أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - في تجربة الفيدراليات ودلالاتها عراقياً!















المزيد.....

في تجربة الفيدراليات ودلالاتها عراقياً!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2838 - 2009 / 11 / 24 - 20:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يكشف البروفسور شيرزاد النجار في مقدمته لترجمة دستور ولاية بفاريا (عن اللغة الألمانية) عن حيثيات علاقة السلطات الفيدرالية الاتحادية وسلطات وصلاحيات الاقاليم، تلك التي يجسّدها دستور ألمانيا الاتحادي الصادر في 23 ايار (مايو) 1949، وذلك بعد وقوع المانيا تحت الاحتلال إثر هزيمة النازية في الحرب العالمية الثانية.
ولعل البروفسور النجار بما عُرف عنه من علم ومعرفة وخبرة أراد أن يسلط الضوء على الفكرة الفيدرالية، لا باعتبارها فكرة مجردة أو نظام متخيّل، بل عندما تصبح واقعاً من خلال التطبيق، لاسيما بتحديد سلطات وصلاحيات الاقاليم في إطار دستور اتحادي من جهة، ودستور اقليمي من جهة ثانية.
وإذا كانت الفكرة الفيدرالية قد أصبحت محل نقاش ومدار حوار منذ عقدين من الزمان في العراق، اتفاقاً واختلافاً، لاسيما بعد اقرارها كمبدأ في المعارضة العراقية في مؤتمر صلاح الدين (تشرين الثاني/ نوفمبر 1992)، وإن كان الاسلاميون قد تحفظوا عليها بوضع مصطلح مرادف لها " الولايات"، كما هي في الدولة الاسلامية القديمة، فإنها في التطبيق العملي واجهت تجاذبات وافتراقات حادة باختلاف أجندات وخلفيات ايديولوجية، ومواقف تاريخية.
وبين تأييد خافت أو تنديد باهت أو رفض ثابت، بدأت مناقشة الفكرة الفيدرالية ما بعد الاحتلال، لاسيما باقرارها في قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية العام 2004، أو في الدستور العراقي الدائم الذي تم الاستفتاء عليه في يوم 15 تشرين الاول (اكتوبر) 2005، وأجريت الانتخابات على أساسه يوم 15 كانون الاول من العام ذاته.
وإذا كان اقرار النظام الفيدرالي من طرف واحد في البرلمان الكردستاني يوم 4 تشرين الاول (اكتوبر) العام 1992، فإن الاطراف المشاركة في العملية السياسية، بغض النظر عن تأييدها أو لتحفظها وافقت في نهاية المطاف على الفيدرالية، وإن كان كل طرف فسّرها حسب ما يريد أو يشتهي، لاسيما في ظل الاستقطابات والاصطفافات السياسية، حيث نظر اليها البعض كصفقة سياسية أو تكتيك لمعارضة طرف في السلطة أو خارجها، او لكسب الحركة الكردية ضد خصومه، خصوصاً وان الفيدرالية الكردية أصبحت كأمر واقع وتحصيل حاصل.
ان اضاءة البروفسور النجار لها أكثر من دلالة، الاولى تتمثل في كون المانيا عادت وانقسمت بعد ان عاشت فترة الوحدة البسماركية في العام 1871، حيث " ائتلفت" مقاطعاتها الكبيرة والصغيرة في نظام شمولي، وان تميّز فيه جمهورية فاريمار التي مثلت تجربة ديمقراطية يتيمة، الاّ انها انتهت في العام 1932، اثر وصول آدولف هتلر والحزب النازي الى السلطة، وصعود نظام فاشستي شمولي، شديد المركزية والصرامة.
والثانية ان الانظمة الشمولية التي شهدها القرن العشرون، مثلما هو النظام النازي والنظام السوفيتي والانظمة الاشتراكية " التوتاليتارية " السابقة، لم تستطع الحفاظ على وحدتها، بل كانت من أسباب تفكيكها، حيث تحوّلت بفعل نزاعات وحروب الى دول وكيانات، كما هي ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية والاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا، في حين انقسمت جمهورية تشيكوسلوفاكيا بطريقة مخملية الى جمهوريتي التشيك وسلوفاكيا العام 1993.
الثالثة إن بعض أنظمة العالم الثالث كثيرة الشبه بالأنظمة الشمولية في أوروبا الشرقية، من حيث المركزية الشديدة الصرامة، وهي الأخرى وصلت الى طريق مسدود، خصوصاً تلك التي تتميز بتعددية قومية وثقافية مهضومة الحقوق، مثلما هو العراق، الأمر الذي يحتاج الى معالجة من خلال نظام جديد، لا مركزي، يأخذ بنظر الاعتبار الحقوق القومية، لاسيما حقوق الكرد.
