أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - هيدجر والبحث عن أصالة الذات : من دكتاتورية الهم إلى تحليلية الدازاين















المزيد.....



هيدجر والبحث عن أصالة الذات : من دكتاتورية الهم إلى تحليلية الدازاين


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 2835 - 2009 / 11 / 20 - 00:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"إن كل عصر راهن يجب أن يحدد من جديد موقعه طبقا لعمل هيدجر أو موقفه منه. ويستوجب على كل مفكر معاصر ساهم هو نفسه في تطوير سؤال هيدجر الفلسفي ونشره أن لا يحدد فقط موقع تفكير هيدجر في الفلسفة الراهنة بل عليه أيضا أن يحدد وجهة نظره منه"
استهلال:
لم يغب مارتن هيدجر( 1889-1976) لحظة واحدة عن دائرة الاهتمام في الحياة الفلسفية والفكرية منذ مغادرته العالم، إذ أن الفكر المعاصر ظل مشغولا بما طرحه من إشكاليات وقضايا وجودية إنسانية كبرى وبما رسمه من آفاق للعلاقة بين مختلف رؤى العالم ويعود ذلك خاصة للثورة الكوبرنيكية التي أحدثها في سماء النظر التعقلي إلى عالم الحياة عندما تساءل عن أصل الأثر الفني وحقيقة الفرق الأنطولوجي بين الموجودات والوجود وبحث عن كينونة الموجود البشري وعلاقته بالهم On وعندما ربط بين الفكر والشعر وبين الميتافيزيقا والتقنية وبين الوجود والعدم ولذلك ترجمت نصوصه إلى عدة لغات في العالم وصار تلامذته فلاسفة كبار على غرار غادامير وجوناس وحنا أرندت وليفيناس وكارل لويث وليفيناس وبول ريكور وصار مشروعه الفنومنولوجي الأنطولوجي هو مشروع العقلانية النقدية المعاصرة التي جعلت من فلسفة اللغة باراديغمها الأكبر.
غير أن الكتابة عن هيدجر ليست بالأمر الهين والمقدور عليه من أي كان وذلك للشعاب الوعرة التي سلكها عبر رحلته الفكرية والدقة العالية التي طرح بها اشكاليتها وعسر الكتابة عن هيدجر اعترض تلامذته المباشرين فما بالك الذين لم يروه ولم يدرسوا عنده والذين يجهلون لغته ولا يشاركونه هموم ثقافته، ولعل غادامير هو واحد من هؤلاء الذين عبروا عن عظمة فيلسوف كاتب "الوجود والزمان" وغموض عبارته واشتباك العلاقة التي تجمع به وتعقدها .
في هذا السياق نجد المترجم إلى الانجليزية دينيس جي شمدت يصرح:" على الرغم من المتعة التي يجتنيها المرء من الكتابة عن معلمه إلا أنها كانت كتابة ذات صعوبة خاصة. والصعوبة جلية: فحين يكتب المرء عن شخص تمتد جذور تأثيره إلى سنوات التكون – وهي سنوات لا يغادرها المرء إطلاقا- فانه يدون ورطة غريبة ودينا لا يوفى أبدا.وفي هذه الحالة تصطبغ حالة المؤول الهرمينوتيقية بحدة فريدة عندما يعلم أن كتابة نص كهذا تقتضي إلى حد بعيد مع الذات مع أنها تتوسل غيرا. فعندما يكتب غادامير عن معلمه هيدجر تزداد رهانات هذا الاشتباك وتصبح أعقد مع ذلك بفضل التأثير الذي كان قد تركه كل واحد منهما على تلك السنوات والذي يمتد إلى خارج الفلسفة أيضا...حينما يلتفت غادامير للكتابة عن هيدجر فانه لا يشرح فقط بعض السبل التي سلكها فكر هيدجر إنما يواجه بطريقة هادئة وشخصية نفسه ونمو علاقته بهيدجر. "
إلا أن هيدجر في عيون بعض النقاد فيلسوف المنعطفات الحاسمة بالنسبة للفكر المختلف ما بعد الميتافيزيقي ويعد لفظ المنعطف kehre من أكثر الألفاظ استخداما من طرف هذا الفيلسوف الألماني في مرحلته الحاسمة بعد الحرب العالمية الثانية، وما يلفت الانتباه أن هيدجر أراد بهذه الكلمة أكثر من مجرد مصطلح حيث تعامل معه كحركة يتجاوز بها الفكر الموجودات إلى الإنصات إلى صوت الوجود المتكتم. كما أنه لا يرتكز على إحداث قطيعة معرفية بين الماضي المبتذل والحاضر العلمي بل هو دائرة تأويلية نعود بها دوما على بدء وارتقاء بالفكر نحو الوجوداني existantial التاريخانيhistorial داخل تجربة الحدثانEreignis بوصفها إمكانية مفتوحة لحظة صعود التقنية على زمانية وجود في انسحابه وانبساطه وفي تخفيه وانكشافه.
من هنا تنهمر علينا الأسئلة التالية:ما المقصود بالمنعطف؟ وماذا حصل للناس حتى وقعوا تحت سلطان الهم وأخضعوا أنفسهم لهيمنة النحن؟ وماذا نعني بالدازاين؟ ولماذا تظل هذه الكلمة غير قابلة للترجمة إلى العربية والى أية لغة أخرى؟ كيف ساهم المنعطف في السفر بالإنية من وضع الهم إلى منزلة الدازاين؟ وهل يعد هيدجر فيلسوف الغيرية بالمعنى الحقيقي للكلمة ؟ وماهو تصوره للوجود المغاير؟ هل هو مجرد وجود مع Mitsein أم وجود هنا مع Mitdasein ؟ والى أي مدى يقتدر الدازاين على إثبات الإنية والنهوض بمطلب إضفاء المعنى على العالم الذي يحيا فيه؟ كيف أدى تشييده للأنطولوجيا الأساسية إلى التخلي عن كل انهمام إتيقي؟ وهل يلزم عن ذلك إسقاط كل رأي في السياسة من طرفه؟ لكن ما سر علاقته بالدعاية النازية وتبجيله من طرف النظام السياسي في عصره وتحميله مسؤوليات جامعية مرموقة؟ ولماذا سكت عن هيدجر عن استئناف النظر في المسألة اليهودية؟ وهل بالفعل ترتب عن سكوته عن جرائم النظام النازي التصاق تهمة معاداة السامية به ؟
ماهو في ميزان الفكر عند العرب وما يمكن الاستفادة منه هو تحطيم الفكر الميتافيزيقي والذاتية المنغلقة على الوعي والاهتمام بالبعد اللغوي للوجود الإنساني وإعادة الاعتبار للتراث والفهم القبلي من أجل القيام بتأويل وجودي يحقق المصالحة مع عين الذات ويؤثث إقامة رحبة في العالم خارج لغة المفاهيم المجردة ومقولات المنطق الجامدة. غير أن السؤال الذي يطرح بادئ ذي بدء هنا هو: ماذا ترتب عن هذا المنعطف في تصور هيدجر للإنسان ؟
1- المنعطف:
"مازال هيدجر هنا يفكر أيضا بموجب الوجود الإنساني أو الدازاين بقدر ما أن التغير الكامن الذي تخضع له الأنطولوجيا الأساسية كتحليل للدازاين( عندما يعتبر تحليلا زمانيا) يدعى "منعطفا"."
رحلة هيدجر من الفنومنولوجيا إلى الأنطولوجيا توجت بقيامه بمنعطف توجه بمقتضاه بعد سنة 1946 إلى التعليق في قسم كبير من مجهوده على الفلاسفة والشعراء بالاعتماد على منهج فنومنولوجي صريح وبالتساؤل عن حقيقة الوجود من خلال تجلياته بعد أن حاول البحث عن معناه من خلال سائله الإنسي. في الواقع لقد خط هيدجر طريقه في الفنومنولوجيا يوم قرأ البحوث المنطقية وخاصة البحث السادس لهوسرل الذي تأثر فيه بفكر الظاهرة كانعطاء والحدس المقولي لهوسرل المثالي وقد تدرب أيضا مع أرسطو من خلال مقال برنتانو : "في تعدد تصورات الوجود عند أرسطو 1862" وقد أعجب بقولة أرسطو الموجودة في كتاب الميتافيزيقا:" الوجود يقال على أنحاء عدة" ورأى أن هذه المعاني هي الوجود بالقوة وبالفعل، الوجود صادق وكاذب، والوجود بالذات وبالعرض، والوجود حسب المقولات.
هكذا قرأ هوسرل من خلال أفق مشكل تعدد معاني الوجود المعلنة من طرف أرسطو، هذا التعدد يمكن تأكيده عبر الاختلاف عند هوسرل بين الحدس الحسي والحدس المقولي. لقد مكنته فنومنولوجيا هوسرل من إعادة اكتشاف الطابع الجوهري للفكر الإغريقي ولم يتأثر بتوجهه المثالي الذي ظل غريبا عنه. يستعمل هيدجر المعنى الإغريقي للفنومنولوجيا الذي يتكون: logos وphainomenon قصد التمييز بين الظاهرة وظهورها: إذ نحن نتحدث عن الظهور عندما يعلن شيئا ما عن نفسه من خلال شيء آخر وذلك بأن يظهر هو بينما يظل ذلك الشيء في حالة انسحاب. أما الظاهرة فهي تظهر بذاتها ولا تحتاج إلى شيء آخر لتظهر. هنا ينبغي التفريق بين المعنى الصوري للظاهرة والمعنى الفنومنولوجي. إن مواضيع الحدس الحسي التي هي ظواهر بالمعنى الشائع المتداول وأشكال الحدس التي تسبق وتصاحب الظاهرة هي ظواهر الفنومنولوجيا.
