أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سعيد الصگار - مزالق الشيخوخة وفؤاد التكرلي















المزيد.....

مزالق الشيخوخة وفؤاد التكرلي


محمد سعيد الصگار

الحوار المتمدن-العدد: 2836 - 2009 / 11 / 21 - 23:06
المحور: الادب والفن
    



للشيخوخة مزالق لم تكن تخطر على بالنا‮ ‬يوم كنا بعيدين عنها‮. ‬وأنا أواجه من هذه المزالق ما‮ ‬يثير الحرج،‮ ‬وخصوصاً‮ ‬ما‮ ‬يتعلق بالشك في‮ ‬كون هذه المادة قد نشرت أم لا،‮ ‬وقد اضطررتُ‮ ‬إلى طي‮ ‬بعض المواد وأنا‮ ‬غير واثق من نشرها‮. ‬ولكن بعض المواد تناديني‮ ‬أحيانا وتطالبني‮ ‬بنشرها،‮ ‬ومنها هذه المادة التي‮ ‬عقّبت بها على‮ ‬غياب صديقي‮ ‬الحميم الروائي‮ ‬والقاص المرموق فؤاد التكرلي،‮ ‬فعلى من‮ ‬يكون قد وقف عليها منشورة في‮ ‬وقت سابق أن‮ ‬يغفر لي‮ ‬إعادة نشرها إكراماً‮ ‬لهذه الشخصية الثقافية ذات الحضور الباهر في‮ ‬تاريخنا الثقافي،‮ ‬وتسامحاً‮ ‬مع شيخوختي‮ ‬التي‮ ‬حملتني‮ ‬على أن أضيف سطراً‮ ‬هنا وسطراً‮ ‬هناك،‮ ‬لأوهم القاريء بأن النص جديد عليه‮ !‬


آخر لقاء لنا كان قبل‮ ‬أشهر في‮ ‬عمان،‮ ‬كان‮ ‬يبدو شديد النحافة،‮ ‬ويتنقّل ببطء بين محبيه،‮ ‬لكن خفة ظله ومزاجه الذي‮ ‬كان رائقاً‮ ‬لم‮ ‬يفارقه،‮ ‬ولم تغادره تلك الحميمية التي‮ ‬يُقبل عليك بها وكأنها شأن‮ ‬يخصك به،‮ ‬فيأخذ حديثكما سياقاً‮ ‬ناعماً‮ ‬هامساً‮ ‬تصدمه لحظات انفعالية خاطفة تزيد من دفء الموقف وحماسته‮.‬

قال إنه كان‮ ‬يشكو من فقدان الشهية،‮ ‬فعندما‮ ‬يتناول طعامه لا‮ ‬يلبث أن‮ ‬يقذف به بسبب انغلاق موضع في‮ ‬أمعائه‮ ‬يعرقل مرور الأكل إلى الأمعاء،‮ ‬وقد أخضعه ذلك إلى عملية جراحية ثقبت ثقباً‮ ‬في‮ ‬ذلك الموضع من الأمعاء جعل ما‮ ‬يأكله‮ ‬ينساب إلى الأمعاء بسهولة‮. ‬صار طبيعياً‮.‬
ليس في‮ ‬هذا ما‮ ‬يثير،‮ ‬ولكن المثير كان في‮ ‬نتائج العملية التي‮ ‬فتحت شهيته إلى الأكل بشكل تحدّث لي‮ ‬عنه بفرح واستغراب،‮ ‬قال إنه لم‮ ‬يعد‮ ‬يلحق بشهيته،‮ ‬وراح‮ ‬يأكل وكأنه لم‮ ‬يذق طعاماً‮ ‬من قبل‮. ‬وقال إن صحته توازنت وإنه في‮ ‬أحسن حال‮. ‬فرحت بذلك وهنّأته‮.‬
ثم كانت لنا أحاديث شتّى،‮ ‬فذلك هو شأننا عندما نلتقي‮.‬
أطلعته على روايتي‮ ‬الأولى‮ (‬فصول محذوفة من رواية بتول‮) ‬فقرأها في‮ ‬يوم ونصف وأعجب بها وكتب لي‮ ‬عنها وريقة أعتز بها‮.‬
وفي‮ ‬هذا اللقاء الأخير،‮ ‬دخلنا في‮ ‬الأحوال الخاصة لبعضنا،‮ ‬وكنا نتداول شؤوننا الشخصية وكأننا نتهامس بها،‮ ‬ونصفّي‮ ‬توتراتنا وهمومنا من خلال ما نفصح به لبعضنا‮.‬

