واثق غازي
الحوار المتمدن-العدد: 2825 - 2009 / 11 / 10 - 21:51
المحور:
الادب والفن
قراءة في أيقونة الصورة :
في الحديث العابر قد تتوارد الأفكار في اللحظة . وتتراكم في الذهن مكـوّنة حشداً من الصور يتزاحم في المحادثة الشفاهية على شكل تجاذبات واسترسالات لا تتطلب جهداً ذا قيمة . لأنها تتوالد من نفسها . لكون المحادثة بحد ذاتها تخلق نوعاً من البناء الآني للأفكار.
إلا إن المحادثة التي تتطلب نقلا لمدركات حسية . تنبني على استحضار ما هو كامن في الذهن على شكل مؤثر . قابل للتفعيل في حال استثار من ذلك على سبيل المثال مفردة (نهد ) في الغالب تحفز المفردة في سياقها الدلالي كوامن المدلول . فـحضور الـمـفردة (نـهـد ) بكـل أبعادها البايلوجـيـة و النفسية و الحسية يستحضر صوراً شتى (للنهد ) . إلا أن السؤال هل : هل يستطيع من لم يرى (النهد ) أن يستحضر تلك الصور ؟ .
هنا تكمن أهمية الرؤية الشعرية للأشياء بوصفها أيقونات قابلة للامتزاج مع الذات والحضور على شكل مهيمنات في لحظة ما ...
في النص (يا امرأة الوجع الحلو ) مرارة في بناء الأيقونة وان بدا سطح النص مبهجاً : من صور النص.إلى التعالقات المكانية إلى تناصات في الموروث. إلى تفعيل زمن لم يعد على قيد الحياة ... ولقراءة متأنية في أيقونة الصورة . تبتعد عن الصورة المجردة ذاهبة باتجاه صورة الصيرورة أي ركائز الأيقونة أو القطب الخفي للصورة .
((مرة /صاحبت القناطر , ألفتها / ما عادت الأنهار تجهلني ...))
إن الذي يتحدث وقد خبر اللذة على أكثر من (نهد ) تنبني في جملتهِ تلك الطراوة وذلك البعد للمحسوس . (كذلك) من يقول :(مرة صاحبت القناطر ) هذه الجملة الشعرية في بناءها الأيقوني تمازجت الحقيقة بتكرارها المرّ . إذ أن الرفقة قد تُستحب مع الأشياء حتى وأن كانت وهماً . وقد تعد مرتكزاً في بناء الشخصية حتى وأن كانت ضئيلة في تأثيرها الزماني و المكاني .
إلا أن الصادم هو تكرار المبادرة . في (مرة) والتي لا تعني أول مرة . أو أخر مرة . هذه الجملة في هذا السياق جاءت في تناص موضوعي مع جملة الشاعر الفرنسي ( غيوم أبو لينير في قصيدة (جسر مـيرابـو ) / (بينما تمر/ تحت جسر أذرعنا )(1) في هذه الجملة كما في الجملة (ومرة ,صاحبت القناطر ) كلاهما يخفي الغرض الذي حفز الفعل (المصاحبة ) أو ( تشابك الأذرع )خلف الأيقونة الصورية والقبول بحكم (الآخر) كمشارك في بناء الصورة الذي يأتي غالباً حكماً بالقطيعة...(وما عادت الأنهار تجهلني ) أن اليد التي أكلها الزمن ورسم كل ملامح الوهن عليها عندما تلامس (نهداً) غض تنفجر الحسرة في قلب صاحبها . لسطوة الزمن . فلا تعد هناك حاجة ليصرح بأن (النهد ) يتذكره يافعاً. مثلاً، أو الأنهار تعرفه كما كان يتقافز في صباه ..