يستقر مفهوم الفنومنولوجيا من خلال امتحان لفظ logos وتفيد المعنى العادي للفظ الكلام والحقل والعلاقة أما المعنى الأصلي للغوس فهو "الذي يسمح برؤية ما يجعل الكلام مسموعا". إذا كان الفكر يتكون من حكم يضم محمولا إلى موضوع في صيغة أ هي ب فان هذا يسمح برؤية شيء ما على أنه شيء يظهر. ويؤدي هذا إلى تغيير في مفهوم الحقيقة فهي لم تعد تطابق وتوافق بل انكشاف ولاتحجب Aléthéia .
يرفض هيدجر في "الوجود والزمان" أن تكون الفنومنولوجيا مذهبا أو نسقا فلسفيا ويعتبرها منهجا وخطة عمل أي " فعل الإظهار الذي يسمح بظهور ما يريد أن يظهر بنفسه" وما يقع إظهاره هو هذا العمق أي وجود الموجود وليس هذا الموجود أو ذاك وإذا عنينا بالأنطولوجيا الكلام المباشر حول الوجود فإنها ليست ممكنة إلا بوصفها فنومنولوجيا، هنا يفهم رأي هيدجر حول الكيفية التي كانت بها الفنومنولوجيا طريق عبور جديدة إلى السؤال الأرسطي حول تعدد معاني الوجود. لكن لماذا عمدت هذا الأنطولوجيا المباشرة إلى التفريق بين الوجود والموجود؟
"الوجود هو الثيمة الحقيقية والفريدة للفلسفة.وهذا ما يؤدي إلى القول بالسلب: ليست الفلسفة علم بالموجود بل علم الوجود أو أيضا لكي نتكلم بالإغريقية: إنها أنطولوجيا ."
يشير هيدجر إلى أن الشجرة والسيارة وبلد من البلدان كلها موجودات ولكن الفعل الذي تكون به هذه الأشياء موجودة هو الوجود وبالتالي إذا كان الموجود يشير إلى الأشياء فان الوجود يشير إلى معناها. من هذا المنطلق فان الفرق بين الوجود والموجودات هو فرق أنطيقوأنطولوجي أي أن كل ما يرتبط بالموجود فهو أنطي وكل ما يرتبط بوجود الموجودات فهو أنطولوجي.
يفسر هيدجر هذه الفكرة في "مدخل إلى الميتافيزيقا" من خلال ضربها لمثال المعهد الذي يراه متعلقا بموجود يمكن الإحاطة به والعرف عليه من خلال القاعات والتجهيزات والمخابر والمدارج ولكن إذا طرحنا سؤال أين يوجد وجود المعهد؟ فان الإجابة تتمثل في أن هذا المعهد موجود أي أن الوجود ينتمي إلى الموجود ولكننا لا نستطيع بلوغه. إن المشكل الذي يرغب هيدجر في طرحه هو مشكل الوجود، لكن ماذا ستغنم الفلسفة من البحث عن مفهوم معروف من قبل الجميع وبديهي؟
اللافت للنظر أن لفظ الوجود هو في الآن نفسه الأكثر عمومية والأكثر استعصاء عن التعريف، وإذا ما عزفنا عن استعمال الرابطة est فإننا نعجز عن تركيب أية جملة وعن تكوين أي خطاب وإذا ما أشكل علينا لفظ الوجود فانه يتعذر علينا فهم الموجود سلفا من جهة كونه موجود. لكن أن نطرح السؤال عن معنى الوجود هو أن نعمق اللقاء معه بشكل يجعلنا نكون في جوهرنا كائنات متكلمة.
هنا يظهر دور هرمينوتيقي يتمثل في أن ما نفكر فيه هو مفهوم سلفا وكأنه أمر لا يلزم التفكير فيه لكن الأمر لا يتعلق بدور فارغ وعقيم بل التفكير ذاته خارج الدور لا يكون تفكيرا. ينكشف الوجود لنا إذن في طابعه المفارق، انه الأكثر معقولية بما أننا لا نفهم أي شيء إلا إذا كان لنا فهم ضمني لفعل وجد أو للرابطة est، في هذا السياق يصرح هيدجر:" لو طلب منا توضيح ما نفهمه بهذا الوجود المعاد فهمه أي ما نفكر فيه بلفظ وجود فإننا نقع في التيه".
إن فهم الوجود هو الخاصية التي تميز الإنسان عن بقية الموجودات ولكن الإنسان عادة يهتم جوهريا وأساسيا بماهو موجود أي الأشياء والأمكنة والناس والحياة اليومية بشكل يجعله ينسى الوجود ولا يتذكر ولا ينشغل بالوجود رغم أنه يمتلك فهما قبليا له. يبدأ كتاب "الوجود والزمان" بالإقرار بأن السؤال عن الوجود سقط في النسيان: نسيان الواقعة من طرف الفلاسفة الذين لم يعودوا يهتمون بمعنى الوجود ونسيان بنيوي لأن السؤال عن الوجود يؤثر الانسحاب والتخفي ويفضل أن يكون منسيا على التجلي والانطراح.
إن العلم الذي يهتم بالوجود هو الأنطولوجيا التي تظل عند هيدجر مشروعا في حاجة إلى إعادة تشغيل واستئناف ثان بعد البدء الأول فكيف سيتعامل هيدجر مع الأنطولوجيا التقليدية؟ هل سيستوعبها ويتجاوزها في حركة جدلية كما يفعل هيجل أم أنه سيقوم بتفكيكها وتحطيمها من أجل أن يخلى المكان لظهر قول مستحدث عن الوجود؟
على هذا النحو تكون الأنطولوجيا هي علم التحديدات الأكثر عمومية لماهو موجود وتتساءل عن العلاقات الممكنة بين الموجودات وتنظر إليهم من خلال معرفة قبلية وكمواضيع للتجربة. هنا يحاول هيدجر تأسيس أنطولوجيا أساسية مباشرة على أنقاض الأنطولوجيا القديمة ويبحث عن حقيقة الوجود عوض التساؤل عن حقيقة الموجودات ويرى أن الأنطولوجيات المادية والصورية ظلت تمتحن الموجود على أنه كل الوجود، لكن كيف نقدر رغم كل شيء على الوصول إلى الوجود وقول بعض الشيء عنه؟
على هذا النحو تكون الأنطولوجيا هي علم التحديدات الأكثر عمومية لماهو موجود وتتساءل عن العلاقات الممكنة بين الموجودات وتنظر إليهم من خلال معرفة قبلية وكمواضيع للتجربة. هنا يحاول هيدجر تأسيس أنطولوجيا أساسية مباشرة على أنقاض الأنطولوجيا القديمة ويبحث عن حقيقة الوجود عوض التساؤل عن حقيقة الموجودات ويرى أن الأنطولوجيات المادية والصورية ظلت تمتحن الموجود على أنه كل الوجود، لكن كيف نقدر رغم كل شيء على الوصول إلى الوجود وقول بعض الشيء عنه؟
نحن نعلم أن الموجود الذي نكونه يقيم علاقة أولية مفضلة مع الوجود حيث ما فتئ يتفهمه ويقرأه وهذا الفهم هو الذي يسمح له بطرح سؤال ما الوجود؟، يترتب عن ذلك أن الإنسان يتمتع بأولوية أنطولوجية بالمقارنة مع بقية الموجودات تؤهله للتساؤل عن معنى الوجود وأن انجاز تحليلية لهذا الموجود الأولي ربما ترشدنا قليلا على عين الوجود. هكذا فان الأنطولوجيا الأساسية لا يمكن أن تكون ممكنة إلا كتحليل للوجود البشري في كل أبعاده أي كتحليلية وجودانية.
غير أن هيدجر يقوم هنا بحركة فكرية جديدة في منتصف حياته الفكرية اقترب فيها من الكلام والشعر وبحث في ماهية التقنية وأصل العمل الفني سميت بالمنعطف، فماذا يقصد بذلك؟ ولماذا تبنى هذه الإستراتيجية المباغتة ولم يكمل بقية أجزاء وفصول كتابه الشهير "الوجود والزمان" الذي ظل مخروما من آخرته؟ والى ماذا أوصله هذا المسلك؟
ظهر مصطلح kehre سنة 1928 في أخر درس ألقاه هيدجر من دروس ماربورغ لكي يشير به إلى تحليلية زمانية الوجود والتي تمثل ملحقا للتحليلية الوجودانية existantiale. لقد أنجز هيدجر عن طريق هذا المصطلح تجذيرا لفكرة التناهي التي لم تبق محصورة في الدازاين بل اتسعت لتشمل الوجود بماهو كذلك، وقد مكنه أيضا من تفادي النظر إلى الوجود من زاوية مرتبة الموضوع والتفكير فيه من خلال انسحابه الجوهري وقدرته على التخفي والاحتجاب.
كما سمح له بأن يتصور ماهية الحقيقة كلاتحجب Aléthéia وأن يصوغ سؤال جديد عن الوجود هو سؤال المعنى بدل سؤال الحقيقة ، وربما الذي دفعه إلى ذلك هو جعل الوجود موضوعا وتصوره بمقتضى قابليته للإدراك وهو ما سمي بتشيء الوجود، يقول غادامير في هذا السياق:"هنا يمكن تلمس إشكالية تشيؤ الوجود كإشكالية قادت هيدجر إلى إحداث منعطف" .
