أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - طارق حجي - مصاصوا الدماء : إبتعدوا ...















المزيد.....

مصاصوا الدماء : إبتعدوا ...


طارق حجي
(Tarek Heggy)


الحوار المتمدن-العدد: 2819 - 2009 / 11 / 4 - 22:56
المحور: المجتمع المدني
    


منذ فترة غير قصيرة و فكرة الكتابة عن غياب البعد الإجتماعي في سياسات الحكومات المصرية (سيما خلال سني العقد الأخير) تلح عليّ. ثم جاءت قصة من قصص الحياة اليومية أمامي لتجعل الكتابة في هذا الموضوع بالغة الأهمية. و لأبدأ بالقصة : منذ شهور أكتمل لدي ملف يحتوي على كل ما يتعلق بالفكرة التي طرحت و نوقشت في لجنة السياسات (المنبثقة عن الحزب الحاكم فى مصر) بما في ذلك الأوراق الداخلية التي تبودلت بين الأطراف المعنية بخصوص الفكرة (وبعض عذه الأوراق لن يصدق المعنيون أنها بين يدي). و تقوم الفكرة على أن ما تبقى من القطاع العام (ولم يخصخص بعد) يباع لأفراد الشعب المصري بمقتضى صكوك تحدد حصة كل مواطن. و لم أكتف بذلك، بل قمت بدراسة التجربة العالمية الوحيدة التي حاولت الفكرة المصرية تقليدها. و بدت لي من البداية عيوب الفكرة واضحة جالية. فسوف يحصل كل مواطن على صك بحصته في ملكية القطاع العام ثم سيقوم بعض الأثرياء بشراء الصكوك من معظم المواطنين و هكذا تكون الدولة قد باعت القطاع العام للأثرياء الذين يسميهم الشعب بالمبشرين بالجنة دون حرج أو عتب. و في مرحلة تالية يقوم المبشرون بالجنة ببيع حصصهم (العملاقه) لمستثمرين أو شركات أجنبية كما حدث في عدد من شركات الأدوية و المشروبات الروحية و التليفون المحمول و الأسمنت و غيرها، و بعد أن تقوم الدولة بذلك تقول للمواطن : ها أنت قد أصبحت مالكاً للقطاع العام وأصبح الآن بوسعي التخلص من أعباء الدعم بشتى صوره و تبدأ أنت في سداد التكلفة الحقيقية لكل السلع و الخدمات بما في ذلك الطعام و السكن و التعليم. وهي فكرة رديئة و بمقدورها تفجير المجتمع و إضاعة السلام الإجتماعي كليةً. كنت أظن أن ذلك هو أقصى ما في الفكرة من عيوب و رداءة. حتى جمعتني تصاريف الحياة بصاحب براءة اختراع هذه الفكرة بالغة الرداءة و الخطر و الملغمة بملايين القنابل شديدة الخطورة. إلتقيت به في تجمع صغير فوجدته بدايةً لا يحسن الحديث باللغة العربية، و قد اعتذر عن ذلك (بتفاخر شديد) بأنه نشأ و تعلم في الولايات المتحدة. و قد عرض علينا بإنجليزيته الأمريكية التى تفضح سطحية ثقافته وتهافت محصوله المعرفي فكرته ثم ختم العرض بأسوأ مما في الفكرة من عيوب. فقد قال ما يلي : أولاً أن الرأسمالية غير المقيّدة بأي قيود هي السبيل الوحيد لتقدم الإنسانية. ثانياً فقل بدون خجل أن الجشع الإنساني هو المنوط تحقيق التقدم الإقتصادي. ثالثاً قال أن على الجميع ، أغنياء و فقراء ، أن يسددوا ثمن و كلفة كل البضائع و السلع و الخدمات فإن لم يكن بوسع البعض سداد الثمن الحقيقي فلا ضير من عدم حصوله على السلع و الخدمات التي لا يملك ثمنها الحقيقي. رابعاً هاجم النظم التى على شاكلة المجتمع السويدي و نعتها بأسوأ النعوت (أيضاً بإنجليزية ناضحة بثقافة السطحية الشائعة فى المجتمع الأمريكي). خامساً فاجأنا في النهاية بقوله أنه تقدم بهذه الفكرة لغرض سياسي في المقام الأول و هو حشد الشعبية و الجماهيرية لشخص بعينه في وقت محدد لكي تشيع في المجتمع صفة هذا الشخص بأنه هو الذي حول معظم المصريين من فقراء لحاملي صكوك ملكية وحدات إقتصادية كبيرة (ومن حسن حظ المجتمع المصري أن الذين قدمت هذه الفكرة الإجرامية لإرضائهم قد طرحوها أرضا ورأوا السموم التى بداخلها).