... اختلاق الدال عبر تجنيس الموجودات في السياق الأشاري للغة . هو واحد من أهم ركائز الرؤية الشعرية . الذي يحط دون وعي من الكاتب غالباً . لارتباطه بعضوية الصورة الذهنية عن الموجودات وتأثيراتها .(( ولا أقول . تمنحني ضفة للجوار . وأخرى للخطاوي النبية / إذ تأخذ شكل أنثى فتأخذني الضفاف ))
... وليس تأثيث المكان المستعاد في عمق الأيقونة للصورة هو وحده المختلق بل إن خطاً ذاتياً يتراءى عبر خيط يربط ما بين (الضفة ) بعمقها الأيقوني (المرأة ) التي لا تجيء( والخطى) الباحثة دوماً عنها .( والأنثى) التي تتشكل من سراب بين ضفتين وسعي يؤدي (لجب) الحقيقة.
(أنزوي في الق العشب )
إن الأرتباط غير المتوقع في العلاقات هو ما يميز تلك العلاقات . بوصفها نتاج غير منمط . وهذا النتاج هو قطب الصورة الخفي . الذي يقبع في عمق الذهن ويسترسل مع البوح الصادق في لحظة تنطبق عليها مقولة :(ازراباوند : إن الصورة في الشعر : تلك التي تقدم تركيبة عقلية وعاطفية في لحظة من الزمان )(2) وليس (الأنزواء) إلا الظهور في الجانب المضيء من المكان . وليس (الالق )إلا البطانة الكامنة في عمق الذات المانعة من صدئها . وليس (العشب) إلا تلك الحيوات المتجددة عبر تماهي الأنا المجردة من غرضية الضاغط الظاهر في النص بتقويل الشاعر: ( ولااقول: وربِّ السجن أحب إلي )
وقد تقرأ هذه الأيقونة الصورية مجازاً بتحليل بنية الصورة دلالياً: (أنا الق الأشياء والحياة من تحتي )
(افتفقه البساتين سر وضوئي /من نهر المدينة ليلاً ؟)
(البساتين – الوضوء –النهر – المدينة – الليل ) صور تثير العواطف نحو إدراك لحظة من التجانس الكوني على حد قول : مكليش (3)
إن في هذا المقطع من النص ما قد اسميه (فيوض النص ) إذ توارت خلف الصور الحسية المنطوية على مُؤثر المكان . فيوض أنا الفقد الحقيقي .حيث تواردت الإشارات لهذا الفقد متتالية (وعنك يا امرأة الوجع الحلو احكي )..( في البحر الأول . وفي البحر الثاني .../وفي رابعة الليل / اطلب مسرى أقدام تطأ الماء..)
هذا الفقد تجلى موقناً من أن الفنار هو الشاهد على نفسه وعلى الأنهار التي (بالغفلة (يغمرها) المطر الساذج ) وعلى اليد التي أرضعته من نهدها حتى استطال شاهدا على الظمأ الضارب في شتى ضفافها ..
في النص (يا امرأة الوجع الحلو ) ثلاث وحدات تستحق الإشارة : لسبب واحد : أن هذه الوحدات جاءت كلها متخفية تحت جلد الايقونة : (الصورة الشعرية ):
والوحدات هي :
1- أنثى جامعة شرائط تناسل تداعيات النص ؛
2- سارد يتحمل أخطاء الآخرين (رمزية البطل )
3- المكان المنشطر ما بين الأزمنة . ماض .حاضر . ومستقبل ( بالغصة الوثقى أتيت / وبالغصات أعاود ...)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 .بحث في التحليل اللغوي /جاك فيرجيه /ت .كامل عويد العامري /الثقافة ألأجنبية 2004 ع2
2 .الشعر العربي العاصر /د عزالدين اسماعيل /دار الكاتب العربي /مصر 1967 ص 132
3 .التجربة والشعر /أرشيبالد مكليش /ت سلمى الخضراء الجيوسي /دار اليقظة العربية .بيروت 1963 ص 81
#واثق_غازي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