إن التفكير في الوجود بعد المنعطف صار يعني فهم الوجود في شدته ولزوميته وقد استلف شعرية هودرلين ونيتشه وفكروية ما قبل السقراطيين من أجل الانعطاف عن الميتافيزيقا. هكذا يفتح المنعطف الطريق للمرور من دكتاتورية الهم إلى تحليلية الدازاين ومن سؤال ما الإنسان إلى سؤال من هو الإنسان؟ ومن الميتافيزيقا إلى البدء الجديد الآخر للفكر، إن هذا لا يعني المنعطف تغييرا في وجهة النظر الأولى بل استعادة السؤال عن الوجود بعد النسيان الذي أحاط به نتيجة صعود التقنية وإهمال الإنسان المعول على الإشهار والطامح إلى السيطرة على الموجود لوجوده الأصيل.
إن الفكر المختلف ليس له من سبيل للخلاص من الميتافيزيقا سوى استدعاء الشعر والشعراء فهم وحدهم القادرين على بلورة تسمية جديدة للمقدس وللإلهي خارج إطار الأنتو-تيولوجيا، ألم يقل هودرلين:" حيث هناك الألم هناك أيضا ما يخلصنا منه"؟ لكن إذا كان المنعطف هو انتقال من دكتاتورية الهم إلى تحليلية الدازاين؟ فماذا نعني بالهم ؟ وكيف يوقع الناس في الدكتاتورية والوجد العرضي والانبتات واللاأصالة؟ وما الفرق بين وجود الإنسان في حالة الهم ووجوده في مرتبة الدازاين؟ وكيف يتم الانعطاف من الأول إلى الثاني؟ وماهي أهمية هذا المنعطف ورهاناته؟
2- تحليلية الدازاين:
" ينتج مفهوم الدازاين أيضا ذخيرة في إزاحة الإنسان عن مكان المركز. لأن هدف التحليلية ليس بناء أنثربولوجيا جديدة وإنما تتبع الصوت الذي يعد بطرح سؤال الوجود من جديد."
كلمة Dasein تعني في الألمانية الموجود هناك وتميز هنا هذا الموجود النموذجي الذي يسمح للوجود بماهو موجود أن يوجد. في حين أنها كانت عند كانط تعني مقولة الوجود المناقضة لمقولة اللاوجود وكانت تفيد عند هيجل الحضور المتعين، وقد أفتكت اللفظة مكانة جوهرية في فكر هيدجر ليشير بها إلى الطابع الخاص للوجود البشري وتعود المكانة التي احتلتها إلى انفرادها عن بقية الموجودات بقدرتها على مساءلة الوجود وبذلك تحولت إلى مرجع لكل حضور قصدي. يقول عنه هيدجر ما يلي:"إن هذا الوجود الذي نكونه نحن أنفسنا والذي له بواسطة وجوده من بين أشياء أخرى إمكانية طرح الأسئلة سيشار إليه باسم الدازاين ."
يمكن وصف الدازاين بشكل نفسي وأنطولوجي ومن بين الظواهر التي تختص بها نذكر ظاهرة السأم التي تدل على أن الإنسان يعرف نفسه كموجود عرضي ونشير كذلك إلى ظاهرة الهم التي تدل على أن الوجود الإنساني يتجلى من خلال مشروع يثبت من خلاله الإنسان حريته وعزمه على تأويل العالم.
يختلف الدازاين عن الموجود الملقى به في العالم ، لأن هذا الموجود الأخير هو خاصية الدازاين في حالته الحدثية ووجوده العرضي واللاأصيل بعد رفض كل قصد وكل مشروع وكل تجاوز وكل صدور. أما الحدثية Facticité فتعني نمط وجود الدازاين كموجود داخل العالم لا يمنع من قدرته على فهم علاقته بوجود الموجود الذي يعترضه في العالم وهو يتميز عن العرضانية الخاصة بالموجود لكونه ليس مجرد مقولة وإنما نمط وجوداني.
إن الانفتاح يفتح الدازاين على وجوده الملقى به بشكل يجعله يبحث عن معنى وجوده، إن الدازاين قد ألقي به في العالم دون أن يكون قد قرر ذلك تحت ضغوطات ممكنة. الموجود الملقى به هو بعيد أن يكون مجرد سقوط أو حالة انحطاط بل يخص ظاهرة الولادة وغرابة الدازاين والملقى به في العالم.يقف الدازاين مذهولا أمام هذه الغرابة ويبحث عن ملجأ له بالاندراج في عالم يعمق له غربته وانحداره. الانهمام وحده هو القادر على انتشاله من هذا الاندراج في الحياة اليومية ليميط اللثام عن الصلة بين الموجود الملقى به والمشروع.
إذا كان الدازاين هو دائما في حركة تدارك لذاته فان الموجود الملقى به يشكله على أنه موجود هناك سلفا وبالرغم عنه. انه لا يكشف له الماضي على أنه حدث ثوري بل على أنه ما لا يمكن تداركه في الوجود." بقدر ماهي التأويلات المتعددة للدازاين غنية والتي نملكها منذ مدة أي- السيكولوجيا، الأنثربولوجيا، الاتيقا، السياسة ، التاريخ الخ- فان هذه التأويلات الوجودية لا تستوعب بالضرورة وجودانية الدازاين أي ما يميزه عن كل كائن آخر. فللدازاين بالأحرى بالطبيعة نزوع لفهم اختلافه بالنسبة للكائنات الأخرى كاختلاف أنطي وليس كاختلاف أنطولوجي."
إن الدازاين لا يستطيع أن يطرح أساسه الخاص بل يكشف عن أفق التناهي الكائن فيه وانفتاحه الدائم على المستقبل، مثلما لا يختزل الموت في مجرد حدث قادم فان الولادة ليست مجرد حدث له تاريخ. كما يقول هيدجر في الوجود والزمان:" الدازاين هو موجود من أجل الموت منذ أن وجد وهو قد أتى إلى العالم بنفس الكيفية" . إن التحليلية الوجودانية تبحث في الوجودانيات أي التحديدات الأنطولوجية للدازاين الذي يتميز عن المقولات التي تمثل تحديدات أنطولوجية للموجودات الأخرى. إن الدازاين ليس الإنسان إلا إذا كان هذا الأخير المكان الذي ينفتح فيه هذا الموجود المسمى الإنسان على انكشاف معنى الوجود. هكذا لم يعد السؤال مع هيدجر هو :ما الإنسان؟ بل من هو الدازاين؟
الدازاين ليس شكل من الباطنية أو وعي معارض لموضوع أو أنه بخلاف موناد لايبنتز التي لا تحتاج إلى نوافذ طالما أنها تعتمد على مبدئها في داخلها يحتاج إلى نوافذ طالما أنه دائما نافذا إلى الخارج ومقذوفا به خارج ذاته. إن إنيته هي إنية مشتهاة ومفتوحة بعبارة أخرى انية الدازاين هي اشتهائه وانفتاحه. انه لا يحتاج إلى عالم يقابله ويكون مضمون لذاته العارفة طالما أنه موجود في العالم بعمق.
الدازاين هو ترجمة تنهل مما سماه أرسطو النفس psyché خاصة قوله:" إن النفس هي بمعنى ما الموجود". لا يتعلق الأمر هنا بنزعة إحيائية بل بحضور الأشياء كلما حضرنا فيها لاسيما أن حضورنا هو الذي يعطي الأشياء حضورها. إن الدازاين هو كل ما يوجد بمعنى يعطي الحضور للأشياء ولا يكون هناك حضور إلا إذا تحولنا في هذا الهناك للدازاين.
إذا كانت المواضيع مجهولة فلأنها مموضعة من طرف ذات متكونة من موضوعيتها عندما تحصل على الزمانية كشكل من الباطنية. على خلاف ذلك تحوز الأشياء على روح عندما تدخل هي نفسها في الحضور الذي تضفيه الدازاين على مكان تواجدها كشيء. لا يؤسس هيدجر الإنسان على شاكلة النفس عند أرسطو ولا الأنا الحديث عند ديكارت بل على شاكلة الدازاين التي لا تكون الأشياء كمواضيع بل تؤسس الإنسان في الأشياء هناك وتجليها وانكشافها ووجودها في العالم. أن أوجد تحديدا هو أن أوجد في العالم، إذ أن الدازاين ليس البتة موجودا مغلقا على نفسه منذ الوهلة الأولى بل يمتلك صلة بالعالم حسب رغبته. وعلى العكس " إذا أمكن له أن ينعزل ثم يستعيد علاقاته مع العالم فلأنه يكون بوصفه موجودا في العالم".
إن وجود الدازاين في العالم يجعله يهتم بأشياء العالم إلى درجة نسيانه لاختلافه الجوهري مع هذه الأشياء وإدراك نفسه بواسطة هذا العالم، وكما يقول هيدجر:" إن الوجود في العالم ينجر عنه جهل الدازاين فرادة وجودها" . إن العلاقة التكوينية للدازاين مع العالم ليست البتة نظرية وان شكل وجود الموضوع الذي يعثر عليه الدازاين في العالم ليس أبدا هذا الوجود الحاضر المستوى والمحايد بل الوجود الذي ينعطي لنا كأمر قابل للانخراط بمعنى أو بآخر في مشاريعنا ومقارباتنا. إن الخاصية الأساسية للدازاين هي الفهم بوصفه وجودا في العالم يعرف مجال تحقق إمكانية وجوده هنا أم هناك. إن الدازاين في فهمه لذاته يخرط في فهم الوجود لاسيما وأن فهم الدازاين لذاتها وفهمها لوجودها هما شيئان متضايفان. ويتميز الدازاين بخاصيات الانفتاح والحدثية والسقوط والجزع.