كانت هذه مقدمة لازمة إذ أنني سأتحدث عن " العدالة الإجتماعية " في مجتمعنا اليوم في ظل قيام أمثال هذا المتأمرك بأدوار فعالة و فاصلة في إدارة الشئون السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية في مصر اليوم.

في إعتقادي أن غياب البعد الإجتماعي أو بالأحرى غياب الإهتمام بالعدالة الإجتماعية في سياساتنا العامة و في سياساتنا الإقتصادية بالتحديد هو نتيجة طبيعية لواقع الحال. فبينما تقتصر حقوق طبقة رجال الأعمال في المجتمعات المتقدمة على حقهم في إستماع القيادة السياسية لوجهات نظرهم و رؤاهم ومشكلاتهم، فإن الوضع لدينا أصبح جد مختلف عن ذلك منذ أكثر قليلاً من عشر سنوات ، إذ أصبح رجال الأعمال لا يكتفون بإسماع صوتهم و رؤيتهم بل أصبحوا يجلسون على عدد كبير من مقاعد عربة المجتمع. بل و أصبجوا يحتكرون مواقع بالغة الأهمية و الحساسية . فمنهم من صار عضواً بالبرلمان و منهم من سيطر بالكلية على أهم لجان الحزب الحاكم و منهم من نشر رجاله في المواقع الرئاسية في البنوك و الإعلام. بل منهم من ترأس لجنة مثل لجنة مكافحة الإحتكار و هو الذي كان ينبغي كلما سمع إسم هذه اللجنة أن ترتعد فرائصه. من هذه الجزئية ينبع الداء. و تتفرع العلل و تشيع المشكلة في سائر أرجاء مصر. فتضارب المصالح و اختلاف الرؤية بين رجال الأعمال و أصحاب المصالح من جهة و العدالة الإجتماعية و مصالح الطبقة الوسطى و ما تحتها هو أمر مؤكد و يحتاج لطرف ثالث بين المجموعتين : طرف يتوخي تحقيق مصالح رجال الأعمال لكي يواصلوا العمل و التنمية و النمو و الإزدهار ، و في نفس الوقت يحافظ على مصالح الطرف الآخر و المتمثلة في توفر فرص عمل حقيقية كافية و سلع و بضائع و خدمات أسعار في مقدورهم الحصول عليها بها. و هذا الدور المحوري لا يمكن تحقيقه بدون أن يكون الطرف الثاني من جهة ليس من بين رجال الأعمال و غير مرتبط بهم مصلحياً و أن يكون من جهة ثانية من أصحاب التكوين الإداري و الثقافي و الخبرة و الحس التاريخي الذين يؤهلون الفرد للقيام بهذا الدور الوسيط بين الذين لديهم و الذين ليس لديهم و بما يتكفل الحفاظ على مصالح الطرفين و السلام المجتمعي.