كأن البروفسور شيرزاد النجار أراد أن يلفت النظر الى أن جزءًا مهماً من مشكلات العراق الراهنة يعود الى الانظمة الشمولية السابقة، التي لا بدّ من ايجاد حلول ومعالجات لها عبر توزيع الصلاحيات والسلطات، وبما ان اقليم كردستان هو الوحيد القائم وهو الذي سبق ان اعلن عن رغبته في شكل نظام الحكم باختيار الدولة الاتحادية ، بدلا من الدولة المركزية البسيطة التي قادت الى شكل من الدكتاتورية والتسلط، فإن هذا الواقع ينبغي التعاطي معه على أساس دستوري وقانوني، ولعل الاطلاع على تجارب الفيدرالية، ومنها تجربة ألمانيا ودستور بافاريا قد يكون مفيداً للاستلهام وليس للتقليد، وهو ما قصده النجار.
أعتقد أن مشكلات كركوك اليوم وعقود النفط التي وقعها الاقليم وعلاقة الدستور الاتحادي بالدستور الاقليمي والاحتكاك والحساسيات حول ما سمّي بالمناطق المتنازع عليها، تشكل خلفية لما أراد الدكتور النجار تسليط الضوء عليه حين ترجم دستور بافاريا، لنظام فيدرالي ناجح ومستقر، خصوصاً بتحديد الصلاحيات والسلطات على نحو واضح ويتسم بالتفاهم والمشترك الانساني.
لقد كان الخيار الفيدرالي لألمانيا ما بعد العام 1949 المستند الى نظام ديمقراطي، لا مركزي وتوزيع الصلاحيات والسلطات الاتحادية مع الاقاليم، طريقاً قاد الى ازدهار المانيا ورفاهها، وقد يكون هذا واحداً من أهداف ترجمة دستور بافاريا. وقد ساعد تطور النظام الفيدرالي على استقطاب "الجزء الشرقي" الذي عُرف باسم ألمانيا الديمقراطية، بعد انهيار جدار برلين العام 1989، حيث تحققت الوحدة في إطار نظام فيدرالي ديمقراطي، لألمانيا الموحدة 1990، وهو النظام الذي ضم ستة عشر اقليماً أو ولاية، لها دساتيرها الاقليمية، مثلما هي تنضوي تحت لواء الدستور الاتحادي.
ان الفيدرالية بمعناها القانوني، هي نظام لا مركزي يتم فيه توزيع صلاحيات واختصاصات الدولة بين المركز " الاتحادي" والفروع " الاقليمية" وهي أقرب الى الاتحاد والوحدة منها الى الانقسام والتقسيم، أي أن الدولة الفيدرالية هي دولة واحدة ولها حكومة اتحادية واحدة وجيش واحد وعلاقات دولية واحدة وميزانية واحدة وعلم واحد وتمثل وطناً واحداً غير قابل للتجزئة، الاّ إذا فكرت الأطراف المتحدة فك الارتباط بين بعضها البعض، وذلك هو التفسير القانوني لفكرة الفيدرالية، لاسيما إذا توفرت الثقة بين الأطراف، الأمر الذي يُبعد الهواجس السياسية والقلق إزاء احتمالات الانفصال أو التقسيم، وإن كانت فكرة الانفصال واردة إذا تعذر العيش المشترك وفي إطار حق تقرير المصير، لكنها قد لا تكون بسبب النظام الفيدرالي، بل على العكس من ذلك أحياناً، فقد يكون سببه صيغة نظام الحكم المركزية الشديدة الصرامة، لاسيما الطابع الشمولي الاستبدادي، الذي لم يراع الحقوق للتكوينات المختلفة، وقد تجلّى مثل هذا الامر عملياً في انحلال الاتحاد السوفيتي وبعض دول أوروبا الشرقية.
أما الصفة الثانية للنظام الفيدرالي فهي اللامركزية واحترام الخصوصيات للهويات الفرعية، لاسيما لمجتمع متعدد الأعراق والقوميات والثقافات، أي احتفاظ الاقاليم والكيانات بشيء من استقلاليتها في الادارة والتشريع وبنوع من اللامركزية يتسع أو يتقلص حسب التطور التاريخي، وأظن أن دستور ولاية بافاريا قد حدد ذلك باعتبار بافاريا ولاية حرة مبيّناً لون علمها وشعارها وحقوق مواطنيها في إطار دستورها الخاص وصلاحيات سلطاتها وعدم تعارض ذلك مع الدستور الاتحادي. وقد ذهبت المادة 79 من الدستور الالماني الى تأكيد بعض القواعد الجامدة أو الخالدة، التي لا يجوز تعديلها حفاظاً على طبيعة النظام الفيدرالي.
اما الصفة الثالثة للنظام الفيدرالي فهي تستند الى مبدأ المشاركة والشراكة، أي اشراك الاقاليم والكيانات الفرعية في اتخاذ القرارات واشباعها بصلاحيات محلية لادارة شؤونها واحترام خصوصيتها، وذلك باعتباره حقاً لها. ولعل هذه هي القواسم المشتركة والقواعد القانونية العامة للنظام الفيدرالي سواءً اتسعت أو ضاقت.