كان قد سمع مني‮ ‬فصولاً‮ ‬عن حياتي‮ ‬الخاصة وملابساتها،‮ ‬وسمعت منه مثل ذلك عن حياته الخاصة خلال لقاءاتنا المتعددة،‮ ‬وخصوصاً‮ ‬لقاءنا في‮ ‬دمشق،‮ ‬أصغى إلي‮ ‬باهتمام وقال لي‮ ‬بحماس إن في‮ ‬تفاصيل حياتي‮ ‬مادة ثرية لرواية‮ ‬يفكر بكتابتها؛‮ ‬غمرني‮ ‬الفرح،‮ ‬فأن‮ ‬يكتب سيرتي‮ ‬برواية أمر‮ ‬يحق لي‮ ‬أن أفخر به‮.‬

ولكن فؤاد رحل فجأة،‮ ‬وأبقاني‮ ‬وحيد همومي‮ ‬التي‮ ‬أبخل بها على سواه؛ فليس كل ما‮ ‬يعتلج في‮ ‬النفس‮ ‬يصلح للحديث مع الناس،‮ ‬ولم‮ ‬يكن فؤاد مثل كل الناس بالنسبة لي،‮ ‬وهو ما أشارت إليه قرينته السيدة رشيدة التركي‮ ‬عندما اتصلت بها معزّياً‮ ‬بعد إذاعة النبأ بوفاته بدقائق،‮ ‬حينما قالت إنه كان‮ ‬يعتبرني‮ ‬أعزّ‮ ‬أصدقائه،‮ ‬وهذا ما أفخر به،‮ ‬وأحتفظ بتفاصيل ما كان‮ ‬يؤثرني‮ ‬به من تفاصيل دقيقة عن حياته الشخصية،‮ ‬مما‮ ‬يمكن أن‮ ‬يضيء بعض حياته ومعالمها‮.‬

منجزات فؤاد التكرلي‮ ‬الأدبية معروفة وشائعة،‮ ‬وليس من قبيل التوثيق أن أذكر ريادته في‮ ‬فن القصة والرواية في‮ ‬العراق،‮ ‬فقد كان أحد أعمدة هذا الفن إلى جانب عبد الملك نوري‮ ‬ومهدي‮ ‬عيسى الصقر اللذين رسّخا معه معالم الرواية العراقية التي‮ ‬أخذت مدارها المرموق في‮ ‬تاريخ الأدب العراقي،‮ ‬ولكنها لم تبلغ‮ ‬بعدها وتأثيرها في‮ ‬الأدب العربي‮ ‬المناسب،‮ ‬لأسباب لا تغيب عن رأي‮ ‬ناقد باحث متفتح‮ ‬يجعل للمنجزات الثقافية مكانها في‮ ‬دورة الثقافة العربية؛ فهناك الكثير مما لا‮ ‬يلحق بإنجاز فؤاد التكرلي،‮ ‬ويحظى بمثل قيمته،‮ ‬ولكنه‮ ‬يتجاوزه بالإعلان والدعاية والتفخيم التي‮ ‬هي‮ ‬خارج مقاسات الأدب ومنجزاته‮.‬

فؤاد لؤلؤة في‮ ‬قلادة الأدب العربي‮ ‬تنتظر من‮ ‬يجلوها ويفسح لها مجالاً‮ ‬في‮ ‬التاريخ الأدبي‮ ‬والإبداع الفني‮.‬

لا‮ ‬يغفل من‮ ‬يتحدث عن فؤاد التكرلي‮ ‬الإشارة إلى لطفه ودماثته وأناقته وصراحته ووعيه ونقده الدقيق النافذ لمظاهر الحياة الثقافية والإجتماعية‮.‬

يمضي‮ ‬فؤاد محفوفاً‮ ‬بكل القيم الراقية التي‮ ‬حملتها إنجازاته الأدبية وسلوكه الرفيع،‮ ‬وخسارتي‮ ‬فيه خسارة وطن كان‮ ‬ينتظر منه الكثير‮.‬



#محمد_سعيد_الصگار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نعمة الملل
- آفاق الكتابة
- محمد شرارة الشجرة الوارفة
- مجسّات القلم
- رجلان ... أي رجلين!
- يوسف العاني يلاطف حيرتي
- اوراق سياسية - لقاء مع حازم جواد
- أهي عناوين وهمية ؟
- ليس براءة ذمّة
- تحية إلى قمر البصرة
- بطاقة إلى الحزب الشيوعي العراقي
- أهذا هو الوفاء؟


المزيد.....




- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...
- بمناسبة أربعينيّته.. “صوت الشعب” تستذكر سيرة الفنان الراحل أ ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سعيد الصگار - مزالق الشيخوخة وفؤاد التكرلي