لقد أتيح لي أن أعرف معظم رجال الأعمال الكبار الحاليين. و لا شك عندي أن معظمهم أكفاء و قادرون على تحقيق النجاح الكبير في مؤسساتهم الخاصة. و لكن لا شك عندي أن معظمهم غير مؤهل للدور الوسيط الذي وصفته آنفاً. هم غير مؤهلين لذلك من حيث أثر المصالح و من حيث التكوين المعرفي و من حيث الحس التاريخي. إن أبناء و بنات أكثر من نصف هؤلاء يحملون جنسيات أخرى، و هو أكبر دليل على عدم ثقتهم في سلامة السفينة التي هم فيها : أي مصر. و أضيف أن التكوين المعرفي (التعليمي و الثقافي) و الإجتماعي لمعظم هؤلاء يجعلهم بالضرورة غير قادرين على الشعور بالمعاني و الأبعاد المختلفة لهاتين الكلمتين بالغتي الأهمية : " العدالة الإجتماعية ".

و مهما تسابق كبار رجال الأعمال و أصحاب المصالح الإقتصادية في كيل المدح للشعب و التغني برعايتهم لمصلحه وتفانيهم (؟؟!) في خدمته، فإن هذا الشعب (القديم قدم التاريخ) لن يكون تعليقه إلا من نوعية النكات و المزاح الذي شاع و زاع مؤخراً حول شعار الحزب الوطني الجديد (من أجلك أنت). فقد قيل عن هذا الشعار ما يكفي لإضحاك الأموات في قبورهم، كما قيل عن السادة أصحاب المصالح الجالسين على مقاعد قيادة الحزب الوطني في ملابس لا صلة لها بما يقولونه من كلمات و يطلقونه من شعارات.

و يضيف لبشاعة هذه الطبقة الجالسة اليوم على مقاعد قيادة الحزب الحاكم (اليوم فى مصر) الفقر الثقافي العارم لمعظم أفرادها. فمن الثقافة يتكون الحس التاريخي. و من الثقافة ينمو الشعور بالبعد الإجتماعي بكل ظاهرة و سياسة. و الثقافة هي التي لا تجعل الإنسان مثل كباش الرأسمالية الفجة (مثل الأستاذ صاحب فكرة الصكوك) الذين يلومون الفقراء على فقرهم و يفتخرون بأن " الجشع الإنساني " هو المحرك الأساسي للتنمية الإقتصادية.



#طارق_حجي (هاشتاغ)       Tarek_Heggy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشتراك رجال الأعمال فى الحكم - بمناسبة إقالة وزير مصري من رج ...
- طارق حجي : من حديث للإذاعة المصرية (12 أكتوبر 2009)
- إنبعاث المارد.
- الإدارة و ثقافة المجتمع.
- شذرات
- آثار انهيار الطبقة الوسطى - باربع لغات
- مصر تمنح جائزة الدولة التقديرية لسيد القمني .
- بماذا أؤمن ؟
- عفريت الحداثة
- سلامة موسي : كبير المظاليم فى حياتنا الثقافية
- يا طائر الفينيق الأروع إنتصر اليوم للتحضر والتمدن
- خطاب أوباما بجامعة القاهرة - تعليقات أولية.
- نحن ... وثقافة الحوار المتمدن .
- عواقب تآكل الطبقة الوسطى.
- رحلة صعود الإسلام المحارب وإنزواء البدائل
- وهم ضياع الهوية ... أو ثقافة القوقعة !
- مرة أخري : لخدمة هذه القيم أكتب منذ ثلث قرن !
- نحن .. . وقيم التقدم .
- أدب المنشقين السوفييت قبل إنهيار جبل الجليد.
- ثقافتنا: ... بين الوهم والواقع


المزيد.....




- الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المت ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- بيان رسمي مصري عن توقيت حرج بعد الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلس ...
- مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة: عدم تبني قرار عضوية ف ...
- الأردن يعرب عن أسفه الشديد لفشل مجلس الأمن في تبني قرار قبول ...
- انتقاد فلسطيني لفيتو واشنطن ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- أبو الغيط يأسف لاستخدام ‎الفيتو ضد العضوية الكاملة لفلسطين ب ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- -الرئاسة الفلسطينية- تدين استخدام واشنطن -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- فيتو أمريكي بمجلس الأمن ضد العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - طارق حجي - مصاصوا الدماء : إبتعدوا ...