى التي يتخطّى فيها الممثلّ المخرجَ. يتخطّاه في تَرْك شخصيّته الأصليّة تماماً والتماهي مع الدور. طبعاً الخَلْق هو للمخرج، لكنّ ازدهار الخليقة يظلّ رهناً بالممثّل.
تُرى، ما الذي يؤهّل الممثّل لهذا المقدار من التقمّص؟ أهو فراغ يحتاج إلى ملء؟ أهو عدم رضى عن الذات وحاجة إلى الهرب؟ أهو امتحان القدرة على الخداع؟ أهي طِيبة مطواعة كملاك بين يدي خالقه؟
يبقى البون شاسعاً بين ممثّل يتنقّل عبر الأدوار وممثّل يُنْحَتُ في كاراكتير لا يحيد عنه. ولكن هذا ليس وقفاً على الممثّلين المحترفين بل نراه شائعاً في الناس. الفرق بين المنعتق والأسير، الأول يكسب الراحة المعيشيّة والآخر يخسرها، وفي بعض الحالات يربح ما يعتقده أكثر: نظرة استثنائية يحتفظ بها الآخرون نحوه.
أيّاً ما كانت الرغبة التي تحدو الممثّل، فهو الكائن الوحيد الذي حين يمشي يحوطه جيش من المرايا تنعكس عليها لا صورته هو بل صور الذين ينظرون إليه...

■ تَشجَّع
مهما تَغلّب الفراغ الذي تقبضه الأيدي خلال الترحال في الزمان، يظلّ القلب يستطعم نكهةً يَحْسبها الأبد. لا تستسلم ولا تصدّق الضعفاء. ولا تقرصْكَ حسرة الحرمان أو الغَيرة. تلك النكهة تَملأ السماء وتفتح العينين اللتين يغمضهما الموت.

■ أرجوحة الرموز
بساطة التعبير نوع من شيفرة فُكَّت. والعبارة البسيطة تتحوّل بدورها شيفرةً برسم الفكّ.

■ منتصف الطريق
مضى في رحلته إلى أقصاها وعاد ممتلئ العينين بكابوس الأفق... وفارغ اليدين.
رفيقه تَعِب في منتصف الطريق وعاد: لم يَرَ الأفق، لكنّ الفواكه التي قطفها ورجع بها كانت طيّبة في أفواه ذويه.


--------------------------------------------------------------------------------

هذه اللحظة

هذه اللحظة، لا قَسَم ولا أوراق ثبوت: باب على الهواء، وأنْ لا تخون الأشكالُ صيتَها.
تبقى الوجوه مشعّة في براويزها البكر.
مرايا البيوت عمياء، لا تنظرُ إليكَ المرايا. لا تنظرْ إليها.
تَحَنَّطْ مع النبع.







#أنسي_الحاج (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جَسَد
- ما لم يَحصل بعد
- «مادلين التي كانت ساهرة»
- إيكهارت وابن عربي
- ■ واضحون وملتبسون
- أمّ زكريّا
- خطأ قاهر:الأضاحي
- الهاجس المُنقذ
- نداء لا يتوقّف
- ■ الماغوط بين الدمعة والقهقهة
- «الإنسان هو ما يُخفي»
- موسيقيّات (2)
- على سحابة رجليك
- لي حبيبة . . .
- موسيقيّات
- كنا نحسب الفراغ نبيذاً
- دينيّات: بين الشدياق وعفلق
- مهما صرخ
- ليت العرب ظاهرة صوتيّة
- ماركسيّات


المزيد.....




- منع إيما واتسون نجمة سلسلة أفلام -هاري بوتر- من القيادة لـ6 ...
- بعد اعتزالها الغناء وارتدائها الحجاب…مدحت العدل يثير جدلا بت ...
- ترشيح المخرج رون هوارد لجائزة -إيمي- لأول مرة في فئة التمثيل ...
- توم هولاند -متحمس للغاية- لفيلم -Spider-Man 4-.. إليكم السبب ...
- 100 فيلم لا تُنسى.. اختيارات نيويورك تايمز لسينما الألفية ال ...
- الحكم على ثلاثة بالسجن لمساعدتهم في جريمة قتل مغني الراب سي ...
- مقتل المشرفة الموسيقية السابقة في برنامج -American Idol- وزو ...
- أيقونات من رماد الحرب.. فنان أوكراني يحوّل صناديق الذخيرة إل ...
- إطلاق جائزة فلسطين العالمية للشعر في ختام مهرجان ميديين الدو ...
- رئيس الممثلية الألمانية لدى السلطة في مقابلة مع -القدس- قبل ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنسي الحاج - حلْم بيغماليون