يميز هيدجر بين نوعين من الوجود في العالم: العالمية والانفتاح المتوافق مع عالم الدازاين غير المنغلق على ذاته بل المنفتح الذي يطرح وجوده هناك، يقول في هذا السياق:" إن الدازاين عينه هو الانفتاح في حد ذاته". من بين أنماط الانفتاح يمكن أن نذكر نمط الفهم يظفر بالمعنى عند تناول الموجودات والكلام والإصغاء هما طابعان أساسيان للانفتاح للفهم لأنه عندما أتكلم عن شيء ما يعني ذلك أن أكون بجواره والكلام يحملني إلى مكانه وأنا لا أستطيع أن أتكلم عنه وأصغي إلا إذا كان الموجود مفتوحا بالنسبة إلي حيث أستطيع أن أفهمه.
انفتاح الدازاين يتمثل أيضا في الانعطائية أي القابلية وهي ليست تحسس بل على العكس ما يفتح عالم المواضيع. إن الموجودات لا تظهر إلي بشكل محايد من الناحية العاطفية لأنه إذا لم تكن معنية بوجودي لا تظهر لي. هناك يمنح الإنسان اسم الفاني وتصبح زمانية الدازاين زمانية متناهية ويصبح الوجود في العالم هو من أجل الموت. إن تحديد الإنسان كدازاين يحل محل التحديد التقليدي لماهية الإنسان كحيوان عاقل وهذا التحديد الجديد يعتبره هيدجر أمرا سيحدث في المستقبل أين يعطى الحدث Erigneis انعطاء جديدا للوجود من حيث هو كذلك. من هذا المنطلق كتب هيدجر كلمة الدازاين Da-Sein بدل Dasein واضعا حدا للهناك من جهة وجوده. إن العلاقة القائمة بين الوجود والإنساني علاقة لا يمسك فيها الوجود من حيث هو وجود نفسه عن الانعطاء ولا يتحفظ عن ذلك. هنا يطرح سؤال الضياع في العالم من طرف الذات على النحو التالي: هل غادر هيدجر أرض الكوجيتو أم أنه أوقع الذات بين أحضان الموقف الطبيعي؟
3- دكتاتورية الهم On :

"ليس من قبيل المصادفة أن تظهر قضية الذات مشتبكة مع قضية الهم: انه يبدو في سياق الاستقصاء حول اليومي أي حول العالم حيث " يكون كل واحد آخر ولا يكون أي آخر هو ذاته( الوجود والزمان ص160) ويصنع هذا الوضع المشوش من الأنا سؤالا وليس معطى:" قد يمكن لمن الدازاين اليومي أن لا يكون ذلك الذي أكونه أنا نفسي"( الوجود والزمان ص146)" .
إذا أردنا أن نعرف حال المرء في الحياة اليومية فإننا نشير على التو إلى وضع الواحد إلى جانب الآخر حيث يخضع كل واحد من الذوات إلى سلطة الآخر وهذا ما يسمى تخلي الإنسان عن ذاته ووقوعه تحت دكتاتورية الهم le on. إن الاهتمام بالفروقات التي تميز الإنسان عن الآخرين قد تجعل منه موضوعا معزولا ولكن الإنسان نفسه والآخرون أنفسهم هم كائنات محايدة بشكل ماهوي حيث تذوب شخصياتهم في غمامة غير مدركة تتيح للهم بأن يفرض سلطته على الجميع : "بحيث نصير نفكر مثلما يفكر الآخرون وننفصل عن مجموع البشر مثلما ينفصلون". وتتجلى سيطرة الهم عبر الدعاية والبروباغاندا والإشهار التي تؤدي كلها إلى شح الوجود وكفافه والتماسف والبينونة والتفدين حيث يعطي الفضاء العمومي كل قرار وكل حكم بشكل مسبق دون أي قدرة على الاختبار أو التمحيص.
الهم le on شخص كل واحد فينا وذات محايدة فارغة من كل تميز وتفرد وهو الفرد الضائع في الحياة اليومية المنشغل بأعباء الواقع وهو تعبير عن حالة الإعياء أصابت الذات التي ملت الميتافيزيقا الحديثة من تمجيدها والافتخار بها والادعاء بأنها قادرة وواعية وحرة ومسؤولة. إن الهم حالة وجودانية تنتمي إلى التكوين الايجابي للدازاين وليست حالة سلبية طالما أن الإنسان قبل أن يصل في مستوى وجوده إلى منزلة الدازاين مطالب بأن يمر تاريخانيا ثم ينعطف بعد ذلك إلى مقام الوجود الأصيل. إن الكينونة الخاصة بعيدة المنال ولا تعرف كاستثناء موجودي بل هي تحوير وجودي لهذا الوجوداني المسمى الهم.
إن الأصالة تتحقق على مسطح محايثة الهم عندما يقوم هذا الأخير بالرجوع إلى وجوده البدئي ويحور الانية الأصلية تحويرا وجودي وعندما يعلم أن إمكانية الكينونة المتصالحة هي أرفع شأنا من الاستمرارية الموهومة للهم، من جهة أخرى إن الهم يعني بالتحديد الذات الخالية من كل ذرة من الانية والتي لا ترجع إلى أي أحد لكي تتحدد لأنها في نفس الوقت الكل ولا أحد في نفس الوقت.
"يقال الوجود بمعان عدة" كما بين أرسطو ولكن ما يعنينا هنا هو الدلالة الوجودانية له، فإذا كان الوجود يعني "الملقى به حولنا في مكان ما" وإذا كان مقصورا على الإنسان بماهو وجود في العالم في وحدثيته وفي معيته فان هيدجر يميز بين ثلاثة أنماط من الوجود:
- الوجود المتعين أي الوجود هنا أو هناك ويقصره على وجود الإنسان من جهة كونه دازاين.
- الوجود الملقى به حولنا أي الحضور المباشر ويتمثل في كل ما يمكن أن يلتقي به المرء مصادفة.
- الدازاين وهو الوجود البشري من حيث هو تحديد للكينونة ويخص به الوجود المتعين وحده. فالوجود الإنساني هو إذن وجود فردي بالأساس لكنه لا يدرك على أنه ذاتية أو وعي أو حرية بل يدرك ذاته كقدرة على أن يكون وكمعيش فردي وشخصي.
ثمة منطقة محبذة من الوجود هي الوجود البشري إذا تساءلنا عنها نستطيع أن نستخلص دروسا عن المناطق الأخرى من الوجود. انه منذ اللحظة التي وجد فيها الإنسان فان الوجود بأسره وضع في مراهنة شكل ما ولم يعد لائقا أن نعرف الإنسان كذات ووعي ولا يمكن أن نعامله كوعي يمتلك يقين مطلق كما هو الشأن مع هوسرل بل ينبغي أن نفكر فيه من خلال نمط وجوده. وحده الدازاين موجود هذا ما يميزه عن بقية الكائنات ووجد exister لا يعني حضرprésenter بل يفيد ضرب من الوجود بالنسبة إلى الإنسان.
الدازاين يحوز على إمكانيات رحبة للوجود وهذه الإمكانية هي ضرب من الوجود ويمكن أن تتحقق أو لا وهي إمكانية غير مسجلة سلفا في تصور وماهية بل هي معطى في الوجود واللاوجود، إن ماهية الدازاين هي أنه معطى وجود. نظرا إلى أن الدازاين يحوز على ماهية نقول انه موجود ولكن بما أن ماهيته هي أحد إمكانيته فإننا نقول أن ماهية هذا الكائن البشري تتحقق في وجوده والمقصود أن الوجوداني يمنح البنى الأولية لوجود الدازاين، انه يتعلق في كل لحظة بوجوده وكل إمكانية وكل قدرة على الوجود هي شكل من الانخراط فيه وطريقة لتحديده بهذا الشكل أو الآخر.
تعني العينية mienneté الفعل الذي تكون به الدازاين الأنا الذي يخصني ويظهر ذلك لحظة المرور بهذا الضمير الشخصي أنا أو أنت وقد أراد هيدجر باستعماله لمصطلح العينية أن الانخراط في الوجود ليس فقط فعلا كاملا بل بنية أولية له. إن الدازاين هو الوجود الذي ينبغي على كل إنسان أن يعيشه وهو كذلك الموجود الذي أكونه في كل لحظة من لحظات الصيرورة. يتفادى هيدجر استعمال كلمة إنسان لأنها مرتبطة بالنوع وتلغي الفرادة والطابع الخصوصي للانية المكون للدازاين.
يميز هيدجر بين الخاص وغير الخاص وبين الأصيل واللاأصيل ويخلصه من المعنى الأخلاقي ليدل به على أن الوجود الأصيل للدازاين هو الذي ينتمي إلى وجود الدازاين. في الواقع لم يراهن هيدجر في الوجود والزمان على مفاهيم الإرادة والوعي والاختيار ابتعادا عن النزعة الانسانوية والارادوية والذاتية. اللاأصالة تعنى أن المرء يمكن ينحط إلى مرتبة الهم ويفقد انيته ويرفض أن يعيش وجوده بطريقة تخصه أو أن يكون الإمكانية التي يريد أن يكونها . كل واحد يشعر بأنه بإمكانه أن يترك نفسه توجد كما هي موجودة ولا يقرر أن توجد على هذا النحو أو على النحو الآخر. كل واحد يشعر بأنه عليه أن ينظر إلى إمكانياته كخصائص طبيعية وبديهية للإنسان عموما وأن يوجد ويفعل كما يوجد الهم ويفعل.