وتكتسب دراسة الانظمة الفيدرالية اليوم أهمية بالغة بالنسبة للحوار الدائر حولها عراقياً، لتكوين رأي عام عراقي سياسي وثقافي بعيداً عن العصبيات أو التقاطعات، ولا بدّ هنا من البحث عن المشترك الانساني وفي إطار حقوق المواطنة والمساواة واحترام الهويات الفرعية.
وللأسف الشديد فإن النخب الفكرية والسياسية لم تدرس الأنظمة الفيدرالية دراسة كافية، بقدر ما اتخذت منها مواقف مسبقة، بالتأييد أو التنديد، أو نظرت اليها نظرة رمادية بما يستجيب لبعض مكاسبها الآنية، ولم تطرح مسألة الفيدرالية على الفاعليات والحساسيات الثقافية والمدنية عند مناقشتها بما في ذلك عند مناقشة مسودات الدساتير، وتم الاكتفاء أحياناً باللقاءات الخاصة والغرف الضيقة للجان وهيئات، واعتبرت المسألة من قبيل الصفقة أو المكاسب أو التنازلات التي يمكن أن يقدّمها هذا الفريق لذاك، في حين أن الأمر يتعلق يتحديد طبيعة الدولة وكيانيتها وعلاقة الهوية الجامعة الكبرى، بالهويات الفرعية وضمان حقوقها، مع الحفاظ على حقها في إقامة كيانية خاصة.
ولعل هذا هو ما أراده البروفسور النجار من ترجمته المهمة لدستور ولاية بافاريا، الذي هو إضافة الى المكتبة العربية والكردية في آن، وحسب البروفسور النجار فإن تقاسم المسؤوليات والواجبات ما بين الاتحاد والولايات يتم وفقاً لمبدأ المسؤولية الذاتية، وإذا كانت صلاحيات التشريع بشكل عام بيد الاتحاد، لكن الولايات تمارس الصلاحيات المتعلقة بالشرطة المحلية والادارة المحلية والسياسية والثقافية والتربوية والسياحية وغيرها، وتمارس الولايات الجزء الاكبر من مهمات الادارة والقضاء. وتتمثل الولايات في مجلس الولايات على صعيد الاتحاد، وتستمد هذه المؤسسة صلاحياتها واختصاصاتها من القانون الاتحادي وليس من القانون الاقليمي. وحسب الدستور المحلي لولاية بافاريا فهي حرّة وشعبية وقانونية ثقافية اجتماعية وحكومتها هي السلطة العليا لادارة وتنفيذ ما يتفق عليه برلمان الولاية ولديها محكمة دستورية خاصة، مثلما ذهبت الى ذلك المادة 43.
() كاتب وحقوقي عراقي






#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -إسرائيل- أي قانون دولي تريد؟
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (3)
- بغداد - واشنطن: للعلاقة تاريخ
- الانتخابات العراقية والحل السحري
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (2)
- ستراتيجية أوباما: قراءة في الثابت والمتغيّر
- بغداد - واشنطن: الحوار حول المستقبل
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (1)
- 5 اتجاهات إزاء الفيدرالية في العراق
- الفيدرالية في البرلمان الكندي
- 92 عاماً على وعد بلفور
- تراثنا والمشاحنة الفكرية للمجتمع المدني
- المجتمع المدني بين الفلسفة والقانون
- كيف نقرأ إستراتيجية أوباما عربيا?
- تقرير غولدستون وقلق -إسرائيل-
- تجارة الأعضاء البشرية: أين المسؤولية؟!
- السجون السرية وجدار الصمت
- استراتيجية أوباما والإرث الثقيل
- أول اختبار لأوباما في الأمم المتحدة
- صورة الأمم المتحدة


المزيد.....




- ?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو ...
- أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال ...
- الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ ...
- مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
- تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو ...
- ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري ...
- قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
- 8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
- لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - في تجربة الفيدراليات ودلالاتها عراقياً!