هناك طريقة للدازاين تسمح له بالفرار من انية وجوده ويختبئ وراء ما يفعله الهم وما يكونون عليه، هناك ذوبان للذات في الهم وذلك بألا تضع مسافة تفصل بين ذاته ودوره الاجتماعي، الهم ينتمي إلى كظاهرة أصلية إلى المكون الاثباتي للدازاين. أنا أضيع في الهم لأني منعت من تحقيق انية الدازاين أو بالأحرى الهم هو بالنسبة إلى الدازاين الكيفية التي يوجد فيها كموجود ضائع أو كموجود لم يعبر عن نفسه بعد. هذه هي الكيفية اللاأصيلة للوجود و"الهم هو واحد من كيفيات الدازاين" أما الأصيل فهو أن نوجد بشكل فريد وأن نقرر الحياة وفق نمط مخصوص وألا نكتفي في فعلنا بما يفعله الهم بل نفعل ما نقرر نحن فعله.
إذا طرحنا سؤال ماهو الدازاين؟ فان الإجابة غير الأصيلة تتمثل في أن الهم هو الدازاين أما الإجابة الأصيلة هي أني الدازاين، الأولى تتعلق بألا نتركه يمر إلى المجهول ويصبح نكرة والثانية هي القرار الحازم بأن أكون ما أريد أن أكون.تكشف التحليلية الوجودانية عن المواقف التي يهرب عبرها الإنسان في كل يوم من وجده الخاص. إن الهم لا يضيع إلا لحيازته على تملك أصلي لذاته ولأن الدازاين بوصفه في كل مرة أناي وخاص بي يخفي إمكانية أصلية لوجود ينتمي إلى الذات. إن الأصالة واللاأصالة هي انية الدازاين، تتوقف الأصالة على الاضطلاع بانية الدازاين واللاأصالة تعني الفرار منها. لكن كيف يعبر وجود الإنسان تحت وطأة اليومي الآن عن دكتاتورية الهم؟
4- وطأة اليومي:
"شدد هيدجر دائما على أن الوجود اليومي الذي يفهم نفسه بوصفه حذرا ووسوسة ينتمي إلى الدازاين بذات القدر الذي تنتمي إليه لحظة الذروة التي تسفر فيها انية الدازاين عن نفسها من خلال احتضاره والتي تسفر فيها الطبيعة الأصلية للزمانية عن نفسها كزمانية متناهية ( بمقابل لاأصالة الفهم العامي الدارج للزمان والخلود" .
الدازاين تختار هذا الوجود أو غيره أي أنها دائما تقرر أن توجد بهذا الشكل أو بالآخر لكن الإنسان لا يختار الوجود غير الأصيل بل يكون مغمورا به ويقع تحريضه من طرف المحيطين بع على أن يوجد مثلما يوجد الهم. لقد وقع تشكيل مفهوم اليومي من أجل هذه الغاية وهو يعني وجود كل يوم للدازاين والذي يختص بعدم الاكتراث واللامبالاة: أنا لا أدرك نفسي على أني فريد بل كلنا متعادلين نسبيا فنحن لا نتميز عن بعضنا البعض بأعمالنا ومنزلتنا الاجتماعية بشكل يجعلنا نكون مجموعات متجانسة.
ينطلق التحليل الوجوداني من اليومي لأنه المجال الذي يوجد فيه الدازاين منذ الوهلة الأولى مغمورا. اليومي له أهمية بالنسبة للإنسان بما أن كل شكل من الوجود يصدر من نمط الوجود ويعود إليه والمرء يقرر أن يكون انطلاقا من عدم الاكتراث الذي يتصف به في الحياة اليومية.
إن الدازاين الموجود على الصعيد اليومي هو الهم وان المرور إلى الوجود الأصيل يمر عبر الهم ولهذا السبب لا ينبغي أن نميز نسقيا الهم عن الوجود عينه بإطلاق، إن الوجود عينه عند هيدجر هو تطوير وجودي للهم كوجوداني ماهوي. ينطرح الدازاين منذ الوهلة الأولى كموجود غير مفهوم يعيش بشكل غير أصيل وتتمثل لاأصالته في النهاية في تخليه عن مطلب تحقيق الانية.
الخاصية الأخرى للدازاين هي التواجد لكن الفلاسفة وقعوا في الخلط بين نمط وجود الدازاين ونمط حضور الأشياء، لكن لماذا يفسر الدازاين في الأنطولوجيا التقليدية على أنه شيء ولا يفهم على أنه وجود؟ يساعدنا مفهوم اليومي من جديد على تقديم إضاءة لهذا السؤال: ماذا يفعل الدازاين يوميا؟ انه يهتم بأشياء العالم، يتاجر ويقود السيارات ويذهب إلى المدارس ويمارس الرياضة ويزور المواقع الأثرية ويبحر في الإنترنت ويقيم علاقات إنسانية مثلما يشترى أكواما من السلع والمقتنيات المعدة للاستهلاك.
هذا الاهتمام باليومي والذي لا يمكن تفاديه هو سبب هروب الدازاين من ذاته وضياعه في الهم وهو كذلك السبب الذي يجعله ينحط عن وجوده الأصيل ويسقط في الانبتات والضياع في العالم، يقول هيدجر في هذا السياق:" إن الدازاين هو في المقام الأول قريب من العالم الذي يهتم به وهو صورة من الهم ونظرا لأنه إمكانية خاصة للوجود عينه بالفعل فانه يسقط دائما في العالم".
هذا السقوطDéréliction يمثل بنية وجودانية للوجود البشري وان الدازاين تمتلك ميلا لمعانقة نفسها كشيء من العالم وهكذا فإنها تجهل الاختلاف المطلق الذي يفصل بين حضور الشيء ووجود الكائن البشري. هذا الميل في الحياة اليومية يجعل الصياغات الفلسفية حول الإنساني أمرا معقولا رغم أنها جاهلة بالخصوصية التي يتميز بها نمط الوجود الإنساني.
حالة الانعطائية Disposition تكون الطابع الأساسي للدازاين الذي بمقتضاه يعيش خاصيتين وجودانيتين: هو في وجوده لعبة وجوده من جهة ومحاولة لتحقيق الانية في كل لحظة من جهة ثانية، هذه الحدثية الخاصة بالدازاين التي تشهد بها حالة انعطاء الكائن البشري هي حالة سقوطه ويقول عنها هيدجر:" الدازاين يرنو إذن نحو الفرار من مزاجه بغية الهروب من سقوطه الخاص، انه يتسلى ويتلهى وهذه التسلية هي بحث عن الهروب". بقدر ما يكون الدازاين منفتحا بقدر ما يمثل العالم مشكلا بالنسبة إليه وبعض حالاته تسمح للفوز بما يعنيه الوجود في حد ذاته.
هذا الانفتاح Ouverture على اليومي يمكن المرء من تتبع بعض التجارب التافهة حتى النقطة التي ينكشف فيها شيء ماهوي في صيغة سؤال فلسفي. وقد يسمح هذا الانفتاح بتفادي الخلط بين العالم والمحيط فالحيوان له محيط بينما الإنسان يوجد في العالم، ويعرف المحيط بأنه جملة الدلالات المحددة قبليا بواسطة الغرائز والحاجيات عند الحيوان ويمكن أن نصفه بأنه يعاني من فقر في العالم، أما الإنسان فهو مكون للعالم ويستطيع أن ينتج دلالات جديدة من نشاطات قديمة تسمح بظهور كلية العالم.
إن المؤثرات الإنسانية الكبرى مثل الخوف والحزن والفرح والقلق ليست مجرد انفعالات سلبية ولا حالات نفسية بل هي أنماط وجود ويمكن أن تكون أبواب للتعرف على كينونة الموجود البشرية ولذلك يميز هيدجر بين القلق Ennui والجزع Angoisseويلامس من خلاله مفهوم الزمن ومن ثمة مسألة الزمانية. إن الجزع هو الحالة الأنطولوجية الأساسية التي تكون انية الإنسان والتي يعبر من خلالها هذا الأخير عن انشغاله بالعديد من الإمكانيات بقوله:" الجزع هو علاقة بين الحرية والخطأ لاسيما وأنهما يظلان إمكانيتين".
إن الفرق بين الجزع والخوف هو أن الذي يسبب الخوف موضوع ما حاضر أمام الإنسان أما الجزع فانه ينشأ عندما يستشعر المرء أن العالم الموجود فيه يمثل خطرا عليه من جهة المستبق" ويمكن أن نقول أن الذي يولد الجزع هو شعور الإنسان بالعدم وحصار الزمن وتناهيه. الجزع لا يفهم كتجربة سلبية وانفعال حزين كما يفعل اسبينوزا وكيركجارد بل يضع الدازاين في مواجهة الوجود الأصيل ويسمح بأن تتفجر الإمكانات الأكثر خصوصية للدازاين وذلك بأن يسهم في تحرره وانعتاق وجوده من كل ما يمنعه من تحقيق انيته ويدفعه إلى تحمل مسؤوليته في ذلك والاضطلاع بانية وجوده.
إن الجزع Angoisseيسمح للدازاين ببلوغ حالة تملك لإمكانياته لأنه عندما يرنو نفي حالة جزع فانه لا يمكن أن ينحط إلى مرتبة الحشد ويسلم نفسه إلى الهم فيفعل ما يفعلونه وينظر إلى العالم كما ينظرون ولا يميل إلى العيش وفق نمط الهم بل يتجلى كغير أصلي ويظهر له وجوده كماهو في العالم. يحلل هيدجر التمفصل بين الجزع والهروب وذلك بالاستبيان بمفهوم الغرابة Etrangeté لأن الجزع لا يفيد الهروب من العالم بل من الهم le on إلى الانية ويؤكد أن الجزع يجعل الإنسان غريبا وغير أهلي ويشعر بأنه موجودا في غير مسكنه الأصلي وبالتالي فان الجزع يفقده نقط المرجعية الثابتة التي كان يستند عليها.
الغرابة Etrangeté تفيد عدم اكتراث العالم بي وعدم اكتراثي بالعالم، وهي بذلك تمثل العمق غير المحبذ من الجزع لأن الدازاين ليس له منذ البدء عالما يذهب إليه بل يوجد في عالم بالرغم عنه ويدفعه إلى أن يفر من نفسه وبالتالي إن موطن الإشكال والغرابة هو وجود الإنسان في العالم وان الوجود هو غرابة حقيقية والإنسان يحاول أن ينسى ذلك بالهروب إلى اليومي والى الهم حيث يمكن له أن يحس بالدفء الخمري للعالم وينظر إليه على أنه قوقعته الأصلية.
إن الجزع Angoisse يكشف العلاقة الماهوية المنثالة بين الدازاين والوجود والعدم، إن العدم ليس الفراغ ولا السكون بل هو فعل ويشكل جزاء من الوجود عينه وهو المسار نفسه لإعدام الموجودات والانتصار للوجود الأصيل. وهنا يظهر الوجود مفارقة غريبة فهو في الآن نفسه وجودا فارغا أي لامحدد ووجودا وافرا أي مليئا بالموجودات والأشياء والمعاني والألفاظ والرموز والدلالات. انه في نفس الأكثر عمومية والصمد الذي ليس كمثله شيء. عندئذ تبين فنومنولوجيا هيدجر أن الوجود والعدم ليس لهما دلالات ولا تحديدات مفهومية لأن هويتهما تدرك من خلال أحوال وجودانية مثل الجزع. إن الدازاين يعيش أثناء تجربة الجزع من خلال الفرق الأنطولوجي بين الوجود والموجودات ويسمح له الجزع بأن يضع تجربة وجوده الخاص موضع رهان.
إذا جهلنا انية الدازاين فان الخطاب الفلسفي حول الإنسان عندما يأخذ كل إنسان كمثال للنوع البشري يتيح إمكانية تجاوز كل اختزالية في الانية. يعثر هيدجر على وجه من القرابة بين مفهوم هوسرل عن الموقف الطبيعي ومفهومه عن السقوط في اليومي ولكن الأمر عنده يتعلق بكيفية معرفة السبيل الذي يقود الإنسان من خلال بنية وجوده نفسه إلى نسيان كونه إنسان وأن يعيش ويفكر ويعامل نفسه كمجرد شيء مثل بقية الأشياء والمواضيع التي يتكون منها العالم.
إن الإنسان يفهم نفسه على ضوء كونه واحد من موجودات العالم الذي يشتغل فيه يوميا في كل يوم الإنسان يهرب من نفسه ويواري حقيقته ويعيش تجربة السقوط ويعتقد أن ذلك قد يحمله بعيدا أو يقربه من ذاته. غير أن الإشكالي هنا عند هيدجر هو طبيعة العلاقة مع الآخر، فماذا يقصد بالدازاين مع غيرية؟ وكيف تتحدد العلاقة بين الدازاين والغير؟ وبالفعل يمكن اعتبار هيدجر قبل ليفيناس هو الفيلسوف الذي اكتشف إلى حد ما مسألة الغير وأصلها تأصيلا فلسفيا في كتابه الشهير:" الوجود والزمان"؟
5- الوجود هنا مع الغير:
"هذه التساؤلات غمرته تماما بحيث ما عاد هناك مكان يفصل بين ما يفكر فيه ويعلمه وبين ذاته ذاتها. وهذا النوع من التفكير غير المألوف يقوم على نكران الذات وهو نكران للذات لا يعود يعرف ذاته ولا يعود متورطا في جدل محاولة معرفة نفسه أفضل فأفضل."
إن الأنطولوجيا المباشرة عند هيدجر تضع الإنسان أمام خيارين: إما أن يمسك بالحياة الذاتية الأصلية وإما أن يفشل،إما الربح والخسارة في علاقة بالوجود الحقيقي، يكون مع ذاته وفي ذاته أو ينخرط ويتهاوى بين يدي القوى الغريبة المسيطرة ويضيع في الحياة اليومية.
تطرح فنومنولوجيا هيدجر مفاهيم القصدية والعالم والآخر الموروثة عن هوسرل وتعتبر الدازاين من حيث وجوده هو في رفقة أصلية مع الغير، وإذا كان مفهوم القصدية يعني توجه الوعي إلى شيء ما قصد تمثله وإدراكه وتذكره وإذا كان العالم يعني الأفق المفتوح الذي يحضر فيه الإنسان بجسده وفكره مبدعا وفاعلا وعلاقتنا به هي علاقة تلازم وتضايف وألفة وأحيانا أخرى يحضر العالم في أذهاننا حضور الرمز والدلالة فان الآخر في عرف الأنطولوجيا ضروري لوجود الأنا وللوعي بالذات لأنه ليس عدوا للأنا ولا هو غريب عنه بل هو ذات أخرى وإنسان آخر وثقافة أخرى مختلفة نلتقي بها على صعيد التواصل ونتثاقف معها ونتبادل خبراتنا وتجاربنا وكما قيل:"يولد مني الآخر كما ولد الآخر الأول من ضلع آدم". ألم يقل هيدجر:"على أساس هذا الوجود في العالم المتأثر بالوجود مع فإن العالم هو في كل مرة هذا الذي أتقاسمه سلفا مع الآخرين.إن عالم الدازاين هو عالم مشترك Mitwelt . إن الوجود في هو الوجود مع Mitsein في اشتراك مع الآخرين. إن الوجود في ذاته لهؤلاء الآخرين في داخل العالم هو تعايشMitdasein "؟
أما البيذاتية فهي كلمة معاصرة برزت في نصوص هوسرل وتواصل حضورها مع سارتر ومرلوبونتي وهيدجر وليفيناس وتتكون الكلمة من لفظين الأول بين ويفيد علاقة معية أو البينية أما الكلمة الثانية فهي الذاتية وتعني عودة الذات إلى ذاتها، وبالتالي تدل البيذاتية هي علاقة ذات بذات أخرى في ما يتعلق بنمط وجودهم. غير أن الفنومنولوجيا تستبعد التصور الديكارتي للذاتية المحضة المنغلقة عن العالم والمتعالية على الجسد لوقوعها في نوع من الأنانة ولا تقر وجود الذات إلا بقدر تواصلها مع الذوات الأخرى وانفتاحها وتفاعلها مما يجعل الحياة الإنسانية أفقا مشتركا للتلاقي والتواصل.
"إن الدازاين من جهة كونه موجودا في العالم يرى نفسه مكتشفا للعالم وفي نفس الوقت وجود الموجود الذي هو في العالم ودازاين الغير. علاوة على أن فهمها للوجود لا يغطي أصليا على فهم موجودات العالم فحسب بل وأيضا على فهم الدازاين للآخر".
الوجود هناك مع mit-dasein هو نمط وجوداني يميز الآخر من حيث هو شبيه بالدازاين الموجود هناك مثل الآخرين وليس أنا متميزا عن الآخرين. إذا كانت العينية mienneté هي تجديد عميق في الدازاين فهي لا تتعارض إطلاقا مع الغيرية. إن الوجود مع mitsein هو تحديد خاص للدازاين الذي يكونه كموجود مع الآخر ،في حين أن الوجود هناك مع mit-dasein هو الذي يحدد وجود الغير. إن الدازاين ليس موجودا وحيدا البتة لاسيما وأن الوحدة تفترض منذ البدء وجود مع في العالم بشكل يسمح للوجود هناك أن يحيا وفق نمط خصوصي.
إن عالم الدازاين ليس فقط عالم خال من الاهتمامات أو مكتفي بالاهتمامات الفردية الأنانية بل أيضا فيه اهتمامات مشتركة واعتناءات جماعية. يضبط كيفية الهم هذه شكل تصرف الدازاين من حيث هو موجود مع الآخرين الذين ليسوا موجودات متوفرة ولا موجودات مستمرة. إن الاعتناء يقبل تعددية متنوعة أو تنوع متعدد يذهب من عدم الاكتراث إلى الإخلاص الشديد بالمرور بالعدوان. يختزل الاعتناء في هذه الأنماط السلبية الآخر إلى مجرد موجود مستمر ويمكنه في أنماط ايجابية أن يرفع الهم إلى الآخر بتحقيق الاستمرارية معه. إن الآخر في هذا الاعتناء التعويضي يمكن أن يصبح اعتناء تابعا حتى وان ظلت هذه الهيمنة مغطاة عند توفر المساعدة.
الإمكانية الأخرى تتمثل في إعادة وضع الآخر في وضعيته الانهمامية وذلك ليس بزيادته إلى الآخر بل بدفعه نحو وجوده المقتدر. ليس وجود الآخر هو من الأمور التي ينبغي أن نهتم بها بل يساعده الاعتناء من أن يقبل بشكل شفاف على همه وأن يصبح أكثر حرية منه. لكن إذا كان الاهتمام يحصل على تيقظ وكان الاعتناء يحصل على مراعاة فان التساهل يمكن أن يؤدي إلى نقص في الاعتبار والتصالحية.
إن انفتاح الوجود هنا مع الغير المكون للوجود مع يعني أن فهم وجود الدازاين يتضمن فهم الغير. على خلاف ما يدعيه ليفناس لا يهمش هيدجر البتة خصوصية الغير رغم أنه عزف عن بلورة نظرية في البيذاتية واقتصرت تحليلية الدازاين على بلورة فكرة أن الدازاين ليست ذاتا بل انهماما بالذات واعتناء بالكينونة وتوقا إلى تحقيق الانية لا يستكمل أبدا.
يستعمل هيدجر استعمالا حجاجيا الأسطورة لتوضيح أطروحته عن ارتباط الدزاين بالانهمام بنفسه ويحث على الاهتمام بعدة ظواهر أهملتها الأنطولوجيا القديمة وذلك من أجل التعرف على الذات الإنسانية كماهي في الواقع وكما تعيش في الحياة اليومية وبين أن الانهمام Sorge هو بلا منازع بنية الوعي ويتميز بأفق وجود خاص ويعني لغويا الاهتمام المصحوب بالقلق ويرادفه الحزن والغم والكرب والكآبة وإذا عدنا إلى لغة الضاد نجد ما يلي في الكشاف للتهانوي عن الانهمام:" انه جهاد فكري وقال أبو البقاء في الكليات: إن الدعاوي إلى الفعل تكون على مراتب وهي السانح ثم الخاصر ثم الفكر ثم الإرادة ثم الانهمام .
تتمثل الأسطورة اللاتينية التي عبر عنها هيدجر في "الوجود والزمان" مصورا العلاقة التكوينية بين الانهمام والدازاين في ما يلي:" كان الانهمام يعبر ذات يوم نهرا من الأنهار وحينما لمح بعيد قطعة صغيرة من الأرض يحملها هذا راح يفكر ماذا عساه يصنع بها، وحينما وجد نفسه وجها لوجه أمام جوبيتير مضى يطلب منه أن يصبغ الروح على تلك القطعة من الأرض، فلم يتردد جوبيتير في أن يجيبه إلى طلبه. ولكن ما كاد الانهمام يطلق اسمه على ذلك المخلوق حديث العهد حتى اعترض جوبيتير على ذلك بدعوى أن اسمه أحق في أن يطلق على ذلك المخلوق. وبينما كان الانهمام وجوبيتير يتقارعان الحجج ظهرت "الأرض" وراحت هي الأخرى تطالب بأن يطلق اسمها على ذلك المخلوق وحجتها في ذلك أنها هي التي أعطته قطعة من جسدها. ثم توجه جميعهم نحو زحل Saturne طالبين منه أن يحكم بينهم بالعدل. ولكنه لم يلبث أن حكم على النحو التالي: بما أنك يا جوبيتير قد وهبت هذا المخلوق الروح فسيكون من حقك أن تستردها منه عند الوفاة وأنت أيتها الأرض بما أنك قد أعطيته الجسد فسيكون من حقك أن تسترجعيه وأما أنت أيها الانهمام فلأنك أنت الذي كونته بادىء ذي بدء فسيكون من حقك أن تتمتلكه وتسيطر عليه طوال حياته. ونظر لأن الخلاف مازال قائما حول الاسم الذي ينبغي أن يعطى له فلنطلق عليه اسم آدم لأنه صنع من أديم الأرض."
دلالة الأسطورة أن هي أن هيدجر يتحدث هنا عن وجود الدازاين كانهمام من خلال مفهوم التاريخية ويفسر ذلك أنطولوجيا ولذلك نراه يصرح حول الغاية من اعتماده على هذه الأسطورة كنمط حجاجي ما نصه:" لقد توصلت إلى هذه الأسطورة عن طريق كونراد بورداخ ( وهو أديب ألماني عاش في القرن 19) ووردت هذه الأسطورة في مؤلفه "فاوست والانهمام" كما أن غوته حدد المصطلح بكونه وصف للإنسان الأول". وربما تبين لنا الأسطورة أن هيدجر قد عثر على التعبير الرمزي الخاص بنظريته في "انهمام الزمان" وتبين كيف أن أصل الإنسان يعود إلى الانهمام الذي يجري في دمه طالما ظل على قيد الحياة وأن الزمان هو صاحب القرار النهائي حول طبيعة الإنسان.
يمكن أن نعتبر أن الانهمام هو الدليل الفنومنولوجي على وجود الإنية وسعي كل كائن بشري إلى تحقيقها دون أن يبلغ ذلك بشكل تام لاسيما وأن الإنسان ابن الأرض وحليف الانهمام وربيب الموت ولأن الانهمام يعمل عمله في وجود الإنسان فيصطبغ بالوعي ويصبح ذلك الكائن الزمني الذي يجعل عبء وجوده وينزعج دائما من حمل ميراث الماضي وضغط الحاضر وتحديات المستقبل.
يتكون الانهمام Souci من بنية ثلاثية: التقدم على الذات والوجود القبلي والوجود البعدي وهي موحدة في مواجهة الموت بأن تقذف بنفسها صوب المشروع. يتبين لنا أن الدازاين هو وجود في مواجهة الموت ومن هنا يظهر مفهوم التناهي التي تساعدنا تحليلية الدازاين على مراجعته، لأن مفهوم التناهي ليس نقصا أو عيبا بل حدثية وانخراط في حالة من الواقع وتكوين ايجابي للدازاين.
"عندما يوصف هيدجر الدازاين والوجود مع أحوالا للوجود في العالم ويعلن أن الانهمامSouci هو التكوين الأساسي للوجود في العالم فانه ...يوجه السؤال من هو الدازاين توجيها فنومينولوجيا نحو الوجود اليومي المكبل بهم حذر بالعالم وبالجاهز للاستخدام وبالمعية (مع الآخرين). "
إن الإنسان نظر إليه على أنه متناهي بصفة عامة لأنه غير فان وضعيف ومرتبط بالجسد بينما الدازاين هو موجود في العالم لأنه زمني زمانية ماهوية أي متناه تناهي تاما. بهذا المعنى فان:"تناهي الدازاين ليس تحديدا بل يكونها تكوينا ايجابيا. الإنسان ليس موجودا له ماهية ولذلك فهو مقيد بها بل تناهي الدازاين هو أمر أصلي بالنسبة إليه أكثر من الإنسان" .
يرى هيدجر أن أسئلة كانط الشهيرة ماذا يمكنني أن أعرف؟ وماذا يجب علي أن أفعل؟ وما الذي يجوز لي أن آمل؟ والراجعة إلى سؤال واحد هو سؤال: ما الإنسان؟ يمكن الرد عليها بمفهوم التناهي الإنساني الذي يجعل من أمور القدرة والرغبة والأمل أبعادا متحققة في الانية الإنسانية.
لقد قادتنا تحليلية الدازاين إلى نتيجتين حاسمتين:
- تصور جديد للتناهي يحل محل اللاتناهي الذي بحثت فيه طويلا الفلسفات ويسمح لنا بالتفكير في وجود الإنسان تفكيرا مختلفا لاسيما وأن التناهي لا يحد من قدرة الإنسان بل يتيح له أن يكون ما يريد أن يكون.
- التناهي يمثل جزءا من فهم الوجود في علاقة بالزمانية بما أن كل ما يمكن أن يقال عن الوجود هو موجه من طرف تأويل عن الزمان.
بيد أن الغنم الذي يمكن الحصول عليه بعد هذا الانعطاف من دكتاتورية الهم إلى تحليلية الدازاين هو الذي عبر عنه بول ريكور على النحو التالي:" سيكون استنتاجي كما يلي: أولا،إن هدم الكوجيتو بوصفه كائنا يطرح ذاته عينها كذات فاعلة مطلقة ليمثل عكس هرمينوتيقا "أنا أكون" بما أن هذا يتكون من علاقته مع الوجود. ثانيا، إن هذه الهرمينوتيقا لل"أنا أكون" لم تتغير جذريا منذ "الوجود والزمان" إلى دراسات هيدجر الأخيرة. ولقد ظلت وفية إلى صيغة المرجع الاستعادي الاستباقي من الوجود إلى الإنسان. ثالثا، ثمة جدلية موازية بين حياة أصلية وحياة غير أصلية تعطي شكلا محسوسا لهذه الهرمينوتيقا. وسيكون الفارق الأساسي حينئذ بين هيدجر الأخير وهيجر1 هو كما يلي: لم يعد على الذات أن تبحث عن أصالتها في الحرية بالنسبة إلى الموت ولكن في السكينة التي هي عطاء الحياة الشعرية".
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تستطيع الشعرية بالفعل أن تخرج الذات في عرضية وجودها في العالم وتمكنها من تحقيق الانية؟ وكيف يتسنى للدازاين أن تفهم الوجود خارج إطار نمط الزمانية بماهي حضور؟ بعبارة أخرى كيف يتسنى لها أن تدشن الزمانية كعود بدئي وبدء عائد ؟
خاتمة:
" يصف هيدجر الإنسان الإغريقي والإنسان الكوكبي بشكل أكثر استفاضة من الإنسان القروسطي الذي يتحدث عنه قليلا وبشكل أكثر إحراجا من إنسان الأزمنة الحديثة. الإحراج لأن العصر الحديث هو عصر ثورة الإنسان وعصر التمركز على الذات بامتياز. لكن هو مجرد عنوان لأن الإنسان الإغريقي يصلح كنموذج وكمرجعية للإنسان المعاصر. أما فيما يخص الإنسان الكوكبي الموعود دون شك بمستقبل مشرق فإنه بعيد عن أن يكون الوريث للماضي في مجموعه وإنما يستمد قدرته العجيبة من التقلص المذهل في الحقيقة" .
هيدجر فيلسوف البدء ودعوته إلى لزومية العود على بدء هي دعوة تتخلل مجموع نصوصه ولكن تصوره للبدء يختلف من مرحلة إلى أخرى ولذلك نراه يتحدث عن البدء الأول والبدء الثاني ولا يعرف البدء الأول بالأسبقية الكرونولوجية للأول بل بالأسبقية الأنطولوجية والتاريخية ولذلك فهو يفهم على أنه ضربة مرسلة وعطاء وإعفاء متفتح لعصر وصانع للتاريخ. بهذا المعنى يكون الإبداع الفني اعترافا مؤسسا للحقيقة . إنها لا تحيلها إلى مجرد ذاتية مبدعة بل تؤسس تاريخانيا للدازاين كمشروع يتحقق في المستقبل بالاستزادة في الوجود.
يعني البدء في كل الأحوال الإعلان عن شيء مستقبلي أكثر من الاستعداد للإجابة والمطابقة مع النداء الموجه نحو الذات. إذ يسمح فكر الوجود بوصفه اغتناء تاريخي بالاستفادة من درس الفلسفة كما جاءتنا من تاريخ البدء الأول ويكون ذلك برفضه أنطية الموجود التابعة للتجربة الميتافيزيقية وانكبابه على تحقيق اغتناء الوجود. إن الفكر الذي يجرب الوجود هو بعيد من أن يكون مجرد معرفة أنطية بل هو قريب من حقيقة الوجود في اغتنائه كحدث يفكر باتجاه البدء الآخر.
هذا المرور من البدء الأول إلى البدء الآخر أو هذا المنعطف يصوره هيدجر من خلال مجازات تمفصل الفكر الذي يبدو غير قابل للاختزال الأنطولوجي والتاريخي إلى أي نسق ممكن، هذه الصور هي:
1- التشخيص الذي يعين النقطة التي يعثر فيها التفكير على أساس في تجربة نسيان الوجود.
2- لعبة التمرير التي تعني الحوار بين الفكر الإغريقي قبل الأفلاطوني وغير الميتافيزيقي والفكر الذي جاء بعده.
3- القفز في الوجود كحدث الذي يبعث فسحة تتضمن مجال الاختلاف بين الوجود والموجود وانتماء العدم إلى الوجود.
4- التأسيس الذي شيد بواسطته الفكر حقيقة الوجود كدازاين بوصفها انفتاح على القفز.
5- التفسيرات التي تختبر هذا التخاصب المؤسس لحقيقة الوجود بالقرب من الآلهة.
6- الإله الأخير يعني التشكيل الذي تنعقد فيه الصلة بين الوجود الالهي والإنساني في الإله مثلما تظهر عبر حقيقة الوجود.
ينبغي أن يفهم الوجود في العالم بالانطلاق من التعالي الذي يضعه هيدجر مكان القصدية الهوسرلية للوعي، إذ لا يمكن للدازاين أن يربط علاقة مع ذاته إلا بتعاليه باتجاه مقصد تكويني للحرية بماهي انفتاح نحو الآخر. إن التعالي المكون للانية يجعل من الحرية أصل كل تأسيس بشرط أن تكون هذه الأخيرة حرية من أجل التأسيس وبشرط أن نفهم من فعل التأسيس القيام بالفعل الوسط والاعتماد على الموجود الوسط وهو ما يسمح للتعالي أن ينفتح على عدة إمكانية وأن ينغلق على أخرى في نفس الوقت.
التأسيس يعني أن نعطي أساس وأن نتحرك في إطار أفق انتظار بمعنى أن التعالي يحرر سؤال لماذا ويعطيه الضرورة المتعالية لتسويغ ما يسمح بتجلي الموجود في وجوده.
تظل قضية علاقة الذات بالوجود من أهم الإشكاليات التي عالجها هيدجر في مجمل أعماله على الرغم من إمكانية الحديث حسب بول ريكور عن هيدجر الأول وهيدجر الثاني إذ يصرح في هذا السياق ما يلي:" إن التحليل لا يجد تبريرا لنفسه إلا إذا ما أحلنا إلى هيدجر1 فهو يقوم من ناحية المنعطف ومن ناحية الانقلاب المنعطف. وبالفعل ألا نستطيع أن نزعم بأن المنعطف يضع نهاية لهذه العلاقة المعقدة مع الكوجيتو؟ ولهذا فإني سأحاول... أن أبين أن نوع التضمين الدائري بين الوجود والدازاين ، بين قضية الوجود والذات والذي يشكل موضوعا في مدخل "الوجود والزمان" لا يزال يحكم فلسفة هيدجر الأخير وعلى كل فإن هيمنته لتكون على مستوى فلسفة اللغة وليس على مستوى تحليلية الدازاين."
في الختام يظل سؤال الوجود هو السؤال المركزي في تفكير هيدجر نظرا لأنه يميز بين الحقل الأنطي للوجود والحقل الأنطولوجي، لكن إذا كانت الميتافيزيقا تساؤل الموجود في اتجاه وجوده وتعطي في كل حقبة معنى حصري للوجود(فكرة، جوهر، موناد، موضوعية، روح ، إرادة قوة) فان الفكر المختلف يتساءل في اتجاه الأساس الذي يستند إليه الوجود ويضع بين قوسين تجانس مبدأ العلة ويثمن دور الفرق والبينونة في تفكر حقيقة مايحدث. انه يضيف إلى الطابع الملغز للوجود كأساس طابع ملغز آخر للحرية في التأسيس للدازاين الذي يسأل عن الوجود. إن الوجود يظهر كأمر لا يمكن حسابه وهو شبيه بلعب الأطفال الذي يلعب لمجرد كونه يلعب. لكن من له القدرة على تغيير العالم؟ ومسؤولية من هذا التغيير؟
لقد نقد ميشيل هار أفكار هيدجر عن الوجود من أجل الموت واعتبر العلاقة المزدوجة بين الإنسان والوجود نوع من التوازي الخاطئ وربط بين الإنسان دون صفات وفقر الإنسان الإنساني وحطم مقولة الإنسان حيوان عاقل واعترض على ذوبان الذات في التقنية ليشير إلى أن الكلام هو ماهية الكائن البشري وأن حصته من الوجود هي أن رغبته في التضحية هي وحدها التي تمكنه من تجاوز حال التناهي والسقوط في اليومي وشقاء التفكير.
في هذا السياق يقول عنه غادامير:"مهما يكن من أمر فإن هيدجر هناك وليس بمقدور المرء تجنبه ولا أن يرتقي خلفه على طريق سؤاله لسوء الحظ، فهو يقطع الطريق بشكل مقلق جدا. انه سد منجرف يغمره تيار الفكر المندفع صوب الكمال التقني ولكنه سد لا يمكن أن يزحزح من مكانه."
لكن إذا كان هيدجر قد شيد أنطولوجيا دون إتيقا تابعة لإنية غير معترفة اعترافا كاملة بوجود الغيرية فماهو السبيل الذي سلكه ليفناس إلى تشييد إتيقا خالية من كل أنطولوجيا قادرة على الانفتاح الكامل على الغيرية الجذرية واستشكال مفهوم الغير استشكالا فلسفيا أصيلا؟

المراجع:
بول ريكور، صراع التأويلات، ترجمة منذر عياشي، دار الكتاب الجديد المتحدة ، 2005،
هانز جورج غادامير، دروب هيدجر، ترجمة حسن ناظم، وعلي حاكم صالح،دار الكتاب الجديدة المتحدة،2007
فرانسواز داستور، هيدجر والسؤال عن الزمان، ترجمة سامي أدهم، طبعة أولى عن مجد 1993
M. Heidegger, Etre et Temps, trad par f.Vesin, éditions, Gallimard, Paris, 1986
M. Heidegger, Qu’est-ce que la métaphysique, question1, Gallimard, 1968
M. Heidegger, concepts fondamentaux de la phénoménologie, traduction ,par J.f. Courtine, Gallimard , Paris,1985
Michel Haar, Heidegger et l’essence de l’homme, Editions Jérome Millon,2002

كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التناول الهرمينوطيقي للذات
- مطلب الغيرية بين الاستعصاء والاعتراف
- حروف السؤال عن الإنسان عند الفارابي
- الذهاب إلى المابعد
- الجزء الثاني من بحث ما لديكارت وما على الديكارتية
- نهاية الإنسانوية ومولد إنسانية الآخر
- مراجعة كتاب تجديد التفكير
- ما لديكارت وما علي الديكارتية
- الصداقة والتضامن عند هانس جورج غادامير
- تأملات لاديكارتية
- عولمة الأنفلونزا بين التخويف والاستثمار
- ماهي الآفاق التي تنفتح أمام الفلسفة عندما تتساءل عن الكلي؟
- المسألة الثقافية وضرورة التثقيف
- منزلة الحقيقة في العلوم
- السببية وأزمة الأسس في العلم
- حديث العقل
- التجديد المنهجي في التفسيرات القرآنية المعاصرة
- السببية بين العلم والفلسفة
- محاورة أيون الأفلاطونية أو الينبوع الفلسفي الأول للهرمينوطيق ...
- فن الرسالة الفلسفية:


المزيد.....




- هل تتعاطي هي أيضا؟ زاخاروفا تسخر من -زهوة- نائبة رئيس الوزرا ...
- مصريان يخدعان المواطنين ببيعهم لحوم الخيل
- رئيس مجلس الشورى الإيراني يستقبل هنية في طهران (صور)
- الحكومة الفرنسية تقاضي تلميذة بسبب الحجاب
- -على إسرائيل أن تنصاع لأمريكا.. الآن- - صحيفة هآرتس
- شاهد: تحت وقع الصدمة.. شهادات فرق طبية دولية زارت مستشفى شهد ...
- ساكنو مبنى دمرته غارة روسية في أوديسا يجتمعون لتأبين الضحايا ...
- مصر تجدد تحذيرها لإسرائيل
- مقتل 30 شخصا بقصف إسرائيلي لشرق غزة
- تمهيدا للانتخابات الرئاسية الأمريكية...بايدن في حفل تبرع وتر ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - زهير الخويلدي - هيدجر والبحث عن أصالة الذات : من دكتاتورية الهم إلى تحليلية الدازاين